dimanche 16 octobre 2016

حرية الصحافة و التعبير... تحت أقدام العسكر : غاب المعيار الموضوعي و المعيار الشخصي ... فكان السجن مصير الصحفي


بالقانون... لهذا يعد الزّج بمحمد الحاج منصور في السّجن جريمة دولة


 لما  قلنا  إن القرار الصادر بحق  صاحب  الثورة نيوز محمد الناعم  الحاج منصور باطل  لم  نكن ننطق  على الهوى  بل  هو   قول استندنا فيه   على روح  القانون و فصوله  إذا  قلنا  إن هناك قانون  يسود في  هذه الرقعة الجغرافية ... و لما  تحدث  الجمعاء  أن محاكمة الحاج منصور من طرف القضاء العسكري  هي جريمة دولة  لم  يكن  حديث  المختصين من فراغ  بل هو نابع  من  التشريعات  المنزلة  في إطار المحاكمات  العسكرية ... و بناء عليه كان لزاما في سياق إنارة الرأي العام أن نضع النقاط على الحروف و نستدرج  قلمنا  في  قراءة قانونية نكشف  بها  جوانب  مضيئة تؤكد ما ذهب إليه  الجميع  .


المحكمة العسكرية هي محكمة مختصة ويقال أيضا محكمة استثنائية . وتقوم الحاجة إلى أحداث محاكم استثنائية أو مختصة لأسباب تقنية أو مراعاة لاعتبارات عسكرية أو سياسية. وشهدت تونس عبر تاريخها إرساء أربع محاكم استثنائية هي المحكمة العليا التي وقع تكوينها بموجب الفصل 68 من دستور 1959 وكانت تنعقد عند اقتراف جريمة الخيانة العظمى من أحد أعضاء الحكومة . ولم تنتصب هذه المحكمة منذ إنشائها إلا مرتين إحداهما لمحاكمة وزير الداخلية الأسبق إدريس قيقة . وتم إلغاؤها فيما بعد . كما ألغيت محكمة أمن الدولة سيئة الذكر بموجب القانون عدد 79 لسنة 1987 المؤرخ في 29 ديسمبر 1987 بعدما أنشئت بموجب القانون عدد 17 لسنة 1968 المؤرخ في 02 جويلية 1968. وكانت تختص كما يدل على ذلك اسمها بزجر جرائم الاعتداء على أمن الدولة الداخلي لكن وقع استعمالها فيما بعد في " المحاكمات السياسية " و" الجرائم السياسية " كتكوين الأحزاب والجمعيات دون ترخيص قانوني .


 وقامت هذه المحكمة سيئة الصيت قبل حذفها بعدة محاكمات سياسية على غرار محاكمة " حركة آفاق " الشهيرة التي كان فيها رجال قانون دفعوا أمام محكمة أمن الدولة بعدم دستورية قانون غرة جوان 1959 – الفصل 04 منه -  الذي يشترط الحصول  على رخصة مسبقة من وزارة الداخلية لتكوين حزب أو جمعية . ولم يبق اليوم في تونس من المحاكم الاستثنائية المختصة إلا محكمة الأطفال والمحكمة العسكرية . وتسمى محاكم مختصة لأنها تختص بتتبع صنف محدد من الجرائم لا تتعداها  عكس محاكم الحق العام التي تبسط ولايتها القضائية على مختلف أنواع الجرائم ولذلك تم تنظيمها بنصوص استثنائية . فالمحكمة العسكرية تختص مبدئيا بالنظر في الجرائم العسكرية . وقد أحدثت هذه المحكمة بموجب أمر 10 جانفي 1957 المتعلق بإصدار مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية . ويتحدد اختصاص المحكمة العسكرية بمعيار موضوعي ومعيار شخصي . بالنسبة إلى المعيار الموضوعي ينعقد الاختصاص الحكمي للمحكمة العسكرية إذا كانت الجريمة الواقع من أجلها التتبع جريمة عسكرية . وحدد الفصل 05 الوارد بالكتاب الثاني من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية طائفة الجرائم العسكرية على سبيل الحصر وبالتالي لا يجوز التوسع فيها أو تأويلها . على غرار جرائم الفرار من الجندية وعصيان الأوامر وتحقير الجيش أو العلم واختلاس متاع الجيش وانتساب العسكريين للأحزاب السياسية . الخ . أما المعيار الشخصي آو الذاتي فقد نص عليه الفصل 8 من المجلة . وحسب هذا الفصل تكون المحكمة العسكرية مختصة بالنظر في القضية إذا كان طرفا القضية المعتدي والمعتدى عليه عسكريين أي أن يكون مرتكب الجريمة عسكريا والمتضرر من الجريمة عسكريا بغض النظر عما إذا كانت الجريمة عسكرية أو جريمة حق عام . وبالتالي لا يجوز للمحكمة العسكرية أن تحاكم شخصا مدنيا إلا في حالة استثنائية واحدة نصت عليها الفقرة الأخيرة من الفصل 8 المذكور و هي أن يعتدي الشخص المدني على عسكري في حالة مباشرته للخدمة أو بمناسبتها . وهذه الحالة هي استثناء الاستثناء . وإذا طبقنا المعيارين الموضوعي والشخصي على قضية الأستاذ محمد ناعم الحاج منصور يتبين جليا أن المحكمة العسكرية غير مختصة بالنظر في قضيته . 


فالجريمة ليست جريمة عسكرية منصوصا عليها بالفصل 5 من مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية وهذا يقصي المعيار الموضوعي . كما أن الأستاذ محمد الحاج منصور ليس عسكريا ولم يرتكب جريمة ضد طرف عسكري أثناء مباشرة هذا الأخير للخدمة آو بمناسبتها . وكان لحسن سير الإجراءات واحتراما للقانون  إحالة القضية على أنظار محكمة الحق العام هذا إذا كانت هنالك جريمة أصلا . فالأستاذ لم يرتكب جرما بنشره مقالا صحفيا في إطار حرية الإعلام والنشر التي جاء بها وكفلها المرسوم عدد 115 لسنة 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر ولا سيما الفصل 79 منه الذي ألغى ونسخ جميع النصوص القانونية السابقة المتعلقة بالمادة الصحفية .
وعلى كل حال نحن في غنى عن كل هذا التحليل القانوني لأن الأستاذ محمد الحاج منصور تم استدعاؤه كشاهد في القضية لا كمتهم ولا يجوز بأي حال من الأحوال تغيير مركزه القانوني من طرف قاضي التحقيق العسكري . فقد أحال الباب المتعلق بالتحقيق في مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية جميع الإجراءات التي يباشرها التحقيق العسكري إلى مجلة الإجراءات الجزائية وهذه المجلة لم تخول في بابها المتعلق بالتحقيق ( الفصول 50 وما بعده ) لحاكم التحقيق تغيير المراكز القانونية لأطراف القضية عملا بمبدأ الفصل بين سلطات التتبع ( النيابة العمومية ) والتحقيق ( قاضي التحقيق ودائرة الاتهام ) والمحاكمة ( محكمة الحكم ) . فلا يجوز قانونا لحاكم التحقيق المدني أو العسكري أن يغير المركز القانوني لشخص من شاهد إلى متهم لأن سلطة التتبع وتوجيه الاتهام هي النيابة العمومية . فيجب عليه بالتالي أن يتقيد بنص الإحالة الوارد عليه من النيابة العمومية . والخشية كل الخشية من أن تتحول المحاكم العسكرية في بلادنا إلى محاكم أمن دولة جديدة تختص بمحاكمة الصحفيين ورجال الإعلام من أجل أرائهم . بن علي نفسه لم يقحم القضاء العسكري في هرسلة خصومه السياسيين والتنكيل بهم .

كلمة أخيرة

إذا خـــان الأمير وكاتباه *** وقاضي الأرض داهن في القضاء
فويل ثم ويل ثم ويل *** لقاضي الأرض من قاضي الســمــاء
وإن كان الوداد لذي وداد *** يزحــــزحـه عن الحق الجلاء
فلا أبقــاه رب العرش يوماً *** كــحـــلـــة بميل من عماء


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire