mercredi 12 août 2015

الحلم السّلطانيّ: عَقَبات الدّاخل...حرائق الخارج...والإيالات الإخوانية...




لطالما تواترت الإشارات إلى أنّ أحلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صارت تتجاوز توطيد دعائم القُطر التركي إلى استعادة أمجاد امبراطورية عثمانية هو سلطانها  ولعل هذه الإشارات قد بلغت ذروتها الرمزية من خلال صورة "القصر الأردوغاني العظيم" الذي كلّف أنقرة أكثر من 600 مليون دولار والذي يحتوي  على 1000 غرفة وتزيد مساحته 30 مرة عن مساحة البيت الأبيض، وهو أكبر من قصر فرساي الشهير في فرنسا.
ويُرجِع بعضهم هذه الأحلام إلى سببين رئيسين
أولهما المرجعية الأيديولوجية (الإسلامية) للرجل ولحزبه (العدالة والتنمية) التي وإن انخرطت في منظومة سياسية حديثة تتأسس على فكرة الجمهورية إلا أنها ظلت في جوهرها منشدّة إلى فكرة الخلافة.
وثانيهما سبب نفسي يتمثل فيما تكشّفت عنه شخصيته من شهوة الانفراد بزعامة (تتخذ لنفسها علامة إسلامية) تقطع تدريجيا مع صورة الزعامة العلمانية لكمال أتاتورك , ولقد بدت هذه الشهوة متطوّرة بشكل تناسبيّ مع واقع موضوعي ومسار تاريخي حقق خلاله الرجل انتصارات سياسية انتخابية لفائدته وفائدة حزبه , وانتصارات اقتصادية و تنموية , وصولا لانتصارات أيديولوجية تمثلت في نجاحات التأسيس للقطع مع علمانية الدولة نحو أسلمتها ولم تكن هذه النجاحات لتتسنى له لولا تطويعه للجيش وكسر شوكته المستنفَرة لحماية العلمانية (التخلص من بعض قادة الجيش ومحاكمتهم
 
بتهم محاولات الانقلاب)
***
     
ويبدو أنّ "السلطان الرئيس" مضى نحو حلمه وقد أعدّ له ما يحتاج
-
على المستوى المحلي الداخلي : إعداد مشروع لتحويل النظام السياسي التركي من نظام برلماني إلى نظام رئاسي لو حقق الأغلبية المرجوّة لحزبه في الانتخابات الأخيرة
-
على المستوى الخارجي: دعم الحركات الإسلامية عامّة والإخوانية خاصة التي تدين له بالولاء...
ولئن رأى الملاحظون والمحللون السياسيون أن الاستراتيجية الخارجية للحكم الأردوغاني (نسبة إلى أردوغان) قد عمدت إلى غض الطرف وربما تقديم دعم سرّي لتنظيم الدولة الإسلامية (المصنف دوليا بأنه تنظيم إرهابي) لأنها كانت تعطي الأولوية لإسقاط النظام السوري في انتظار مرحلة قادمة تتمكن فيها الجماعات الإسلامية التي تدين بولاء (أيديولوجي وسياسي ) للسلطان الرئيس من تسلّق السلالم إلى سراب سلطة بلا وطن , هذا فضلا عن أن السياسة الخارجية لأنقرة أردوغان تسعى إلى تحجيم قدرة ودور حزب العمال الكردستاني بالاكتفاء بدور المشاهد في صراعه ضد تنظيم (داعش)
 (
مثال كوباني) لاستنزاف الطرفين.
أضف إلى ذلك ضغط سعي "أنقرة أردوغان" لتأسيس منطقة عازلة تستوعب اللاجئين السوريين , وتمثّل نقطة ارتكاز و انطلاق فعل سياسي وربما عسكري للقوى الإسلامية(الإخوانية) القريبة من "السلطان الرئيس"...
***
 
لكن يبدو أن حرائق المنطقة التي ظلّت "أنقرة أردوغان" تلهو بها لتمهّد أرض الشرق الأوسط الملتهبة لقدوم "ولاة الإخوان" حتى يؤسسوا "إيالات" ملحقة "بالباب العالي الأردوغاني" وليكونوا أعوانا مطيعين  لحلم السلطان , قلت :يبدو أنّ الحرائق قد ارتدّت لتمسك بثوب  الحلم الأردوغاني , وقد مثّلت عملية التفجير الانتحاري بمدينة "سروج" التركية التي تبناها تنظيم "داعش" والذي راح ضحيته 32 شخصا أوضحَ صورة لهذه النار التي علِقت بثوب السلطان فدفعته إلى الجري بعيدا عن كرسي العرش الوثير الموعود(متورطا بصفة مباشرة في الحرب السورية  خارج الحدود التركية)...
هرول السلطان الرئيس بعيدا  حتى لا تصل النار إلى الكرسي الذي لم يثبِّت دعائمَه بعد , حتى لايصير الحلم رمادا...
***
         
انقضى-إذن- زمن الفرجة الآمنة على نار يلهو بها السلطان الرئيس ولا تحرق إلاّ الآخر (السوري والعراقي وغيرهما...) ليجد نفسه مجبرا , مدفوعا إلى خوض غمار الحريق معلنا الحرب على الإرهاب مساويا بين داعش وحزب العمال الكردستاني , سامحا للجيش الأمريكي باستعمال قاعدة "أنجرليك" التركية للقيام بعمليات ضد داعش...
غير أن بعض المحللين السياسيين وبعض أطياف المعارضة التركية يرون أنّ أردوغان لم يطلق النفير حماية للأمن القومي التركي فحسب وإنما رغبة في استرجاع حلمه السلطاني الذي بات مهددا منذ فشل حزب العدالة والتنمية في تحقيق الأغلبية التي تؤهله لتمرير مشروع تحويل نظام الحكم في تركيا من برلماني إلى رئاسي . ويعزى شبه الإخفاق الانتخابي إلى صعود نجم "حزب الشعوب الديمقراطي" الوجه السياسي لحزب العمال الكردستاني الذي تمكن من حصاد 13 في المائة من الأصوات فلم يعد تحقيق أمل الصلاحيات الرئاسية الواسعة مِلك يمين السلطان الرئيس...
ولاسترجاع الحلم كان لابد من استهداف العقبة الداخلية بالانخراط في حرب خارجية ذريعتها الإرهاب الداعشي وغايتها حزب العمال الكردستاني ليتسنى القضاء الممنهج على حزب الشعوب الديمقراطي (وتجلى ذلك باستثمار الحرب في الدعوة إلى رفع الحصانة عن نواب هذا الحزب وحلّه ) -قبل الانتخابات الممكنة السابقة لأوانها في حال عجز العدالة والتنمية عن تشكيل حكومة ائتلافية-
***
يظل الحلم السلطاني باحثا عن السبل لتوطيد دعائم "العرش الرئاسي" في الداخل التركي , ويمهّد الطريق عبر حرائق الخارج التي تعصف بالشرق الأوسط لعبور من دان له بالولاء من "الإخوان " نحو الفوز بولاية "إيالات" تقوم على أنقاض أوطان , ولا يشق ولاتها عصا الطاعة في وجه السلطان...

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire