samedi 21 février 2015

قضية خطيرة في "الكنام" تفجّرها حكاية "ديون طبيب العائلة"!: هل توجد قائمات "لمنخرطين وهميين" بصندوق التأمين على المرض؟




استغل الصندوق الوطني للتأمين على المرض فترة انشغال الناس والرأي العام بالسياسة والانتخابات، في شهر ديسمبر 2014، ليوجه ضربته العنيفة لمنخرطيه في المنظومة العلاجية الخاصة والمعروفة بطبيب العائلة.
فبمجرد بلاغ قرّر الصندوق تغيير دفاتر العلاج الخاصة بأولئك المنخرطين، فأنهى من جهة صلوحية دفاترهم السارية في 31 ديسمبر 2014 وأقرّ اعتماد أخرى بلون آخر بداية من غرة جانفي 2015. وكان الهدف واضحا ومحددا للصندوق: إجبار المنخرطين على تسديد ما يعتبر أنه "ديون" تخلدت بذمتهم لفائدته.
هكذا بكل بساطة. فاضطر من هو "مديون" منهم إما للاعتراف بتلك الديون، ليصبح في وضعية المطالب بالتسديد، أو حرمان من لم يسدّد أو رفض التسديد منهم من تغطية مصاريف علاجهم، لأن دفاتر العلاج التي يمسكونها جعلها الصندوق بدون فاعلية، وأصبحت لاغية.
ولقد سبق أن قلت وما زلت على رأيي بأن ما فعله الصندوق هو أمر مخالف للقانون، وأنه لا حق له في ديون ما لم يثبتها بالطرق القانونية. كما أنه لا يحق له مطلقا أن يحرم أي من منخرطيه من حق التغطية في العلاج بدعوى أن ذاك المنخرط مطلوب منه تسديد دين ما، وحتى لو كان ذلك الدين قانونيا، فلا يحق للصندوق ممارسة تلك المساومة، لأن الدين، عن حق أو عن باطل، ليس شرطا قانونيا للتمتع بالتغطية العلاجية...


شبهة فساد تتطلب التحقيق

ورغم أن بعض مسؤولي الصندوق قد عبروا، في فترة لاحقة، عن تباهيهم بأنهم تمكنوا من "استرداد" ما يقارب الخمسين مليون دينار من تلك الديون، فإن الأمر لا يبدو بهذه البساطة. فلعل القانون يأخذ مجراه، ويصبح الصندوق مطالبا بأن يعيد للناس ما أخذه منهم. من يدري ماذا يحصل غدا..لكن السؤال الذي يطرح هنا: لماذا فعل الصندوق ما فعل؟ ولماذا قرّر ونفّذ عملية واسعة لمطالبة منخرطيه بهذه الكمية من الأموال رغم تعارضها مع القانون؟ هل هو فعلا محق في ما فعل؟ أم أن هذا الفعل يخفي أمرا آخر يتعلق بحاجة الصندوق لسيولة مالية ما؟ هل يمكن أن يكون إقدام صندوق التأمين على المرض على مطالبة إحدى أضعف حلقات منخرطيه بتسديد "ديون" ليست بالضرورة محقة يخفي عجزا ماليا ناتجا عن حالة من الفساد أو سوء التصرّف؟ هل يمكن أن يكون مثل ذلك الوضع، إذا ثبت، وراء هذا الصمت الرهيب الذي رافق "استرجاع الصندوق لديونه"؟


بعض المؤشرات تلمّح إلى أن الصندوق ليس بالضرورة محل شبهة فساد، مثل ما لوحظ من إلغائه للتعاقد مع بعض مسدي الخدمات لأسباب تعلقت باتجاوزاتهم لشروط التعاقد بين الطرفين. ولكن عندما نلاحظ في نفس الوقت مؤشرات أخرى تثير الشك والتساؤل حول التصرف في  الصندوق ومنظوماته العلاجية وما يرافقها من تضارب في المعطيات والأرقام، فإن الأسئلة حول احتمال شبهة فساد أو سوء تصرّف مالي أو إداري تكون مشروعة، ويكون طرحها ملحا. وعلى أساس ما سنبيّن، سيكون من الطبيعي أن أطلب أنا أو غيري، بصفتنا منخرطين في الصندوق ونموّل ميزانيته، أن نطالب بإجراء تحقيق علني وشفاف ومحايد للتصرف داخل هذه المنشأة. واعتمادا على ما يتوفر لدينا من وثائق أصدرها الصندوق نفسه، نقول إن تلك المؤشرات تبرز فعلا سلبيات وضبابية تبرّر أي إشارة إلى شبهات فساد أو سوء تصرف محتملة.


الخطة ذات الخطوتين

بدأت الإشكالية سنة 2010. في تلك السنة أقدم "الكنام" على خطوتين متزامنتين. الخطوة الأولى تعلقت بالإعلام بشأن تجاوز سقف المعلوم التعديلي -30 بالمائة – الذي يتحمله المنخرط المنتمي للمنظومة الخاصة. فقبل تلك السنة كان الصندوق وكما تتطلبه الإجراءات القانونية، يوجه إعلاما للمنخرط من جهة وللطبيب المعالج من جهة أخرى كلما بلغ ذلك السقف 80 بالمائة من المعلوم التعديلي. وعندما يبلغ السقف المائة بالمائة يبلّغ الصندوق الطبيب المعالج حتى يسجل ذلك على الوصفة الطبية التي يصدرها ويستوفي معلوم العيادة كاملا من المريض مباشرة. حصل هذا التراجع بشهادة الكاتب العام لأطباء الممارسة الحرة.
لكن إقدام الصندوق على تلك الخطوة لا يعني ولم يكن يعني مطلقا أن المنخرط أصبح مدينا للصندوق، وإنما هناك خطوات قانونية أخرى عديدة على الصندوق استنفادها قبل أن يصبح المنخرط مدينا له قانونا، لا حاجة للتوسع فيها الآن.
أما الخطوة الثانية التي أقدم عليها الصندوق، والتي لم تكن قانونية مطلقا، فهي إجباره للمنتمين لهذه المنظومة، وللمنظومتين الأخريين أيضا، على أن تتم معالجة الذين يعانون من بينهم من أمراض مزمنة أو ثقيلة ضمن المنظومة التي ينتمون لها فقط. وهو خيار لم يقرّه القانون المتعلق بالتأمين على المرض ولا النصوص التطبيقية له. بل إن القانون أقر حق المريض في اختيار طبيبه ولم يشترط سوى إعلام الصندوق به حتى يمكّنه من التكفل الكلي بتغطية ذاك المرض.
ومعنى هذه الخطوة التي فرضها الصندوق أنه إذا كان المريض منخرطا في المنظومة الإستشفائية العمومية فلا يمكنه معالجة المرض المزمن أو الثقيل الذي يعاني منه إلا في المستشفيات العمومية. ولا يمكنه اختيار طبيب متخصص من القطاع الخاص مثلا.كانت تلك خطة الصندوق التي بدأ انتهاجها للالتفاف على القانون، وبلوغ مرحلة المطالبة بديون اليوم وسحب دفاتر العلاج بعنوان استرجاع المال العام.


السقف الوهمي من أجل دين وهمي

إلا أن الإشكال الحقيقي الذي طرحه اختيار الصندوق لهذه الخطوة غير القانونية تعلق بمنظومة طبيب العائلة، وبقيت نتائج ذاك الخيار تلاحق هؤلاء حتى اليوم ليستفيد منها الصندوق بطريقة غير قانونية على حساب حقوق المنخرط أو المريض المسجل معه، سواء كان أحد الزوجين أو أحد الأبناء القصّر. هذا الإشكال يتمثل في احتساب وفي حق استرجاع المعلوم التعديلي الذي يدفع مقابل الدواء أو صور الأشعة أو غيرها من متطلبات علاج المرض المزمن والثقيل.
فالقانون، وكذلك الإلتزامات التي يصدرها الصندوق في إطار هذه الأمراض، تقر حق المريض في أن يتحمل عنه الصندوق التغطية الكلية والكاملة لكلفة علاجها. ومعنى التحمل الكلي هو مائة بالمائة من التعريفات التي يحددها القانون. ولأن القانون ينص على أنه لا سقف لكلفة العلاج ولا سقف للمعلوم التعديلي لهذه الأمراض، فإن الصندوق يكون مطالبا بأن يرجع للمنخرط أي مبلغ يصرفه على تلك الأمراض. فهذا حقه كما ينص عليه القانون.

لكن الصندوق ومنذ أن أقدم على خطوة إدماج علاج تلك الأمراض ضمن المنظومة الخاصة أقدم أيضا على إدماج المعلوم التعديلي الذي يبذله المنخرط في هذا الخصوص ضمن السقف السنوي الذي يتحمّله نفس المنخرط بعنوان الطرف الدافع في الأمراض العادية والعرضية. ومن شأن ذلك أن يؤدي بطبيعة الحال إلى تضخّم مزيف للسقف السنوي للمنخرط، استغلّه الصندوق للمطالبة بديون هي في الواقع ليست ديونا، بل إن جانبا منها هو حق للمنخرط من حقه المطالبة به حتى لو كان دفعه للصندوق.


المعطيات كما نشرتها "الثورة نيوز"

ولقد ذهب اتحاد الشغل إلى شيء من هذا المعنى، في موقف سابق له عندما اعتبر أن الجانب الأكبر من طلبات الصندوق بعنوان تلك الديون هي معاليم دفعت بعنوان الأمراض المزمنة والثقيلة.
ودون أن نتقدّم أكثر في هذا الجانب نقول إن مجرد أن يعمد "الكنام" إلى الخلط المقصود به ما دفعه المنخرط مقابل تأمين علاجه في مرض مزمن أو ثقيل مع ما دفعه بعنوان المعلوم التعديلي في الأمراض العادية والعرضية هي عملية سوء تصرّف واضحة يؤشر لوجود حالة من الفساد، تحتاج هي الأخرى للتحقيق بشأنها. ويزداد الأمر إلحاحا عندما نتذكّر أن بعض وسائل الإعلام قد طرحت بشكل علني قضية اختفاء 160 مليون دينار من الصندوق في السنوات الأربع الأولى لبعثه. ويكتسب هذا الخبر مصداقية واضحة في غياب أي تكذيب أو ردّ من الصندوق بخصوصها حتى اليوم.


الأرقام التي تنطح بعضها

الجانب الآخر من شبهات الفساد وسوء التصرّف داخل الصندوق الذي نطرحه اليوم هو ما يتعلق بالأرقام التي يعتمدها أو يقدمها للعموم، في انتظار طرح جوانب تصرف أخرى.
فالصندوق يقول إنه يتصرف في ثلاثة أبواب هي التأمين على المرض، والتأمينات الإجتماعية، وحوادث الشغل والأمراض المهنية. وسنركّز الحديث عن الجانب الأول وأحد فروعه فقط .
وبشيء من التفحص من جهة المنخرطين الذين يتصرف الصندوق في ملفاتهم ووضعياتهم الصحية والعلاجية نجد أنه لا يستقر على أرقام نهائية عندما يتعلق الأمر بسنوات أصبحت نتائج تصرفه فيها نهائية. فهذا التفاوت في عدد المنخرطين بهذه المنظومة أو تلك يعني إما أن الصندوق لا يمتلك معطيات دقيقة عن المنخرطين الذين يفترض أنه الوحيد الذين يمسك بملفاتهم الطبية والصحية، أو أنه يتصرف في أعدادهم بغير ما يجب أن يكون. فتضخيم عدد منخرطي هذه المنظومة أو تلك يثير الريبة والشبهة في السبب أو الأسباب التي تجعل الصندوق يعمد للتضخيم حتى لو تعلق الأمر بمنخرط واحد.
فلماذا يفعل الصندوق ذلك؟ ما هي غايته وما الذي يمكن أن يجنيه من فعله من مسؤوليه؟ تعالوا ننظر ونقارن:
فمن وثيقة لأخرى من إصدارات الصندوق نلاحظ تفاوتا واضحا بالنسبة لتطور عدد المنخرطين بمختلف المنظومات العلاجية وذلك من سنة 2008 إلى سنة 2010:

1-   في الوثيقة الأولى:


2 – في الوثيقة  الثانية:


وبذلك تكون الفوارق في عدد المنخرطين في المنظومات العلاجية الثلاث بالنسبة لنفس السنوات قد تجاوزت في كل مرة المائتي ألف، وهي كما يلي:

المنظومة العلاجية العمومية



ونعود لنربط نفس هذا التلاعب بالأرقام مع ما سبق أن ذكرناه بخصوص خطة الصندوق لسنة 2010 وعلاقة كل ذلك بالأموال التي قيل أنها اختفت. فما الحكاية؟
وعندما نتقدم أكثر فنقارن مجموع المنخرطين في "الكنام" بإدماج محدودي الدخل ( الذين لا يوضح الصندوق ماهيتهم ولا هويتهم)،أي أن نحتسب عدد الناشطين وأصحاب الجرايات والطلبة ومحدودي الدخل معا، فإننا نجد أن الفارق أيضا شاسع بين الأرقام التي قدمها الصندوق هنا وهناك. والفوارق بين هذه الأرقام بحسب نفس السنوات هي كالتالي:


هذه الأرقام وإن كانت تتحدث عن سنوات سابقة إلا أن الإدارة الحالية هي التي قدّمتها، وهي بالتالي تتحمل مسؤوليتها.

أي الأرقام أصدق؟

هذا التفاوت الهائل في أرقام المنخرطين لا بد أن تترتب عنه نتائج غير دقيقة في التصرف، وقد تكون دفعت الفاعلين في الصندوق للبحث عن مخارج ما لوضعيات ما تغلّفها بإجراءات للتغطية عليها. وهذا ما يمكن أن يثير شبهات حول التصرف وينزع الثقة عن أقوال وأفعال وإجراءات الصندوق الوطني للتأمين على المرض والقائمين عليه، ومنها حكاية الديون التي نعود لها باستمرار.
هذا الوضع يحتّم ضرورة التحقيق في ما جرى في تلك السنوات، وما يجري اليوم سواء كان نتيجة لما سجل في تلك الفترة أو لما هو جار اليوم.
فهل أن هذا التفاوت يشير إلى وجود قائمات وهمية للمنخرطين؟ وإذا كان الأمر كذلك فمن فعل ذلك؟ وما هي الفائدة الراجعة له أو لغيره؟ وما هي الإتعكاسات التي يمكن أن تكون حصلت للصندوق الوطني للتأمين على المرض ومنخرطيه من جراء ذلك؟ ومن يتحمّل كلفتها ونتيجتها؟
هل يمكن الحديث عن خطإ أو أخطاء في التقدير والحساب؟ الخطأ يكون عندما يتعلق الأمر بأعداد قليلة، ويتم إصلاحه لاحقا. لكن الأمر هنا يتعلق بنتائج نهائية لسنوات التصرّف في الصندوق، ويتعلق بمئات الآلاف من المنخرطين "الوهميين"، ويتعلق بتوالي نفس الخطإ في عدد المنخرطين من سنة إلى أخرى؟ فها يجوز والحالة تلك الحديث فعلا عن خطإ أو أخطاء في الحساب. صعب جدا.


الغريب أننا نجد الأرقام التي يقدمها صندوق التأمين على المرض لا تتطابق أيضا مع الأرقام الرسمية للصناديق الإجتماعية، أي صندوق الضمان الإجتماعي وصندوق الحيطة. ففي الوقت الذي نجد فيه أن أعلى أرقام لأعداد المنخرطين الذين يقدمهم صندوق التأمين على المرض تشير إلى التالي:
-        سنة 2008: 2905360،
-        سنة 2009: 3007719،
-        سنة 2010: 3211158،

نجد أن الأرقام الرسمية للصندوقين تشير إلى النتائج التالية:
-        سنة 2008: 3154164،
-        سنة 2009: 3338426،
-        سنة 2010 : 3505574،

       صحيح أن هناك فارقا بين هذه الأرقام وأرقام رسمية أخرى، لكنها فوارق بسيطة جدا يمكن تبريرها بالخطإ. إلا أن الفوارق بين ما يقدمه "الكنام" والصندوقين الآخرين شاسع جدا، ويحتسب بعشرات الآلاف في كل سنة.  إلا أن يكون الصندوقان يعمدان أيضا لتضخيم ما لعدد منخرطيهما.
       فما الذي يجري بأرقام منخرطي صندوق التأمين على المرض؟
-        هل توجد من جهة قائمات لمنخرطين وهميين يتجاوز عددهم 760 ألفا في الثلاث سنوات المعنية، لا ندري هل يحتسب هذا العدد بالتراكم بينها، أم أن كل سنة تحتسب منفردة؟
-        وهل توجد من جهة أخرى قائمات منقوصة لمنخرطين غير محتسبين ولا ينتفعون بحقوق التغطية العلاجية لدى صندوق التأمين على المرض؟
-        أي الحالتين هي الصحيحة؟ أم أنهما كلتاهما صحيحتان، فعلى أي أساس يحتسب الصندوق خدماته الصحية والعلاجية؟

المسألة ليست هينة، ولا بسيطة. وتحتاج لبحث وتدقيق من أصحاب الشأن.
وهذا ما سنأتي إليه لاحقا، وإلى جوانب أخرى من تصرّف الصندوق المرتبطة بالتأمين على المرض.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire