dimanche 18 décembre 2016

يوميات من معتقل من سجن المرناقية : القانون وخرق القانون... في دكتاتورية "الباجي"




في الثامن من شهر ديسمبر لسنة 2016 ركبت السيارة من سجن المرناقية في الصباح الباكر... وانطلقت السيارة بنا عدوا إلى القاعدة العسكرية بباب سعدون... كانت تلك القاعدة بناية عسكرية قديمة منذ أواخر عهود البايات وكنت اعرفها صغيرا العب فيها طفلا يجري خلف والده الضابط العسكري.... تلك الثكنة القديمة أضيفت إليها بنايات حديثة شوهت عتاقتها منها قاعة المحكمة العسكرية.
كنت أنا بحكم انتمائي إلى عائلة عسكرية واطلاعي الجيد على التاريخ التونسي المعاصر خاصة، كنت اعلم جيدا أنه من بين أخطاء دولة بن علي أنها عملت على إخراج الثكنات العسكرية من داخل المدن... ولأجل ذلك فوّت نظام بن علي في أهم الثكنات العسكرية في العاصمة تونس وفي مدينة سوسة... كان ذلك التخطيط الأحمق كارثة على الأمن القومي للدولة... وحين وقعت الثورة وانحاز الجيش الوطني إلى الشعب ... لقيت القوات المسلحة عنتا وصعوبات في السيطرة على الأوضاع الأمنية داخل المدن... حتى إن ولاية بأكملها مثل المهدية كانت خالية تماما من أي وجود عسكري.... كانت تلك السياسة تعبر عن الخوف من قوة العسكر بما يتهدد النظام بالانقلابات... كانت رؤية حمقاء لأنها اختارت إضعاف المؤسسة العسكرية من اجل أن يستمر النظام قاهرا للناس بلا خوف.
كنت اعتقد في تصوري أن العسكر هو مركز الدولة إذ لا قيمة للسلطان دون قوة عسكرية ضاربة... هذا الجيش كتبت عنه كثيرا في صحيفتي ودافعت عن الجنود والضباط وطالبت بان ترفع ميزانيتهم... ما معنى أن يكون لك جيش في وسط البحر المتوسط بلا قوات جوية ضاربة مثلا وبلا أسطول بحري... مازال جيشنا يستخدم طائرات اف 5 القديمة والمهترئة... تخيلوا أن تلك الطائرة مصنوعة في بداية الستينات ... قارنوا سيارة صنعت في الستينات بسيارة حديثة... بله السياسة.


ثم تحدثك الطبقة السياسية عن دعمها لقوات الجيش .. هذا زيف...انا في السجن  لأنني فضحت صفقات الفساد التي تقدم للجيش أسلحة فاسدة بأثمان مشطة... والرابحون هم تجار السلاح من سماسرة الراسمالية.
دخلت إلى باحة المحكمة ... كنت انظر إلى أولئك الجنود وضباط الصف... هم ينظرون الي  بإشفاق... وأسرّ لي بعضهم بان كل من في المحكمة مستاء من هذا الملف المخزي للدولة، والمخزي لمن يقوم على النيابة العسكرية... خبروني بان الجميع أصيب بالقرف  والخجل... كنت اعلم أنني املك الحقيقة وان المحاكمة سياسية بامتياز... وكنت أشفق على العسكريين لأنهم مظلومون ... يعيشون في نظام عسكري قاس ... ويضحون لأجل هذا الوطن... وهم محكومون بالصمت الأبدي فلا يحق لهم الخوض في السياسة... تحت مسمى مبدأ حياد المؤسسة العسكرية... ثم يطالبون بالموت لأجل الوطن.
وكنت في صحيفتي قد نددت مرارا بهذا الظلم الاجتماعي... رأيت أن كل الذين قتلوا في جبال الشعانبي وصحارى بن قردان ليسوا إلا من فقراء القوم... أين أبناء الأغنياء؟... أين أبناء البورجوازية؟ .... إنهم لا يدخلون إلى الجندية ... هم خلقوا لاجل لان يعيشوا سعداء أما أبناء الطبقات الكادحة فإنهم خلقوا للوطن.


أية كذبة مقيتة رخيصة يسوّقها الساسة حين يباركون استشهاد جندي قتل وهو يحارب داعش... ثم يلتقطون لهم صورا في المقبرة ... ثم ينسى رجال السياسة هوية الجندي البطل.
ناديت أنا بان تكون الخدمة العسكرية إلزامية لكل الشباب دون تمييز.... البورجوازية التونسية ترفض ذلك وهي تسيطر على الأحزاب وعلى مجلس النواب ولن تقبل أبدا بان يرسل أبناؤها إلى ساحات الحرب... بئس العالم ما اظلمه.
دخلت إلى قاعة المحكمة بعد أن نادوا باسمي... كانت القاعة بالكاد فارغة إلا من بعض الموقوفين وكنت اعلم ان المحامين في إضراب مفتوح ... وقدرت موقف المحامين من سياسة حكومة فاشلة ورئيس فاشل... تصدى المحامون لمحاولة إذلالهم ماديا ... تصدوا لحماية استقلالهم المالي عن كيان الدولة... إذا ما نجح السبسي ونظامه في ضرب قلعة المحاماة فإنها الكارثة على الحقوق والحريات.


طلب المحامي جلال نيابة عن فريق الدفاع تأخير النظر في القضية إلى تاريخ لاحق بسبب التزام المحامين بقرار الهيئة الوطنية للمحامين.
خاطبه القاضي:" هذا التأخير قد يعكر وضعية منوبك."
أجابه جلال:" قرار الإضراب وطني ومن اللازم إنفاذه".
عدت إلى البهو ... أمدني عسكري كريم بقارورة ماء ولمجة خفيفة... أولئك العسكريون كرماء وفيهم من عمل مع أبي الضابط ... وفيهم كثير ممن تعاطف مع قضيتي... بل القاضي نفسه منير صولة أنا اعلم انه يعيش حيرة وجودية بين مبادئه وبين وظيفته... انه يحاكم رجلا كتب مقالات صحفية... ويخضعه لمجلة المرافعات والعقوبات العسكرية... بل يخضعه لنصوص قانونية وضعية استلهمها المشرع التونسي من قوانين دولة الاستعمار الفرنسي حين أرادت فرنسا الكولونيالية أن تخيف التونسيين من سطوة عسكرها... لذلك لطالما اعتبرت نفسي سجين دولة احتلال، وان تلك المحاكمة الجائرة ليست سوى محاكمة في دولة استعمار بالوكالة.
عدت إلى السجن... كان الطقس ماطرا والغيوم تتراكم في السماء... غيم ومطر... وكانت سيارة السجن تسير ببطء في زحام شديد... الفيضانات أغلقت الطرق البالية للعاصمة الفقيرة المهملة... تونس بلد مهمل... باستثناء بعض الأحياء الراقية في النصر والمنزه والمرسى... أحياء الأغنياء لا تغرق ... أما الأغلبية المفقرة فإنها في ضنى ونكد... لست يساريا ولكنني أتبنى آليات اليسار في تحليل الواقع الاجتماعي والاقتصادي البائس في تونس.
بورقيبة كان رجلا وطنيا ... عمل من اجل بناء طبقة متوسطة مثقفة ومحترمة وتعيش بكرامة... وحارب الفقر والجهل... السبسي ليس بورقيبة ولن يكون... انه نسخة مشوهة وزائفة للأب بورقيبة... بن علي حقق مصالح الأغنياء في أن يزدادوا غنى وثراء، فساهم في تدمير الطبقة الوسطى ووسع دائرة الفقر... ثم جاء الكذابون من المعارضة زاعمين أنهم جاؤوا بالعدل والرخاء فإذا لصوصهم اكبر من لصوص بن علي.



أنا الآن في السجن من اجل كشفي لشبهات فساد في صفقات التسلح ... لم أشأ أبدا أن اذكر أسماء بعض المورطين... علمت في السجن أن بعض المدونين والصحفيين قد نشروا بعض الأسماء.... كانت الصحفية ليليا بن رجب قد نشرت مقالا قصيرا بلغتني تفاصيله وأنا في السجن ... كشفت فيه أن صهر الرئيس الباجي وهو زوج ابنته ويدعى نبيل حمزة قد شارك فعلا في السمسرة في صفقات الأسلحة... وفي الحقيقة كنت وصلت إلى أثار هذا الشخص أثناء عملي الاستقصائي لكنني لم ارد ذكر اسمه حتى لا أسيء إلى رئيس الدولة... تجنبت ذكر اسم نبيل حمزة.. لكن ليليا بن رجب أسقطت عنه القناع.
في بعض الأحيان وأنا في السجن أردت أن افهم لمَ وافق الباجي على سجني؟ بل هو الذي أمر بذلك... كنت أبحث عن الحلقة المفقودة... الآن تيقنت أن الباجي سجنني لأنني وصلت إلى عين الماء إلى بؤرة الصفقات.
كانت العمولات حسب منظمة الشفافية الدولية عالية ومكلفة لخزينة الدولة كان نهبا منظما عميقا تتحرك فيه مافيات داخل الدولة .. توقعت في صفقة الطائرات المروحية ان نسبة العمولات يمكن أن تبلغ 50 مليارا دفعة واحدة... انه رقم خيالي.... هؤلاء لصوص ومجرمون ... أنهم مستعدون للقتل ... وليس لسجني وحسب... لقد أوجعوا الدولة نهبا...
سوف يذكر التاريخ للأجيال القادمة انه في زخم السرقات كانت هنالك صحيفة وطنية واجهت كبار اللصوص في الدولة... أنا لا أخشى الموت ولا أخاف الفوْت... أنا رجل الرجال والسجن للرجال... يا لتعس الزمن البائس.



هذا السجن لم يوهن عزمي... العزم يسكن بين أضلاعي... من السجن طلبت نشر بعض الملفات الخطيرة والموجعة... صحيفتي مستمرة في النشر وثابتة... وكنت قد كلفت شقيقتي المحامية برئاسة هيئة التحرير بالوكالة وطلبت من شقيقي معز أن يتولى مهمة مستشار التحرير... كانت إدارة الصحيفة موفقة وكان استمرارها هو التحدي الأكبر للاستبداد الجديد الذي يولد من خلف أبواب المحكمة العسكرية...أنا مستعد لحرب استنزاف طويلة.
تلك الصحيفة هي الأغلى ثمنا بين الصحف التونسية وكان المحامي يطلعني على تطور مبيعاتها... كانت نسخها تنفد بالكامل وهذا ما أثار حنق الموبوء شوقي طبيب حتى انه هاتف ومعه الطيب الوهار عراب صاحب المطبعة بالشرقية وطلب منه ان يمتنع عن طباعة الثورة نيوز... هؤلاء البؤساء تسكنهم روح القمع والديمقراطية الزائفة... انهم يرتدون اقنعة تظهرهم حداثيين ومدنيين ... ولكنهم في الحقيقة أزلام شر.



من هناك حركوا فرقة مقاومة الإجرام ببن عروس.... حولوها إلى ما يشبه إدارة امن الدولة زمان بن علي... كان يرأسها المقدم وسام بن سليمان... كنت اعرفه ضابطا عاديا حتى ضربه بائع خمرة بساطور على رأسه حين وقعت خصومة بين السلفيين وتجار الخمور في منطقة دوار هيشر منذ سنوات... أصيب الرجل في رأسه ثم شفي بعض منه... هو الآن على رأس مصلحة فرقة مقاومة الإجرام وعوض ان يشتغل في قضايا الإجرام والسرقات والمخدرات فرضوا عليه أن ينتهج سياسات جهاز امن الدولة في الدولة الكليانية... البعض من صغار المسؤولين يسارعون إلى ترضية صاحب الحكم رغبة في ترقية أو منحة.... فيبيعون لأجل ذلك ذممهم ومبادئهم.
تتابعت الأيام وأنا في أسر القضاء العسكري في دولة الديمقراطية والحكم الرشيد... كان السجن باردا في الشتاء... وظروف الحبس تحتاج إلى مراجعات ومعاودة نظر... المساجين يمارسون طقوسا عجيبة في السجن... حتى الطعام يأكله المساجين باردا... الفتيلة تعوض المطبخ... تغمس قطعة قطن في الزيت... ثم تشعل نارا ضعيفة خافتة لا تكاد ترى... وتظل وقتا طويلا تشتعل لتدفئ الطعام.
الطعام لا يدخل إلا وفق قوانين صارمة... تفتيش وتفتيش.. في الطعام قد تدخل  الممنوعات... وتشرف مصلحة داخل السجن على تفتيش الطعام الذي ترسله عائلات المساجين.
هناك الزيت يصبح عملة صعبة، من يملك الزيت يزداد نفوذه داخل السجن هو بترول المساجين، به يأكلون ويتدفؤون طعامهم...انه نظام داخلي قاس وعنيف لان المساجين خليط فيهم المجرم والبريء... القاتل والضحية.. المثقف والأميّ.



وترى داخل غرفة السجن تقسيمات عجيبة ففي الغرفة تصغير لنظام الطرقات في الواقع المعيش، وداخل غرفة السجن  autoroute او الطريق السريعة وتعني ذلك الفضاء الذي يشق الغرفة ويفصل بين ضفتي الأسرّة التي تحويها الغرفة... ضفة تحوي 2 أسرة فوق بعضها... وضفة تحوي 3 أسرة فوق بعضها البعض.
كنت انتظر الخميس المقبل 15 من شهر ديسمبر لسنة 2016 وهو تاريخ الجلسة الأخيرة في محاكمتي الجائرة بالمحكمة العسكرية بتونس... غير أنه قد وقعت مفاجأة في يوم السبت 10 ديسمبر... دخل العسس عند الفجر وأعلموني أن تعليمات صادرة عن قاضي التحقيق بسوسة والمختص بالنظر في قضايا الصحافة يطلبني للتحقيق في قضايا صحفية... علمت أن في الأمر كيدا قد دبر بليل ... وتأكدت في سريرتي أن الوكيل العام لدى المحكمة الاستئناف بسوسة عبد الحميد عبادة هو الذي يقف خلف هذا الطلب.. انه تآمر باسم القانون.
ما معنى أن يطلبني قاضي التحقيق من اجل قضايا غير مستعجلة... يعني ذلك أن الغرض إنما كان التنكيل بشخصي ونقلي من سجن المرناقية الى سجن المسعدين وهو ما يسمى في لغة السجانين ب"الكونفوا"... رفضت الامتثال ... لن اذهب إلى سوسة... افعلوا ما شئتم ... قضايا الصحافة ليست قضايا متأكدة هي تخضع للمرسوم 115... وأقصى أحكامها خطية مالية...وأعلمتهم أنني مودع في السجن في قضية سياسية.... وأنني على ذمة القضاء العادل جدا... قداسة القضاء العسكري في زمن حكم الباجي وزبانيته .



كنت اعلم أن الباجي هو الذي يقف خلف الأمر الصادر بإيقافي... وتيقنت لاحقا أن حاشية الرئيس وعلى رأسهم الغلام بن تيشة صارت هي الحاكم الفعلي للدولة وان رئيس الحكومة ليس سوى ولد مطيع... وتأكدت أن كشفي للفساد في صفقات التسلح تقف خلفه لوبيات فاسدة تمارس اللصوصية على المال العام.
أنا اليوم أكشف تلك الحلقة المفقودة في صفقات التسلح... انه نبيل حمزة صهر الباجي... وزوج ابنته امال... كنت في أواخر شهر أوت قد وصلت إليّ هذه الحقيقة... صهر الباجي هو المستفيد الأول من ريع الصفقات في التسلح في وزارة الدفاع ووزارة الداخلية... اتصل بي وقتها احد التونسيين المقيمين بفرنسا وأمدني بوثائق حارقة... لم أكن اعرف صهر الباجي ولا اسمع عنه ... قررت التحري أكثر... وجاءت التحريات وعمليات الاستقصاء لتثبت أن الرجل تاجر سلاح يعمل لفائدة رجل أعمال فرنسي يختص في تجارة السلاح عبر العالم خاصة في افريقيا وبؤر التوتر في العالم.
بحثت عن تاريخ الرجل... كان نادلا يعمل بنزل فاخر في باريس... وقد تعرف على مصاص الدماء رجل الأعمال الفرنسي "ب.ج"... اقترح عليه رجل الأعمال أن يستغل علاقته بصهره الباجي ... أن يحول ذلك إلى نفوذ من اجل الفوز بمتطلبات الدولة من الأسلحة.
خلال بضع سنوات أصبح نبيل حمزة غارقا في ثروة طائلة... الرجل يتصل بكبار المسؤولين في وزارتي الدفاع والداخلية يقترح عليهم توفير حاجياتهم من الأسلحة... وأثناء إشراف ناجم الغرسلي على وزارة الداخلية نجح في عقد صفقة لشراء أسلحة... وصلني ملفها إلا انه كان منقوصا ولم أصل إلى نتيجة... ثم اكتملت الحلقة.
يا بؤس العالم... الرئيس الباجي قايد السبسي يسجنني لأنني أحارب الفساد... أين ذلك التيس الدجال شوقي طبيب؟... دعيّ الفساد، وعرّاب السرقات... لقد زعم انه كبير الصالحين... هل يقدر على البحث عن هذا الفساد... لقد نصبوه، حاميها حراميها... انه كبيرهم الذي علمهم السحر... وظيفته ذرّ الرماد فى العيون... شوقي طبيب يطارد صغار اللصوص للتغطية على السرقات الكبرى... سوف افضحهم.


إنهم يريدون التنكيل بشخصي... أنا أخطأت حين ساندت الباجي... كنت مثل اغلب التونسيين أبحث عن خلاص لوطننا... الباجي وزمرته خدعوا الجميع وأعادوا إنتاج نظام استبداد مشوه... أصبح نظام بن علي جنة من الجنان حين نقارنه ببؤس النظام القائم...تخيلوا أنني احرم من الزيارة المباشرة بأمر من المحكمة العسكرية... وفي المقابل يسمح للارهابيين بالزيارات المباشرة.
صرير مفاتيح السجان يأتي من بعيد... كان صوت المفاتيح إعلاما بقدوم السجان لأمر ما... دخل فريق من العسس وقال احدهم:" سروالك في يديك."... إنها طريقة مخزية في تفتيش المساجين... إنها تعرية لحرمة الجسد، وإهانة لكرامة الإنسان.. أنا كنت امتنع عن فعل ذلك... وسأناضل بعد خروجي من اجل تغيير النظام الداخلي للسجون التونسية... ثم شرعوا في تفتيشهم وهم عراة... يا لتعس المدنية يا لتعس الحضارة الانسانية.. إنها ممارسات العبيد والرقيق.

 سجين الرأي رقم 169531 




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire