mardi 21 mars 2017

إِلَى صَاحِبِ الثَّوْرَةِ قَدْ أَصَبْتَ فِي السَّهْلِ وأسَأْتَ فِي الحَدَبِ




رُغْمَ مَا فِي مَقَالَتِي الَّتِي ألْفَتْ عِنْدَكُمْ جَلِيلَ الرِّعَايَةِ وجَمِيلَ العِنَايَةِ، وقَدْ تَقَبَّلْتُمُوهَا قَبُولًا طَيِّبًا وتَلَقَّيْتُمُوهَا لِقَاءً حَسَنًا، رُغْمَ مَا فِي جُمَلِهَا الجَمِيلَةِ وفِقَرِهَا النَّضِيرَةِ، مِنْ قَوَارِصَ لَاذِعَاتٍ تَكَادُ لَا تُسْتَسَاغُ، كَأَنَّهَا العَلْقَمِ والحَنْظَلُ، فَلَقَدْ تَفَضَّلْتُمْ مَشْكُورِينَ بِنَشْرِهَا بِحَذَافِيرِهَا وتَفَاصِيلِهَا، مِمَّا حَفَزَنِي عَلَى مُوَاصَلَةِ السَّفْرَةِ ومُرَاسَلَةِ الثَّوْرَةِ، تَقَحُّمًا فِي المَنَاطِقِ الوَعْرَةِ وتَوَغُّلًا فِي المَسَافَاتِ البَعِيدَةِ، وإِذَا فَعَلَتْ الصَّحِيفَةُ ذَلِكَ فَاتِحَةً صَفَحَاتِهَا لِكُلِّ حَرْفٍ يُدَوِّنُهُ مُلْتَاعٌ، ولَوْ جَاءَ مُخَالِفًا لِاِتِّجَاهِهَا ومَسَارِهَا، ومُنَاقِضًا لِخَطِّهَا ومِنْهَاجِهَا، جَمُلَتْ صُورَتُهَا وحَسُنَتْ سِيرَتُهَا، وحَظِيَتْ عِنْدَ النَّاسِ بِالتَّوْقِيرِ والتَّقْدِيرِ، وحَازَتْ ثِقَتَهُمْ وإِعْجَابَهُمْ، ولَعَلَّ هَذَا الَّذِي رَأيْتُمُوهُ أسْلَمَ طَرِيقًا وأهْدَى سَبِيلًا وأقْوَمَ قِيلًا، أنْتُمْ سَالِكُونَهُ قَرِيبًا، وفَاعِلُونَهُ غَدًا، فِي نَظْرَةٍ جَدِيدَةٍ، ورُؤْيَةٍ عَمِيقَةٍ، وتَامُّلَاتٍ طَوِيلَةٍ، وتَحَوُّلَاتٍ سَلِيمَةٍ، اُمْضُوا فِي هَذَا الطَّرِيقِ وخُوضُوا هَذَا الحَرِيقَ وسَتَرَوْنَ.
أمْسِ، وأنَا أتْلُو سُورَةَ النِّسَاءِ، اِسْتَوْقَفَتْنِي آيَةٌ، كُنْتُ قَدْ تَلَوْتُهَا مِنْ قَبْلُ مَرَّاتٍ وكَرَّاتٍ، لَكِنَّنِي مَا أدْرَكَتْ جَلَالَتَهَا وفَخَامَتَهَا إِلَّا أمْسِ، طَوَيْتُ المُصْحَفَ الشَّرِيفَ ولَبِثْتُ هُنَيْهَةً أتَأمَّلُ المَشْهَدَ فِي المَعْهَدِ، وذَاتَ لَحْظَةٍ مَرَّتْ أمَامَ نَاظِرَيَّ صَحِيفَةُ الثَّوْرَةِ، وقُلْتُ فِي نَفْسِي لَيْتَ كُلَّ صَحَفِيٍّ يَرْسُمُ مَقَالَةً يُجْرِي عَلَى شَفَتَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ الكَرِيمَةَ: ومَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدْ اِحْتَمَلَ بُهْتَانًا وإِثْمًا مُبِينًا.
السَّهْلُ والحَدَبُ
مَنْ يَتْلُ فَاتِحَتَكَ الآخِرَةَ الَّتِي عُنْوَانُهَا: يَا قَوْمُ إِنَّهُ الطُّوفَانُ والإِفْلَاسُ، تَهُزَّهُ لَذَّةٌ فَاتِنَةٌ، وتُصِبْهُ هِزَّةٌ قَاتِلَةٌ، لِمَا فِي أسْطُرِهَا العِذَابِ وأحْرُفِهَا المِلَاحِ مِنْ بَرَاعَةٍ لُغَوِيَّةٍ خَطَّتْهَا يَرَاعَةٌ لَوْذَعِيَّةٌ، هَذَا الأُسْلُوبُ يَرُوقُنِي ويَشُوقُنِي، وهَذِهِ الصِّيَاغَةُ تَسْتَهْوِي فُؤَادِي وتُذْهِبُ سُهَادِي، تُطْرِبُنِي جِدًّا، وتُعْجِبُنِي حَقًّا، يَا لَيْتَ كُتَّابِنَا بِهَا يَسْتَمْسِكُونَ، وعَنْهَا يَسْتَفْسِرُونَ، وبَدَائِعَهَا يَسْتَنْبِطُونَ، حِفْظًا لِضَادٍ حَتْمٌ أنْ نَذُودَ عَنْهَا، ونَصُونَهَا ونَحْفَظَهَا مِنَ المُوبِقَاتِ والرَّدَاءَاتِ، مَقَالَتُكَ تِلْكَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ والعَرْضُ والرَّسْمُ والشَّكْلُ تُبْهِجُ الألْبَابَ وتُثْلِجُ الصُّدُورَ، بَيْدَ أنَّ ثَمَّةَ خَطَأً فِيهَا أذْهَبَ بَعْضًا مِنْ جَمَالِهَا وجَلَالِهَا وضِيَائِهَا وبَهَائِهَا، أعْجَبُ شَدِيدَ العَجَبِ كَيْفَ يَقْتَرِفُهُ قَلَمٌ يُحْسِنُ سِيَاقَةَ المُفْرَدَاتِ وصِيَاغَةَ العِبَارَاتِ، ويُتْقِنُ فَنَّ الرِّحْلَةِ فِي الكَلِمَاتِ، مُصْطَفِيًا الجُمَلَ الجَمِيلَةَ، ومُجْتَبِيًا النُّصُوصَ الجَلِيلَةَ، ومُبْتَدِعًا الأسَالِيبَ الفَرِيدَةَ، قُلْتَ فِي أحَدِ الأَسْطُرِ: يَهْبِطُ سَهْلًا ويَصْعَدُ حَدْبًا، بِتَسْكِينِ الدَّالِ، والصَّوَابُ يَكُونُ بِالفَتْحِ، ومِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: جَاؤُوا مِنْ كُلِّ صَوْبٍ وحَدْبٍ، والصَّحِيحُ: حَدَبٍ، بِدَالٍ مَفْتُوحَةٍ، وقَلَّ مَنْ يَتَنَبَّهُ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ صَاحِبُ قَلَمٍ وكَلِمٍ، وشَذَّ مَنْ يَتَعَرَّفُ هَذِهِ الحَقِيقَةَ، وذَلِكَ لِشُيُوعِ جَهْلِنَا بِاللُّغَةِ الصَّحِيحَةِ، وذُيُوعِ فَقْرِنَا فِي فُنُونِهَا المَلِيحَةِ.
الحَدَبُ هُوَ مَا اِرْتَفَعَ وغَلُظَ مِنَ الأرْضِ، وفِي القُرْآنِ العَزِيزِ: وهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ.
وأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ المُسَمَّى كَرِيمًا: أذِنَ بِفَتْحِ بَحْثًا تَحِقِيقِيًّا، والصَّوَابُ: أَذِنَ بِفَتْحِ بَحْثٍ تَحْقِيقِيٍّ، أمَّا صَدِيقِي مُعِزٌّ النَّجْلُ الَّذِي أُجِلُّهُ فَلَقَدْ اِقْتَرَفَ فِي مَقَالَتِهِ حُزْمَةً مِنَ الأخْطَاءِ هَذِهِ بَعْضُهَا، كَتَبَ: وبِالكَادِ، ولَسْتُ أدْرِي فِي أيِّ مُعْجَمٍ وَجَدَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ الَّتِي تَأبَاهَا قَوَاعِدُ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، وكَتَبَ: كُلَّمَا اِسْتَمْسَكَتْ النَّهْضَةُ بِالحُكُومَةِ كُلَّمَا اِزْدَادَتْ تَرَاجُعًا، وهَذَا أيْضًا تَعْبِيرٌ مُجَافٍ لِجَمَالِ العَرَبِيَّةِ، وفِي القُرْآنِ: كُلَّمَا أوْقَدُوا نَارًا للْحَرْبِ أطْفَأهَا اللَّهُ، ولِذَلِكَ لَيْتَ مُعِزًّا أخَا مُحَمَّدٍ كَتَبَ: كُلَّمَا تَمَسَّكَتْ النَّهْضَةُ بِالحُكُومَةِ اِزْدَادَتْ تَرَاجُعًا، ومِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: بِقَدْرِ مَا كَانَتْ النَّهْضَةُ مُنْفَتِحَةً عَلَى الجَمِيعِ بِقَدْرِ مَا كَانَتْ الجَبْهَةُ مُنْغَلِقَةً عَلَى نَفْسِهَا دَاعِيَةً إِلَى الإِقْصَاءِ، والصَّوَابُ: بِقَدْرِ مَا كَانَتْ النَّهْضَةُ مُنْفَتِحَةً عَلَى الآخَرِ، كَانَتْ الجَبْهَةُ مُنْغَلِقَةً عَلَى نَفْسِهَا.
ويَتَجَدَّدُ المَوْعِدُ فِي حَالِ يَتَحَسَّنُ المَشْهَدُ، ونُبْصِرُ مَسَارًا جَدِيدًا.

عاشِقُ الضَّادِ الحَبيب بلْقَاسمْ

التّعليق 

نشكر عاشق الضاد لحرصه على نقاء اللغة وصفاء الدلالة...ونقترح عليه الانضمام إلى الصحيفة كمدقق لغوي... بيد أننا ننبهه إلى أن ما تعلق بالحدب لا يعدو أن يكون سوى خطا في الرقن... ثم إن الأخطاء يمكن أن تتسرب إلى بعض المقالات مثل لحن الكلام نظرا للحجم الهائل من الكلمات التي تدون أسبوعيا.






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire