vendredi 3 juin 2016

رمضان: لا يكرم المواطن البسيط بل يهان : أوّله احتكار و أسعار تكوي كالنّيران... و أوسطه غشّ في النّوعية و الميزان ...و آخره زور و بهتان




لم  تكن  الصورة التي  تم  تداولها  على صفحات التواصل الاجتماعي   المتعلقة بزيارة رئيس الجمهورية  الباجي قايد السبسي  إلى سوق  باب الفلة بالعاصمة أين تجملت  أسعار الخضروات و الغلال و كل السلع المعروضة  فتدنت إلى اقل الأسعار  حيث  بلغ  مثلا سعر الكلغ الواحد من الطماطم1500   مليم لتتحول إبان  زيارة  الرئيس  إلى للكغ الواحد   800 حتى أن جل  التعليقات  على الفايسبوك  كانت ساخرة  و هذه  إحداها  التي  كانت أكثر تبليغا  و التي  قال فيها  احدهم : لواش نغطيو في عين الشمس بالغربال...الجماعة اللي مشالهم الرئيس اللكل عاودت مشيتلهم .. الاسكلوب ب 11490 و الطماطم من 1450والى 1800 و اللحم مابين 20 و 22 د للتونسي الحاجة الوحيدة الرخيصة هي الكيوي ال6 بألف .. أمان الزوالي راو مشى و رانا فدينا و تعبنا .. زيارات ميدانية تدل إما على نفاق المواطن أو الدولة... فيقو رانا غرقنا"  .. قلنا  لم تكن   تلك الصورة الاستثناء بل عديدة  هي  الصورة القادمة من  رحاب الأسواق  البلدية التي  إن  يزرها  مسؤول   تغدو فضاءات  تجارية يضرب  بها المثل  في النظافة و الطهر و العفة و  تصبح  سلعتها المعروضة بخسة  الثمن  و ما  إن  يغادرها  حتى تعود إلى نسقها الطبيعي   العفن في دلالة أننا نعيش حالة نفاق  كبرى .
ومع اقتراب  شهر رمضان الكريم  أعاده  الله علينا باليمن و البركة  نعود  إلى نفس  النغمة و إلى القرص المشروخ  فالنظري و ما  يهتف  به الشعب الكريم  و يردده هو كون  رمضان شهرا عظيما  باعتباره شهر العبادة و التقوى  و شهر الرحمة و المغفرة و  شهر التودد و الرفق  و شهر الضعيف  و المحتاج  أما  الواقع   فعكس  ذلك تماما حيث يعرف الشارع التونسي حالة صخب لا مثيل  لها   و يرتفع  منسوب الغضب   بمفعول الحشيشة  و  تتغير عادات التونسي الاستهلاكية فيكثر  طلبه و تتطور شهواته و تشهد السوق  حالة من الغليان فينفلت جماح الأسعار و تصعد  مدوية في السماء و يذهب المواطن البسيط  في العفس كما  يقولون   ...


 صحيح  أنه  على مدى  الشهر الكريم  تنتصب  في  كامل  ولايات الجمهورية موائد الإفطار يقصدها المسكين و الفقير   و صحيح  أنها  تمثل  حلاّ  للرفق   بذوي الدخل الهش  غير أنها  لا تكرس  حتما  مبادئ حفظ كرامة التونسي  و تعزز شهامته  بقدر تؤكد  على نوع  ما  من الذل  و العجز ..
 قبل  دخول  شهر البركة و اليمن  اشتدت  درجات الاحتكار لدى الباعة رغم الأهازيج  المرتفعة الصادرة عن   الدوائر المسؤولة المؤكدة على تنظيم تزويد السوق بكل السلع الأساسية و غير الأساسية ...  فالزيت  المدعم  مثلا و البيض  و غيرها  من  السلع  يتم  احتكارها   مسبقا على أن يتم   إخراجها  في  رمضان ..   


 و مع اشتعال الحرائق في بعض ولايات الجمهورية ومع ارتفاع درجات حرارة الجو بصورة غير مسبوقة، يجد التونسيون أنفسهم أمام نيران أخرى تهب من غلاء الأسعار التي صارت تحرق جيوبهم، والتي حولت شريحة كبيرة من الطبقة المتوسطة إلى فقراء ومحدودي دخل و رغم تذمر المواطنون من صعوبة هذه الفترة على الميزانية العائلية ورغم الارتفاع الملحوظ لبعض الأسعار ورغم الدعوات المستمرّة لترشيد الاستهلاك وتجنّب الانسياق وراء الشهوات وتجنّب اللهفة والتدافع والطوابير إلا أن العكس هو الذي يحصل  غالبا  في  شهر رمضان  حيث  يبدأ عدد كبير من المواطنين وكأنهم يدخلون السوق لأول مرة من خلال التدافع على بعض المشتريات العادية والبسيطة في كل المتاجر والمحلات بكميات كافية وبأسعار عادية.. ولا بد أن يفهم المواطن أن لهفته المفرطة هي التي تزيد في إلهاب الأسعار ويخرج هو الخاسر الوحيد....لهفة يوازيها  في المقابل  ارتفاع   جنوني  في الأسعار  حيث  لا  تعرف  بعض  الخضر على غرار  الفلفل  و الطماطم  مثلا  استقرارا  خلال  هذا الشهر  نظرا للإقبال  الكبير عليها   كما  هو الشأن للبطاطا التي من المنتظر آن  يتجاوز سعر كيلوغرامها   ال1 دينار تونسيا ...
و لئن  قفز سعر الفلفل الأخضر  إلىدينارين بالنسبة إلى نوع «الحلو» و«البقلوطي» فان سعر المسكي والحار  ظل في حدود 1600 مي رغم  كون  الفترة الحالية هي ذروة موسم الفلفل الصيفي وهو أمر يدعو فعلا إلى الاستغراب حول المتسبب في ارتفاع سعر هذه المادة، و تشهد أسعار مادة «الفقوس» الصعود لتبلغ 1400 مي بالنسبة إلى الكلغ، أما الطماطم الطازجة فقد كان سعرها «متحركا» بين 1000 و 1500 وارتفعت أسعار السلائط لتستقر في حدود 850 و1000 مي بالنسبة إلى الخصّ و«الليتي» و«الفجل» رغم أنها لم تكن تتجاوز قبل ذلك 500 مي. أما بالنسبة إلى المقدنوس فمن المنتظر أن تشهد  أسعاره  ارتفاعا بدورها  على غرار كل بداية رمضان ويتوقع المختصون أن تنخفض كلما تقدم شهر الصيام.
أما بالنسبة إلى الغلال فحدث  و لا حرج  فإذا كان  مثلا سعر الكيلو غرام الواحد من  غلة الخوخ بوطبقية ب 2800 مليم  حاليا  فانه من المنتظر أن يرتفع  حتى يصل إلى عتبة  ال4الاف  للكلغ  الواحد  خلال الشهر الفضيل قياسا  على ما شهده  سعره  في  الموسم الفارط و لئن  تعرف  غلة الدلاع  انخفاضا  معلوما  في  سعرها  على اعتبار الصابة الكبيرة فان اغلب المنتوج  بلا  حلاوة  نظرا  لتداخل الأسمدة الكيماوية عليها  و التي أفقدتها  نكهتها  تماما .


 و آمّا عن اللحوم الحمراء و البيضاء فذاك  شان  لا يعني  المواطن البسيط خاصة إذا علمنا  أن سعر الكلغ الواحد من السكالوب مثلا  قفز إلى 9 دينارات ... و فيما  تظل اللحوم صعبة المنال  بعد أن تجاوزت  عتبة ال20  دينار للكلغ الواحد للعلوش ..و أّما بخصوص  الأسماك  فتلك مأساة أخرى و أسعارها  لا تحتمل الاقتراب  خاصة  فيما يخص  الأسماك الرفيعة   سيجد الزوالي نفسه  مكتفيا  بالسردينة و البوقا و ما شابهها  إن أثقل  كاهله  وتجرأ على شرائها   و أمّا بقية الأنواع  فيظل  يتفرج  عليها  في الصور ..
 فما  يتم  الترويج  له  انه  يمكن التحكم  في الأسعار خلال شهر رمضان  أو  أن الأسعار  ستعرف الاستقرار خلاله  فهو من باب الدعاية الإعلامية لا غير  و إن  صادفتم إن  وجدتم  بضاعة معروضة بسعر منخفض  فاعلموا  إنكم  في  حضرة التحيل أو الغش  أو أنك  مقبل  على بضاعة ذات نوعية رديئة لا طعم لها  و لا رائحة ...


 حيث  كان  من  المفترض أن تعم السلوكات السوية في شهر رمضان أكثر من أي فترة أخرى ولكن المعاملات الاقتصادية تفلت من هذا التوقع بسبب تكاثر عمليات الغش في أسواقنا. فإن  سلمتم من نوعية البضاعة المباعة لكم و سلعتهم   فإنكم حتما   لن  تسلموا من  عملية الغش  في  الميزان  فكل شيء مغشوش  تقريبا في الأسواق التي تعج بمكبرات الصوت لتحتال من كل جانب على المستهلك الفريسة الذي لا يملك من وسيلة سوى اقتناء مواد يدرك جيدا أنها رديئة الجودة، عديمة السلامة الصحية. تلك باختصار شديد هي حال أغلب أسواقنا التونسية  في شهر رمضان ، حيث لا رادع للمحتالين ممن أشاعوا ثقافة الغش التجاري والفكري، ولا حماية للمستهلكين في ظل الفراغ التفتيشي.. وتبقى هذه الأسواق في المنظور التونسي المسلم الفذ أسواقا أجنبية وإن كانت محلية تونسية.. أجنبية عن أنماط الاستهلاك التونسي وأجنبية أيضا عن معايير الجودة والسلامة والصحة.  فلا داعي لتعبئة بطوننا بالهواء و الكلام  المعسول  أيها  المسؤول  ... لقد انتهى فعلا الدرس أيها المغفلون .


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire