lundi 23 janvier 2017

أدب السّجون (الحلقة الأولى) : الرّق المنشور في الكلام على سجن الحاج منصور




ربما ذهب في الظنّ أن ثورة الرابع عشر من جانفي 2011 قد أنهت نمطا من الأدب ينتمي إلى ما يسميه النقاد بأدب السجون وهو ذلك الأدب الذي يحكي في شجن ضروب الظلم والقهر التي تمارسها الدولة على كلّ من تعتقد أنه سار في درب مخالف لما رسمت من حدود ولما ضربت من قيود ... وربما ذهب في الظنّ أيضا أنّ المكسب الوحيد الذي غنمه التونسيون من هذه الثورة هو حرية التعبير ومن بينها حرية الصحافة ..
ولكن يبدو أنّ أدب السجون لن يكون نسيا منسيا، ويبدو أيضا أن نجمه لن يأفل لأنّ صناع القرار السياسي لا يحبون الآفلين .. ويبدو أنّ الرواية الأولى سيكون راويها وبطلها وربما ناشرها أيضا محمد ناعم الحاج الذي بدأت حكايته مع السجن مبكّرا ..بدأت يوم قال حكامنا الجدد " لا ظلم بعد ثورة 14 جانفي " فكذبهم وصدق ..وما دروا أنهم يقولون ما لا يفعلون..


والذي لا شكّ فيه أن رواية الحاج منصور عن السجن لن تسير على السنن المألوفة في هذا الضرب من التأليف .. فهو لن يتحدثّ عن السجان الذي يرهق المسجون تعذيبا وتنكيلا ولن يصفه فيخرجه في أبشع صورة لأنه يعلم أنّ السجان يقول بالإشارة دون التصريح : 
أمري وأمرك في الهوى بيد الهوى
لو أَنه بيَدِي فككْتُ إساري
هو لن يتحدث عن داخل السجن ففيه سجانون لطفاء رحماء يميزون بين الخبيث والطيب .. بل سيتحدث عن خارج السجن وهو به عليم وسيفصل القول عن المؤامرة الخسيسة التي دبّرها بليل سياسي منحرف مع إعلامي محترف ....


تسعة أشهر سجنا تنتظر استئنافا يوم 8 فيفري2016 جزاء من أخلص إلى الوطن وأحب مؤسسته العسكرية ...وإذا عدنا إلى البدايات قلنا ما إن بدأ محمد ناعم الحاج منصور صاحب جريدة الثورة في التشهير بسدنة الفساد وأباطرته اسما ولقبا وصفة في الأيام الأولى للثورة على محامل " الثورة نيوز " الإلكترونية حتى زجّ به في السجن صحبة قرطاسه وقلمه وكلبه فقضى أياما معدودات ثمّ خرج وفي خلده أنّ ما حدث قريب عهد بدكتاتورية غاشمة أرغمتها الجموع الغفيرة التي خرجت من الحواري الفقيرة والأوساط المهمشة على الرحيل إلى أرض الحجاز ملومة مدحورة ..
خرج من السّجن وهو أشدّ عزما فبعث صحيفة ورقية سمّاها " بالثورة نيوز " تيمنا بثورة مباركة واعتقد أنه بالإمكان أحسن مما كان ..وانطلق في مكابدة ومجاهدة يتقصى أخبار الفساد ويتتبع أوكار الفاسدين أينما حلوّا وحيثما ارتحلوا فأقضّ مضاجعهم وأبعد النوم عن جفونهم وناصر كل المظلومين عسى أن يردّ إليهم حقوقهم ...واعتقد حكّام ما بعد الثورة أنّ صاحب "الثورة نيوز" قد ركب الموجة التي ركبها أغلب الإعلاميين  وأنه سيصمت كما سيصمتون طمعا أو خوفا ترغيبا أو ترهيبا .. وقد صدق حدس الحكام وكذب في آن .. صدق مع الذين عملول بمقولة " إذا هبت رياحك فاغتنمها ..فإن لكل عاصفة سكونا " ..وكذب مع الذين صدقوا وما بدلوا تبديلا ..
ذلك أن الحديث عن الفساد قد ملأ الدنيا وشغل الناس في الأيام الأولى للثورة ثم مع الأيام خبا بريقه بعد إن ائتلق وعادت حليمة إلى عادتها القديمة تكتب " الخبر الحافي " عن أفعال الرؤساء والوزراء في أساليب مجتها الأسماع وضاق بها التونسي ضرعا .. ولكن الحاج منصور لم تلهه تجارة الإعلام عن ذكر الفساد والفاسدين بل إنه ترك " الفاسدين الصغار" ولاحق " الفاسدين الكبار " يدق أسافينه في نعش فسادهم ..ولا سيما أولائك الذين انتصبوا في هيئات قيل إنها بعثت لمحاربة الفساد ولكن القائمين على أمرها هم الفاسدون ولكنهم لا يشعرون .. 


 وهنا بدأت الحرب الحقيقية بين صاحب الثورة نيوز وأعداء الثورة وكان لا بدّ من البحث عن أقوم المسالك للدفع بالحاج منصور إلى إحدى المهالك وأشنعها فكان المنع من السفر إنذارا أول علّ الرجل يرتدع أو يقذف في قلبه رعب فلما خاب رجاء أعدائه وما أكثرهم وأبطل قرار المنع كان التفكير في سجنه أمر مقضيا وهو ما تمّ فعلا ذات أربعاء..تسعة أشهر سجنا بعد جلسات أبان فيها محامو المعتقل أن أيادي موكلهم بيضاء لم تأت أمرا فريا .. حكم أسعد الأعداء ولم يحزن صاحب الثورة نيوز لأنه ما سرق ولا كذب ولا خان بل لأنه قال كلمة حقّ ودافع عن وطن تتناهشه سباع ضارية وأفاع نهاشة ..سجن الحاج منصور وانقلب جماعة الإعلام وبعض ساكني قصر قرطاج الذين مكروا به مكرا إلى أهلهم فرحين يتغامزون بأنهم قد فازوا فوزا عظيما .. ولعله وهو المغرم بشعر السجون ردّد في نفسه أو على الملإ: 

قالَت حُبِستَ فَقُلتُ لَيسَ بِضائِرٍ
حَبسي وَأَيُّ مُهَنَّدٍ لا يُغمَدُ
أَوَما رَأَيتِ اللَيثَ يَألَفُ غيلَهُ
كِبراً وَأَوباشُ السِباعِ تَرَدَّدُ
وَالشَمسُ لَولا أَنَّها مَحجوبَةٌ
عَن ناظِرَيكِ لَما أَضاءَ الفَرقَدُ
وَالبَدرُ يُدرِكُهُ السِرارُ فَتَنجَلي
أَيّامُهُ وَكَأَنَّهُ مُتَجَدِّدُ
وَالغَيثُ يَحصُرُهُ الغَمامُ فَما يُرى
إِلّا وَرِيِّقُهُ يُراحُ وَيَرعُدُ


اتهم الحاج منصورا بأنه أساء إلى المؤسسة العسكرية والحال أنّ ما كتب عن العسكر إجلالا واحتراما وتقديرا في مختلف الأشكال الصحفية في جريدة الثورة نيوز منذ انبعاثها لم يضاه كما وكيفا ما كتب في أيّ صحيفة أخرى ..وليس ذلك بالمستغرب لأن صاحب الجريدة ابن عسكري " وأهل مكة أدرى بشعابها " " وأهل الدار أدرى بالذي فيه " ...إن مداد الصحيفة بكى بالدموع الغزار ونزف الدمع مدارا يوم ذبح جنودنا الميامين من الوريد إلى الوريد في شهر رمضان المعظم .. وإن كلمات الصحيفة اختنقت بالعبرات أكثر من مرة وهي تسرد حكايات انفجار الألغام التي أودت بحياة جنودنا البررة في سفوح الجبال وأعاليها ..وإنّ أعمدة الصحيفة ثقلت بالحديث عن خصال الجنود الذين يصلون الليل بالنهار دفاعا عن حرمة الوطن ..ولسنا نقصد بذكر هذه الأعمال منّا ولا افتخارا فذاك واجب لا نريد به جزاء ولا شكورا .. بل نريد منه فقط التذكير بأنّ صاحب الثورة نيوز قد أجلّ المؤسسة العسكرية كما لم يجلها أحد .. فهل أصبح مدح المؤسسة العسكرية جريمة تلاحق صاحبها ومزدلفا يفضي به إلى أقبية السجون ؟؟ قد لا نستغرب ذلك وقد أصبح تحسين القبيح وتقبيح الحسن سمة هذا العصر ..فعصرنا كله عجب ولا عجب ...



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire