لا ينكر أحد الوضع المزري الذي آلت إليه الرقابة العامة في الدولة بعد
الثورة بسبب تقاعس القائمين عليها وتخاذل رؤسائها وحالة الفشل الكلوي التي أصابت
الأجهزة الرقابية، هذه الأجهزة التي تنهل من مال الشعب لتراقب مال الشعب فإذا بها
تقبض الشهرية والامتيازات ولا تتحمل المسؤولية بما أنها فاقدة للمصداقية وتغط في
سبات عميق وربما مفتعل...وأكبر عنوان للفشل البارز فيها هو الهيئة العليا للرقابة
الإدارية والمالية هذه المهزلة المؤسساتية التي حاول القاضي غازي الجريبي أن
ينقذها من موت محتم فجر الثورة حين قرر فريق رئيس الجمهورية الأسبق فؤاد المبزع
إغلاقها واستصدار قانون يحيل أملاكها وفشلها إلى الوزارة الأولى لتصبح تابعة لهيئة
الرقابة العامة للمصالح العمومية CGSP ذلك استجابة لمطالب الثورة التي نادت بحل مؤسسات بن علي
الرئيس المخلوع بما فيها هذه الهيئة التي كانت معروفة في عهده بسكّين قرطاج تقطع
التقارير والمسؤولين بحسب الطلب... ولكن الفأس أصابت أجهزة بن علي ووقف الحظ إلى
جانب سكّين قرطاج حيث قلنا تم تعيين الجريبي على رأسها في سنة 2011 كتعويض معنوي
لع على عزله ولكن أيضا ثقة في حنكته وصرامته وحزمه وهي خصال كانت ضرورية لتطهير
الهيئة من بقايا بن علي وجنود عبد العزيز بن ضياء ولكن هيهات فالقوة المضادة للثورة
داخل الهيئة النائمة كانت قوية وسكّين قرطاج كانت "أمضى"وأحد من حزم
الجريبي ورغبته الجامحة في تطوير الهيئة والخروج بها من مستنقع العهد البائد.
فقد علمنا من مصادر أكيدة ان الجريبي قد تقدم برسالة خاصة للرئيس السابق
منصف المرزوقي إبان انتخابات أكتوبر 2011 يطالبه فيها بحماية الهيئة من الحملة
التي كان يشنها حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ضد المؤسسات التابعة للرئاسة رغبة في
غلقها نهائيا وتعويضها بهياكل مزكاة من
نواب الشعب، وباعتبار الحظوة التي كانت للجريبي وسمعته الأخلاقيةوالأكاديمية كان له ذلك بل وأعطاه
رئيس الجمهورية الضوء الأخضر للتطهير وتجديد دماء الهيئة بمكلفين بمهمة لدعم
الهيئة والرقابة ككلّ في انتظار إنشاء هيكل جديد مستقل وتعويض جنود المخلوع ولكن
ثارت ثائرة هؤلاء حين علموا بالأمر بل ورفضوا جماعيا ومن باب التضامن قراره بإنهاء
إلحاق البعض ممن كانوا معروفين بتورطهم في حزب التجمع على غرار عبد الحميد ثابت
وهو أصيل المنستير وعضو ناشط في نادي 7 نوفمبر بالجهة ومعروف بولائه الأعمى لعبد
العزيز بن ضياء وتم تعيينه بالهيئة من قبل رشيد صفر وبتزكية من بن ضياء الذي تربطه
بثابت أواصر قرابة ونسب وكان تعيينه بالهيئة سنة 1993 على حساب الكثير من
المترشحين من دائرة المحاسبات الأقدم والأكثر كفاءة علما بأنه، ومع احترامنا لكافة
مسالك التعليم بتونس، حاصل على شهادة ختم
التكوين المهني الثانوي وهي شهادة تقني في الاقتصاد والتصرف TEGثم ما تسمى في
الثمانينات ب"الباك سبيسيال" وما خفي كان أعظم.. ولكن دعوة الجريبي
الصريحة إلى تطهير الهيئة لم يستجب لها سوى عزالدين الشريف وهو مراقب بهيئة
الرقابة المالية لم يحتمل مدّ الثورة وخشى أن تجرفه فحفظ ماء الوجه وقدم
استقالته للجريبي قبل أن يقيله على أساس
أن يتبعه في ذلك كل من محمد العمريغرودة وهو عضو بدائرة المحاسبات عديم الكفاءة
العلمية والمهنية وعبد الحميد ثابت جندي بن ضياء ونجاة السعاف السويسي مراقبة عامة
بوزارة المالية ولكنهم تراجعوا ونكثوا الوعد وقرّروا الصمود أمام الجريبي وهنا
بدأت المعركة...حيث وبعد انسحاب محمد العمري غرودةإلى القصبة ليترأس ديوان حمادي
الجبالي رئيس الحكومة آنذاك قرر الثنائي عبد الحميد ثابت والسويسي تعطيل أعمال
الهيئة العليا وحجبوا كل المعلومات والملفات الهامة عن رئيسهم الجريبي بل ورفضوا
إنجاز ما لديهم من أعمال بما فيها التقارير الدورية والسنوية وهي أعمال لم يقدر
على إنجازها فريق المكلفين بمهمة الجدد الذين اختارهم الجريبي باعتبار قلة خبرتهم
وجهلهم بمجالات نشاط الهيئة النائمة وضعفهم أمام سطوة سكين قرطاج....وأمام هذا
الضغط استسلم الجريبي وخضع لضغوطات
الثنائي المهيمن على الهيئة...ولم تقم لها قائمة. ولعل الخبر الصادم وانّ جنود بن
علي قد تم دعمهم بعد الثورة وما أدراك ما الثورة بقاضية من دائرة المحاسبات وهي
إيمان الصيدعضوة سابقة بمجلس النواب زمن المخلوع عن حزب التجمع المنحل بدائرة تونس
الثانية لدورة أكتوبر 2009 وإثر حل مجلس المخلوع عمل جندي بن ضياء عبد الحميد ثابت
على استقدام زميلته إلى الهيئة كبديل عن محمد العمري غرودة وهذا غيض من فيض...
وما أشبه الأمس باليوم فحاليا الهيئة النائمة يقودها الشاعر أحمدعظوم والذي
بلغنا حصريا أن بعض المحامين المتضلعين في مجال حماية المال العام قد أعدّوا
عريضةسترفع إلى المحكمة الإدارية للطعن في القرار القاضي باستمرار عظوم على رأس
الهيئة دون تمديد قانوني مع التوجه إلى دائرة الزجر المالي بشكاية ضده وضدّ كلّ من
تورط معه في ارتكاب خطأ تصرف جسيم وهو تمكينه من الأجر والامتيازات في خرق واضح لقانون
الوظيفة العمومية كما طالبوا دائرة المحاسبات بإجراء رقابة على التصرّف بالهيئة
النائمة ولكن رفض طلبه لأسباب غير معلومة...وما زال البحث جار عن فريق رئاسة
الجمهورية والمكلفين بالإشراف على الهيئة النائمة هل هم على علم بما يجري أم هم
يتجاهلون أم أنّعظوم ما زال محظي النهضة وعينها المزروعة هناك لردم ملفات الفساد
وتدمير منظومة الرقابة والتستر على المفسدين بحسب الطلبلتكريس سلطة الفساد
المهيمنة على بقية السلط ؟
ولا ننسى الفضيحة الكبرى وهي رفض شاعر الهيئة نشر التقارير الرقابية حيث
طالب من رؤساء الهيئات الرقابية التابعة له عدم نشر اي تقرير قبل الحصول على إذن
من رئيس الجمهورية وهو ما حدا ببعض المراقبين الشرفاء خلال هذه الفترة الأخيرة
وإثر فضيحة تسريب تقرير حول دعم المحروقات إلى رفع المسألة إلى رئيس الحكومة
طالبين منه التدخل لحماية هياكل الرقابة العامة من دخيل خارق للقانون مرتكب لخطإ
تصرف ولتجاوزات مهنية وقانونية الله وحده يعلم بها والمكلفين بمهمة المتملقين له
والمتواطئين معه بل وتولت الجمعية التونسية للمراقبين العموميين ونقابة المراقبين
العموميين الضغط على رؤساء هياكل الرقابة في اتجاه قطع الصلة التي تجمعهم مع هيئة
تخرق القانون ولا تحميه وتنهب المال العام ولا تحافظ عليه ويعشش فيها الفساد ولا
تكافحه بل وطالبوا بعدم ردم تقاريرهم برفوف الهيئة النائمة وتكوين خلية أزمة
رقابية تتابع التقارير المردومة إلى حين تكوين هيكل بديل يتبع مجلي نواب الشعب.
وإذ نحيي الخطى الجريئة التي يقوم بها المراقبون النزهاء على خطى السيد غازي
الجريبي حيث نشروا العديد من التقارير الرقابية على مواقع الجمعية والنقابة ورئاسة
الحكومة ووزارة المالية ونددوا في اغلب وسائل الإعلام بكل أوجه الفساد من مرتكبيه
إلى الجبناء المتسترين عليه وقد نشهد في قادم الأيام المعركة الأخيرة للهيئة
النائمة ولا نعتقد أنّها ستصمد وهي تضم إلى
جانب جنود بن علي فريقا جديدا من المكلفين بمهمة لا يستجيبون لأدنى معايير الكفاءة
حتى أن بعضهم برتبة مدير إلى جانب نقص في الخبرة ووجود شبهات في تعيينهم بالهيئة
وفي نزاهتهم وحيادهم كنا اشرنا إليها في أعداد سابقة ونكتفي بأن نذكر بأن الهيئة
النائمة تضم هادية بن عزون ذات الوضعية القانونية غير المسواة إلى اليوم بسبب رفض
رئاسة الحكومة تأجيرها على خلفية عدم الحياد السياسي ونقص الكفاءة الذي شهد عليه
رئيس دائرة المحاسبات حين رفض عملية الإلحاق في البداية ثم بدأ "الحياد
السياسي جدا" يلعب أوراقه... ولم يبق لنا من قدرة حتى على السؤال فسكان قرطاج
اليوم يتجاهلون سكين قرطاج الأمس أن ساعة الإغلاق والحسم قد أزفت؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire