lundi 20 juin 2016

حديث عن السّيادة والسّعادة والفخامة والسمّو: المنقذ من الفشل والفساد ...حكومة الوحدة الوطنية؟




      الآن، وبعد خمس سنوات ونصف من الضياع والصداع، السؤال  الذي يستوجب الطرح هو :  لماذا استطعنا إنجاز ثورة سلمية، وحين شرعنا في البناء كان الهدم !!؟... فإما  الديمقراطية لا تصلح بنا، وإما نحن لم نؤسّس ديمقراطية أصلا ! 
  حديث الديمقراطية :الحقيقة، كل المؤشرات تؤكد أن تونس قد تخلصت من الديكتاتورية وصارت  فعلا ديمقراطية( طبعا بالمعنى الليبرالي ، وليس الشعبي) ولكن هذا باستثناء خلل واحد فقط  وهو المرتبط أصلا بالتعريف الأولي للديمقراطية :  الديمقراطية = حكم الأغلبية أو  "ديكتاتورية الأغلبية"  ! فمن المعلوم  كل الانتخابات التي أعقبت الثورة مشاركة الناخبين فيها لم تبلغ 40% ( ومستقبلا  سوف تكون أقل بكثير!!) ما يعني أن البلاد في حكم الأقلية ! هذا طبعا  ناهيك عن أن الذين فازوا  في الانتخابات لا يجمعهم حزب واحد... وهذا العزوف الانتخابي هو الذي ترك الباب مفتوحا للعربدة وللتغوّل  الوهمي فترتّب عنه التشنج ومن ذلك عدم التوازن وتعثر البلاد (وطبعا معالجة هذا ،مستقبلا أو حتى  في انتخابات سابقة لأوانها!، يمكن أن يتمّ  بسنّ "قوانين  ملزمة" كالحرمان  مثلا من بعض الحقوق المدنية كحق الإضراب أو التمتّع بالعفو أولوية التشغيل...).
أما  الاحتمال الثاني الذي يشكك في جدوى الديمقراطية،فلا علاج له  طبعا إلا   بالديكتاتورية( أو بالديمقراطية الشعبية!) وهو يبدو مستبعدا...(لكن  برنامج - الُو جِدّة-  الذي تبثه قناة التاسعة مساء له مليون مغزى ومغزى...!) 


 الحقيقة نحن لدينا قصور كبير في فهم الديمقراطية التي صارت عندنا "مستوردة أو لا تكون"..فالديمقراطية  من حيث الجوهر هي فطرية  في الإنسان  الذي جُبل على أمرين هما :الحريّة و الحقّ (الحق  بمعنى المنطق والمعقول ، باعتبار الإنسان كائنا ذكيا) والديكتاتورية نقيض هذا حيث  قهر الحريّات وأيضا السّطو على المكاسب بلا وجه حق ولا معقول. أما المشاركة السياسية ( أو ما يسميه الإسلام ب التشاور) فهي في الحقيقة " مجرّد تكملة" للديمقراطية ( بدليل أنّ الإنسان المغترب في دولة ديمقراطية  يشعر بديمقراطيتها رغم أنه ممنوع طبعا من المشاركة!...) ومحصلة القول نحن فعلا ملزمون باستنباط مقاربة   تتناسب  حقا مع وضعنا وثقافتنا وخاصة  ومع أزمتنا الرّاهنة  التي هي بالأساس سياسية مترتّبة عن التنازع والتنافر الأيديولوجي، فتسمية  الدستور ب  "الدستور التوافقي" أكبر دليل على هذا، فكأنما تونس بلد المائة طائفة! 



حديث التكنوقراط:  كل من لا يدرك أن  أزمة تونس أزمة سياسية فهو لا يفهم الأوضاع. فمشكل تونس من المستحيل حلّه بالمقولة التّافهة  "التكنوقراط  المناسب في المكان  المناسب"، فمشكل البلاد ليس " الطلوع إلى  القمر" ...إنها مهزلة حقا أن نتحدث عن تكنوقراطات في بلاد صغيرة  بحجم  قرية صينية أو مدينة مصرية !... والتكنوقراط هو أصلا  مشكلة وليس حلا ( ألم يكن وزراء بن علي  جلّهم من التكنوقراط والخبراء؟؟؟!)، فمن العبث والسّخافة أن توكل مسؤولية بلاد موبوءة بالتسيس الأيديولوجي إلى أشخاص  لا تحكمهم غير الأرقام... وعموما، وكما قال معز الصيداوي، لا يمكن قيادة ثورة شعبية بأسلوب غير  شعبي!  
 حديث الأخلاق: إذا كان التكنوقراط  عندنا لا يدركون أن جوهر الأزمة سياسي ،فالسياسيون عندنا (وعند العرب جميعا!)لا يدركون أن جوهر الأزمة السياسية هو أخلاقي بامتياز!...فما الذي دفع إلى  التنازع والتعصب و التكالب على المناصب والمغانم  دون مراعاة لمصلحة البلاد ؟؟! ...انظروا إلى هذه العناوين  الفظيعة، وهي مازالت إلى الآن مسجلة بالأنترنات  : - تشبّث الوزراء بالكراسي عطل إصدار الأوامر- و- تعدّد القائمين على شؤون البلاد أغرق المواطنين في الإحباط الشديد- و - على الدولة أن تحترم القضاء لتكريس هيبة الدولة- وهو عنوان مقتبس من محاورة مع رئيس اتحاد القضاة الإداريين!..


 ودون أن نخوض في عدد الجمعيات والمنظمات  التي تكاثرت  كالفطريات (أكثر من 18000 جمعية) وعدد الأحزاب الذي ناهز 200 كدليل على الأنانية والعناد وحب الظهور والانتهازية... منذ أشهر استمعنا إلى  أحد  "المفكرين الوطنيين"  وهو يتباكى  بسبب  "الرّاتب الضعيف"الذي صار أقل من راتب نائب أثيوبي أو صومالي كما قال،والعجيب هو أن الزيادة تمّت فعلا  وكانت متزامنة مع الزيادة في رواتب مديري البنوك العمومية والمشتركة !ولكن الأعجب هو أن تلك الزيادات الباهظة كانت متزامنة مع  أواخر موجة الاحتجاج التي قام بها المهمّشون والمعطلون وكادت أن تتحول إلى ثورة  لولا بعض التّسويفات والوعود الواهية!.. جلّ الأحزاب  كذبت على الشعب بوعودها الزائفة ، وحزب النداء لم يشذّ حتى عن  شعبوية وخزعبلات "حزب العريضة الشعبية"  حين  قدم وعودا وهميّة  بتوفير 450 ألف موطن شغل و 125 ألف مليار و137جلب مستثمر أجنبي وبعث آلاف المصانع ومدّ مئات الكليومترات من الطرقات والسكك الحديدية والتحكم في التكنولوجيا المتقدمة... والباجي قائد السبسي الذي نراه اليوم يستغيث ،كان قبل الانتخابات قد صرّح بأن حزبه يضم  من  الكفاءات  ما يسيّر" ثلاث دول"( طبعا نحن نصدقه في هذا، ولكن ليس هذا المطلوب كما ذكرنا . ومن ناحية ثانية نحن نقر بدوره  الكبير في إنقاذ البلاد من الحرب الأهلية!..وهذا موضوع آخر)... أما حركة النهضة فيبدو أنها تبحث عن الدخول إلى موسوعة "غاينز  بوك"للأرقام القياسية Guinness Book of Records في ركن  النّفاق السياسي والضحك على الذقون !!...وأما تشرذم ودانكشوتية المعارضة الوطنية وأمراضها الزعامتية، فذلك ضحك كالبكاء: إلى اليوم مازال جماعة – الشّعلة- يحلمون بخرافة تأسيس " حزب اليسار الكبير"...أما القوميون ، دعاة الوحدة العربية، فلم يتّحدوا حتى فيما بينهم ! 
 حديث الختام: ولذا نقول، وبكل تأكيد، الوزراء الحاليون يجب أن يرحلوا  كلهم جميعا وليس رئيسهم فحسب ! هؤلاء الذين استهتروا وعبثوا بقداسة الثورة الشعبية  فأوهموا الشعب بأن هيبة الدولة رهينة  أناقة بدلاتهم وربطات أعناقهم  ورهينة العودة إلى  مسمّيات عصر البايات والباشوات : السّيادة والسّعادة والفخامة والسمّو! .لقد أصاب توفيق بن بريك حين قال منذ حوالي سنة : أريد أن أرى وجوها أشم عليها رائحة الثورة فأنا لا أرى غير المستكرشين والمحفلطين المزفلطين.....إنّ البلاد في حاجة إلى  شخصيّات شعبية متفاعلة فكريا ووجدانيا مع قضايا البلاد دون تحزّب، شخصيات مناضلة ونظيفة حقا  تكون قادرة على إيقاظ روح الوطنية لدى  الشعب التي كادت تموت ...شخصيات قادرة على  إقناع المواطنين  بالتهدئة وحتى بسياسة تقشف وحتى تخفيض الرواتب والعمل التطوعي لو اقتضى الأمر...شخصيات توقظ الضمير الوطني في المخربين والمهرّبين والمتهرّبين والناس أجمعين ...( أما الاستمرار في نفس التّرضيات والمحاصصات الحزبية والتي  يبدو أنها  ستؤول إلى "جناحين"!) فهي غفلة خطيرة لن تكون نتيجتها سوى  كارثية على البلاد المنهكة وعلى الشعب  الذي نفد صبره وفقد الثقة في كل الحزبيين.قال ميشيل فوكو:
... Dès qu'on touche au pouvoir, on cesse de savoir, le pouvoir rend fou!
قد يقول قائل المشاركة الانتخابية في جل الديمقراطيات نسبية وقد تتدنى إلى ما تحت الثلث.فنقول لسنا بصدد الحديث  عن ديمقراطية منجزة وإنما عن ديمقراطية قيد الإنجاز!.(2)  أنظر بالأنترنات  المقال بالثورة نيوز: لمَ العزوف عن التسجيل الانتخابي ؟! والمقالات الصادرة بالصـــباح  منذ2012 بعنوان : حكومة كفاءات لا تكفي!.والمقال : لا يمكن حمل الزرافة من أذنيها!. وأيضا المقال: المدنية – ما بين الإسلام والاشتراكية- وأيضا - ضرورة برلمان توافقي ومكاتب محلية..والمقال : الجيش تحسّبا للفراغ!



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire