mercredi 7 décembre 2016

تفاصيل جلسة المحاكمة العسكرية الثانية: مرافعات تاريخيّة في المحاكمة السياسيّة لمدير الثورة نيوز




 انعقدت يوم الخميس 24 نوفمبر 2016 الجلسة الثانية في محاكمة مدير صحيفة الثورة نيوز وذلك بالدائرة الجناحية لدى المحكمة العسكرية الدائمة بتونس وبحضور فريق الدفاع المتكون من : جلال الهمامي، وعبد الناصر العويني، وحسن مقطوف، ونضال الصالحي، والاسعد المشري، والبغدادي الغضباني، وآسيا حاج سالم، ورجاء الحاج منصور.
وقد انطلقت الجلسة على الساعة 9و45 دقيقة برئاسة القاضي منير صولة، حيث بدأ القاضي بتلاوة نصوص الاتهام استنادا إلى الفصل 91 من مجلة العقوبات العسكرية والفصل 128 من المجلة الجزائية، ومفادها المس من سمعة الجيش وهضم جانب موظف عمومي وتلا القاضي حيثيات القضية المتعلقة بمقال نشرته جريدة الثورة نيوز استنادا إلى بيان كان قد صدر عن جمعية إنارة لقدماء العسكريين.
وقد طالب البيان الموجه من طرف قدماء القادة العسكريين الى رئيس الدولة بإلغاء اتفاقية تقضي بنشر التوعية الدينية عن طريق وعاظ وأئمة داخل الثكنات. لاعتبارات تتعلق بوحدة العقيدة العسكرية للجيش التونسي.
وقد افتتح القاضي الجلسة بتوجيه مجموعة من الأسئلة إلى الصحفي حول ما نشره بخصوص الاتفاقية بين وزارة الدفاع ووزارة الشؤون الدينية. واعلمه ان وزارة الدفاع كانت قد نفت وجود هذه الاتفاقية... فتمسك الصحفي محمد ناعم الحاج منصور بكل ما جاء في مقاله المذكور.
وأكد أن ما أدلى به المسؤولون في وزارة الدفاع ليس قرآنا منزلا وانه يطفح بالاكاذيب والمغالطات ، وأعلن أن ما يدعم مقاله هو أن مجلس الوزراء كان قد اجتمع خلال يوم 29 اوت، وقرر إلغاء هذه الاتفاقية التي تجمع وزارة الشؤون الدينية بجميع الوزارات بما فيها وزارة الدفاع، وان المقال الذي نشرته صحيفته خلال شهر جويلية صحيح ومدعوم بما تناولته جريدة الشعب ومدعوم بالبيان الذي أصدرته رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان وفيه تعلن رفضها المساس بمدنية الدولة وتطالب بالغاء الاتفاقية. وأضاف مدير الصحيفة أن ما نشره إنما هو ممارسة لحرية التعبير الذي يضمنه الدستور... وقد استردك القاضي معتبرا حسب رأيه ان حرية التعبير لها سقف وحدود.



مرافعة المحامي عبد الناصر العويني

وحيث أحيلت الكلمة إلى المحامي عبد الناصر العويني الذي اعتبر احتجاز الصحفي فضيحة دولة ساردا تفاصيل الإيقاف والاخلالات غير المسبوقة في الاجراءات المتعلقة بأعمال قاضي التحقيق، خاصة انه قد غيّر المركز القانوني للصحفي من شاهد إلى متهم دون اتباع الاجراءات التي تنص عليها مجلة الاجراءات الجزائية... وأضاف انه سيقوم شخصيا بالتنقل الى لجنة حقوق الانسان بمنظمة الامم المتحدة من اجل الكشف عن فضيحة اعتقال صحفي على خلفية نشره لمقالات.
وقد أكد عبد الناصر العويني بأن التونسيين يعيشون زمن دولة فاشية ودكتاتورية يقمع فيها الناس لأجل آرائهم وأفكارهم وانه قد حضر محاكمات سياسية في عهد دكتاتورية بن علي غير انه لم ير خرقا فاضحا في الاجراءات بمثل هذه الفجاجة... مذكرا أن نظام بن علي كان يعد ملفات متينة ومتماسكة لمعارضيه دون ان يخرق الاجراءات.
ووجه خطابا مباشرا إلى رئيس المحكمة اعتبر فيها انه لا يثق في القضاء التونسي فضلا عن القضاء العسكري الذي يخضع لأوامر وزير الدفاع... وطالب بالافراج عن الصحفي مستدركا كلامه في اتجاه القاضي واعلمه انه متأكد من ان المحكمة لن تقبل مطلب الإفراج لأن المحكمة تأتمر بالتعليمات المباشرة للسلطة السياسية لوزير الدفاع مباشرة ولا تتمتع بالاستقلالية... وانه متيقن بان محكمة الاستئناف العسكرية تخضع بدورها للتعليمات... مؤكدا أن الأمل الوحيد والضئيل في قضايا الرأي يبقى معلقا بأعمال محكمة التعقيب.



مرافعة المحامية رجاء الحاج منصور

ثم رافعت المحامية رجاء الحاج منصور التي اعتبرت ان هذه المحاكمة هي محاكمة سياسية غرضها إيقاف صحيفة الثورة نيوز عن النشر نهائيا من اجل إسكات صوتها في الكشف عن لوبيات الفساد.... ولذلك فقد توجهت الاستاذة الحاج منصور هي بشخصها إلى ممثل النيابة العسكرية وأعلنت أنها هي بنفسها من ستتولى الاشراف على رئاسة تحرير الثورة نيوز نيابة عن موكلها باعتباره شقيقا لها في تحد لسياسات الاستبداد الجديد، وفي تحد لما قامت به فرقة مقاومة الاجرام للحرس الوطني ببن عروس بتعليمات من النيابة العسكرية وذلك بتهديد ومضايقات للصحفيين التابعين للصحيفة وكذلك في تضييفاتهم على مالك المطبعة التي تطبع فيها الصحيفة.
وأكدت المحامية رجاء الحاج منصور ان هذه القضية تؤكد استمرار تبعية القضاء للسلطة السياسية وان مؤسسة القضاء العسكري خاضعة لتعليمات وزير الدفاع والوزير ذاته انما ينفذ تعليمات الباجي قايد السبسي... وهنا تدخل رئيس الدائرة القاضي منير صولة واعترض على هذا التوصيف نافيا ان تكون المحكمة خاضعة للسلطة وللتعليمات وهدد برفع الجلسة حينيّا معتبرا ان هذه التصريحات فيها مس من هيبة المحكمة.
وحيث استدركت المحامية الحاج منصور في مرافعتها وأكدت أنها توجه هذا الخطاب إلى النيابة العسكرية والى قاضي التحقيق العسكري الذي باشر أعمال التحقيق في ملف القضية، وأنها تنزه هذه الدائرة من ان تكون دائرة خاضعة للتعليمات وفق الأهواء السياسية، مطالبة القاضي بتفعيل إرادته المستقلة واثبات الاستقلالية والعدالة والإنصاف اثناء مفاوضاه في هذه القضية الفاضحة... مذكرة القاضي بانه صاحب ضمير وعليه أن يتذكر يوم الحساب ما بعد الموت.
واتهمت الحاج منصور الرئيس الباجي قايد السبسي بانه هو بشخصه من أعطى تعليمات الى وزير الدفاع فرحات الحرشاني لإيقاف محمد الحاج منصور على ذمة القضاء العسكري وذلك استجابة لضغوط لوبيات فساد... وذكرت القاضي منير صولة بان الباجي قايد السبسي نفسه هو من أمر بإيقاف محمد الحاج منصور في فترة رئاسته للحكومة الثانية بعد الثورة وهو أمر لا يستغرب منه لانه لا يؤمن بفكرة الديمقراطية، ونبهت إلى أن هذه السياسات هي معاودة تأسيس لدولة الاستبداد.


مرافعة المحامي حسن مقطوف

ثم تدخل المحامي حسن مقطوف واحتج لدى القاضي الذي حاول منعه من المرافعة نظرا لضيق الوقت، مؤكدا تمسك هيئة الدفاع بممارسة حقها في الدفاع عن المنوب بكل الوسائل الممكنة وان يخصص لها الحيز الزمني الذي تستحق لضمان سير المحاكمة العادلة. وقدم طلبا للافراج عن الصحفي الموقوف ودفع بعدم اختصاص المحكمة العسكرية في النظر في قضايا النشر والصحافة معتبرا احتجاز الصحفي خرقا فاضحا لكل القوانين وللدستور وان هذه المحاكمة لا تعدو ان تكون سوى محاولة لتكميم الأصوات المعارضة.


مرافعة المحامي جلال الهمامي

ثم رافع المحامي جلال الهمامي في ما يخص المسائل الشكلية ودون الخوض في الأصل معتبرا ان إجراءات التحقيق باطلة ومخالفة للقانون وذكر هيئة المحكمة بان الطور التحقيقي كان مهزلة في القانون وفي الأخلاق، بدليل ان قاضي التحقيق قد أصدر بطاقات إيداع في السجن دون ان يستنطق الصحفي المعتقل، وانه سلب الحرية لمواطن تونسي بتهمة إبداء الرأي في صحيفته...
واعتبر ان حرية التعبير عن الرأي حق كفله الدستور التونسي والمواثيق الدولية وان منوبه انما يحاكم لأجل رأي نشره في صحيفته.
وأضاف الهمامي ان إحالة الصحفي على القضاء العسكري كان بموجب دعوى حركتها هيئة مكافحة الفساد التي يترأسها شوقي طبيب... وأكد ان المرسوم الإطاري المنظم لهيئة مكافحة الفساد يحدد مجال اختصاص الهيئة ويحصرها في قضايا الفساد الإداري والمالي... وان قضية الحال ليست قضية فساد، إنما تتنزل في مجال قضايا الصحافة والرأي ... لذلك فان إثارة الدعوى باطلة من أساسها هذا فضلا عن العداوة السابقة والمعلنة بين منوبه وبين شوقي طبيب منذ سنوات.
وقد نبه الهمامي الى ان شوقي طبيب تباهى خلال شهر اوت 2016 على قناة الزيتونة بانه سيزف بشرى ايقاف واحالة محمد الحاج منصور على انظار القضاء العسكري... وقد بُث البرنامج قبل تحريك الدعوى من قبل النيابة العسكرية بما يؤكد ثبوت الكيد والتآمر وورود تعليمات الى القضاء العسكري لتنفيذها، وهي حسب رايه فضيحة الفضائح.
ودعا الهمامي المحكمة الى إصدار قرار بالتخلي عن قضية الحال نظرا لعدم اختصاصها في النظر في القضايا المتعلقة بالصحافة مستندا الى المرسومين 115 و116 الذين يلغيان كل النصوص القانونية السابقة بما فيها نصوص مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية، وان محاكمة الصحفيين هي من اختصاص القضاء العدلي حصريا، واعتبر أن كل جزئيات الملف تعتبر فضيحة قانونية مخجلة...


وبخصوص القضية المتعلقة بنشر صاحب الجريدة لبيان صادر عن جمعية قدماء العسكريين أشار المحامي جلال الهمامي إلى أن الاتفاقية بين وزارة الدفاع ووزارة الشؤون الدينية موجودة وموثّقة, وانه لا يمكن لوزارة الدفاع ان تتنصل من الاتفاقية، بدليل أن مجلس الوزراء قد قرر خلال انعقاده في تاريخ 29 اوت الحالي إلغاء العمل بتلك الاتفاقية التي تجمع وزارة الشؤون الدينية بجميع الوزارات ... ثم طالب بالإفراج عن منوبه باعتباره محتجزا خارج طائلة القانون مثلما توجه بطلب في تأخير النظر في الأصل لإعداد المستندات.
وفي الأثناء تدخل ممثل النيابة العسكرية الذي وجه خطابه إلى السادة المحامين وأكد ان المحكمة هي سيدة نفسها وانه لا توجد ضغوط على المحكمة من السلطة السياسية وانه يطلب إصدار بطاقة ايداع بالسجن في حق الصحفي في خصوص هذه القضية ومسجلا اعتراض النيابة على مطالب الإفراج.
ثم رفعت الجلسة التي دامت لساعتين ونصف وخصصت لتقديم الطلبات الشكلية بتأخير اجابة المحكمة على طلبات فريق الدفاع وذلك اثر الجلسة.
وقد قررت المحكمة لاحقا إصدار بطاقة ايداع بالسجن استجابة لطلب النيابة العسكرية في القضية المتعلقة بنشر بيان جمعية قدماء العسكريين، وقبول تأخير القضية الى يوم 8 ديسمبر 2016 ، دون ان تبتّ في مطالب الإفراج بما يعني رفضا ضمنيا للطلب مثلما توقع المحاميان عبد الناصر العويني ورجاء الحاج منصور اثناء تصريحاتهما داخل المحكمة بخصوص الضغوط والتعليمات التي تخضع لها المحكمة.
قاعة المحكمة كانت ممتلئة بالحاضرين وهي قاعة لا يمكنها ان تسع الحاضرين في مثل هذه المحاكمات السياسية، وقد قامت حراسة الثكنة بمنع عدد هام من أقارب وأصدقاء مدير الثورة نيوز من الدخول الى قاعة المحكمة، والذين عبروا عن استيائهم من تلك الممارسات بحرمانهم من حضور محاكمة يجب ان تكون علنية.
بعد رفع الجلسة توجه عدد من المحامين والحاضرين في بهو المحكمة الى فريق دفاع الثورة نيوز وأثنوا على مرافعاتهم المميزة ودارت نقاشات قانونية انتهى جميعها الى اعتبار المحاكمة فضيحة أخلاقية وقانونية وسياسية... وقد اجمع كل الحاضرين بان هذه الجلسة تذكرهم بالمحاكمات السياسية زمن نظام بن علي.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire