dimanche 16 octobre 2016

يا صاحبي السجن أو قصة سجن القاضي النزيه " سجنوني " : إضراب الجوع الكبير




سلسلة مقالات 'سجنوني' بقلم القاضي المكي بنعمار يروي فيها ظروف ايقافه ومشاهداته في السجن من يوم 04الى28 جويلية 2016... مهداة الى صحيفة الثورة نيوز
في اليوم العاشر من إضرابي عن الطعام وقعت على الأرض وغبت عن الوجود ...  وإني  في عالم البرزخ إذ سمعت أصواتا تتهامس  : " لا يزال على قيد الحياة .. إنه دبّ " . وعندما فتحت عيني وجدت خمسة شياطين ينظرون إلي . فقلت في نفسي : " إذن فقد مت في إضراب الجوع..  وأنا الآن في الجحيم مع الأبالسة والشياطين " . فلّما حاولت التحرك سمعت صليل السلاسل,  فقد كنت مكبل اليدين والساقين إلى سرير . حينئذ لم يطمث ظني شك بأني في الجحيم  . فاسترجعت  شريط حياتي في الدنيا لمعرفة الذنب الذي من أجله دخلت جهنم . وكان احد الشياطين الخمسة يمضغ العلك ,ويبدو أنه كبيرهم , فقلت  أيسمحون في جهنم بمضغ العلك !!  . قال كبير الشياطين  :" اتق الله !.. فأنت في المستشفى الجهوي بقفصة .. ونحن من الشرطة !" . ودخلت طبيبة يبدو من لكنتها أنها ريفية .وكانت في حديثها معي تحشر كلمة exactement في كل جملة . قلت لها :" أنا في السجن لأن و.ج. فاسد " . فقالت :! exactement " . فرأت رجال الشرطة يرمقونها شزرا فاعتدلت في جلستها وقالت : " مد يدك exactement لأقيس لك السكر والدم exactement " . ودخل مدير السجن فسألها : " ما هي نسبة السكر في دمه ؟ " . قالت : " نسبة السكر exactement سبعة وثلاثين في الميا ... السكر عندو طايح exactement " . عندما خرجنا من غرفة العلاج اعتذر مني أعوان السجن وأخبروني بأن رجال الشرطة شموا الرائحة عندما أنزلت المستشفى  فجاءوا لمراقبتهم والوشاية بهم لدى الإدارة العامة للسجون إن لاحظوا أنهم لم يكبلوني بالسلاسل كما ينص على ذلك قانون السجون . وقبالة باب المستشفى تجمهر جمع من الناس ينادون علي محاولين الدخول. فدفعهم حراس المستشفى  و أوصدوا الباب دونهم . ونادتني من الجمع فتاة جميلة وقالت : " سي المكي ! يا سي المكي ! ماتخافش راك باش تخرج " . فعرج بي أعوان السجن إلى باب آخر ; لكنهم وجدوا جمعا آخر من الناس في انتظاري . فعرجوا إلى منفذ غيره . لكنهم كلما دلفوا بي إلى باب ألفوا الناس في انتظارهم . فقال رئيس الأعوان و شواربه ترقص من القلق : " يا والله نهار ازرق علينا !" . وفي العشية تلقت إدارة السجن أمرا بنقلي إلى صفاقس . لقد تم استجلاب القضية . فخيم الوجوم على الزنزانة, لأن السجناء كانوا يحبونني وكنت أحبهم . وقد ساعدت الكثيرين منهم في كتابة العرائض وإرشادهم إلى سبل التشكي . وكان أولئك السجناء الطيبون هم من اعتنوا بي في إضراب الجوع . ودعوني بقلوب حرى وعانقت سيدنا طويلا . وقبل مغادرتي قلت لهم  :" سأشتاق إليكم وأنا خارج السجن كما اشتقت لصوت أمي وأنا داخل السجن " . وتململ الأعوان فقالوا :" هيا يا سي المكي ! فأمامنا طريق طويل " ( ... ) . وفي سجن صفاقس استدعاني نائب المدير لمكتبه . وكان بشوشا ذا خلق كريم كعادة ضباط السجون وأعوانهم . وهو شاب أصيل جهة .. وقد تبين أنه يعرفني .إذ لما كنت أستاذ فرنسية بريف .. سنة 2007 كان هو وقتها تلميذا . تحدثت معه طويلا عن ملابسات إيقافي. وفضحت القضاة الفاسدين الذين أرسلوا بي إلى السجن . كنت لا أفوت فرصة إلا فضحتهم . بعد ذلك رافقني إلى " غرفة الأمنيين " التي ستكون محل إقامتي . وفيها الموقوفون في " قضية الفوشيك " وبعض ضباط الأمن . فلما ولجنا الغرفة كان أحدهم يتلو قوله تعالى : " يا أيها الذين امنوا لا تلهكم أموالكم وتجارتكم عن ذكر الله .ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ". فتوقف عن القراءة والتفت . امسكني نائب المدير من يدي وقال للموقوفين : " مادمنا في بلد العجائب ,فإليكم هاته العجيبة .. قاض أرسل به إلى السجن .. لا تعجبوا مستقبلا إذا جئناكم ب..( مسؤول كبير في الدولة ) ... " . وفي غرفة الأمنيين,  تحدثت طويلا مع الموقوفين في " قضية الفوشيك ", رغم إعيائي .وكانوا يسألونني عن بعض النقاط القانونية . كانت قضية تدخل فيها مجلس قبائل الجن . وأثناء إقامتي معهم ,وطوال أربع ليال, لم يفارقني مشهد الرجل المحتضر .  فعندما اصطحبني نائب المدير لغرفة الأمنيين ,وبينما نحن نمشي في الرواق,إذ زكمت أنوفنا رائحة كريهة كرائحة الجيفة تنبعث من آخر الممر . وما هي إلا هنيهة حتى  خرج علينا ممرض السجن وبعض الأعوان وهم يسدون أنوفهم و يدفعون نقالة عليها رجل  . لقد كانت الرائحة الكريهة تنبعث من الرجل الممدد على النقالة . كان  كالشبح من فرط الهزال والتعب , ووجهه  أظلم داكنا  كقطعة خشب صهرتها الشمس,  وفيها حفرتان لا وميض بهما هما عيناه , وقد فغر فاه وراح  يحشرج والدود  يخرج من فمه وينهش شفتيه . كان منظرا فظيعا . كان سجينا مضربا عن الطعام بعد أن حكم عليه بتسعة أعوام سجنا في سلسلة من السرقات .  ودخل آنذاك يومه الأربعين . عندما رأيته على تلك الحالة قلت في نفسي : " رباه !هل سأصبح هكذا بعد أربعين يوما من إضراب الجوع ؟؟؟ " . وتسلل الخوف إلى قلبي كما يتسلل سارق القبور في ليلة مقمرة بين المقابر . بقي مشهد الرجل المحتضر يفزعني في يقظتي ومنامي . لكنني في الليلة الأخيرة من إيقافي تذكرت ما كان يقوله بوذا عن الوهم وما يفعله في النفوس والأجسام من أفاعيل . في تلك الليلة ,  وبعد ساعات من التأمل ,  وصلت إلى مرحلة " النيرفانا " .. مرحلة الاستنارة و بلوغ الحقيقة .  إن خوفي ناجم من أن أموت ولا يسمع بي احد  , وهذا الخوف ما هو إلا وهم . الرجل المحتضر سارق . والسارق يموت كما تموت عشبة ضارة فترتاح منها التربة . والشخص التافه يموت كذبابة  فلا يسمع به احد . أما صاحب القيم و المبادئ, فان لموته صلصلة في الدنيا , كالشجرة العملاقة  عندما تسقط يكون لصوت ارتطامها على الأرض دوي ينتشر في كل أرجاء الغابة فيخرج الوحوش من أجماتها ويفزع الطير من أعالي الشجر . حينئذ  حل السلام على قلبي و رأيتني أتمشى في روضة غناء يشقها نهر جميل مع حورية لها ملامح تلك البنت التي ندهتني في المستشفى . سألتني الحورية :" ما كانت أجمل أمنية في حياتك ؟ " . قلت لها : " أن أبقى بقربك " . قالت : " الله لا يتخلى عن الصالحين .. ولذلك أرسلني إليك .. لأبقى معك إلى الأبد " .  ( انتهت سلسلة " سجوني ") .  



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire