lundi 19 décembre 2016

قراءة في اغتيال الثورة




في مثل هذا اليوم تسارع نسق الاحتجاجات الشعبية التلقائية بكل من ولايتي القصرين وسيدي بوزيد كردّ فعل على تعمّق الأزمة الإجتماعية وتصاعد عمليات القمع الممنهج من قبل نظام بن علي الذي راهن على الحل الأمني لإخماد الحراك الشعبي المحدود بداية من الفاتح من ديسمبر 2010 ، إلا أن النظام الحاكم آنذاك فشل في مسعاه لغياب إستراتيجية سياسية واضحة المعالم لدى حكومة محمد الغنوشي والحزب الحاكم إضافة الى إنشغال الرئيس بالتسوّق بالخليج صحبة زوجته وأبنائه وتستّر وزير الداخلية آنذاك رفيق الحاج قاسم عن فحوى التقارير الأمنية الواردة عليه والمؤذنة بتحرك شعبي غير مسبوق جراء كثرة الضغط الممارس على الطبقة الفقيرة التي سئمت الوعود وعانت من الخنوع.
ادى ذلك إلى انتشار عدوى الإحتجاجات والتظاهرات بعدد من المدن الداخلية بالبلاد تساقطت إثرها عديد الأرواح من الهالكين ممن قضوا نحبهم في إطار مسيرات احتجاجية أو خلال عمليات مداهمة لمقرات أمنية أو أعمال تخريبية مما ساعد في تأجيج الرأي العام وتأليبه ضد النظام الديكتاتوري ليرتفع نسق الاحتجاج والتظاهر والعصيان في ظل غياب القرار السياسي الرشيد القادر على احتواء الأزمة الخانقة باتخاذ قرارات فورية مسكنة لآلام الشعب المفقّر الذي حركته الحملات الفايسبوكية التلقائية والمأجورة من قبل أطراف سياسية معارضة وأجهزة دولية للتخابر في ظل غياب قيادة سياسية محلية للهبّة الشعبيّة متسارعة نسق التضامن خصوصا في النصف الثاني من شهر ديسمبر 2010 إلى تاريخ 14 جانفي 2011 ساعة مغادرة الرئيس الأسبق لأسباب لا تزال غامضة لدى العموم ممّن عانوا من أزمة أيام جانفي 2011 الحالكة والتي أعادت للأذهان ما عاشه الشعب سنة 1978 إثر أزمة الاتحاد العام التونسي للشغل وتصادمه مع نظام بورقيبة .
فالشعب التونسي ثار على وضعه المقيت خصوصا في المناطق الداخلية المهمشة فتضامن شباب المدن المترفهة إفتراضيا عبر شبكة الأنترنات التي لعبت دورا مفصليا في تهاوي النظام الحاكم زمن غياب قيادات تأطير ما يسمّى بالثورة الشعبية التي لم يكتب لها أن تكتمل على غرار الثورات العالمية الأخرى نظرا لعدم إكتمال المسار الثوري وفق ما تمناه المواطن التونسي البسيط أو المواطن المثقف الصامت ممّن سلبوا من استحقاقهم الثوري لفائدة لوبيات مالية وسياسية مسيطرة على المشهد التونسي في الخماسية الأخيرة.
لقد شاءت الأقدار أن يقبل علينا عدد من البدور من ثنيات الوداع بعد رحلة مع الهروب للمهجر لبعض أفراد هذه اللوبيات وعودة لعدد من المتغربين مهنيا ورجوع عدد من أيادي أنظمة غربية ومخابرات أجنبية ليشهد البلد صراعا من أجل المتوضع السياسي والوجود المالي والإستئثار بالخيرات ودمغجة سائر أفراد الشعب بعد تطويعه لخدمة طرف سياسي ضدّ آخر دون مراعاة للمصلحة العليا للشعب التونسي الذي عانى طيلة خماسية من السنوات من الوعود الزائفة والتطمينات السياسية والمخدرات السياسوية بخطابات إمبريالية، كيف لا ودعاة تأسيس المجلس الوطني التأسيسي قد فشلوا في ارساء جمهورية ثانية حقيقية لا جمهورية صورية ظاهرها ديمقراطي وباطنها إستبدادي ملكي.
حيث تتالت الحكومات الفاشلة لإعتبارات عدة أهمها توفر أرضيّة خصبة بالبلاد للأنشطة الإرهابية والدسائس السياسية وممارسة الجشع المالي واغتصاب الخيرات في ظلّ غياب التكافؤ الحزبي والمعادلة الديمقراطية مقابل قسمة تركة الرجل المريض لبلد جريح يحيلنا إلى قسمة السلطنة العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى.
فمن أجل غياب الثقافة السياسية جراء القمع السياسي لفترة ما قبل الثورة وتصحّر الساحة السياسية وعزوف المواطن المثقف والنخبة الوطنية وانشغال المواطن العادي بمجابهة مشاغله اليومية جراء غلاء المعيشة وتدني المقدرة الذاتية لضمان العيش الكريم طغت جملة من الظواهر السياسية التي اعتلت المنابر الإعلامية وسوّقت لبرامجها الزائفة في ظلّ قرع طبول صحافية مهللة بأشباه المهدي المنتظر ممن سوقوا لمقدرتهم على قيادة البلاد واعادتها للمدر الصحيح، ذاك المدار الذي ظلّ خارج كوكبة وسيظل كذلك في ظلّ تعنّت بعض القيادات الحزبية وغياب البرامج والمشاريع الإصلاحية وطغيان المصالح الذاتية المتماهية مع الإملاءات الخارجية زمن تلهية المواطن بتصريف مشاغله وتخبطه في مشاكله العائلية والمصرفية، كلها عوامل ساهمت في إفشال ما يسمّى بالمسار الثوري وأحالت البلد إلى حالة عطب مستمر مؤذن بالإفلاس وعودة الإحتلال الإستعماري الفعلي حفاظا على مصالح الدول الغربية الإقتصادية والجيوسياسية في ظل المتغيرات العالمية.


فلا يختلف عاقلان عن توصيف حالة العجز المالي والعهر السياسي والإفلاس الأخلاقي الذي تعيشه البلاد منذ الثورة تبعا لتهاوي لوبيات قديمة وظهور أخرى جديدة مفترسة لخيرات البلاد ومصادرة لحقوق أفراد الشعب التونسي في ظلّ صمت المثقفين وتهليل الإعلاميين ومغالطة السياسيين لسائر المواطنين ممّن صودرت حقوقهم بطريقة سلسلة إن لم نقل قيصرية بأعمال تخديرية بعد التسويق لنجاحات وهمية لأحزاب سياسية وحكومات عائلية راهنت على المغالطة والدهاء السياسي المقنّع بالإعتماد على الشعبوية وبعض المرتزقة من الأقلام والأبواق الإعلامية ممّن شاركوا في جرائم دولة ضدّ شعب الدولة.
 فمن الحمق القبول بنجاح طرف سياسي معيّن ومن الغباء التسليم بتوفيق حكومة معينة في قيادة البلاد في ظلّ خرق فاضح للدستور والقوانين وإخلال بالمواثيق الدولية من خلال تغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي أو رئاسوي مقنع إذا سلّمنا بمشاركة رئيس الحكومة الحالي في اتخاذ القرار ونسجه صحبة رئيس الدولة الحالي دون الإحتكام للدستور كأعلى قانون بالبلاد، ذاك الدستور الذي سنّ لضمان الحريات والكرامة الوطنية وصون الحقوق الفردية التي ضلّت صورية ولم ترتق إلى مرتبة الإلزام والإلتزام بطريقة تبين كيف تجرأت الحكومات المتعاقبة منذ 2014 على ضرب على ضرب الحريات وتكميم أفواه النقد وتطويع القضاء بنوعيه الأصلي والإستئنافي لزجر المنتقدين بتجريم أفعالهم وتتبعهم جزائيا قصد تأديبهم وتخويف رعاع الشعب لضمان الإمتثال للساسة والخضوع للحاكم وفرض الإنضباط العسكري على المواطن المدني حتى تضمن تنفيذه لتعليمات الدولة وسياستها دون ترمرم أو تردّد بعد سلبه حق التعبير وتجميد حرية الرأي تأسيسا لدولة استبداد جديدة ظاهرها حرية العيش والتنقل والملبس والسهر وباطنها تلهية الشعب عن مشاكله الوطنية والإذن بتخديره والمناداة بعدم تتبعه جزائيا من أجل الإدمان على المخدرات لضمان غيابه الذهني وانشغاله عن المشهد السياسي لضمان احكام القبضة الإستبدادية للوبيات السياسة والمال من الأثرياء الجدد الذين انقضّوا على ناصية الحكم بدعوى انقاذ البلاد وحماية الوطن وضمان سلامة وديمومة تواجده .


فما هي أحوال البلاد في الخماسية الثانية من العقد الحالي للثورة؟

في العيد الخامس للثورة نتساءل بأي حال عدت يا عيد؟ هل تغيرت البلاد بأوضاعها الإجتماعية والسياسية والإقتصادية؟ وهل تعافى البلد زمن حكومة الوحدة الوطنية الرشيدة؟.
إنّ أهمّ ما يلاحظ هي الحالة النفسانية لأفراد الشعب التونسي ممّن أصابتهم حالة من الوجوم والريبة والخوف من المجهول بشأن مصير البلاد التي تتخبط في أزمات خانقة على جميع الأصعدة في ظلّ غياب جهاز سلطوي مقتدر جاهز للإرساء بالبلاد إلى برّ الأمان في ظل العجز المتواصل والمتفاقم بطريقة تنبئ بالإفلاس الإقتصادي والإنفجار الإجتماعي والتطاحن الطبقي والتجاذب الحزبي في ظل سطوة المال الفاسد، ذاك المال الذي تم ضخّ جزء منه عن طريق أجهزة التخابر الأجنبية والشركات المشبوهة ذات الإمتداد العالمي إضافة إلى جود جزء منه تم ضخه في إطار عمليات تبييض الأموال لشبكات تجارة التهريب الدولي، الأمر الذي سهل عمليات تمويل الإستقطاب الإنتخابي وشراء ذمم بعض الأقلام والمدونين من طرف لوبيات المال والسياسة ممّن اكتسبوا عذريات جديدة وضمنوا مواقع سياسية ومراكز نفوذ جديدة في السلطة الحاكمة بطريقة مباشرة أو خفية على شاكلة مسرح الدمى المتحركة دورها تحريك أطراف اللعبة السياسية وتوجيه الرأي العام والتأثير فيه وفق أجندات مسبقة تسمح بالسيطرة على مفاصل الدولة سياسيا واقتصاديا بقطع النظر عن تهميشها لأغلب أفراد الشعب وزجرها لكل من تسوّل له نفسه انتقاد أعمال هذه اللوبيات أو كشف مخططاتها الخفية بتطويع لبعض من أفراد السلطة القضائية ممن تسيسوا طمعا في التدرج وفق الأهداف أو بحثا عن مركز سياسي مرموق قد يغدقه عليهم أحد قادة اللوبيات المفترسة التي استباحت البلاد والعباد دون حسيب أو رقيب تبعا لغياب سلطة سياسية صادقة وأمنية متمكنة لآليات ردع سياسي بمقتضى الصلاحيات الدستورية الممنوحة للسلطة التنفيذية في ظل انشغال مكونات المجتمع المدني بمواضيع هامشية تمت تلهيتها بها في اطار التهميش المبرمج مسبقا لاخراجها من دائرة الاهتمام السياسي وابعادها عن مدار الوعي الوطني في اطار ما يسمى بسياسة المناورة والالتفاف على اهداف ما يسمى بالثورة الملطخة او المستولى عليها بالسلب والابتزاز من طرف الاثرياء الجدد للثورة وساسة الفضائح والمبايعة للمستعمر في اطار ما يسمى بالاستثمار احدة اشكال الاستعمار المتجدد.هكذا يعيش ابناء وطني في صمت رهيب في ظل رؤية ضبابية للمستقبل القرؤيب الذي قد يحمل في طياته متغيرات وتقلبات شبيهة بما تفرزه أمواج البحر الساخطة في ايام الشتاء خصوصا وان تشخيص الوضع الحالي بالبلاد يفترض الموضوعية والتجرد بوضع الاصبع على مواطن الداء قصد تحليل الوضع العام بقراءة نقدية سليمة دون اثارة مسرحية بعيدا عن التوجيه السياسي او المراوغة والتضليل لعموم الشعب ممن تنطلي عليهم الخدعة السياسية على شاكلة الحقبات السابقة منذ الاستقلال.
وعليه فا ما نراه اليوم كسائر افراد الشعب ممن تحوزوا على درجات من الثقافة الشمولية تؤهلهم لفهم وتشخيص الواقع التونسي المعاش مع البحث عن آليات الخروج من الازمة الحالية والمتطورة سلبا.
حيث انه يتوجب علينا وضع الاصبع على مواطن الداء دون لف او دوران من خلال ما سنتولى سوقه تباعا علنا نفرز وعيا جماعيا قادرا على تحديد رقعة الازمة الخطيرة ووقف نزيفها علنا نفلح في ايجاد مخارج مشرفة قبل فوات الاوان خصوصا وان البلد على شفا حفرة من الانهيار تبعا للاسباب المذكورة ىنفا والتي تعزى لفشل المتداولين على السلطة في وضع مشاريع مخططات واقعية لانقاذ البلاد وللغرض نذكر 15 نقطة كمضمون للتشخيص الواقعي كالتالي:
• تدن ملحوظ للقدرة الشرائية لدى المواطن مقابل غلاء المعيشة.
• ارتفاع الارهاب الضريبي لدى الدولة واعتماد سياسية السلب المقنن للمواطن البسيط.
• تضخم نسبة البطالة وعجز الدولة عن استيعاب المعطلين من اصحاب الشهائد العليا.
• انتهاج الدولة لسياسة الزجر بضربها للحريات والحقوق الفردية الدنيا ومحربتها للراي المضاد.
• تاكد افلاس المشاريع الحكومية المسوق لها آخرها افلاس منتدى التسول او ما يسمى بمنتدى الاستثمار تونس 2020.
• تنامي التهريب والاقتصاد الموازي وجنوح اصحاب المال لاعداد مطامير منزلية (بنوك منزلية)
• ارتفاع مؤشر الجرائم بانواعها وارتفاع التفسخ الاخلاقي الشبابي.
• عجز الاحزاب السياسية الصغيرة عن الصمود وتلاشيها في غمرة التسابق على المناصب الحكومية.
• تدجين العديد من وسائل الاعلام والصحف والمدونيين وتطويعهم بطرق مختلفة لخدمة الحاكم السياسي.
• اهتزاز الثقة لدى الدول الاجنبية والشقيقة جراء العجز عن تسيير البلاد وادارة المرحلة الحالية مما انعكس على العملة المحلية وتدحرجها الملحوظ مقارنة بالعملان الصعبة المعتمدة في السوق العالمية.
• تفشي ظواهر الرشوة صلب المجتمع وفي بعض المصالح الحيوية للادارة التونسية جراء البيروقراطية المقيتة والممنهجة اضافة لتفاقم ظاهرة التحيل بانواعه.
• شعور المواطن العاتدي بكره النظام الحاكم جراء معاناته من التسويف والخداع السياسي واثقال كاهله بالضرائب وعدم تحسين اوضاعه المعيشية المتكدرة مع فقدان الشعب لثقته في نوابه لتماثل الوضع مع حقبة ما قبل الثورة.
• تكاثر الاثرياء الجدد الموكنين للوبيات المال والسياسية مقابل عجز سائر الشعب عن توفير لقمة عيشه اليومي لتباين الطبقات والعجز عن مسايرة التطور الاستهلاكي والتسويق الراسمالي مما انعكس على السلوك الاخلاقي للعديد من افراد الشعب من الاناث من خلال نشاط تجارة الجنس وارتفاع نسبة العنوسة وعجز الذكور عن الزواج لقلة ذات اليد.
كل هذه النقاط المبسوطة تؤكد الانخرام المجتمعي وغياب مكونات المجتمع المدني وتعزز فكرة الفشل السياسي وهي عوامل مجتمعة ستعصف حتما بالمشهد السياسي المهدد بدوره للكيان الوطني بالافلاس وعودة المستعمر لحماية مصالحه الخاصة في اطار متجدد.

 القاضي سحنون



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire