mardi 27 septembre 2016

ضربة حرّة مباشرة : فتنة تحت الرّماد بين اتحاد الشّغل وعمادة المحامين؟




عقد كراء مقر مملوك لمنظمة عمالية لفائدة الدولة ويقع في موقع استراتيجي بحي الخضراء ويمسح 20  ألف متر مربع  وبناية متطورة من سبع طوابق  تمت تهيئتها خصيصا لتتحوّل إلى مقر محكمة إضافة إلى مربض خاص لأكثر من 300 سيارة ... يتم رفضه وإلغاؤه بطريقة مضحكة وبعد ان قام مالك المقر بإنجاز أشغال تهيئة مطلوبة بكلفة مالية ناهزت ال270 الف دينار ... لماذا لم تتحرك الجهات الرافضة خلال السنة الفارطة لمنع نقلة المحكمة الابتدائية بتونس من باب بنات إلى حي الخضراء ؟ ولماذا لم تصدر الباينات قبل إمضاء عقد الكراء بين حكومة الصيد واتحاد الشغل ؟ وهل هي الصدفة التي جمعت بين موقف احمد الرحموني رئيس مرصد استقلال القضاء وبين عميد المحامين الجديد؟   


جاء البيان الصادر عن الاتحاد العام التونسي للشغل والصادر بتاريخ 20 سبتمبر 2016 مثيرا للجدل ومنبّها إلى تداعيات تحوّل مقبل في العلاقات بين المنظمات الوطنية الفاعلة سياسيا، لقد كان بيانا مدافعا عن حق المنظمة الشغيلة في الكراء للدولة، وفي الانتفاع بأحد عقاراتها وهو البناية الجديدة بجهة حي الخضراء، ومنددا بمواقف سياسية يراها مريبة... وقد قدم الاتحاد تبريراته القانونية والموضوعية والفنية ضد المعترضين على عقد الكراء الذي يجمع بينه وبين وزارة العدل غير أن الملفت للانتباه أن البيان قد أثار قضية أخرى خطيرة، وطالب بالتحقيق والتدقيق في عقود كراء الدولة التونسية في جميع القطاعات بما يشير لوجود شبهات فساد ضخمة في هذا الملف، لأن الدولة ليست عاجزة عن إنجاز بناءاتها، وإن كثيرا من عقود الكراء إنما تندرج ضمن إهدار المال العام. وكأن الاتحاد يعرّي صفقات مشبوهة في هذا السّياق على خلفية افتعال أزمة إلغاء عقد الكراء.... ومن زاوية أخرى فان البيان قد اعترض خاصة على موقف عميد المحامين والذي سجل رفضه كراء المقر ونقلة محكمة تونس وهو أول تصادم علني بين اتحاد الشغل وعمادة المحامين... ولعل بيان الاتحاد يحتج ضد صمت عمادة المحامين على إنجاز عقود كراء سابقة لمقار محاكم ابتدائية سوسة 2  (تقع في بناية غير مطابقة وبمرجع نظر ترابي لابتدائيةسوسة 1) والمقر المؤقت الجديد لمحكمة الاستئناف بسوسة(بناية غير مطابقة وبدون رخصة)، والمحكمة الابتدائية بمنوبة (غير مطابقة وخارج المناطق الحضرية وهي المحكمة الوحيدة التي يؤمنها الحرس الوطني) ومحكمة ناحية منوبة (بناية غير مطابقة) مثلا.... وغيرها وهي مقار تفتقر للشروط الفنية الدنيا، ولم تعترض عليها العمادة...فضلا عم مقار حكومية مكتراة لفائدة الدولة تفتقر لأدنى الشروط الفنية،  في مقابل بناية اتحاد الشغل الضخمة والراقية والمتطورة،  يعني ذلك أن أسباب الرفض ليس لدواع فنية .


ويعلم المتابعون أن الوزن الشعبي للاتحاد عميق وضخم وتاريخي، وأن تأثير عمادة المحامين محدود من الناحية الجماهيرية لا يتجاوز مجالس السياسة المغلقة أو قاعات المحاكم ... وأن عمادة المحامين كانت تتماهى وتتقارب دائما مع مواقف اتحاد الشغل في القضايا الوطنية، وكانت أيضا تستمد من الاتحاد قوتها وتمارس الضغوط السياسية من خلال زخمه العمالي... حدث ذلك في تاريخية  القضية الفلسطينية، وفي أزمات العراق وحروبه، وحدث كذلك في أحداث الحوض المنجمي وفي الثورة ضد نظام بن علي... وقتها لم تكن مسيرة المحامين عدديا لتنجح لولا استنجاده ببطحاء محمد علي المعقل التاريخي للاتحاد... وكان اتحاد الشغل هو رأس الحربة الحقيقي في الإطاحة بحكم الترويكا ودفع حركة النهضة  إلى الخروج من السلطة، وكان حضور العمادة واتحاد الأعراف ومنظمة الدفاع عن حقوق الإنسان باهتا وتابعا للمنظمة الشغيلة، وجنوا جائزة نوبل للسلام على أكتاف الاتحاد... ما الذي تغير الآن في العلاقة بين الاتحاد والعمادة ؟؟؟
لقد  طرأت تحولات في بنية العمادة وتغيرت أوضاع سياسية، فنشأ تحالف بين خلية المحامين للتجمع وبين المحامين التابعين لحركة النهضة في الانتخابات الأخيرة بقيادة نور الدين البحيري... وأفرزت صعود المحامي عامر المحرزي وهو محسوب على شق شوقي الطبيب... ولتصعد المحامية سعيدة العكرمي حرم البحيري إلى الكتابة العامة للهيئة الوطنية، والمحامي لطفي العربي المحسوب على الخلية التجمعية رئيسا لأكبر فرع للمحامين نقصد تونس الكبرى... في الأثناء امتعض العميد الجديد الاستاذ عامر المحرزي من أمين عام المنظمة الشغيلة حسين العباسي الذي تغافل عن تهنئته بالمنصب الجديد (وهو ما اكده المحامي شوقي طبيب لحسين العباسي خلال مكالمة هاتفية مقتضبة لامه من خلالها على اهماله لتهنئة العميد الجديد) ... يعني ذلك أن اعتراض عمادة المحامين على عقد الكراء جاء على خلفية سياسية ولم يكن ناتجا عن أسباب موضوعية أو فنية.
وقد نرى أن موقف عميد المحامين لم يكن حكيما بل كان متسرعا ومراهقا، ولم يستقرئ تداعيات ذلك الموقف المتصلب، والذي سوف تنتج عنه مماحكة سياسية في قادم الأيام بين منظمتين وطنيتين... ينضاف إلى ذلك أن العميد يصطف نظريا في حلف شوقي الطبيب رئيس هيئة مكافحة الفساد،  وهو حلف بلا أيديولوجيا سياسية سوى فكرة تحقيق المصالح المشتركة وتوثيق شبكة العلاقات للصعود الى قمة السلطة... فقد أسنده شوقي طبيب في صراعه ضد المحامين المتخرجين من الجزائر وأصدر لفائدته بيانا، بما يؤكد أنهما في خط متجانس... بما يفيد أن العميد الجديد قد تورط في أزمتين حارقتين كان في غنى عنهما : أزمة محامي الجزائر وأزمة العلاقة باتحاد الشغل.
ثم تراكم مع ذلك موقف شوقي طبيب الرافض لتسمية عبيد البريكي المقرب من الاتحاد في وزارة الحوكمة، وقد طالب الرجل في بدايات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بإلغاء هذه الوزارة أصلا او على الاقل حذف مكافحة الفساد من مشمولاتها تفاديا لما يسمى بالتحالف الوظيفي Corporatisme ولتعارضها مع اختصاص هيئة مكافحة الفساد... بل إن البعض يرى أن هذا الموقف يفسر تلك الحملة الإعلامية التي نُظّمت في فضاء الفايس بوك عشية تسمية الاستاذ عبيد البريكي... حيث تحركت معه آلة إعلامية شاركت فيها مواقع فايس بوكية منها  جريدة لالعلامي معروف، و"الجريدة.كوم " لنور الدين بن تيشة، و"حقائق اون لاين" للطيب الزهار، والإخبارية، وهريسة نابلية، ووزير ضغط الدم والسكر وآخرين... ونشرت إشاعة تفيد بان رئيس الحكومة قد ألغى الوزارة المسندة لعبيد البريكي، وكان الخبر زائفا... ورغم أن البيان الصادر عن الاتحاد العام التونسي للشغل قد أشار بكل وضوح إلى مواضع فساد إداري ومالي في عقود كراءات الدولة غير أن هيئة مكافحة الفساد للمحامي شوقي الطبيب لم تتحرك... ولن تتحرك... ولهذا تبريراته لأن العميد الرئيس شوقي طبيب تتعارض مصالحه مع هذا الطلب.
أحرج هذا التدافع بين المنظمتين الوطنيتين رئاسة الحكومة، وهو مطبّ ثقيل لوزير العدل الجديد الذي استنبط حيلة تشبه حيل الفقهاء تاريخيا، فالوزارة سوف تبني مقرا جديدا يخصها، وهي لن تقبل بالتوجه الى كراء مقر جديد لأن إتيان ذلك سيشعل فتنة حامية.... لمصلحة من يحرم الاتحاد من الانتفاع بمعين كراء هو في حاجة مالية إليه؟ هل هنالك سعي لخنق مصادر أموال الاتحاد؟
ثم من المنتفع بكسر التحالف الوطني التقليدي بين اتحاد الشغل وبين عمادة المحامين؟ لعل قادم الأيام ستدفع إما إلى استعار نار الصراع بين طلبات اتحاد الشغل وبين مصالح عمادة المحامين وأحلافه السياسيين، أو أن تفضي إلى تهدئة ظرفية.؟



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire