samedi 16 juillet 2016

العدالة دون قوّة عاجزة : قضاة تونس ... الجيب فارغ والقلب مليان




رواتب القضاة في تونس تأتي في المراتب الأخيرة بين قطاعات الدولة المختلفة وجدول الرواتب لم يعدّل منذ تسعينات القرن الماضي ومقارنة مع ما يتقاضاه القضاة في بلدان قريبة من تونس نجد القاضي في مصر يقبض شهريّا أكثر من 7000 جنيه (9 مرّات الأجر الأدنى المضمون) وفي المغرب يقبض أكثر من 14 ألف درهم (10 مرّات الأجر الأدنى المضمون) مع ما يتقاضاه القاضي في تونس 1800 دينار (4 مرّات الأجر الأدنى المضمون) نخلص إلى أن مرتّب القاضي في تونس ضعيف جدا ولا يتناسب مع عمله الشّاق ووضعيّته الاجتماعية والمطلوب على الأقل أن يضاهي مرتّبات القضاة في مصر والمغرب أي على الأقل 4500 دينار.
تونس بلد العجائب والمتناقضات التي لا يشابهها أي بلد آخر في تنوّعها السّكاني والجغرافي والتاريخي فلاعب كرة القدم يحصل على مرتب شهري قد يفوق 60 ألف دينار وكذلك حال مدرب كرة القدم ورئيس مدير عام بنك أو شركة وبالنّسبة إلى المحامي فهناك من يستخلص 600 ألف دينار  صبرة واحدة عن تحرير عقد من ورقة أو ورقتين (المحامي رضا عباس) وهناك من يشترط دفعة على الحساب لأيّة قضية ب100 ألف دينار  (المحامي شوقي الطبيب) وأما بالنّسبة إلى الأطباء  فهناك من يتجاوز مدخوله السنوي مليوني دينار وأما عن مرتب القاضي فهو تحت الألفي دينار وبديهي أن تجد قاضيا لا يملك منزلا وأن تجد قاضيا يسكن فوق منزل والده وأن تجد بيت القاضي في حي شعبي وأن تجده في حالة مزرية وضعيف التأثيث وبدون تكييف ؟؟... تقريبا نسبة كبيرة من القضاة يعيشون حياة الفقراء (كل شهر وشهرو) وإذا حل بهم مصاب أو مرض تجدهم في وضعيّة العاجز عن مجابهة الظروف الاستثنائية وقد عشنا خلال سنة 2014 وضعيّة قاض بمحكمة الاستئناف بسوسة (ع.ك.) أصيب بجلطة دماغيّة أثناء الجلسة نتيجة الإرهاق والتّركيز وعوض أن تتكفل الدولة بعلاجه وإعاشته عمدت إلى قطع المرتب وحجب المنح والامتيازات ؟؟ وهو ما أجبر  سلطة الإشراف على تكليفه صوريا بدائرة الاتهام والتي اعتاد القاضي المريض مكره أخاك لا بطل على حضورها أسبوعيّا رغم حالته الصحية وصعوبة النّطق على الأقل ضمانا لتواصل تنزيل المرتب الشهري كاملا دون اقتطاع ؟؟ وأمثال القاضي المذكور كثر لا محال فنهاية القاضي المجتهد والنزيه والعادل والصادق معروفة.



كيف بربّكم لقاض مهدّد أن يصدر حكما عادلا ؟

أين كانوا وأين أصبحوا ؟  وكيف كانوا وكيف أصبحوا ؟ القضاة كانوا قبل الثورة أسيادا على البقية واليوم وفي ظل الدّيموقراطية المزيّفة أصبح القاضي يهان في اليوم الواحد عشرات المرّات... أي نعم يا سادتي القاضي يضرب في قاعة الجلسة بالجزمة و يعتدى عليه داخل مكتبه وخارجه وبمنزله وداخل سيارته وفي الطريق وفي الفضاءات العمومية وحتى في مركز الأمن ... والأغرب أن ترفع الحصانة عن القاضي ويزجّ به في السّجن لمجرد الشبهة أو من أجل لا جريمة ... فكيف بربّكم لقاض مهدّد من جميع الأطراف وفي كل الجهات أن يصدر حكما عادلا ؟ ففاقد الشيء لا يعطيه.
  




جمعيّات ونقابات القضاة ... تسمع جعجعة ولا ترى طحينا

قبل الثورة كان للقضاة جمعية مهنية وحيدة هي جمعية القضاة التونسيين وبعد الثورة أصبح لهم عديد الجمعيّات والنقابات والهيئات وحتى المراصد والتنسيقيّات (الهيئة الوقتية للقضاء العدلي  - نقابة القضاة التونسيين - الجمعية التونسية للقضاة الشبان - إتحاد القضاة الإداريين - اتحاد قضاة محكمة المحاسبات - تنسيقيّة النقابات القضائية...) ورغم الزخم الهائل و الكم الوافر من الجمعيّات إلا أن النتائج لم ترتق إلى الحد الأدنى المطلوب بعد أن تداخلت الأجندات وتضاربت وتقاطعت وتمازجت المصالح والضحيّة كالعادة القاضي المستقل وغير المسيّس والذي وجد نفسه بين مطرقة السّلطة التنفيذيّة وسندان الجمعيّات ؟؟ الكثرة وقلّة البركة.


ضعف مرتب القاضي في تونس لا يشجّع على الاستثمار

هل سيرى المتقاضي نفسه قادرا على حماية حقوقه أمام قضاة منتهكة حقوقهم وهل سيخاطر المستثمر الأجنبي بأمواله في بلد لا وجود فيه إلا لسلطتين(السّلطة التنفيذيّة والسّلطة التشريعيّة ) بما أن السّلطة الثالثة (السّلطة القضائيّة) مغيبة فأول سؤال يطرحه المستثمر في البلد الذي سيغامر فيه باستثماراته ما هو أجر القاضي ؟ وحينما يأتيه الجواب بأن القاضي في تونس (رتبة أولى) يقبض رأس كل شهر 1800 دينار (730 يورو) أو ما يعادل 4 مرّات الأجر الأدنى المضمون وقرابة ضعف مرتب عون الأمن ؟؟... يتراجع خطوات إلى الوراء ويهرب إثرها نحو وجهة أخرى تكون فيها العدالة قائمة والعدل مضمون ...فالعدل أساس العمران كما قال ابن خلدون.


السّلطة التنفيذية استكثرت سيارة إداريّة على كلّ قاض

رئيس مصلحة أو رئيس مركز أمني أو رئيس منطقة أو مدير أقليم شرطة أو ستاغ أو صوناد وحتى سائق تجدهم يستغلون سيّارات الإدارة في غدوهم ورواحهم وفي جميع تنقلاتهم وفي المقابل نجد القاضي يتنقل في سيارة على ملكه (غير لائقة في غالب الأحيان) والسّؤال المطروح حينما ضاعفت الحكومة عدد السيّارات الإدارية من 39000 سيارة إلى أكثر من 85000 سيارة لماذا لم تفكر في هذه الفئة الهامّة المهمشة والتي لا يتجاوز عددها 2500 قاض ؟ فمنح سيارة إداريّة لكل القضاة أمر ضروري ومطلب أساسي ضامن لراحة القاضي ولسلامته فكم من قاض قضى نحبه في حادث مرور ؟ وكم من قاض تعذّر عليه الحضور للمحكمة لتعطب السيارة ؟


القدرة الشرائيّة للقاضي انخفضت بعد الثورة الى النّصف

قبل الثورة كان مرتّب القاضي (رتبة أولى) في حدود 1400 دينار شهريا (830 يورو) وجاءت ثورة البرويطة وانفتحت معها آفاق جديدة في تأجير القضاة وجاءت زيارة ال400 دينار في عهد نور الدين البحيري لتفتح الشهيّة لكن أهل القرار في بلدي استكثروا على القضاة أيّة زيادة أخرى خارج أطر الزّيادات العامة لموظفي وأعوان الدولة وهو ما يعني أنه لن تشملهم في المستقبل إلا زيادات دورية بسيطة لا تتعدّى ال50 دينارا وهو ما يعني إبقاء القاضي حبيس حالة الخصاصة والحرمان والفقر  والإهمال فإذا أخذنا بعين الاعتبار التهاب الأسعار والارتفاع القياسي لمؤشر أسعار  الاستهلاك العائلي تكون القدرة الشرائيّة للقاضي تدهورت من سنة 2010 إلى سنة 2016 بما نسبته 50% أي بعبارة أوضح القدرة الشرائيّة للقاضي لا تتعدى في أقصى الحالات نصف ما كان يقبضه قبل الثورة... ما أبركك يا راجل أمي لول...   


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire