mercredi 7 décembre 2016

بين بساط أحمر وآخر أزرق : متى تشفى الثّقافة في تونس من عمى الألوان ؟




الثقافة.. وما أدراك ما الثقافة.. في بلاد المثقَف فيها منبوذ والفن حكر على المقرَبين من البلاط وأصحاب النفوذ.. الذين ينحرون المبدعين ويقدَمون أرواحهم قرابين تقرَبا من أبولو اله الفن العظيم،  خوفا على أموال وزارة الثقافة من أن تطالها ذات يوم يد المثقفين المهمَشين بدل ضاربي الدفوف من المستثقفين..
فالويل الويل لمن ادَعى الابداع وفكَر أن يكون له بين أرباب الفن في بلادنا ذاع.. اولئك الذين امتهنوا الفنَ تظاهرا بالثقافة  فاستحوذوا على الدعم والمراكز وطبعت تظاهراتهم في الأذهان  بفضائح سوء التنظيم والنهود التي تتراقص.. فكما استحال مسرح قرطاج الأثري مرتعا لسقط المتاع  بعد أن كان حكرا على الفنانين ورمز للإبداع، تحولَت أيام قرطاج  السينمائية منها والمسرحية إلى ترنَح على السجاد واستعراض لمفاتن الأجساد..


خمسينية أيام قرطاج السينمائية كشفت أزمة "منتصف عمر" السينما في تونس

يبدو أنَ تطوَر العالم من حولنا لا يلهم شعوبنا الَا التهوَر.. فانصرف روَاد الثقافة إلى تبنَي عادات تتنكَر لهويَتنا خسفت تاريخا عريقا لأحدى اهم تظاهراتنا الفنيَة وحوَلتها إلى مسرحيَة هزليَة انتهت بهديَة رمزيَة للسيَد رئيس الجمهورية.
خمسون عاما مرَت على تأسيس تظاهرة أيَام قرطاج السينمائية، المهرجان الذين أطلقه رواد السينما التونسية عندما كان الفن هوسا بالإبداع ومحاكاة للواقع.. 

وأين نحن من ذلك الواقع؟ 

عندما تتمرَد إدارة المهرجان على وزارة الثقافة ويطلَ مدير أشاد الجميع بفشله ليصدح مناديا بحياة رئيس الجمهورية، مبررا عجزه عن ادارة الدورة وتورَطه في ارتكاب أخطاء فادحة، جعلت من المهرجان أضحوكة تتلقَفها الشاشات العربية. 
وعندما تعهد مسؤولية إدارة مهرجان عريق في إطار الاحتفال بخمسينيته إلى ابراهيم لطيَف فهل لنا أن نتفاجأ بالوز الذي هزَ واهتزَ فسقط وبين الحفر ارتكز بينما كان يشقَ طريقه على السجادة الحمراء؟
وعندما تحجز الدعوات للصديقات والمقرَبين ويكون لعبد العزيز الشهير بقطوس منال عمارة مكان بين المدعوين، فأين سنجد مكانا للسينمائيين؟؟ 
ألا يكفي أنه تنكَر للإعلاميين التونسيين ولجأ الى المصري باسم يوسف ليقدَم حفل الاختتام في الدورة التاسعة والأربعين،  وأخجلنا امام بلدان العالم الذين  يجعلون من تظاهراتهم الثقافية واجهة لهويتهم واستعراضا لكفاءاتهم.. فبدونا في منزلة القاصرين عن القيام بمهمة تقديم الحفل...  
وبعد ان أقيل ابراهيم لطيَف مخلَفا العار في تاريخ أقدم مهرجان في إفريقيا هل ستبقي وزارة الثقافة على سياستها الاعتيادية في توزيع المناصب؟ ام قد نجد يوما الرجل المناسب في المكان المناسب؟؟

وعن أيام قرطاج المسرحيَة فلا تسأل : 
مدير المهرجان منبوذ ومسرحيون يحتجون...

رافق تعيين لسعد الجموسي على رأس الهيئة المديرة لأيام قرطاج المسرحية موجة من الاحتقان لدى المسرحيين خاصَة الشبان، الذين اعتبروا انه لا يملك الكفاءة التي تجعله قادرا على تسيير التظاهرة واتهموه بالمحاباة في اختيار الأعمال المسرحية التي ستعرض في المهرجان.
ورغم التنديد به والمطالبة بإقالته، تعامل الجموسي مع المسرحين الشبان بتجاهل تام وبمنطق: القافلة تسير والكلاب تنبح.. ومضى بقافلة ايام قرطاج المسرحية بحذر الحريص على تفادي الأخطاء التي أطاحت بأيام قرطاج السينمائية ونجح نسبيا في ذلك.
 وقد التزمت هيئة التنظيم بتقديم لمسة وفاء في حفل الافتتاح لمؤسس التظاهرة المسرحي  الراحل المنصف سويسي إلى جانب أسماء عديدة من بينها الممثلة التونسية جليلة بكار والمسرحي المغربي الراحل الطيب الصديقي والكاتبة المسرحية ويري ويري ليكنج من ساحل العاج والممثل والمخرج الجزائري محمد آدار لما تركوه من بصمة مؤثرة في المسرح محليا ودوليا.
ورغم عدم تميَز التظاهرة وتقييمها كحدث متوسَط تنظيما وتقديما، إلا أننا نحمد الله انها لم تخلَف المهانة التي خلَفتها التظاهرة التي سبقتها.. ولنا ان نفهم هزالة القطاع الثقافي في تونس الذي اطاح به الفساد فانصرف المشرفون عليه عن الطموح الى التميَز واكتفوا بالمرور مرور الكرام تحت شعار العبرة بالمشاركة..


مدينة الثقافة في طور الانجاز وعاصمة الثقافة تفشل بامتياز.. أمَا المثقَف التونسي فيكتفي بإبداء الانزعاج

في مارس 2014 قرَرت المنظَمة العربية للتربية والثقافة والعلوم اختيار مدينة صفاقس لتكون عاصمة الثقافة العربية لسنة 2016 بعد ان احتضنت مدينة قسنطينة في الجزائر هذا الحدث في سنة 2015. 
وكأي تظاهرة ثقافية في هذه البلاد، لم تفلح سلطة الاشراف في انجاح هذا الحدث والذي حكم عليه بالفشل منذ بدايته، خاصة بعد الاستقالة الجماعية لهيئة التنظيم وتملَص المنصف ذويب ،الذي تمَ تعيينه كمدير فني للتظاهرة،من مسؤولياته وانشغله بتسيير فضائه الثقافي الخاص بالكرم. 
و رغم محاولات وزارة الثقافة انقاذ هذا الحدث من خلال محاولة استقطاب بعض المشاهير كدعوة عادل إمام لزيارة صفاقس، إلا  أنَ المحاولة باءت في الفشل خاصة في ظل انشغال الاعلام التونسي بتغطية أيام قرطاج السينمائية وتحوَل الزعيم إلى المشاركة بدوره في اختتام التظاهرة.. وهو ما  جعل من زيارته إلى صفاقس حدثا ثانويا لم يحقق مبتغاه بسبب ضعف التخطيط والتنسيق للمشرفين.
الغريب عند التفكير في أسباب فشل هذه التظاهرة هو المعايير التي تمَ على اساسها اختيار صفاقس لتكون عاصمة الثقافة العربية، لسنا بذلك نستنقص من قيمة تلك المدينة العريقة بل لأنها تعرف كعاصمة صناعية لا تتوفَر فيها مسارح وفضاءات قادرة على احتمال حدث مماثل وهو ما يقرَه اغلب القاطنين بها.. ام ترى هذا الاختيار كان لغاية في نفس يعقوب؟ كأن يكون التهميش مقصودا بسبب قلَة ذات اليد.. أو لإدراك  ضعف أهل الاختصاص وعجزهم عن الاشراف على تظاهرة شعارها " الثقافة توحَدنا وصفاقس تجمعنا" 
وبين بساط أحمر سيئ الإخراج وبساط أزرق أثار الانزعاج لا عجَب ان تفشل تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة.. لننتهي إلى واقع ثقافة عليلة تشكو قلة الحيلة..و  مثقَف معطَل عن الابداع يتمنى الموت ويطمح أن ينعى بتكريم في احدى تظاهراتهم السقيمة.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire