mercredi 7 décembre 2016

من الملهاة التونسية




تعتبر اللحظات الانتقالية في حياة الشعوب لحظات حاسمة.وهي رغم أهميتها وخطورتها حافلة بالعجيب والغريب .وكثيرا ما تجمع المتناقضات والفوارق والأسود والضباع والنبل والوضاعة إلى درجة الضحك كما هو شأن الملهاة التونسية. يحدث أن يختلط الأبيض والأسود ويتماس الخير والشر .وفي مكان واحد نجد الرجال وأنصاف الرجال وأرباع الرجال وأعشار الرجال وأشباه الرجال.يظهر رجال ونساء يرفعون النبل إلى مداه.ويبرز أوغاد يسيئون إلى كل شيء .ويشوهون سحر الحياة حتى تقول بئسنا وبئست حياتنا.
شخصيتان ملأتا الدنيا وشغلتا الناس في الأيام الماضية: منذر قفراش وسامي براهم
أدمن قفراش على تمجيد المخلوع والدفاع عنه والحنين إلى عهد سيده الذي ملأ البلد عدلا ونماء ورخاء. فشغّل كل العاطلين وأطعم الجياع فكافأه الشعب اللئيم وثار عليه.ولأنه ديمقراطي فإنه ترك الحكم وغادر في صمت.هكذا رأى الوغد تونس في عهد سيده النذل: جنات تجري من تحتها الأنهار، طرقاتها سيارة وشعبها سعيد وبوليسها لطيف رهيف الإحساس.
هكذا صور النذل سيده ذا بصر وبصيرة، وطنيا ، ذكيا .وكل الذين جاؤوا من بعده غبار(كما وصف بورقيبة الشعب التونسي ذات خطاب: أنا من جعل من الخطاب شعبا).
أبدع قفراش في الولاء لنظام لن يعود ولرئيس عجوز يكاد يبلغ أرذل العمر رغم صبغه لشعره وتلميعه لبشرة وجهه.ونسي الغبي أن التاريخ يمضي دائما إلى الأمام .قد يتوقف أحيانا .لكنه يواصل طريقه لا يلوي على شيء..ولأن هذا الشعب متسامح واسع الصدر ، فإنه ترك هذا الرويبضة وأمثاله يمرحون في البلد ، حتى ظنوا أنفسهم فوق القانون.فعادوا إلى ابتزاز خلق الله. فوضعه سوء حظه مع قرش قوي ذي نفوذ .أراد ابتزاز سليم شيببوب .فإذا بهذا الأخير يطيح به ويرسل به إلى السجن حسيرا محزونا.ولأنه ليس من الرجال قلوب الجمال الذين يصبرون في المحن ويحولونها انتصارات ويجعلونها من أمجاد حياتهم ، فإنه جعل يبكي كالأنثى التي افترعها حبيبها وفر.قيل غن دموعه تهمي كالأمطار وهو يطلب السماح من المحققين ومن شيبوب.وقيل أن الحزب الذي كان يحميه تخلى عنه.أحيانا هكذا تكون عاقبة الأوغاد.
وإذا كان قفراش في دارخالتو ، فإن سامي براهم يبني للأبطال مجدا وهو يردد:
يا ظلام السجن خيم
إننا نهوى الظلاما
ليس بعد السجن إلا
مجد فجر قد تسامى
طيلة ساعة أو أكثر استمع التونسيون إلى ملحمة شاب مكتهل أوكهل شاب وهو يروي رحلة الجحيم التي مر بها من خلال رحلة التحقيق والسجن الطويل . لقد أذاقوه سوء العذاب وطافوا به 14 سجنا من سجون البلاد.وبعد السجن حاصروه وضيقوا عليه ليقتلوا فيه الحياة والمعرفة والكرامة، ليشعروه أنه ليس من حقه أن يعيش كبقية الناس ، وأنه محكوم عليه بالفقر والبؤس والمراقبة الإدارية ليدفعوه إلى الانتحار أو اليأس أو الإرهاب أو أن يصبح مخبرا لديهم، ليخصوه اجتماعيا وعلميا. رفض سامي كل هذه المآلات وأصر على الحياة وعلى النجاح في هذه الدنيا. تحداهم وواصل دراسته.وهو اليوم يعد دكتوراه.وله طفلة مثل العسل كما يقول.لقد ناضل وصبر وحقق بعضا من أحلامه.ورأى وهو شاب الدكتاتور يفر مذعورا مثل الفأر.
وزاد احترامنا لهذا الفتى حين سألته بن سدرين:
-ماهي طلباتك؟
لم يطلب ذهبا ولا فضة ولا أموالا ولا منزلا .قال: لقد تحققت أحلامي يوم سقطت الدكتاتورية.


بعض الذين تربوا في أجواء الدكتاتورية ونظروا لها وساندوها أو سكتوا عليها لم يعجبهم كلام سامي. أحدهم أنس الشابي الذي اشتغل في الداخلية أيام التعذيب .وكان شاهدا على ذلك.كان من المفروض أن يشهد للحق ويعتذر للشعب التونسي. لكنه ظل سادرا في أخطائه التي سيحملها معه إلى القبر.
وليس بعيدا عنه موقف عادل اللطيفي الذي درس مع سامي براهم في دارالمعلمين العليا.ويبدو أنه لم ينس أن سامي وجماعته هيمنوا على دار المعلمين العليا التي ظن اليسار أنها معقلهم الأبدي.
أما نجوى ميلاد فأمرها عجب.حين تسمعها تتحدث عن حبها لله تظنها من أولئك المتصوفة الذين ذابوا في حب الإلاه.فصارت حياتهم فيوضا من المحبة والمواجد كما كان شأن الحلاج الذي قتله عشقه لله.
لقد كانت محبة الله ديدن المتصوفة وشعارهم ودربهم الذي عاشوا عليه وماتوا.أما طريق نجوى ميلاد إلى الله فهو أنهار من الخمر والوسكي والشامبانيا والباستيس والبوخة وصولا إلى المرناق والبيرة.
إنهم متصوفة آخر الزمان.
من مثلك يا تونس ينجب سامي براهم ومنذر قفراش ونجوى ميلاد.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire