mardi 29 novembre 2016

بمناسبة عيد ميلادها الخامس : الصحافة الاستقصائية في فكر محمد ناعم الحاج منصور .




الإعلام  ,أو الصحافة  ,كما يراه الأستاذ منصور هو البحث عن الحقيقة وسبر أغوار الحدث في كنف الموضوعية و دون رضوخ للمؤثرات الخارجية و النوازع الشخصية . انه نقل الحقيقة بحذافيرها . ولا تقتصر مهمة الصحفي  , حسب الأستاذ  ,على مجرد نقل الخبر و سرد تفاصيله ; و إنما تتجاوز السرد إلى تحليل ذلك الحدث بوصفه لازمة اجتماعية  و الإحاطة بأبعاده الاجتماعية والاقتصادية و السياسية . بعبارة أخرى , تحويل الحدث إلى ظاهرة و تناوله بالدرس كحالة اجتماعية . فالصحفي , أو رجل الإعلام , هو بمثابة الطبيب الذي يعاين جسم المريض قصد الوقوف على أسباب المرض و وصف الدواء اللازم للمريض .. أو يشرح الجثة لتبيان أسباب الوفاة . و لعل الحاج منصور استلهم هذه النظرة الاستشرافية للإعلام من نظرية ابن خلدون في التاريخ و طبقها على الإعلام ! فقد غير ابن خلدون النظرة للتاريخ بعد أن كان مجرد سرد للوقائع التاريخية فحوله إلى علم يدرس نشأة المجتمعات و تطورها و قيام الدول و أسباب انهيارها . يقول ابن خلدون في مقدمته الشهيرة : " التاريخ في ظاهره سرد و إخبار و في باطنه نظر و تحقيق " . 


ومن هذا المنظور ومن خلال تلك المقارنة يصبح الإعلام الاستقصائي , كيفما أسس له الأستاذ منصور, دراسة للمجتمع وإشعارا بالآفات الاجتماعية و عرض للحلول البديلة بغية استئصال الأورام الاجتماعية والنهوض بالمجتمع من مطباته . الإعلام الاستقصائي هو : علاج للمجتمع . و نجد الحلول التي اقترحها الأستاذ المفكر محمد الحاج منصور منشورة في جل أعداد الصحيفة منذ انبعاثها . و بصفتي دارسا للاجتماع , فقد تتبعت سيرورة  تلكم المقالات  و لفت انتباهي أن مقالات الحاج منصور و كتاباته اتبعت نفس المنهجية عبر مراحل أربعة : 1- سرد الحدث و الإدلاء بمؤيدات الخبر  2- رصد الحدث و ملاحظة إمكانية تكراره ليصبح الحدث بذلك ظاهرة  3- تحليل الظاهرة 4 - اقتراح الحلول لمعالجة الظاهرة . و هذه المنهجية هي عينها المتبعة في العلوم التجريبية :  الملاحظة و التحليل و الاستنتاج . مثال ذلك تحليله لظاهرة البطالة والفقر و التهميش و الحيف الاجتماعي و ما إلى ذلك . وتبقى الظاهرة الكبرى  , أو " أم الظواهر " , هي ظاهرة الفساد التي تنخر دواليب  الدولة و مؤسساتها و أوصلت البلد إلى شفا الإفلاس  و إلى مصير مجهول  مظلم . و لذلك حظيت ظاهرة الفساد  بنصيب الأسد من كتابات الحاج منصور و تحليلاته . و يحسب للرجل في هذا المضمار انه قدم الحلول البديلة لمعالجة الظاهرة عوض الحلول التي اقترحتها الحكومات الفاشلة المتعاقبة  و التي كان مصيرها ثاني اثنين :إما بقاء تلك الحلول  حبرا على ورق و إما إفلاسها حال تطبيقها في ارض الواقع و خيبة من وضعوها . و مؤدى ذلك أن الحلول البديلة للأستاذ ناعم كانت ثمرة نظرة استشرافية  شاملة أحاطت بمختلف جوانب ظاهرة الفساد و أبعادها و لم تقتصر على جانب واحد دون غيره . و لست أغالي إذا قلت أن الحاج منصور احدث ثورة في الإعلام . ورغم المعية الرجل و فكره الفذ فقد فتح صدره لجميع الآراء و تقبل  مختلف المشارب إيمانا منه بان في الاختلاف رحمة . و اليوم , إذ نجد ذينك العقل الكبير و الفكر النافذ يقبعان خلف القضبان يعترينا الأسى و تغمرنا الحسرة على  بلد يسجن مبدعيه , بلد يكمم الأفواه و يصادر الحق في الكلمة . فالرجل لم يذنب عندما رام مساعدة حكومة عاجزة في إيجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية المستعصية . فكافاته تلك الحكومة بالسجن , ذنبه الوحيد انه أراد الإصلاح في الأرض و انه قطع مع منظومة إعلامية بالية ومتخلفة فخرج عن الطابور غير عابئ بالكلمة التي قيلت له حينئذ و التي كانت في وقت مضى تقال لتلاميذ المدارس : " شد الصف لا تاكل  كف ! " . أصر على الخروج من الطابور و أعلن الثورة على إعلام يسوق للرداءة وينعق خلف كل ناعق . إعلام  حرباوي  متلون " يطبل و يزمر" لكل سلطة قائمة . إعلام يبيض الفساد و يشهر بالمصلحين . و تحضرني هنا حكاية قرأتها عندما كنت طفلا عن غراب مر بطائر جميل محبوس في قفص . سال الغراب الطائر : " لماذا أنت في القفص ؟ " . أجاب الطائر : " لأني أتكلم ! " .
( ابن الحاج الصغير)


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire