jeudi 25 août 2016

حتى لا يكون الشاهد شاهد زور على وزير يُكرّم المشبوهين و يتجاهل اللاّمعين.. ضروب الفشل و المحن ... في التعليم العالي في عهد بودن




يقول فولتير:"أفضل حكومة هي تلك التي يُوجد فيها أقل عدد من الأشخاص عديمي الفائدة". و حتى لا نُصاب بخيبة أمل -  تضاف إلى خيبات أخرى أهدتنا إياها ثورة الكرامة كالعطش و اللوالب القلبية الفاسدة و البنج المغشوش وغيرها - لا أرى فائدة في المجازفة بترشيح وزير التعليم العالي الحالي لجائزة"عديم الفائدة" لأن عديم الفائدة لا نفع يُرجى منه و لا ضرر يصدر عنه أما هذا الوزير فلئن غاب معه النفع فقد حضرت المضرّة.
وزير التعليم العالى و البحث العلمي فشل فشلا ذريعا في النهوض بالقطاع و لمّ شمل "الأسرة الجامعية" بمختلف أطيافها ومُكوناتها مقابل نجاحه "الباهر" في تدمير القطاع وهو ما يُفقدني الرغبة  و الحماسة في ترشيحه لجائزة "عديم الفائدة".

"إمد": المنظومة الكارثة

تمسك وزارة الفشل بمنظومة فاشلة يعد سببا رئيسيا في تراجع التعليم العالي ببلادنا  ويرى أغلب الجامعيين أن نظام "إمد" - الذي يتطلّب إمكانيات مادية و بشرية رهيبة مفقودة في الجامعات التونسية -  انطلق كمشروع إصلاحي في العهد السابق لكنّ منظومة التعليم العالي لازالت تعاني مخلفاته إلى حد اليوم و يعتبر هذا المشروع وبكل المقاييس اكبر مصيبة للتعليم العالي في تونس. نظام "إمد" لم يُفرض على تونس وأغلب الجامعات الأمريكية      و الأوربية التي اتبعت هذا النظام ندمت على تبنيه لأنه لم يُؤت أُكله بل اعتبر من أبرز أسباب تدني التعليم العالي في المقابل  حافظت الدول الخليجية على نظامها التعليمي القديم رغم ارتباطها العضوي بالجامعة الأمريكية. و يُجمع الخبراء و المختصون على أن الحل في توفر قرار سياسي شجاع يقضي بإلغاء نظام إمد تماما و العودة إلى المنظومة القديمة.

البحث العلمي :" .. يشهق ما يلحق"

بعض مُختصّي الشأن على غرار الدكتورة حياة عمري (باحثة في الكيمياء و نائبة بمجلس نواب الشعب ضمن لجنة البحث العلمي) أكدت في عديد المناسبات أن الميزانية المرصودة للبحث العلمي تعاني ضعفا فادحا فرغم توفّر المخابر و المراكز البحثية في تونس فإنها تفتقر إلى التجهيزات المتطورة و التقنيات الحديثة ما يُعطل عمل طلبة الماجستير             و الدكتوراه الذين ينتظرون مدة طويلة تصل إلى السنة للحصول على تقنية أو مادة لاستكمال مشاريعهم البحثية. و بالمحصلة فإن هشاشة المنظومة التعليمية و ارتفاع نسبة العاطلين من خريجي الجامعات إنما يعود إلى أن أغلب الشعب العلمية المُدرّسة في الجامعات لا تستجيب لمتطلبات سوق الشغل في ظرف اقتصادي صعب تمثّل الجودة أبرز رهاناته في هذا الإطار طالب رؤساء الجامعات  التونسية في رسالة مُوجهة إلى رئيس الحكومة المُكلف بضرورة تفعيل منظومة البحث العلمي لأهميتها في دفع نسق التنمية خصوصا في ظل الظرف الاقتصادي الحرج الذي تعيشه بلادنا و ذلك بتفعيل كتابة دولة للبحث العلمي.

تكريم المشبوهين و إحباط اللامعين

من بين الإشكاليات الحادة والتي عصفت بقطاع التعليم العالي في بلادنا العلاقة المتدهورة بين أرباب المهنة من رؤساء جامعات التعليم العالي الخاص و وزارة الإشراف. التشنج الدائم في علاقة الطرفين مردّه أسباب مبدئية إذ تصرّ وزارة التعليم العالي على سحب صفة الشريك من هذه الجامعات رغم توفّقها و بالأرقام في رفع تحديات كثيرة عجز عنها القطاع العمومي و خصوصا ما تعلق بجودة التكوين والتي تترجمها أولوية الانتداب في سوق الشغل لطلبة القطاع الخاص على حساب نظرائهم من القطاع العمومي وأفضلية اندماج خريجي القطاع في كبرى المؤسسات الاقتصادية . الجودة التي تُعتبر محرار نجاح المؤسسة الجامعية في القطاعين شكّلت الحدث الأبرز خلال الفترة الأخيرة حيث نالت إحدى جامعات التعليم العالي الخاص يوم 26 جوان 2016 بمدينة فرونكفورت (المدرسة العليا للمهندسين و الدراسات التكنولوجية التابعة للجامعة العربية للعلوم) الجائزة الدولية في الجودة التي تمنحها "منظمة إدارة المؤسسات " ذائعة الصيت و التي تتواجد فروعها في 179 دولة في العالم. هذا التتويج العالمي قابلته وزارة الإشراف ببرود و تجاهل تامّين وهو سلوك من بين سلوكيات عديدة عزّزت  القناعة لدى أرباب المهنة في أن وزارتهم لا تظهر أية رغبة في التعاطي معهم في إطار علاقة تشاركية جادّة تأخذ بعين الاعتبار الايجابيات العديدة للقطاع. مقابل ذلك لا تتوانى وزارة التعليم العالي و البحث   العلمي في الدفاع       - و باستماتة مثيرة للشبهات -  عن أشخاص تعلقت بهم شبهات فساد في أكثر من مؤسسة جامعية على غرار المدير العام الحالي للتعليم العالي و الذي تعلقت به شبهات فساد في قضايا معروضة لدى المحكمة الابتدائية بتونس.

تجاوزات مالية وإدارية وشبهات فساد

 الفساد بلغ مستوى غير مسبوق في عهد الوزير الحالي بشهادة مُختصّي الشأن الجامعي طال جميع المرافق و الهياكل ذات الصلة من ذلك ما أوردته تقارير إعلامية متواترة منذ فترة حول شبهات فساد وتجاوزات مالية وإدارية بالوزارة تعلقت بالمدير العام للمصالح المشتركة و مدير الإعلامية و مدير الشؤون المالية. قضايا أخرى منشورة لدى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد و التي تلقت مراسلات عديدة في ممارسات فساد صلب الوزارة من بينها واحدة وردت في 20 ماي 2016 و تعلقت بشبهة فساد في مناظرة انتداب مهندسين (55 تقني و 11 مهندس أوّل). هذه المناظرة اقتصر التناظر فيها على الاختبار الشفاهي دون الكتابي ما اعتُبر ضربا للشفافية و تكافؤ الفرص كما كشفت الوثيقة المُوجهة للهيئة أن من بين الذين سيجتازون الاختبار  من يعملون بالوزارة و سبق انتدابهم سابقا في خطط أخرى.

فشل في القطاعين..

وزارة التعليم العالي لم تسع إلى تصدير الأزمة إلى القطاع الخاص فحسب فعلاقتها بالقطاع العمومي شهدت و تشهد بدورها توتّرا كبيرا انطلاقا من اندلاع أزمة غير مسبوقة في صفوف طلبة الهندسة الذين دعا 17 ألف منهم في إطار تحرّكات احتجاجية متواصلة بتوحيد معايير و مسالك الدخول لمدارس الهندسة والتجميد الفوري لإسناد الرخص في القطاع الخاص مع مراجعة كراسات الشروط المنظمة لها و إحداث هيئة عليا مستقلة لإصلاح التعليم الهندسي بيداغوجيا و قانونيا كما طالبوا بتشريك الطلبة بصفة فعلية لا استشارية. هذه الأزمة فجّرت بدورها إشكالية أخرى في علاقة الوزارة بعمادة المهندسين التونسيين وتعلقت بآليات تعاطي الوزارة مع الملف الهندسي حيث أبدت العمادة تململا واضحا إزاء نزعة الوزارة نحو الاستئثار بحسم الملف دون تشريكها و استشارتها في جميع المسائل المتعلقة بالقطاع الهندسي.

رؤساء الجامعات التونسية على الخط ..

 ممارسات و قرارات عديدة زادت في شحن العلاقة المتشنجة أصلا بين الوزارة و أرباب القطاع الخاص ومنها قرار وزير التعليم العالي خلال الأشهر الماضية بمراجعة الشروط القانونية لانتداب الطلبة في المدارس الهندسية التابعة لمؤسسات التعليم العالي الخاص دون تنسيق أو استشارة مع أصحاب هذه المؤسسات رغم أنهم الطرف المعني بهذا القرار  إضافة إلى قرار ثان يقضي بإلغاء الاختصاصات الجامعية شبه الطبية في القطاع الخاص قبل أن تعدل الوزارة عن هذا القرار بشروط. هذا الارتباك في التعاطي مع الشأن الجامعي دفع برؤساء مؤسسات التعليم العالي الخاص - من خلال الغرفة الوطنية للتعليم العالي الخاص – إلى رفع قضية لدى المحكمة الإدارية في تجاوز السلطة ضد وزير التعليم العالي    و البحث العلمي. الفترة الأخيرة سجلت أيضا مطالبة رؤساء الجامعات التونسية -  في رسالة مُوجهة إلى رئيس الحكومة المكلفّ أثناء اختتام الندوة السنوية لرؤساء الجامعات - بإجراءات عاجلة لإصلاح منظومة التعليم العالي و تعيين وزير حامل لمشروع إصلاحي حقيقي. هذه الدعوة لم تكن الوحيدة حيث سبقتها دعوة أخرى طرفها الاتحاد العام لطلبة تونس خلال مؤتمره المنعقد يوم 4 جويلية 2015 (مؤتمر رد الاعتبار) الاتحاد طالب وزير التعليم العالي الحالي بالاستقالة لعجز وزارته عن إدارة ملف الجامعة التونسية.

الجامعات التونسية: لا وجود لها

كل هذه الاخلالات مجتمعة كانت لها انعكاسات صريحة في مستوى ترتيب جامعاتنا التونسية على الصعيد الدولي و لقد بلغت الجامعة التونسية مراتب متدنية في هذا الصدد فلا يحق لنا حتى الإشارة إلى تصنيفها ضمن الجامعات التي تحتل المراتب الأخيرة  طالما أنها  غائبة تماما عن جميع رادارات التعليم العالي أي كل أنواع التصنيفات العربية و الإفريقية و تصنيف شانغاي.

  فتح حوار شامل

و يرى جامعيون أن الحل في فتح حوار شامل حول منظومة التعليم العالي الخاص ووضعه في موضع الشريك لا موضع المتهم إضافة إلى تشريك القطاع الخاص في بلورة البرامج كتشريك أهل المهنة و بعض الكفاءات. ويتوجب على المؤسسات الحرص على التكوين بالتداول بين النظري و التطبيقي وكذلك منح المؤسسة الجامعية قسطا من الاستقلالية وخاصة الاستقلالية المالية كمنح رؤسائها هامشا من الحرية لتوقيع عقود شراكة و السماح لهم بتوفير مداخيل أخرى غير العمومية مع تطوير التسويق الجامعي كما يجب إعادة الاعتبار إلى التكوين المهني العالي كما في البلدان المتقدمة و لعله من الضروري أيضا أن يتحول عميد الجامعة الخاصة إلى رئيس مؤسسة يضمن خدمات "ما بعد البيع" من خلال الانفتاح المباشر على المؤسسة الاقتصادية لتأمين انتداب طلبته لديها. طبعا موقف الوزارة التونسية واضح إزاء حزمة الإصلاحات المقترحة فهي:" تتوخى مبدأ الإنصات             و التحاور مع أهل القطاع الخاص بما يُمكّن من مرافقتهم و يساعد على تحسين جودة التكوين و تعزيز المكتسبات" وهي كما تلاحظون كلمات رشيقة أنيقة تطير في سماء صافية عصافيرها تزقزق, مجرد كلمات جرى تصنيعها في مخابر "العناية السامية" و " الرعاية الموصولة...و.. و..". وفي الختام نهمس إلى رئيس الحكومة المكلف يوسف الشاهد كونوا  على ثقة سيدي الوزير : لا حاجة لكم بمصباح علاء الدين لتطهير وزارة تكريم المشبوهين و تجاهل اللامعين... فقط قليلا من الإرادة و إن اتجهت نيتكم سيدي الوزير المكلف في الإبقاء على هذا الوزير (لا قدّر الله) فخففوا عن الوزارة و على قلوبنا بعض العبء          و بادروا على الأقل بتعديل اسم الوزارة  بحذف: "........ و البحث العلمي".


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire