خلال العهد البائد لم تكن المؤسسة القضائية ممثلة في بعض قضاتها استثناء عن قاعدة الفساد الذي دب في كل شرايين
الدولة ومفاصلها حيث لعبت تلك المؤسسة دورا هاما لتقوية نظام بن علي وتمكينه من
كافة الوسائل والضمانات القانونية اللازمة لضرب كل من هب ودب وسلب المال العام
والخاص وقمع الحريات وتطويع هياكل الدولة الأخرى لخدمة الأغراض الشخصية للمخلوع
وعائلته وحاشيته وأزلامه وفيما كان أكثر القضاة يرضخون للتعليمات تحت الإكراه
والتهديد المادي والمعنوي لمافيا المخلوع كان البعض منهم ينصاعون لتلك التعليمات
تملقا منهم وبحثا عن المناصب والامتيازات لا يهمهم إقامة العدل بين الناس بقدرما
تهمهم مصالحهم الشخصية وعلو مراتبهم في نظر النظام الاستبدادي وبسبب ذلك انتشر
الظلم وغابت المساواة في المجتمع التونسي حيث قامت "عدالة الطبقات" أو
عدالة قانون الغاب القائمة على مبدأ البقاء للأقوى و"حوت ياكل حوت وقليل
الجهد يموت"...هذا الوضع المزري كان دافعا كبيرا وسببا من الأسباب القوية
لانتفاضة الشعب التونسي ومطالبته برحيل النظام الاستبدادي الذي رحل فعلا غير مأسوف
عليه وكنا نتوقع بعد ذلك أن نمضي إلى إصلاح كبير وتصدي للفساد إلا انه للأسف الشديد
بقيت دار لقمان على حالها إذ لم يتغير شيء رغم أن المطالب الثورية كانت واضحة
وجلية في هذا الخصوص متمثلة في التصدي للفساد بجميع أشكاله وخصوصا في مجال القضاء
لأنه إذا صلح القضاء صلحت الدولة أما إذا فسد فسد كل شيء وغاب الأمن والاستقرار
المجتمعي ...
وخلال هذا المقال سنتعرض لقصة اغرب من الخيال بطلها شخص محتال سرق ودلس
شيكا وحرض على شهادة الزور وتسبب في أزمة مالية جد خانقة للمتضرر ومع ذلك خير
قضاءنا الجالس ترك سبيله في حالة سراح رغم انه قد اعترف لدى قاضي التحقيق بالجرائم
الخطيرة التي ارتكبها وإحالة هذا الأخير في حالة إيقاف نظرا لفداحة جرائمه ...
حادث مرور
بدأت الحكاية بتاريخ 10 فيفري 2012 عندما تعرض المدعو عمربن محمد الرميلي
صاحب بطاقة تعريف وطنية عدد05513812 أصيل
مدينة اكودة التابعة لولاية سوسة ويشتغل في مجال الفلاحة إلى حادث مرور بسيارته
نوع مرسيديس 250 ذات الرقم المنجمي 517 تونس 94 بطريق الكستانين زغوان قرب مزرعة
المدعو محمد بن العربي العلاقي وهو احد فلاحي تلك الجهة الذين كان يتعامل معهم ...
سرقة وتدليس
بما أن الحادث وقع بالقرب من مزرعة محمد العلاقي الذي كان على معرفة بعمر
الرميلي بحكم تعامله معه في مجال الفلاحة حيث كانا قد تعرفا على بعضهما البعض سنة
2009 حينما اشترى هذا الأخير من الأول صابة عنب على رؤوس أشجارها كما أنهما قد
دخلا في شراكة مع بعضهما لاستغلال ارض فلاحية خلال الموسم الفلاحي 2012-2013 غير
أن العلاقة سرعان ما ساءت بينهما بعد إجراء الحساب حيث تبين أن العلاقي مدين
للرميلي بمبلغ قدره 35 ألف دينار تولى هذا الأخير الاعتراف به ضمن كتب اعتراف نص
فيه على أن يتم الخلاص قبل شهر أكتوبر 2013 ولما وقع الحادث بالقرب من مزرعة محمد
العلاقي قام هذا الأخير بالاحتفاظ بسيارة شريكه القديم الذي قضى كامل المساء في
مستشفى زغوان بمزرعته وكان يحتفظ بصندوقها الداخلي بدفتر شيكاته رقم
04022108404002118271 المسحوب على فرع التجاري بنك فرع سهلول سوسة بالإضافة إلى عديد الأوراق الأخرى والفواتير...
لما وجد محمد العلاقي دفتر الشيكات المذكور اقتطع منه الشيك رقم 8301237
المسحوب على حسابه الخاص بالبنك المذكور ثم ارجع ذلك الدفتر والأغراض الأخرى بما
فيها وثائقه الخاصة بعد 4 أيام من الحادث إلى صاحبها عمر الرميلي بمركز حرس المرور
بزغوان أمام كل من المدعو قيس الهمامي والحبيب بوسلامة وفوزي مراد ...
وفي يوم 25 سبتمبر2013 تلقى عمر الرميليإشعارا من فرع التجاري بنك بسهلول
يعلمه بكونه عليه خلاص شيك مسحوب على حسابه هناك بقيمة 75 ألف دينار وبالتثبت في
هوية المستفيد من ذلك الشيك تأكد وانه محمد العلاقي حيث عمد هذا الأخير بعد سرقة
ذلك الشيك إلى تدليسه بان ضمن به مبلغ 75 ألف دينار حروفا وأرقاما وذيله بإمضاء
مدلس ...
اعتراف وشهود
يوم 30 سبتمبر 2013 تقدم عمر الرميلي بشكاية إلى وكالة الجمهورية بالمحكمة
الابتدائية بسوسة ضد المدعو محمد بن العربي العلاقي وكل من عسى أن يكشف عنه البحث
في سرقة الشيك رقم 8301237 وتدليسه وضمنت الشكاية تحت عدد 23328/13 ثم أحيلت لفرقة
الشرطة العدلية بسوسة التي قامت بالأبحاث والتحقيقات اللازمة التي أنكر خلالها
محمد العلاقي التهمة الموجهة إليه وتحريض شاهدي زور للشهادة إلى جانبه زورا ثم سرعان ما تراجع عن ذلك واعترف بسرقته للشيك
يوم وقوع الحادث وتدليسه له بتاريخ 25 سبتمبر 2013 وتحريضه على الشهادة زورا بان
ضمن به بخط يده مبلغ 75 ألف دينار حروفا وأرقاما كما ذيله بإمضاء وهمي صادر عنه
وعند انطلاق الأبحاث في القضية تعمد دعوة كل من جميلة لسود وسميحة البحري إلى
الشهادة زورا لفائدته بكون الشيك تم تسلمه من عمر الرميلي مقابل معاملات بينهما
...
وقد تدعم ثبوت جريمة السرقة والتدليس بشهادات حية ل6 شهود وهم كل من الحبيب
بوسلامة وفرج سقير وفرج زرير وعدل العياري والحبيب الغرايري ورفيق الهمامي وكلهم
دون استثناء أكدوا اعتراف المذنب محمد العلاقي لهم بتعمده سرقة الشيك وتدليسه بمناسبة
تدخلهم لحل المسالة بطريقة ودية ...
رغم ثبوت الجناية يفرج عن الجاني ؟!
بتاريخ 30 افريل 2014 صدر قرار ختم البحث عن قاضي التحقيق الأول بالمكتب
الثاني بالمحكمة الابتدائية بسوسة وفيه وجهت لمحمد العلاقي وهو في حالة إيقاف تهمة سرقة شيك وتدليسه والتحريض على أداء شهادة
زور كما وجهت تهمة الشهادة زورا إلى الشاهدتين المذكورين آنفا طبقا للفصول 258
و264 و243 و244 من المجلة الجزائية و411 مكرر من المجلة التجارية على خلفية اعتراف
هذا الأخيربالأفعال التي نسبت إليه وكذلك على أساس شهادة الشهود ...
الغريب في الأمر انه وفي أول جلسة لها في القضية عدد 3973 قررت الدائرة
الجنائية بالمحكمة المذكورة بتاريخ 24 ديسمبر 2014 الإفراج عن الجاني بعد أن قضى 7
أشهر في حالة إيقافرغم الخطورة البالغة للتهم المنسوبة إليه والتي ثبتت بالكاشف
عبر اعترافاته وشهادة الشهود بالإضافةإلى الاختبارات الكتابية التي أثبتت إدانته
...
لفت نظر
بتاريخ 08 جانفي 2015 يرسل المتضرر عمر الرميلي لفت نظر إلى كل من وزير
العدل ورئيس الحكومة والمتفقد العام لوزارة العدل والوكيل العام بمحكمة الاستئناف
بسوسة ووكيل الجمهورية بنفس المحكمة مفاده عملية الإفراجغير القانونية وغيرالمبررة
عن المتهم محمد العلاقي الذي اثبت بما لا يدعلأدنى شك ارتكابه لجريمة سرقة شيك
وتدليسه والتحريض على الشهادة زورا وهي جريمة تستدعي في كل الأحوال بقاءه على الأقل
بحالة إيقاف تفاديا لفراره إلى خارج ارض الوطن او محاولته التفريط في كل أملاكه
وعقاراته التي هي الضمان الوحيد لسداد دينه كما أن هذا الإفراج يحيل إلى تساؤلات
كثيرة حول مال القضية في حد ذاتها خاصة وان عمر الرميلي المتضرر في قضية الحال قد
وجد نفسه متهما في قضية إصدار شيك بدون رصيد ليس له فيها لا ناقة ولاجمل ومالها
مرتبط ارتباطا وثيقا بمال القضية المنشورة ضد محمد العلاقي أضفإلى ذلك أن معاملاته
ومصالحه البنكية والتجارية كلها قد توقفت جراء كل ذلك منذ 14 أكتوبر 2013 بفعل سحب
دفتر الشيكات وإدخاله في منظومة المنع من استعمال الشيكات ...
بعض المصادر المؤكدة تفيد بان سعيدة العكرمي حرم وزير العدل والمستشار
الحكومي السابق في عهد الترويكا نور الدين البحيري هي المحامية التي تنوب محمد
العلاقي في القضية وهنا يطرح أكثر من تساؤل حول دور هذه النقطة في قلب القضية
المذكورة "سافيها على عاليها" باتخاذ قرار فجئي بالإفراج عن متهم ثابتة
عليه جناية السرقة والتدليس والتحريض على الشهادة زور لفائدته خاصة وان لحرم
البحيري المصونة عديد السوابق وتحوم حولها عديد الشبهات في قضايا أخرى مشابهة أو
حتى أكثر خطورة كنا قد تعرضنا لها في أعداد سابقة ...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire