تراجعتُ يومًا إلى جبل
"صعدة" من أرض العرب... وهي أرض نَاتئةٌ ذات ذَبّ تُشرف على كل
العالم... وقلّبْت ناظريَّ فيها, وفي العالم من حولي أنا ذلك العربي القادم من
أعماق التاريخ, من ارض أَقْحَاح اليمن منذ 1500 عام خلَتْ...
اليوم,
أنا ذلك العربي الذي توهّم أنه قد تَمدّن, وأَوْغَل في الحداثة, وركب الآلة وما
صنع الإنسان المعاصر... كنت أظن أنني قد بلغتُ من الحضارة أرقاها...
غير
اني أتراجع اليوم إلى ناتئة "صعدة" لأرى أحوال العرب ... حروب ودمار,
ودخان, ودماء, في كل مكان... الشام يحترق في دمشق... يحاصر العربي عربيا آخر حتى
الموت, تلك فَجيعَةُ عربي من فلسطين مات عطشًا في "مخيم اليرموك"...
ماتت "دمشق الأُموية" انفطرتْ حتىّ جفّ دمْع العَين... ولا ماء...
أنا ذلك العربي الهائم في
التاريخ... بلا طريق...أراكم يا عرب الجَهل والعَمَى... أراكم من أعلى الجبل..
تذبحون الأطفال وتقطعون الرؤوس... في أرض "العراق"...في "صفّين"
الأمس, و"صفّين" اليوم.
يا
عراقْ... يا "سَيَّابْ"...سمعتُك تبكي عراقًا يُمزَّق...شيعيٌّ وسنيٌّ
وكرديٌّ وآشوريٌ وآزايديٌ... تبكي
"أنتَ" نَشيجَ الوَجَع... حنينًا إلى "بغداد الرّشيد", إلى
"الأصْفهاني والجَاحظ, إلى ابن سَيَّار والنّظّام, إلى زرْيَاب وأبي
نواس"...
في
سفح جبل "صعدة"... يتقاتل أهل "اليمن" حُفاةً, عُراةً,
جياعًا... تقصفهم عُيون "أمريكية عربية"... "عاصفة الحزم"
تلك... أمْ عاصفة هَوَان عربي... ما فيها إلا نعيقُ
غربان تنعقُ جدْب الفكر وعَطالة
العقل...
وهناك
في ارض "افريقية" في "طرابلس" ... لم يبقَ فيها رَسْمٌ
قائم... قد زالت دولتها... وتفرقت قبائلها شَذَرَ مَذَرَ... رحم الله القذافي...
قتلوه ورموه شلْوًا... فماتت دولتهم.
هؤلاء
عرب الجاهلية ... يبدعون في غزاتهم وحروبهم ... وقد قرأت يوما في ما قرأت عن حرب
"دَاحس والغَبْرَاء" ... أربعون عاما من القتل والطعن والضّرَاب ... مات
فيها من مات ... ووُلد من ولد... والحرب باقية, قائمة.
اليوم...
أخشى أنا ذلك العربي في "قَيْروان"... أخشى "داحس
والغبراء"... فقبيلتي يدفعونها دفعا إلى أتُون الحرب ... أن تناصر تلك
القبيلة أو تلك من عرب الجاهلية... عرب الحداثة الزائفة...
تذكرت
في حزني الوزيرة "كونداليزا رايس"... وجهَ الشُؤم والتَّعْس... قد
خبَّرَتنا يومًا أن "الإدارة الأمريكية" قد قررت أن تعيد صناعة الشرق
الأوسط وهي تقصد طبعا أن تُبدّل أحوال "العرب العاربة"... بَشّرَتهم
بشرق أوسط جديد يُولد من رحم الفوْضَى الخلّاقة...
في
الفوضى الخلاقة الامريكية,... يُحرق العربي ألف مرّة ومرّة, تأكل النار بيته,
ويَقتلع بيديه أشجار الزيتون, تلك التي زرعها جدّه العربي منذ ألف عام... هذا
العربي يحصد برشاشه رؤوس العرب العاربة في جنون, وينصب لهم ألغام الموت باسم
الجهاد... هو جهاد المسلم ضد أخيه المسلم... إنه يقتله... إنه يجتثّ رأسه... إنه
يرقص على دمه...
لا حول ولا قوة إلا بالله... قد مات العرب..
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire