jeudi 2 février 2017

حرّاس‭ ‬القلعة



القاضي بنعمار يكتب :

‭(‬مهداة‭ ‬الى‭ ‬أخي‭ ‬وصديقي‭ ‬الأستاذ‭ ‬محمد‭ ‬ناعم‭ ‬الحاج‭ ‬منصور‭)‬

صاح راسم بتلاميذه "إلى أقلامكم". فانكبوا على صحيفتهم يكتبون التاريخ. كانت كلمته أشبه بأمر يوجهه ضابط لجنوده.. كلمة يلقيها قائد لفرسانه. لكن التلاميذ.. ما كانوا يحملون  البنادق ولم يمتطوا صهوات الجياد.. حملوا الأقلام وامتطوا صهوة الورق. كانوا يكتبون.. "البعبع"... كتاباتهم كانت.. الساحر الشرير الذي يسكن الغابة المجاورة ويضطهد الفلاحين. بدا.. شيء عندما خرج أعوان الساحر على المزارعين الفقراء وتلوا عليهم أمر سيدهم "يقول البعبع هذه الأرض ليست أرضكم. فإما.. أن تقبلوا بالعيش فيها عبيدا لنا وإما فلتبحثوا لكم.. ارض أخرى". الأرض التي سكنها الفلاحون عشرات السنين وتوارثوها كابرا.. كابر جاء البعبع اليوم ليستعبدهم فيها.. يخرجهم منها". ولم يعرف احد.. الناس أصول البعبع ولا.. أين جاء ولا أية ارض لعينة قذفته إليهم.... يعرف احد.. أين.. البلاء... ما يعرفونه.. البعبع رجل غريب الأطوار يمارس السحر والشعوذة ويحيط.. رجال.. يقلون عنه خبثا وشرا. عندما علم الفلاحون.. البعبع مصمم على احتلال ارضهم استنجدوا براسم الذي بنى قلعته على ضفة النهر واتخذها مقرا للمقاومة. كان جده لأبيه.. حرر الارض المجاورة بالبندقية واليوم يريد حفيده تحرير هذه الأرض بال..كلم... أمره لعجيب... قل انه كان مؤمنا بأن السحر يبطل بكشف الحقيقة للناس وأن الدجل ينقشع بالكلمات. وقد درب راسم تلاميذه ومريديه على ترجمة معاناة البؤساء.. مخطوطاتهم وحمل العبيد على تحرير أنفسهم بأنفسهم. فكان الجياع والفقراء والبؤساء والمساكين يأتون زرافات للقلعة فيتقاسم تلاميذ راسم أدوارهم "أنت اكتب.. هذا الفقير. وأنت حرر مقالة.. ذلك المظلوم. وأنت دون قصة ذاك المقهور. وأنت وأنت وأنت..."... بدا الحصار. بدا.. البداية كلعبة.. وتحول إلى استفزاز.. فابتزاز.... أصبح خانقا. حينئذ قال راسم لتلاميذه "سأذهب.. جولة بين القرى المجاورة لحشد الأنصار. أوصيكم بالقلعة.. وبالفقراء.. إنهم أبنائي. حافظوا عليهم وعلى القلعة كما.. كنت معكم". والتزم التلاميذ بوصية معلمهم فاستمرت القلعة.. القتال. عندئذ تحولوا إلى حراس... البعبع.. غيبة القائد ستعجل بسقوط القلعة. لكن جحافل الغزاة الذين أرسلهم لاحتلالها هزموا تحت أسوارها.. انتحروا بإلقاء أنفسهم.. النهر العظيم الذي يحيط بالقلعة.. كل الجهات. الحياة.. نعم الحياة.. ذلك النهر كان الحياة بالنسبة للقلعة وللفلاحين إزاء ظلمة الغابة المجاورة التي يسكنها البعبع ورجاله. ولذلك استمات الحراس.. الدفاع.. قلعتهم لأنها المعقل الأخير إذا سقط فلن يبقى وراءهم مكان يتراجعون إليه. كانت المعركة بالنسبة لهم معركة حياة.. موت.. معركة وجود.. فناء... المعركة الأخيرة ومع وصول الطلائع هزمت جيوش البعبع هزيمة منكرة وفرت الفلول. وهرب قائد الجيش.. ارض المعركة  ودخل على سيده صائحا "أيها البعبع لقد هزمونا مرة أخرى.. والفلاحون انضموا إليهم. تصور.. سيدي.. لقد حمل الفلاحون.. وجوهنا المعاول والفؤوس. الفلاحون الجبناء حمستهم كلمات راسم.. سيدي... قال البعبع ساهما. إذن فقد استيقظوا. هذا.. كنت أخشاه.. أن تزيل كلمات راسم الغشاوة.. عيونهم. . كان الوعي.. وعي الناس.. ما يخشاه البعبع. ولذلك سعى طيلة سني العبودية إلى نشرالجهل بينهم  وتضليلهم بالخرافات بممارسة السحر والشعوذة عليهم. لقد استعبدهم بالوهم.. والكذب.. وخاصة.. بالخوف. ونظر البعبع إلى قائد جنده وأردف. أطلق سراح الوحش. يجب تأديب الفلاحين وإرجاعهم إلى الطاعة. . وكان البعبع.. ربى الوحش الملعون لمثل هذا اليوم. وكان للوحش الرهيب أربعون ذراعا وعين واحدة.. مثل وحش. المينوتور "..ذلك الوحش الأسطوري الذي اذا نظر لإنسان بعينه تحول.. الحين إلى كتلة.. الحجر.. حياة فيها. قام رجال البعبع بمنع الطعام.. الوحش أياما عدة.. أخرجوه.. قبوه مكبلا بالسلاسل. وأطلقوه.. الأرض. صدم الفلاحون لدى مشاهدته فقد كانوا يتوقعون.. يرسل الساحر إليهم جيشا آخر ولم يخطر ببالهم.. الخبيث يملك ذاك السلاح الفتاك. كانوا مسلحين بالرفوش والمعاول. وما عسى تفعل هذه  الأسلحة البدائية.. وحش جائع. رجع المزارعون القهقرى وهم منهكون.. الفقر والجوع والعري والمرض والبرد وطول القتال. عاث الوحش تخريبا.. المزارع. والفلاحون الذين.. يقتلهم الفقر والجوع والمرض والبرد قتلهم المينوتور.. حولهم لتماثيل حجرية بمجرد التقاء عينه بعيونهم. كان هناك.. الحقول تماثيل تجسد رجالا يحملون المعاول. وتماثيل نساء يحملن أولادهن على ظهورهن وهن يجمعن السنابل. وتمثال امرأة ترضع وليدها. وتماثيل فتية يحرثون الأرض. وتمثال فلاح عجوز يمضغ خبزا اسود. كلهم تحولوا إلى حجر.. لوحة تماثيل خلفها المينوتور وراءه أثناء فساده.. الأرض. فزادت طبيعتهم الحجرية.. صلابة قسمات وجوههم.. تلك الصلابة التي ترى على وجوه الفقراء. اشرف قائد الحراس على المجزرة.. فوق أسوار القلعة وصاح بمن تبقى.. الفلاحين".. تنظروا إلى عينه.. لا تخافوا الوحش.. انه سحر. . وبينما كان الوحش يفتك بأصحاب الأرض استدعى البعبع مجلس السحرة وشاورهم.. الأمر. قال المجلس. أرسل إلى المينوتور ومره بان يجلب.. من تبقى منهم  واتخذهم رهائن حتى يفتح الحراس لنا الأبواب ويخرجوا.. القلعة. عندذلك نرسل جيشا لاحتلالها. لقد فشلنا.. استباحة هذه القلعة المتمردة رغم الحصار الذي ضربناه عليها طيلة خمس سنين. ونخشى.. يستهين بنا الناس وبسحرنا. إنها المعركة الأخيرة ويجب إنهاء هذه المهزلة. سندفع.. المعركة بكل.. معنا.. آلة البطش والجبروت وسنستعمل.. ما تعلمناه.. فنون السحر وأسرار الطلاسم.. وافق البعبع على رأي رجاله.. وانه لكبيرهم  الذي علمهم السحر. لكن كيد السحرة.. ينطلي على الحرس. ففي تلك الليلة اندلعت معركة رهيبة تحت أسوار القلعة بينهم وبين آخر جيش للبعبع. وفي الغابة المجاورة ظلت عيون السحرة تراقب المعركة. قاتل الحراس ببسالة.. كانوا يقولون "..نخذل معلمنا... نخذل أبناء بلدنا... نخذل الفقراء. قاتلوا.. اجل المعلم. . استمرت المعركة طيلة الليل. وعند طلوع النهار شاهد الحراس أمرا غريبا. كانت جثث الغزاة تتبخر.. ضوء الشمس.. وتتلاشى. صاح احد الحرس. إنهم يتبخرون.. وصاح رفيقه "..كانوا أوهاما ؟.. كنا نحارب الوهم.". نظر القائد لأسفل الأسوار وقال بخبرة المحنك. كان سحرا. لقد تحكموا.. أرضنا بالسحر لان الظلام كان مخيما والسحر.. يعمل إلا.. الليل. الآن وقد بزغت الشمس.. انفك السحرعن أرضنا. . فتح الحراس أبواب القلعة وخرجوا لمعانقة البؤساء الفرحين. واستقبلوا كمحررين. ومن البعيد شاهدوا معلمهم قادما إليهم. فاستقبلوه كبطل وكان فخورا بهم. وأما البعبع فقد أكله وحشه الذي رباه ودربه على الفتك بالناس. عندما زال السحر.. ارض العبيد بقيت تعاليم راسم محفورة.. أسوار القلعة. كان يقول. الكلمات.. التي تحرر العبد. . وكان يردد. الحياة.. أن تتسلق الجبال وأنت تحمل فوق ظهرك أمتعة ثقيلة".

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire