lundi 24 octobre 2016

تونس كما نراها اليوم


قراءة تحليلية للحياة اليومية


الواجب الوطني والفرض الدستوري والمسؤولية الأخلاقية كلّها دوافع شجّعت على محاولة تشخيص الوضع الوطني حتّى موفّى السنة الإدارية 2016 قصد تحسيس بني وطني بالحالة التي آلت إليها البلاد ودور الطبقة المثقفة في مزيد التشخيص وتحسّس طرق الإصلاح وحسن الإحاطة بـ"رعاع" الشعب مع توجيه لدفّة الطبقة السياسية الجانحة خارج مجالها المفترض قصد إعادتها للمسار القويم علّنا نفلح في إنقاذ ما يمكن إنقاذه نظرا لخطورة الوضع الحالي مقابل صمت رهيب مخيّم على البلاد دون تحريك ساكن خوفا من الزجر والمكائد وردّة فعل مرتهني البلد ممّن استأثروا بالسلطة وأساؤوا القيادة وشرعوا في تجديد العهد مع الاستبداد المقنّع في ظلّ التأسيس لنظام الوراثة العائلية.
حيث لا مجال اليوم للتوريث الرئاسي في النظام الجمهوري إلا أن التجربة التونسية تصنّف كعادتها في خانة الاستثناء لوجود نزعة أزلية نحو النظام الملكي. فقد عاشت تونس تحت النظام الملكي منذ الدولة الحسينية حتى سنة 1957 تاريخ أوّل دستور تونسي للجمهورية بالقطع مع النظام الملكي، إلا أن الحنين قد عاود الدوائر المحيطة بالرؤساء المتداولين منذ الاستقلال قصد إنتاج نظام ملكي متجدّد بحثا عن التوريث والإنفراد بالحكم في قيادة الشعب المضطرب نفسانيا تبعا لإحباطه المتواصل جراء فشله المتواصل في اختيار قادته ممّن استعملوه كمطية للكراسي.
فما هي أحوال الشعب على جميع المستويات الفاعلة في تقرير مصيره؟


على المستوى الاجتماعي :

تعيش البلاد حالة خصاصة وكساد مالي جرّاء تأكل الطبقة الوسطى للمجتمع التونسي وتوسع دائرة الطبقة الفقيرة التي تشكو من الفاقة والبطالة وقلة ذات اليد الأمر الذي أنمى الجريمة بأنواعها المختلفة إضافة لاستشراء الدعارة وتجارة الجنس الشيء الذي ضرب القيم المجتمعية التي شهدت انحطاطا أخلاقيا وصل حدّ اضطراب العلاقات الأسريّة والتربوية والعلائقية والتي انتهت بالتفكك العائلي وتفشي ظواهر التشرد والانقطاع المبكر عن الدراسة والانخراط الطفولي في عالم الجريمة وأخطرها تجارة واستهلاك المخدرات التي ضربت أغلب الأحياء والعائلات بل كامل البلاد من شمالها إلى جنوبها نظرا لحالة الانفلات الأسري وغياب الردع العائلي والمجتمعي.
أما بخصوص الطبقة الغنية بأثريائها القدامى وأثرياء الثورة الجدد فإن أموالهم في تنام جرّاء احتكارهم لجرائم تبييض الأموال وعقد الصفقات المشبوهة وامتهانهم للربا والمرابحة غير المشروعة بإقراضهم للحالمين بالتجارة لأموال بفوائض خانقة ومشاركتهم في بورصات الأموال ممّا أغدق عليهم بمرابيح كبيرة مكنتهم من الانخراط في لوبيات مالية مؤثرة في المشهد السياسي والإعلامي والاقتصادي ليكوّنوا ما يسمّى بالاقتصاد الموازي الذي عجزت الدولة عن فكّ شيفرته لغياب الإرادة أو لتصادم المصالح وتقاطعها بحكم تواجد أطراف ثرية منخرطة في لوبيات مالية ومشاركة في النظام الحاكم.


 على المستوى السياسي:

تدور البلاد في دوامة سياسية متعفنة قوامها الارتجال والتراشق بالتهم والتخوين والمحاصصة الأسرية والدعم الأجنبي والمبايعة للمستعمر الجديد (بنك النقد الدولي ودول التمويل المالي) مما ساعد على بروز أحزاب كرطونية بدون مشاريع سياسية ومخططات قيادة وتأطير جعلها عرضة للانشطار والاندثار ، فمن راهن على البورقيبية ظلّ يجترّ شعارات فضفاضة غير مسايرة للتطوّر الاجتماعي والاقتصادي والثقافي واكتفى بإحياء التماثيل ، ومن اختار الإسلام السياسي ظلّ مهتزّا لاضطراب خياراته وفشله في إدارة مرحلة ما بعد الثورة وجنوحه لمهادنة الحزب الفائز في الانتخابات بحثا عن فرص الانقضاض على السلطة في إخراج تركي.
في حين أنّ أحزاب اليسار لازمت الصمت إزاء القضايا العادلة واكتفت بالمتابعة وتوجيه النقد المتقطع لغياب الأطروحة البديلة، بل رفضت المشاركة في الحكم عندما سنحت لها الفرصة وهي بذلك ستبقى دائما تغرّد خارج السرب وستعيش على هامش التاريخ.
مقابل اكتفاء الأحزاب الناشئة بهيكلة صفوفها والتسويق السياسي والبحث عن مناصب صلب الدولة والاكتفاء بمبايعة زعيم الأمة وأولي الأمر.
كل هذا التطاحن السياسي وضعف التصوّر والعجز عن تقديم البدائل وإقناع الشعب الصامت المربك بالفقر والمكبل بالخوف من المصير المجهول في ظلّ مشهد ثقافي باهت لا يراد له الإشعاع من أهل البيت قبل الغرباء أدى إلى سذاجة المشهد السياسي الوطني.


 على المستوى الثقافي:

انحصرت الأنشطة الثقافية في إحياء حفلات غنائية ومسرحيات مألوفة وعرض أفلام مغرّدة خارج السرب ولا تمتّ للواقع المعاش بصلة رغم حاجة البلاد لتحرك ثقافي من قبل النخبة المثقفة والرائدة في مختلف المجالات قصد تطعيم الفكر الشعبي ومحاولة الارتقاء به فكريا وثقافيا لتسهيل عملية اندماجه في الحياة السياسية وتأطيره صلب الحياة الاجتماعية في إطار مدنية الدولة، لكن الواقع المعاش خلاف ما ذُكر بحكم غياب الثقافة الفكرية والاجتماعية وانشغال الشباب والكهول بلعب الورق والميسر عبر الأقمار الصناعية والخلود للنوم والإدمان على الخمرة والمخدرات والتغني بأغاني الراب والبوب وأناشيد مدرجات ملاعب الكرة بدلالة الانحطاط الأخلاقي الذي أضحى يميّز المجتمع الشبابي التونسي الذي أصابه التشنّج وطيف من الأمراض النفسية تمظهرت في شكل عقد دائمة مكبّلة لأذهان الفئة الشبابية التي عمّقت في أزمتها البطالة وضحالة المستوى التعليمي وغياب التأطير المجتمعي من طرف النخبة السياسية المفترض وجودها.
وإنّ غياب المشهد الثقافي الفاعل داخل المشهد التونسي بعد الثورة كان برغبة من الطبقة السياسية الفاعلة والحاكمة والدليل على ذلك الميزانية التي تبرمج كل سنة لوزارة الثقافة التي للأسف أطلق عليها أهل الذكر اسم وزارة "السخافة" ذلك لأن الثورة الحقيقية لأي مجتمع تكون بالأساس ثقافية وهو ما يعيق المصالح الذاتية الضيّقة لذلك فإنّ المشهد الثقافي بقي باهتا ولا يراد له الإشعاع من أهل البيت قبل الغرباء، فأغلب النخبة المثقفة انبطحت بدورها وتسيّست وانتمت إلى الأحزاب في الخفاء ولا تريد الإصداع بذلك بل إنك تراها تبكي وتشكي وتندب على عدم الاهتمام بالمجال الثقافي لكن تنطبق عليها مقولة : نعيب الزمان والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا..."


على المستوى الإعلامي:

حيث لا ننكر أن وسائل الإعلام بمختلف أنواعها قد عانت الويلات قبل الثورة من التدخل السياسي في العمل الصحفي بطريقة مكنت من تدجين أغلب الأصوات والأقلام والعدسات عدا بعض الفلتات ممّن عانت من سياط الحاكم بتهمة تغريدها خارج المنظومة الإعلامية الفجة ، ولمّا منّت الثورة على قطاع الإعلام بحريّة الرأي والتعبير تحرّرت بعض الأقلام والأصوات وسرعان ما تمّ استقطاب أغلبها لخنوع أصحابها وانخراطهم في لوبيات المال والسياسة الأمر الذي أسهم في التعدّي على مرسوم الصحافة والإعلام سلسلة من التتبعات القضائية المسقطة تلاها إيقاف صاحب جريدة الثورة نيوز بمجرد نقد صفقات عسكرية واتفاقية بناء مساجد بالثكنات العسكرية وإدخال الوعاظ إليها الأمر الذي يحيلنا إلى انتهاج حكومة الوحدة الوطنية سياسة التعتيم الإعلامي وتكميم الأفواه وترهيب الإعلاميين والتدخل في نقلهم للخبر وخطوطهم التحريرية وتطويعهم للتهليل بعد وأد التحليل والتعليل ممّا ينذر بعودة الاستبداد بإحياء مظاهر الديكتاتورية البائدة في زمن انشغل فيه نقيب الصحافيين بالحلّ والترحال والمجون وبيع الذمم الأمر الذي يفرض دقّ نواقيس الخطر تبعا لابتلاع قرش السياسية لسمكة الإعلام ذاك المرفق الوحيد المعتبر كدرع للحريات وضامن لحق الشعب في تقرير مصيره بالتصدّي للهيمنة والاستعمار الجديد والمتكفّل بنقل الأخبار والمستجدات دون تحريف لإنارة الرأي العام المطالب بالاصطفاف خلف الساسة الأحرار والإعلاميين الشرفاء قصد الدفاع عن وطنهم ومكاسبهم الشرعية التي لا تقبل المساومة.
فمن المؤسف قبول الإعلامي بالتطويع والتدجين أو بيع ذمّته أو ملازمة الصمت تجاه الجرائم التي ترتكب في حق القطاع الإعلامي وحق المواطنين وتجاه القضايا العادلة بتعلة الخوف من بطش أولي الأمر وأحزاب المحاصصة ولوبيات المال ومديري الاقتصاد الموازي ، فما هي أحوال الاقتصاد؟


على المستوى الاقتصادي:

لا يختلف اثنان في اعتبار أن الدولة تنتعش من الجباية لكن الإسهال الجبائي يقتل الجباية ويؤزم الوضع المالي والاجتماعي للشعب، ففي كل مشروع ميزانية لحكومات ما بعد الثورة نكتشف كمّا هائلا من المعاليم الجبائية الموظفة على الفئات الضعيفة وموظفي الدولة لكن في المقابل لم تعبّر الدولة عن نية استهداف كبار المتهربين من الجباية ممن يتحوزون على حسابات بنكية في بلدان الجنان الغربية ، كما أن تحرير الأسعار ورفع دعم الدولة عن بعض المواد الاستهلاكية شجع على الاحتكار الاقتصادي وعلى ضرب القدرة الشرائية للمواطن العادي ذي الدخل الفردي  المنخفض حتى أن الزيادة الطفيفة في الأجور لا تسمن ولا تغني من جوع لعدم مسايرتها لغلاء الأسعار وعدم قدرة المواطن على ضبط نفسه وشهواته تجاه التسويق والإشهار الاستهلاكي الغازيان للسوق المحلية وهي السوق التي تترجم الوضع الاقتصادي المتأزم تعيش تحت وطأة الاستعمار الاقتصادي تبعا لغزو المواد المستوردة من تركيا والصين محلاتنا التجارية الأمر الذي تسبب في اختلال الميزان التجاري بارتفاع الواردات بالعملة الصعبة وتسويقها بأسعار أقل من أسعار البضائع المحلية أو بأسعار مماثلة ونظرا لرغبة المواطن التونسي في شراء المستورد مما أسهم في إغلاق وإفلاس المؤسسات التونسية التابعة للدولة أو الخواص حيث ارتفعت قيمة العملات الأجنبية نتيجة سوء التصرف الاقتصادي وضعف مرتبة البلاد في التصنيف الائتماني وتدهور الأرصدة الذهبية بالبنك المركزي ممّا أدّى إلى نقص في احتياطي العملة الصعبة التي أضحت مفقودة بالبنوك التونسية جرّاء تطور نشاط السوق السوداء الأمر الذي أدى إلى تدني الدينار التونسي مقابل ارتفاع الأورو (العملة الأوروبية) بمعدل واحد دينار في العشرية الأخيرة وهو ما يعتبر كارثة اقتصادية مهددة بالإفلاس وتفكك الدولة ينذر ثورة الجياع لأن الواحد أورو أضحى يقابله 2.5 دينارا مع افتقاد للسيولة البنكية للعملة الصعبة ، فإذا كان سعر أحد الأدوية 8 أورو دون اعتبار تكاليف التوريد وهامش الربح للمستورد والبائع والمزود فان سعره للعموم أصبح يضاهي 30 دينارا تونسية وهو مبلغ لا يقدر المريض والمستهلك التونسي على توفيره باستمرار مقارنة بدخله اليومي الذي لا يتجاوز مبلغ 20 دينارا تونسيا. وهو ما انعكس على الصناديق الاجتماعية التي تعيش أزمة خانقة مهددة بالإفلاس جراء ارتفاع سن التقاعد وسوء التصرف في أملاك الصناديق الاجتماعية والعجز عن التغطية الاجتماعية والصحية وعدم القدرة على توريد الأدوية والمعدات شبه الطبية نظرا لتدني قيمة الدينار التونسي مقابل انتعاش السوق الموازية التي تعتمد التهريب عبر البوابات الحدودية التجارية وخارجها لأن التهريب أشكال ومنه التهريب التام (وهو إدخال البضائع خلسة) والتهريب الجزئي (إدخال بضائع بتصاريح مغلوطة تمكن من التهرب من دفع القيمة الحقيقية للأداءات الموظفة) الأمر الذي أدى إلى ترهل المالية العمومية وتصحّر البنك المركزي مقابل انتفاخ بالونة الاقتصاد الموازي الذي ينشط فيه كبار رؤوس الأموال ممّن جمّعوا المال بالجاه حتى استباحوا المؤسسات العمومية وتسببوا في إفلاسها لتسهيل خوصصتها وهو ما يعتبر مصادرة لأملاك الشعب واحتلالا اقتصاديا وارتهانا ماليا في ظل صمت المثقفين والسياسيين ورجال الإعلام والصحافة وخبراء الاقتصاد والجباية الواجب عليهم التدخل لإنقاذ البلاد من الإفلاس والتفكك والبيع بالمزاد العلني والسرّي لفائدة أثرياء الثورة ممّن يحكمون السيطرة على العصب الاقتصادي والشأن السياسي بطرق تقليدية مؤذنة بالخراب.
فما هي أحوال القضاء؟


على المستوى القضائي والتشريعي:

بعد إصدار الدستور التونسي لسنة 2014 لا يزال الوضع التشريعي للبلاد ضعيفا وشاحبا كيف لا والمنظومة القانونية لم تتطور بعد ولم يقع إحداث التنقيحات القانونية اللازمة للمجلات القانونية التي أعدت زمن الدولة الحسينية ودولة الاستعمار الأمر الذي أنشأ تضاربا بين مدلول الأحكام القانونية للمجلات وبنود الدستور الجديد ممّا أفرز معارك قانونية مختلفة النتائج لتمسك أطراف النزاعات بأسانيدهم القانونية كل على هواه نظرا لاختلاف المدلولات بين الدستور والقوانين والأوامر والمراسيم والقوانين الأساسية لمختلف القطاعات العمومية ممّا كدّر صفو محكمة التعقيب لإلزامية توحيدها للإجراءات والقوانين المعتمدة حفاظا على النظام العام وهيبة القانون وعلويته.
أما بخصوص الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم العدلية والإدارية فإنها صدرت مضطربة من حيث الشكل والأصل وطرق التنفيذ مما أضرّ بالمنظومة القضائية التي أضحت مسيّسة تحكمها الميولات والولاءات والانتقائية إضافة لطغيان محاكم الاستثناء على قضاء المبدأ لننتهي لإحياء محاكم أمن الدولة.
حيث أن حالة الاستثناء التي تعيشها البلاد أفرزت خروقات قانونية بالجملة لما أضحى الصحفي يحال على محاكم عسكرية (محاكم الاستثناء) لمقاضاته من أجل نشر تقرير صحفي نقدي لم يمس من كرامة الجيش وأعمال القيادة العسكرية والتي ليست بمأمن من النقد ضمانا لسلامة البلاد والعباد . فنصّ الإحالة القضائية للنيابة العمومية العسكرية المبني على التعليمات السياسية باعتماد مجلة العقوبات والمرافعات العسكرية يستعمل الترهيب والتلجيم والزج بالأحرار في غياهب السجون نصرة للحاكم وغدرا بالشعب الصامت فتعمد خرق المرسوم عدد 115 للصحافة والمؤرخ في 02 نوفمبر 2011 وإحالته على المعاش تعتبر جريمة دولة تبعا لتعمد خرق الدستور أعلى هرم السلم القانوني وتعديا على مكسب شرعي للعمل الصحفي وإنعاشا لمبادئ الديكتاتورية وتشريعا لعودة الاستبداد باعتبار أن المرسوم المداس هو الكافل الوحيد للشرعية الإعلامية وتكريس الديمقراطية الفعلية والجدار الحامي لحرية التعبير والرأي.
فهل تصحّ مقولة أن غياب العدل وتفشي الظلم وسطوة الحاكم واضطراب نفسية المواطن وتدني أخلاقه وغياب القيادة السياسية الفاعلة وصمت الإعلام وتدهور الاقتصاد مظاهر مؤذنة بخراب البلاد وتهاويها في ظل بروز بوادر أزمة عامة وخانقة قد تنتهي بحرب الكل ضد الكل بثورة الجائع وانتفاضة من ضيم الحاكم المستأثر بخيرات شعبه.
وهل أن النظام آفل أو أنّ الظلم زائل؟
    فما رأيكم ؟           






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire