vendredi 16 décembre 2016

نيشان على الصدر ولو كره الكارهون : محمد الحاج منصور والتّأسيس لصحافة الاستقصاء




يتجه التفريق بين الصحافة التقليدية والصحافة الاستقصائية . ففي حين تقتصر الصحافة التقليدية على سرد الخبر. أحيانا دون التثبت من مصدره . فان صحافة الاستقصاء. وتسمى أيضا صحافة التقصي أو صحافة العمق . تتعدى مجرد سرد الخبر إلى سبر أغوار الظواهر المجتمعية : السياسية والاقتصادية والاجتماعية والوصول إلى عمقها لتجلية الحقيقة للقراء وللرأي العام . فالصحافة الاستقصائية كما أراد لها الحاج منصور أن تكون ليست تغطية لخبر ما . ف " المعلومة توجد أحيانا على قارعة الطريق " كما قال بعضهم  ;و لكنها كشف أمور خفية للجمهور تم إخفاؤها عنه عمدا من طرف شخص ذي منصب في السلطة أو اختفت في ركام فوضوي من الحقائق والحقائق المزيفة وأشباه الحقائق والإشاعات والظروف المتشابكة بشكل أصبح فيه من الصعب اكتشاف الحقيقة . ومن هذا المنظور . منظور الاستقصاء . تصبح الصحافة عملا رقابيا تخصصيا يمارسه الصحفي ; لا مجرد سرد للأخبار . وهو ما يؤصل حقيقة ل " الإعلام - السلطة ". لان التحقيقات والتقارير الاستقصائية غالبا ما تؤدي لتغييرات حقيقية في حياة الناس وقد ينتج عنها تعديل للقوانين وتقديم للمجرمين إلى المحاكم وتصحيح للأخطاء وفضح لبؤر الفساد بل وأحيانا إلى قلب للمعادلات السياسية . وهو ما لمسه كل متابع لصحيفة الثورة نيوز ولمقالات الحاج منصور في الصدد حيث أفرزت تلك المقالات والتحقيقات والتقارير الإخبارية إلى كشف عديد ملفات الفساد وإجبار الدوائر الحكومية على التحرك وإماطة اللثام عن عدة مجرمين مارقين على القانون ظلوا بمنأى عن التتبع إما باستغلال نفوذهم أو بتمتعهم بالحماية من طرف بارونات الفساد . والأمثلة هنا لا تحصى ولا تعد. 


وهو ما يفسر الخوف المتزايد من هذه الصحيفة وصاحبها والمحاولات العديدة لغلقها وإخماد صوتها إلى أن تم في الأخير إقحام قضاء العسكر في الحرب المفروضة على الصحيفة. ويعاب أيضا على الثورة نيوز وصاحبها التمرد على تعليمات السلطة الحاكمة التي أريد لها أن تكون ناطقا بلسان كل حكومة . لكن الثورة نيوز. اللبنة الأولى لصحافة الاستقصاء في تونس والوطن العربي. تجاوزت حدود الكتابة المرسومة لها لان الصحافة في نظر الحاج منصور طريقة في التفكير ومنهج وأسلوب صارت تتبعه الصحافة في العالم المتحضر . أما الصحافة التقليدية. صحافة سرد الخبر. فقد ولى عهدها. كذلك فانه في حين تعتمد التغطية الإخبارية التقليدية على مواد ومعلومات في المتناول وفرها آخرون (الشرطة. الدوائر الحكومية. المؤسسات .المواطن العادي...) فإن التغطية الاستقصائية العميقة تعتمد على مواد إخبارية جمعت بمبادرة شخصية من الصحفي الاستقصائي. ومن هنا أصبحت الصحافة الاستقصائية ذلك النوع من الصحافة الأكثر إرضاء للناس والأكثر طلبا من الجمهور وهذا يفسر الطلب المتزايد على صحيفة الثورة نيوز رغم التضييقات المفروضة عليها من طرف خصومها ومناوئيها الذين. ومن باب الطرائف. يقرؤونها سرا في مكاتبهم أو يحملونها بين طيات ثيابهم وفي معاطفهم خشية أن تكون هذه الجريدة الثائرة قد نشرت غسيل احدهم في أي وقت. 
وفي "تونس ما بعد الثورة " لا يزال الإعلام الرسمي جزءا أصيلا ووثيقا من النسق الاستبدادي نفسه. وهذا الإعلام اخطر على الوطن من الجماعات المسلحة. إذ لا يمر طريق التغيير الحقيقي إلا عبر تحييد خطاب الإعلام وتحريره من قيود المال والسياسة والأمن والعسكر.. أي القطع نهائيا مع «إعلام العار». وكما قال الإعلامي في قناة الجزيرة الحبيب الغربي : "إن الإعلام التونسي لا تنفع معه إلا سياسة الهدم وإعادة البناء". انه إعلام العار. وهذه التسمية.. إعلام العار.. هي وليدة "الثورة" إذ حين كان الشعب ينتفض على نظام المخلوع كانت وسائل الإعلام العمومية والخاصة تصف المحتجين من أبناء الشعب بـ "المخربين" و"الأوباش" و"الإرهابيين".


ويواصل إعلام العار اليوم لعب أقذر الأدوار وذلك عبر الوظائف الخطيرة التي أناطتها الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة بعد "الثورة" بعهدته والتي أنجزها على أحسن وجه. فبقطع النظر عن تبييض الفساد والتشريع للاستبداد برفع فزاعة الإرهاب وغير ذلك. فها هو الإعلام التونسي لا يزال يمارس التغييب للمشاكل الحقيقية للمواطن عبر محاربة جميع الأصوات الداعية للتحرر والتغيير الحقيقي واستعادة كرامة المواطن وسيادة الوطن من حفنة اللصوص التي تحكمه والعصابات المجرمة التي تجول فيه بالطول والعرض. ويحضرنا هنا ما قاله الدكتاتور النازي ادولف هتلر لوزير اعلامه : غوبلز "أريد منك إعلاما بلا ضمير لأني في حاجة إلى شعب بلا وعي". وذنب الحاج منصور والثورة نيوز أنهما زاغا عن هذا المسار وانتصرا للمواطن المظلوم والمقهور ووقفا إلى جانب القضايا العادلة بفضل التحقيقات الاستقصائية وخوضهما في عمق المشاكل التي يعيشها المواطن لان صحافة العمق هي مستقبل الصحافة. وهذا ما يفسر تزايد انتشار الصحيفة ومزيد إشعاعها يوما بعد يوم وتنامي الأعداد الغفيرة لقرائها رغم التضييقات والتحاجير المضروبة عليها ورغم اعتقال مديرها من طرف القضاء العسكري الغاشم ورغم حملات التشويه الممنهجة التي تأتيها غربان الفساد وخفافيش الظلام. فالتونسي واع ولا يحاول استغفاله إلا المغفل. 



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire