جوهر
الاختلاف إن لم نقل الصّراع بين أصحاب سلطة السياسة والمال وبين شعب الكادحين
والمفقّرين والمعطّلين يتعلّق بالفهم الذي يريد الأوّلون فرضه على الآخرين...
فَهم يفترض أن يحبّ الفقراءُ الوطنَ وأن يتحمّلوا المزيد من الجوع وأن يقدّموا ما أمكن من التضحيات في مقابل أن يحبّ الوطن ُ أصحابَ الجاه والثّروة والسلطان وأن يحفظ مصالحهم و يمنحهم المزيد من الامتيازات...
***
هذا الفهم المصاب بالحَوَلِ . حَوَل كان سببا من أسباب حراك 17 ديسمبر 2010-14 جانفي 2011 ولعلّ المشاركين في ذاك الحراك كانوا يطلبون شفاء البصر بأن يستعيد توازنه واستقامته غير أنّ عيون أصحاب السلطة وأصحاب رأس المال تبدو مصرّة –إلى اليوم- على المحافظة على هذا الحَوَلِ مما يهدّد بحراك اجتماعي جديد إذا سلّمنا بأن نفس الأسباب تؤدّي إلى نفس النتائج...
***
منذ حكومة الترويكا , ومجلسها التأسيسي(الذي حظيت فيه بالأغلبية) كان العدد الكبير للحقائب الوزارية وجرايات السياسيين من الرئاستين إلى الوزراء إلى النواب فضلا عن الامتيازات التي يحظون بها (امتيازات السكن والأكل والتنقل...) وكان العجز أو التغاضي عن مقاومة التهرّب الضريبي للأثرياء القدامى منهم والجدد والفشل في استرجاع المال العام المنهوب غير منسجم مع الدعوة الموجّهة إلى سائر القطاعات العامة والفئات الشعبية للترفّع عن المطلبية الاجتماعية في ظل الظروف الاقتصادية العسيرة التي تمرّ بها البلاد...
***
إنّ السير على سنّة الإبصار بعين واحدة يتواصل اليوم لتجدنا نسير على حافة الهاوية من جديد , هاوية السقوط الجماعي نحو مزيد التأزم الاقتصادي والاجتماعي نتيجة عدم تصديق الجسد (القطاعات العامة والفئات الشعبية) للرّأس (أصحاب السلطة السياسية والتشريعية وأصحاب سلطة رأس المال )...
فالرّأس ممثَّلا في النوّاب البرلمانيين مثلا الذي يتقاضون جراية تقدّر ب 2250 دينارا , والذين يطلبون منحة (يُرتَقب أن تتمّ المصادقة عليها) بعنوان السكن والتنقل تتجاوز ال 900 دينارا مسوّغين ذلك , معلّلينه بأمرين :
-المسوّغ الأول: أهمية أن يحظى النائب بمستوى عيش رفيع تحصينا له من الوقوع في شراك علاقة غير شرعية مع رأس مال باحث عن مطايا نيابية وسياسية حاكمة تيسّر له العبور إلى حماية مصالحه , وزيادة ثروته وإن بأشكال غير قانونية
- المسوّغ الثاني :ترشيد نفقات المجلس التأسيسي حيث يبرّر بعض النواب المدافعين عن هذه المنحة بأنها بديل أكثر اقتصادا وتقشفا من الصيغة القديمة التي كان المجلس ملزما بفضلها بتوفير الإقامة والأكل لهم مما يكبّد ميزانيته أموالا تتجاوز قيمة هذه المنحة.
أما الرأس الممثَّل في أصحاب النفوذ المالي فيبدو أنّ ضغطهم أثمر تخفيضات في فوائض ديونهم , أو في إلغائها أو في إعادة جدولتها كما قد يثمر قريبا طيا لصفحات فساد بعضهم باعتماد مسوّغين اثنين أيضا :
-مسوّغ الإرهاب (مشروع إنقاذ أصحاب النزل من الأزمة التي أصابت القطاع السياحي بعد ضربة سوسة)
-مسوّغ المصالحة (الذي يرفع شعار الحاجة الوطنية في هذا الظرف المتسم بالركود الاقتصادي إلى تشجيع المستثمرين على العودة إلى سالف عهد استثمارهم والصفح عنهم (بشروط ميسّرة لإغلاق ملفات الفساد)
***
لكن أيّا كانت نسبة وجاهة هذه المسوّغات نظريّا إلاّ أنّها تسقط في اختبار حقيقة يثبتها واقعُ أزمة تبدو مزمنة , هي أزمة الرأس السياسي الحاكم والمشرّع ورأس المال اللذان يطلبان من الجسد (الشعبي) تحمّل أذى البقاء في خندق الفقر والبطالة... ليظل الرأس مطلاّ خارج هذا الخندق يتنفس هواء الثروة...
والخشية أن يُنهِك أذى الخندق الجسدَ , وأن يعييه تحمّل المشقّة فيتهاوى ويسحب الرأس معه...
***
إنّ الحياة المشتركة , والخلاص الجماعي يفترضان أن يقدّم الرّأس السياسي حلولا تنموية وأن يجهد في البحث عن خطط لتخفيف العبء عن الجسد الشعبي وأن يقبل التضحية المادية قبل أن يطلبها من هذا الجسد , وأن يقبل رأس المال(أو أن يُلزَم) بالقيام بواجباته الضريبية (في كنف الشفافية) وأن يتحمّل المحاسبة المالية والأخلاقية والقانونية قبل فرض مصالحة غير مشروطة , أو ذات شروط ميسّرة , أو ذات شروط شكلية...
في هذه الحال فقط يمكن أن يسجّل التاريخ أنّ تونس بعد حراك 17ديسمبر2010-14 جانفي 2011 نجحت في أن تصير تونس مختلفة عمّا قبله لأنها وُفِّقت في جعل رأس المال وطنيا كما وفقت في إنتاج طبقة سياسية حاكمة وطنية مؤهّلين لقيادة المرحلة وتقديم نموذج التضحية التي هي "فرض عين" يُلزِم الجميع وليست "فرض كفاية" يسقط عن أصحاب السلطة والمال لتلتزم به الطبقات الشعبية وحدها...
لكن بما أن "المثال المحتذى" (القيادة السياسية والقيادة المالية) مازال لم يتخلص من فهمه النفعي لحب الوطن إذ تُقرَأُ رسائله على أنّها دعوة للفقراء والكادحينَ والمعطّلين إلى أن يحبّوا وطنَهم وأن يتحملوا المزيد من الجوع وأن يقدّموا ما أمكن -وما ليس يمكن- من التضحيات في مقابل أن يحبّ الوطن ُ أصحابَ الجاه والثروة والسلطان وأن يحفظ مصالحهم و يمنحهم المزيد من الامتيازات فإنّ حلم الانتقال إلى التّوافق الواسع والاستقرار الصّلب أساسا لبناء ديمقراطية حقيقية ولتحقيق عدالة اجتماعية تمكّنان من خوض المعركة ضد الإرهاب و المعركة في سبيل
التنمية وفي سبيل إنشاء دولة حديثة قوية تستطيع أن تقف ثابتة في وجه أعاصير مخططات الاستعمار الجديد التي تعصف بالمنطقة مازال بعيد المنال , مالم يراجع "المثال المحتذى" فهمه لحبّ الوطن , ومالم تتضمّن رسائله إلى المواطنين ما يثبت أنّه مؤمن بأنّ التضحية فرض عين...
فَهم يفترض أن يحبّ الفقراءُ الوطنَ وأن يتحمّلوا المزيد من الجوع وأن يقدّموا ما أمكن من التضحيات في مقابل أن يحبّ الوطن ُ أصحابَ الجاه والثّروة والسلطان وأن يحفظ مصالحهم و يمنحهم المزيد من الامتيازات...
***
هذا الفهم المصاب بالحَوَلِ . حَوَل كان سببا من أسباب حراك 17 ديسمبر 2010-14 جانفي 2011 ولعلّ المشاركين في ذاك الحراك كانوا يطلبون شفاء البصر بأن يستعيد توازنه واستقامته غير أنّ عيون أصحاب السلطة وأصحاب رأس المال تبدو مصرّة –إلى اليوم- على المحافظة على هذا الحَوَلِ مما يهدّد بحراك اجتماعي جديد إذا سلّمنا بأن نفس الأسباب تؤدّي إلى نفس النتائج...
***
منذ حكومة الترويكا , ومجلسها التأسيسي(الذي حظيت فيه بالأغلبية) كان العدد الكبير للحقائب الوزارية وجرايات السياسيين من الرئاستين إلى الوزراء إلى النواب فضلا عن الامتيازات التي يحظون بها (امتيازات السكن والأكل والتنقل...) وكان العجز أو التغاضي عن مقاومة التهرّب الضريبي للأثرياء القدامى منهم والجدد والفشل في استرجاع المال العام المنهوب غير منسجم مع الدعوة الموجّهة إلى سائر القطاعات العامة والفئات الشعبية للترفّع عن المطلبية الاجتماعية في ظل الظروف الاقتصادية العسيرة التي تمرّ بها البلاد...
***
إنّ السير على سنّة الإبصار بعين واحدة يتواصل اليوم لتجدنا نسير على حافة الهاوية من جديد , هاوية السقوط الجماعي نحو مزيد التأزم الاقتصادي والاجتماعي نتيجة عدم تصديق الجسد (القطاعات العامة والفئات الشعبية) للرّأس (أصحاب السلطة السياسية والتشريعية وأصحاب سلطة رأس المال )...
فالرّأس ممثَّلا في النوّاب البرلمانيين مثلا الذي يتقاضون جراية تقدّر ب 2250 دينارا , والذين يطلبون منحة (يُرتَقب أن تتمّ المصادقة عليها) بعنوان السكن والتنقل تتجاوز ال 900 دينارا مسوّغين ذلك , معلّلينه بأمرين :
-المسوّغ الأول: أهمية أن يحظى النائب بمستوى عيش رفيع تحصينا له من الوقوع في شراك علاقة غير شرعية مع رأس مال باحث عن مطايا نيابية وسياسية حاكمة تيسّر له العبور إلى حماية مصالحه , وزيادة ثروته وإن بأشكال غير قانونية
- المسوّغ الثاني :ترشيد نفقات المجلس التأسيسي حيث يبرّر بعض النواب المدافعين عن هذه المنحة بأنها بديل أكثر اقتصادا وتقشفا من الصيغة القديمة التي كان المجلس ملزما بفضلها بتوفير الإقامة والأكل لهم مما يكبّد ميزانيته أموالا تتجاوز قيمة هذه المنحة.
أما الرأس الممثَّل في أصحاب النفوذ المالي فيبدو أنّ ضغطهم أثمر تخفيضات في فوائض ديونهم , أو في إلغائها أو في إعادة جدولتها كما قد يثمر قريبا طيا لصفحات فساد بعضهم باعتماد مسوّغين اثنين أيضا :
-مسوّغ الإرهاب (مشروع إنقاذ أصحاب النزل من الأزمة التي أصابت القطاع السياحي بعد ضربة سوسة)
-مسوّغ المصالحة (الذي يرفع شعار الحاجة الوطنية في هذا الظرف المتسم بالركود الاقتصادي إلى تشجيع المستثمرين على العودة إلى سالف عهد استثمارهم والصفح عنهم (بشروط ميسّرة لإغلاق ملفات الفساد)
***
لكن أيّا كانت نسبة وجاهة هذه المسوّغات نظريّا إلاّ أنّها تسقط في اختبار حقيقة يثبتها واقعُ أزمة تبدو مزمنة , هي أزمة الرأس السياسي الحاكم والمشرّع ورأس المال اللذان يطلبان من الجسد (الشعبي) تحمّل أذى البقاء في خندق الفقر والبطالة... ليظل الرأس مطلاّ خارج هذا الخندق يتنفس هواء الثروة...
والخشية أن يُنهِك أذى الخندق الجسدَ , وأن يعييه تحمّل المشقّة فيتهاوى ويسحب الرأس معه...
***
إنّ الحياة المشتركة , والخلاص الجماعي يفترضان أن يقدّم الرّأس السياسي حلولا تنموية وأن يجهد في البحث عن خطط لتخفيف العبء عن الجسد الشعبي وأن يقبل التضحية المادية قبل أن يطلبها من هذا الجسد , وأن يقبل رأس المال(أو أن يُلزَم) بالقيام بواجباته الضريبية (في كنف الشفافية) وأن يتحمّل المحاسبة المالية والأخلاقية والقانونية قبل فرض مصالحة غير مشروطة , أو ذات شروط ميسّرة , أو ذات شروط شكلية...
في هذه الحال فقط يمكن أن يسجّل التاريخ أنّ تونس بعد حراك 17ديسمبر2010-14 جانفي 2011 نجحت في أن تصير تونس مختلفة عمّا قبله لأنها وُفِّقت في جعل رأس المال وطنيا كما وفقت في إنتاج طبقة سياسية حاكمة وطنية مؤهّلين لقيادة المرحلة وتقديم نموذج التضحية التي هي "فرض عين" يُلزِم الجميع وليست "فرض كفاية" يسقط عن أصحاب السلطة والمال لتلتزم به الطبقات الشعبية وحدها...
لكن بما أن "المثال المحتذى" (القيادة السياسية والقيادة المالية) مازال لم يتخلص من فهمه النفعي لحب الوطن إذ تُقرَأُ رسائله على أنّها دعوة للفقراء والكادحينَ والمعطّلين إلى أن يحبّوا وطنَهم وأن يتحملوا المزيد من الجوع وأن يقدّموا ما أمكن -وما ليس يمكن- من التضحيات في مقابل أن يحبّ الوطن ُ أصحابَ الجاه والثروة والسلطان وأن يحفظ مصالحهم و يمنحهم المزيد من الامتيازات فإنّ حلم الانتقال إلى التّوافق الواسع والاستقرار الصّلب أساسا لبناء ديمقراطية حقيقية ولتحقيق عدالة اجتماعية تمكّنان من خوض المعركة ضد الإرهاب و المعركة في سبيل
التنمية وفي سبيل إنشاء دولة حديثة قوية تستطيع أن تقف ثابتة في وجه أعاصير مخططات الاستعمار الجديد التي تعصف بالمنطقة مازال بعيد المنال , مالم يراجع "المثال المحتذى" فهمه لحبّ الوطن , ومالم تتضمّن رسائله إلى المواطنين ما يثبت أنّه مؤمن بأنّ التضحية فرض عين...

Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire