lundi 27 février 2017

يوميات معتقل من سجن المرناقية الكلمة تقرع الجلاّد... استمساكا بالرّجولة في زمن الخصْيان




صباح الأربعاء 15 فيفري 2017، نادى المنادي في السجن باسمي أنا، حتى أتهيأ للخروج إلى المحكمة... استغربت في البدء لأنني كنت انتظر الإعلام بالحكم داخل السجن، مثلما جرت به العادة في المحاكم المدنية... قدّرت للحظة انه يمكن أن تكون قضية أخرى من كيد عصابة الشر التي أواجهها.
لكن ضابطا بالسجن أعلمني أنني سأتوجه إلى محكمة الاستئناف العسكرية من اجل الحضور أثناء النطق بالحكم... وكانت المحكمة العسكرية تتكفل بنقل السجين إلى مقرها... ركبت السيارة العسكرية وهي شاحنة خفيفة مغلقة بلا نوافذ.
كانت الأفكار تهيم بي لكنني كنت مطمئنا إلى سلامة موقفي القانوني... وكنت مقتنعا تمام الاقتناع بالمعطيات التي نشرتها في مقالاتي... كانت مرافعات المحامين استثنائية ومميزة وكنت أقدّر الجهد الذي بذلوه.


كانت ذكريات المحاكمة الابتدائية والمحاكمة الاستئنافية تتداخل في ما بينها... تمر مشاهدها سريعا في ذاكرتي... تذكرت قول المحامي عبد الناصر العويني وهو يخاطب القضاة :" أولئك الذين أمضوا ووقّعوا على تلك الصفقات سيأتي يوم يمثلون فيه أمام المحكمة من اجل محاسبتهم على تلك الصفقات."
الطريق بين المرناقية والعاصمة لا يتعدى 30 كلم... لكن الزحام في الصباح كان شديدا... قضينا قرابة ساعة إلا ربع في الطريق... كان زمن الرحلة إلى المحكمة، انتقالا من فضاء إلى فضاء... كان صراعا من اجل البقاء والصمود ضد تحالفات سياسية وسخة.
أنا أعلم أن القاضية ومن معها من المستشارين سوف تسلط عليهم ضغوط سياسية... المحكمة العسكرية كانت دائما خاضعة لسلطة وزير الدفاع... ووزير الدفاع تابع إلى دائرة الرئيس الباجي... والباجي قد أذن يوم 29 جويلية إلى شوقي طبيب ووزير الدفاع بحضور ابن تيشة، بالزج بي في السجن... وصلتني تلك الأخبار من مصادر مختلفة بعد اجتماعهم.
كان شوقي طبيب يدور من مجلس إلى آخر وهو فرح مسرور لأنه اخذ إذنا من الباجي باستهداف صاحب الثورة نيوز... وصرح بذلك علنا في قنوات وإذاعات.


رئيس هيئة مكافحة الفساد يدور ويدور، من ندوة إلى ندوة، زاعما انه يريد سن قانون لحماية المبلغين عن الفساد... إنه كذاب أشر...ولست اعلم شخصا قد بلغ عن الفساد أكثر مني... مئات الملفات التي نشرتها الصحيفة كانت عمليات فساد كبرى... إنهم لا يريدون الخوض في فساد الإقطاع المالي، وإنما يبحثون عن فساد الفقراء... لذلك أطلقت شوقي طبيب عرّاب الفساد.

 شوقي طبيب عرّاب الفساد

وصلنا إلى المحكمة قرب الحنايا الرومانية... نزلت من الشاحنة... تفاجأت مرة أخرى بتلك الاحتياطات وذلك الحشد من العسكريين والشرطة العسكرية.
يا سادتي هذه المحكمة تكاد تكون فارغة... سلبوها قضايا الإرهاب وهي من جوهر اختصاصها... فما بقي لها سوى قضايا بعض الجنود والضباط وضباط الصف... إنها محكمة بلا زحام... ولا تحتاج إلى تلك الحشود من الجند.
أنا اعلم أن تلك التعزيزات جاؤوا بها من اجلي أنا... كانوا ينتظرون حضور أفراد عائلتي وأصدقائي والمحامين.... لم يحضر احد لأنهم كانوا يعتقدون أن التصريح بالحكم هو تصريح مكتبي ينزله القاضي إلى الكتابة ويبلغ الى السجن.


في سرعة، نادت القاضية زهرة السلامي باسمي محمد الحاج منصور... تلت عليّ نص الحكم... الحكم بالبراءة في قضية نشر بيان لقدماء العسكريين حول طلبهم إلغاء اتفاقية بين وزارة الدفاع ووزارة الشؤون الدينية... وكانت هذه القضية هي التي أوقفت ظلما لأجلها.. قاضي التحقيق الصحبي عطية اصدر بطاقة إيداع في شأني لأجل نشري لذلك البيان... وكان ذلك سببا في احتجاج المحامين... المسكين طلبوا منه تنفيذ التعليمات بسجني لأي سبب... فقدّر وفكّر وانتهى إلى إصدار بطاقة إيداع في السجن لأجل مقال صحفي.
حكم البراءة في هذه القضية يثبت سوء تقدير قاضي التحقيق بل سوء طويته، كنت وأنا في السجن قد نشرت ضده قضية في احتجاز شخص دون موجب قانوني... صحيح أن القاضي له السلطة التقديرية لايقاف شخص لكنه ليس مطلق اليدين فيسلب حرية الناس ... ثم يتضح لاحقا انه أساء التقدير... لكنه لم يسئ التقدير بل كان ينفذ تعليمات أسياده من السياسيين.
ونطقت القاضية بالحكم في القضية الثانية... وكان مقالا يتحدث عن صفقة في الألبسة العسكرية الخاصة بوزارة الداخلية في شبهة وقوع محاباة في إسنادها... ولم يكن المقال متعلقا بوزارة الدفاع... كان ذكر اسم وزارة الدفاع خطأ مطبعيا يمكن أن يقع في كل عدد ونقوم بتصحيحه في الإبان... كان حكما بالبراءة.


كنت أقف أمام هيئة المحكمة في اعتزاز بالنفس وفخر بقيمة الوطنية... أنا أناضل ضد الفساد... فساد كبار الحيتان... نطقت القاضية بالحكم بالسجن لـ5 أشهر في 3 قضايا تعلقت بصفقة المروحيات وبصفقة المدرعات التركية الإسرائيلية وبصفقة أحذية المسير.
أنا قضيت إلى حد الآن 4 أشهر ونصف... والمحكمة قضت ب5 أشهر... ما بقي سوى 15 يوما على الفصام.... ماذا يعني ذلك!


أنا متأكد آن القضاة يعلمون يقينا أن المحكمة العسكرية محكمة لا تختص بالنظر في قضايا الصحافة... لكنهم لم يقدروا على إصدار حكم بالبراءة أو بالتخلي عن القضية... فالقاضي في بلد متخلف يزن الأمور...يعادل بين السياسي وبين القانوني، تلك هي الحقيقة... أنا أحسب أن هيئة المحكمة بذلت جهدا في التخفيف من الحكم وانهم كانوا مقتنعين بوجود شبهات حقيقية في الفساد، لكنهم كانوا يقدرون المسائل من زوايا أخرى... إنهم مثقلون بضغوط مديرة القضاء العسكري امال الجويني... كانت تلك المرأة احد القضاة الذين أصدروا أحكاما قاسية ضد الإسلاميين من حركة النهضة سنة 1991 ... أنا اعلم ذلك هي لن تتغير ستمارس القضاء مثلما تعودت انطلاقا من مربع السلطة الحاكمة... واليوم الحاكم هو السبسي وانا هو الضحية... هي ستحال قريبا على التقاعد.


أعلمني احد الضباط انه بإمكاني أن أعود إلى منزلي الآن...قال لي:"... إدارة السجن ستراسل قاضي تنفيذ العقوبات... وهو الذي يأذن على الفور بإطلاق سراحك لأنك نقي السوابق العدلية، ولأنك قضيت أكثر من نصف المدة."
كان لي اطلاع محترم على النصوص القانونية وكان البعض يستشيرني في بعض القضايا... وقد خضت بعض النزاعات المدنية الهامة فشكلت عندي رصيدا من التكوين القانوني المحترم بخصوص إجراءات القيام.
قلت لصديقي الضابط:"... أعلم ذلك... بل أنا اقدر أنهم أضافوا لي 15 يوما في السجن، ليدفعوني إلى القبول بالسراح الشرطي... إنها حيلة يا صديقي... أنا لن اخرج إلا بعد تمام المدة القانونية لأحتفظ بحقي في التعقيب... لان القبول بالسراح الشرطي يسقط الحق في التعقيب... أنا سأجرهم إلى محكمة التعقيب، وأنا على يقين أنني سأنتصر عليهم هناك... سألقنهم درسا في القانون وسأجعلهم أحدوثة في فقه القضاء ... أنا الذي سأعيد هيبة المرسوم 115 ذاك الذي باعه أشباه الإعلاميين... وأنا الذي سيوقف الفاعلية القانونية للفصل 91 من المجلة العسكرية."


عدت إلى السجن... هنأني الجميع بالانتصار... السجانون وأعوانا وضباطا والمساجين... صفقوا وغنوا أهازيج، أهازيج... الحمد لله على هذه الكرامة، لأنه من الصعب على سجين أن يحترمه القتلة واللصوص والمحتالون وأهل القانون والسجانون... كانت علاقاتي إنسانية ولا تخضع لاعتبارات المصالح.
بقي الآن على السراح من السجن 15 يوما... ستكون أيام انتظار ثقيلة وطويلة.
خاطبني صديق سجين فقال:" أتعلم انك خرجت منتصرا من المعركة... حشدوا لك كل وسائل الإعلام وهيئة الفساد ونقابة الصحافة... هو حشد يشبه حشدا عسكريا... وأنت وحدك خرجت منتصرا، وأنا أعلم أنك ستهزمهم نهائيا في التعقيب."
 كان يتكلم في حماسة... ماذا فعل الأغبياء أرادوا تشويه سمعتي... أنا أخطأت لأنني أعلنت الحرب على الجميع دفعة واحدة هذه حقيقة لكنني أنا هكذا لا أتراجع، أتقدم بلا وجل ولا خوف... الفساد منتشر في كل القطاعات... وأنا أتيت على ملفات الفساد في اغلب القطاعات... الدولة ينخرها سوس الرشوة والغش والاحتيال.
لعلنا نعيش أزمة انهيار في القيم... أزمتنا في القيم السلوكية... لا يمكن محاربة الفساد إلا بإعادة ترميم منظومة القيم الإنسانية الفاضلة.
مرت الساعات طويلة ثقيلة مملة أحيانا كثيرة... وكانت تأخذني الذكريات دائما ... تنقلني من حال إلى حال... أنا الآن قلبت الطاولة على زبانية الخراب في بلدي وأظهرت لهم أنني هنا، مكرّ في الحرب.


كانت عصابة شوقي طبيب وكمال اللطيف تريد أن تسيطر على مفاصل الدولة من اجل أن تحقق مصالحها ومصالح أحلافها... أنا في شخصيتي لا استطيع أن أكون تابعا وخاضعا... أنا خلقت للقيادة ... ثم إنني صاحب مبادئ... وحتى إن كنت أعلم أن المبادئ في السياسة تقود إلى الهلاك فإنني أحارب من اجل الهلاك... أنا أحيانا أرى أن صدام حسين لم يخطئ أبدا في غزو الكويت، من حيث المبدأ... انه استعاد أرضا عربية اقتطعها الاستعمار البريطاني من جنوب البصرة... لكن من ناحية الحنكة السياسة كان القرار متهورا... أنا في شخصيتي متهور في السياسة لا أتعاطاها بأساليب النفاق... والساسة كلهم أهل نفاق.
في السجن تغيرت كثير من المعطيات سأكشفها لاحقا بعد استعادة الحرية... السجانون يرون فيّ محاربا من محاربي الساموراي... وروحا للكونفشيوس البوذي... تلك القوة الخارقة الساكنة في أعماق الكون.
ذات يوم ألقيت في الرفاق من المساجين خطبة حول الكونفشيوس في الشرق الأقصى وفي البوذية... إنها ديانة ولكنها ليست ديانة... كانت أفكارها بالنسبة إليهم خروجا عن الديانة الإسلامية... أعلمتهم أن تعداد سكان الأرض نصفهم يعتنقون البوذية والنصف الأخر ينقسمون بين المسيحية والإسلام وديانات الأقليات... البوذية قيم سامية واخلاق صارمة لكنها لا تؤمن بالإله الواحد مثل الديانات التوحيدية الكونفشيوس ليس "يهوه" اليهودي ولا "الرب" المسيحي ولا "الله" الإسلامي ... هي تعتقد في قوة جبارة تحرك الكون.
نحن نولد ونتدين بديانة أهلنا... الدين كان دائما محركا من محركات تاريخ الإنسانية ولا يزال... الإسلام بقي حيا منتجا للمعنى... أولئك السلفية المسجونون في المرناقية لا نراهم ولكنهم نتاج للأفكار الدينية أيضا... هم يؤمنون بان الحقيقة معهم وان الله معهم أيضا ... ونحن نراهم أهل تعصب وتطرف وتوحش.


القضية هنا أن سجنهم لا يحل المسألة... السلفية فكرة منغلقة لا تقبل الرأي الآخر... بل تقتله وتذبحه في عنف غريب، ولكنها انتشرت بقوة في العالم العربي والإسلامي، اكتسحت صفوف الشباب.... شباب هائم سلبوه روح المعنى... في برامج تعليمية سحقت فيه كل فكر نقدي سلبته معنى الفكرة وقتلت داخله كل الايدولوجيات... السلفية وظفها الغرب من اجل تدمير الشرق... هم لا يعلمون انهم وقود معركة... هم وقود أشعل وخرّب كلّ من سوريا والعراق... غرروا بهم... فسحقوا حضارتهم... هؤلاء يحتاجون إلى معاودة بناء الأفكار إلى إنتاج المعنى من جديد وإلا فإنهم عائدون.
في السجن كانت الأخبار تأتينا لماما... بلغني أن نائبا من حزب نداء تونس يملك كشكا في جهة المنزه يحرض ضدي وذكرني بسوء... من يحرض ؟.. يحرض سيده حافظ السبسي... قال له في جلسة خاصة:" الحاج منصور يجب أن يبقى في السجن... لا يجب أن يخرج.. نزيده حكما آخر نتدبر له كيدا."
هكذا بلغني والعهدة على من روى... ومن روى صادق أمين... القوم يرون أن بإمكان ابن الرئيس ان يزج بالناس في السجن، وبإمكانه أن يستصدر أحكاما قضائية، وان يسرح من السجن وان يوقف الناس في السجن... إنهم قوم تفّه...هذا النائب تورط يوما في قضية أخلاقية... وجاءني ملفه جريا إلى مكتبي... غير أنني تعففت... لأنني لا اقبل الإساءة إلى الخصوصيات العميقة للإنسان... تعففت عنه رغم قوة الحجة في الملف الفاضح... لكن الرجل تحالف ضدي دون أن أسيء إليه... وملف الفضيحة عندي.
جماعة الشر تريد أن تستمد شرعيتها من ابن الرئيس... هم مجرد قوادة وأزلام يعيشون من النخاسة... فليكيدوا كيدهم ونكيد كيدنا والله خير الماكرين... وحين اخرج إليهم سنرى خاتمة الصراع.
زارني المحامي جلال الهمامي وأعلمني بأننا نسير حثيثا إلى التعقيب... في التعقيب سوف نقلب عليهم الطاولة... لأنها محكمة قانون وأنا اقدر أن قضاتها من المدنيين سيطبقون القانون حينها تهزم الجماعة نهائيا.
كثير من الأوباش في وسائل الإعلام اقصد المرتزقة منهم أولئك الذين يتقاضون الأموال من اجل المدح... لا يعلمون أنني في هذه المعركة الشرسة حاربت وقاتلت من اجل حرية الإعلام، ومن اجل إغلاق كل منفذ يمكن أن يتسرب منه الاستبداد من جديد... الفصل 91 من المجلة العسكرية هو توطئة للاستبداد سوف تفصل فيه محكمة التعقيب.


وجاءني الهدهد يوما فأعلمني أن شوقي طبيب عرّاب الفساد في بلدي يدور من مجلس إلى آخر يحرض الناس ضدي ... هو لا يعلم أنني عنيد جدا... سوف أكون رقيبا على كل أعماله، وعلى ثروته وعلى كل ما يأتيه من فعال... هو حاول مرات أن يضغط على المطبعة التي تطبع فيها الثورة نيوز من اجل خنقها ففشل... أتعلمون لماذا ؟ لأن مالكها رجل والرجال قليل...وأنا أحسن اختيار الرجال... حاول معه، وضغط بكل الوسائل لكنه فشل لأنه لا يعرف معنى للقيم الإنسانية ولمبادئ المروءة والرجولة.
زارتني شقيقتي المحامية يوما من أيام الانتظار... كانت أياما ثقيلة مرهقة... جلبت إليّ صحيفة الثورة نيوز ... كنت أقرأها وأنا أنقد أعمال الفريق الصحفي... كانوا يبذلون مجهودا جبارا من اجل تقديم ملفات حارقة ومقنعة... الخط التحريري للصحيفة قد تبدل.
أنا ارتكبت بعض الأخطاء في تثبيت الخط التحرير للصحيفة... كل أعمال الإنسان يمكن أن تخطئ... لكن الأهم أن تصحح... أبلغت المحامية أنني قمت بالتعقيب سريعا لأنني مصرّ على الانتصار القانوني في هذه المعركة... وأنا على يقين أن ملف القضايا التي حاكمني لأجلها قضاء العسكر إذا ما وردت عند احد القضاة الشرفاء فإنني سألقنهم درسا في القانون.
طالت ليالي السجن... أو ما تبقى من مدد الحبس فغنى السجين من أعماق الظلمة نشيدا فلسطينيا شجيا:
يما مويل الهوا يما مويليا
ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيا

` السجين رقم 700473



1 commentaire: