samedi 24 janvier 2015

أيّ دور للقطب القضائيّ الماليّ في إثارة الدّعوى العموميّة ضدّ مراقبي حسابات المؤسّسات العموميّة المنهوبة ؟





طبقا لمقتضيات الفصل 13 من القانون عدد 9 لسنة 1989 المتعلّق بالمساهمات والمنشآت العمومية، تخضع حسابات المؤسّسات العمومية التي تكتسي صبغة إدارية والشركات التي تمتلك الدولة رأس مالها كليا إلى مراقبة حسابية يجريها عضو من هيئة الخبراء المحاسبين للبلاد التونسية. هذا النص أقصى أعضاء مجمع المحاسبين للبلاد التونسية الذي أحدث بمقتضى القانون عدد 16 لسنة 2002 لأسباب تدعو للاستغراب. طبقا لأحكام الأمر عدد 529 لسنة 1987 المتعلق بضبط طرق وشروط المراجعة السنوية لحسابات المؤسّسات العموميّة ذات الصبغة الصناعية والتجارية والشركات التي تملك الدولة كامل رأس مالها، يسهر مراقبو الحسابات بصفة مستمرة على وجود نظام آمن للمراقبة الداخلية ويقومون سنويا بإجراء التقصيات اللازمة خاصة لتقييم الإجراءات الإدارية والمالية والمحاسبية المعمول بها بالمؤسسة أو الشركة. كما تندرج إجراءات إعداد الميزانيات التقديرية للتصرف والاستثمار وكذلك الإجراءات المتعلقة بإجراء الصفقات وجوبا ضمن العمليات الخاضعة للمراقبة. كما يجب على مراقبي الحسابات التأكد من صحة وصدق الموازنات وحسابات التصرف والنتائج والوثائق المصاحبة لها.
تجرى المراقبة بصفة مستمرة ودقيقة للحسابات وتراجع خصوصا الدفاتر والمستندات ووثائق المحاسبة، وكذلك عمليات المبادلة المنجزة خلال السنة المالية والخزانة والأوراق التجارية وعمليات الإحصاء وكذلك عمليات المبادلة والأوراق المالية. ويتأكد مراجعو الحسابات من صحة البيانات المقدمة من طرف مجلس الإدارة ويقومون بإتمامها إذا لزم الأمر. وبعد التقصيات، يجب على مراقبي الحسابات التصريح صراحة وبصفة مدعمة سواء بالمصادقة على الحسابات أو بالمصادقة المضمنة باحتراز أو برفض المصادقة.
 كما يصرحون علاوة على ذلك ضمن مذكرة ملحقة لتقريرهم حول الكشوف والقائمات المالية إذا كانت هذه الأخيرة تعطي صورة واضحة وصادقة لنتائج العمليات الخاصة بالسنة المالية والمحاسبية المنقضية وكذلك للوضعية المالية ولممتلكات المؤسسة أو الشركة في نهاية السنة المعنية.أيضا، يجب على مراقبي الحسابات أن يحيلوا ويقدموا لمجلس إدارة المؤسسة أو الشركة تقريرهم المتعلق بالكشوفات والقوائمات المالية وكذلك تقريرا خاصا حول الاتفاقيات المبرمة بين المؤسسة أو الشركة وبين أحد أعضاء مجلس إدارتها.


كما يحجر على مراقبي حسابات المؤسسات العمومية القيام بمهمات خاصة، أي خارج مهامهم الأصلية المتعلقة بالمراقبة والمساعدة المحاسبية والاستشارة وذلك طيلة فترة قيامهم بمهمة مراقبة الحسابات وبالتالي لا يمكنهم بأي حال من الأحوال قبض أجور أخرى زائدة عن أجرة مراقبة الحسابات المضبوطة حسب القرار المشترك بين وزير المالية و وزير التجارة المؤرخ في 24 سبتمبر  2003 كما تم تنقيحه لاحقا.
تبعا للعنايات والواجبات المشار إليها أعلاه، ما هي المسؤولية المدنية والجزائية لمراقبي حسابات المؤسسات العمومية التي نخرها الفساد المالي والإداري وسوء التصرف واستغلال النفوذ والتعسف في استعمال الحق والمحاباة والمحسوبية والجهويات والتجاوزات والاخلالات والمخالفات والتحيل وإهدار المال العام والجرائم المالية وغيرها التي أفاق عليها الشعب التونسي ابان الثورة الأخلاقية ثورة الحقيقة والكرامة.؟
إنّ المسؤولية المدنية لمراقبي حسابات المؤسسات العمومية تتمثل في جبر الاضرار التي لحقت بتلك المؤسسات إذا ثبت أنهم شهدوا بصحة حساباتها ووضعيتها المالية والمصادقة عليها دون القيام بالاحترازات المشار إليها صلب الفصل 8 من الأمر عدد 529 لسنة 1987 المتعلق بضبط طرق وشروط المراجعة السنوية للمؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية والشركات التي تملك الدولة كامل رأس مالها، فيصبح ذلك التصريح أو تلك الشهادة شهادة زور وتقديم تقارير مزورة لا تمت للواقع والحقيقة بصلة ومشاركة في الفساد بأنواعه وخداع ومغالطة الرأي العام والأعوان الاقتصاديين والمستثمرين بصفة عامة بعد نشر وإشهار القائمات المالية والمذكرات التابعة لها والمتعلقة بالمؤسسة العمومية المعنية بالأمر.
أما المسؤولية الجزائية لمراقبي حسابات المؤسسات العمومية فهي مرتبطة أساسا بالجرائم التي يرتكبها المسؤولون والمسيرون لتلك المؤسسات. فعلى سبيل المثال، نص الفصل 99 من المجلة الجزائية على معاقبة مسؤولي المؤسسات العمومية بالسجن مدة عشرين عاما وبخطية تساوي قيمة ما وقع الاستيلاء عليه، الذين يتصرفون بدون وجه حق في أموال عمومية. في هذا الإطار، هل أن قبض أجور زائدة بعنوان مهام استثنائية من قبل مراقبي الحسابات الممنوع بمقتضى الفصل 13 من الأمر عدد 529 لسنة 1987 يتعلق بضبط شروط وطرق المراجعة السنوية للمؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية والشركات التي تملك الدولة كامل رأس مالها يدخل تحت طائلة الفصل 99 من المجلة الجزائية ؟
أيضا، نص الفصل 96 من المجلة الجزائية على معاقبة مسؤولي المؤسسات العمومية بالسجن لمدة عشرة أعوام وبخطية تساوي قيمة المنفعة المتحصل عليها أو المضرة الحاصلة الذين استغلوا صفتهم لمنح فائدة لأنفسهم أو لغيرهم كتوظيف فوائد على قروض بنسبة تقل عن النسبة القانونية المعمول بها أو كتمكين الغير من الانتفاع بخدمة أو استغلال منقولات أو عقارات عمومية دون دفع مقابل أو بمقابل زهيد. في هذا الإطار، هل يدخل مراقبو الحسابات الذين لا يتحفظون على هذا العمل بحكم مهامهم وواجباتهم تحت طائلة الفصل 96 المشار إليه آنفا ؟        
ما هي المسؤولية الجزائية لمراقبي الحسابات الذين يشهدون زورا بصحة حسابات المؤسسات العمومية التي تمّ نهب مواردها بأيّ شكل من الأشكال وهل أنّ ذلك يجعل منهم شريكا لمن قام بذلك العمل المجرّم قانونا  وبيع مؤسسات الدولة بالمليم الرمزي في أطار برنامج وطني وظاهرة عالمية للخوصصة ؟
فعلى الرّغم من انّ بعض الصحف اشارت الى قبض بعض مراقبي الحسابات لأجور زائدة عن أجرتهم في خرق واضح للفصل 13 من الأمر المشار إليه والفصل 265 من مجلة الشركات التجارية فانّ كلّ الهياكل المعنية بالدفاع على المصلحة العامة لم تبادر بضبط قائمة في هؤلاء ومقاضاتهم أمام المحاكم الجزائية خاصة وانّ البعض تقاضى مبالغ خيالية لدى بعض المؤسسات العمومية او التي تشارك الدولة في رأس مالها ؟ هل انّ منح مهام أخرى لنفس مراقب الحسابات مثلما يلاحظ اليوم يندرج ضمن احكام الفصل 87 مكرر من المجلة الجزائية التي تجرم إقصاء بقية مراقبي الحسابات المخول لهم التنافس الشريف من اجل القيام بتلك المهام الاستثنائية ؟ ما هي مسؤولية هياكل الرقابة العمومية  ودائرة المحاسبات والهيئات المهنية التي لا تتأكد من مدى احترام مراقبي الحسابات لأحكام الفصل 13 المشار اليه اعلاه اذا ما ثبت إخلال بالتحجير الذي نص عليه
؟ 

انّ بعض مراقبي حسابات المؤسسات العمومية وذات المساهمات العمومية غنموا مئات الملايين من وراء تلك المهام الممنوعة مقابل سكوتهم على الصفقات العمومية الموقعة مع عائلة الرئيس المخلوع بالتفاوض المباشر وهنا يكفي القيام بتحقيق لدى كل المؤسسات العمومية او التي تساهم الدولة في رأس  مالها لمعرفة الحقيقة المرة وتمكين الخزينة العامة من استرجاع عشرات المليارات التي قبضت دون وجه حق... أما المؤسسات غير المشمولة بأحكام الأمر عدد 529 لسنة 1987 و التي تساهم الدولة في رأس مالها، فتبقى مراقبة حساباتها محكومة بمجلة الشركات التجارية. طبقا لأحكام الفصل 271 من مجلة الشركات التجارية، يبقى مراقب الحسابات ملزما بإعلام وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية المختصة ترابيا بكلّ الجرائم التي تبلغ علمه عند مباشرته لمهامه  وألا يتعمد إعطاء  أو تأييد  معلومات كاذبة عن حالة الشركة وإلا تعرض لعقوبة بالسجن من عام إلى خمس سنوات... أما الفصل 265 من نفس المجلة فيلزمه بعدم قبض أجور زائدة عن أجرته وقد تجاوز وزراء المالية والتجارة سلطتهم ليجيزوا بقرار مشترك غير شرعي لمراقبي الحسابات قبض أجور زائدة عن أجرتهم في إطار ما يسمى بالمهام الاستثنائية في خرق صارخ لأحكام الفصل 265 من مجلة الشركات التجارية الذي يحجر على مراقب الحسابات قبض أجور زائدة عن أجرته والذي لم ينص على عقوبة جزائية ضد المخالفين مثلما هو الشأن داخل البلدان المتطورة التي نخص بالذكر منها فرنسا وأمريكا.


بالنظر إلى ما  ينشر اليوم عبر وسائل الإعلام من حقائق حول الاستيلاء على أموال عمومية بطرق ملتوية لدى مؤسسات ومنشات ومساهمات عمومية وبالنظر للتلاعب بالأحكام المتعلقة بالصفقات العمومية هل يكون مراقبو الحسابات مسؤولين جزائيا ومدنيا اذا لم يسجلوا الاحترازات اللازمة بخصوص تلك الأعمال صلب تقاريرهم المطالبين بتقديمها قانونا ؟ هذا و يبقى من حق الأجراء والدائنين بمختلف أصنافهم والدولة مقاضاة مراقبي الحسابات الذين لم يقوموا بواجبهم طبق ما تقتضيه أحكام الأمر عدد 529 لسنة 1987 المتعلق بضبط المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية والشركات التي تملك الدولة كامل رأس مالها خاصة أنهم مدعوون للتصريح بوضوح بصحة الوضعية المالية للمؤسسة من عدمها وكذلك مجلة الشركات التجارية بالنسبة للشركات ذات المساهمات العمومية.  بعد استشراء الفساد بعديد المؤسسات والمنشات والمساهمات العمومية، يجب على الدولة  من خلال مؤسساتها التفكير فورا في طريقة جديدة للتدقيق المالي يتولى القيام بها جهاز عمومي رقابي  مستقل طالما أنّ هذه المهمة تكتسي صبغة المصلحة العامة ولا يمكن القيام بها بالوكالة بترخيص أو تعيين أو تفويض. وفي هذا الإطار، نتساءل عن الاسباب الحقيقية التي تعيق الى حدّ الآن عدم اثارة الدّعوى العمومية ضدّ مراقبي حسابات المؤسسات والمنشآت والمساهمات العمومية المصادق على حساباتها دون تحفظ والتي اتضح فيما بعد نهب مواردها من قبل الفاسدين ناهبي المال العام والمجموعة الوطنية الدافعة للضرائب، أم هي آلية وإجراء شرعي وقانوني لتكريس الفساد ونهب المال العام والتستر على المفسدين.




كما تجدر الإشارة إلى أنّ الفصل 19 من قانون المالية لسنة 2015 قد فرض على المؤسسات الراجعة لإدارة المؤسسات الكبرى أن تمنح مهمة خاصة لمراقب الحسابات إضافة لمهمته الأصلية المتمثلة في المراجعة السنوية طبق طريقة عمل ومنهجية معتمدة، إذا ما رغبت في استرجاع فائض الأداء دون مراقبة مسبقة ودون منح ضمان مالي للخزينة العامة  للبلاد التونسية وهذه سابقة خطيرة جدا باعتبار أنّ مراقب الحسابات الذي لا يتحمل أيّ مسؤولية تجاه الخزينة العامة وتجاه المؤسسة الخاضعة لمراجعة وتدقيق مراقب الحسابات الذي لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يضمن صحة الوضعية الجبائية للمؤسسة وأن يقوم في نفس الوقت مقام إدارة الجباية، كما أنّ هذه المهمة الخاصة تتعارض وتتنافى مع مبدأ رقابة الدولة لمؤسساتها وهياكلها وبالتالي فإنها تنازلت لفائدة القطاع الخاص عن الرقابة التي تضمن هيبة الدولة ودورها التعديلي، كما أنّ هذا الإجراء يكرس التمييز السلبي بين أصحاب المؤسسات ويخلق التنافس غير الشريف بينها مما يشكل خطرا وتهديدا مباشرا على موارد الخزينة العامة خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار المؤسسات التي لم تجد له مصالح المراقبة الجبائية أثرا بعدما تحصلت على تسبقة بعنوان فائض أداء، وقد حاولت بعض الأطراف التي تقف وراء هذا الإجراء وتبرره بأنه يندرج ضمن تنفيذ جملة من التوصيات الصادرة عن فعاليات الاستشارة الوطنية المتعلقة بالإصلاح الجبائي والحال أن اللجان التي تناولت بالدرس هذا الموضوع طالبت بتوحيد اجراءات استرجاع الأداء تكريسا لمبدأ المساواة كمبدأ دستوري وقانوني وتطهير التشريع الجبائي والنأي به من التشتت والتبعثر وبخاصة الأحكام التي تشترط الانتفاع بحق مصادقة مراقب الحسابات في الوقت الذي أكدت فيه المحكمة الإدارية من خلال فقه قضائها المستقر أنّ مصادقة مراقب الحسابات لا تشفع ولا تضمن صحة المحاسبة وشفافيتها، فعوض التخفيض في نسب الخصم من المورد التي هي بصدد اغراق المؤسسات والمساس بعناصر ديمومتها ومنع التهرب الجبائي مثلما أوصى بذلك صندوق النقد الدولي للحد من الفوائض التي شلت حركة مصالح المراقبة الجبائية وإغراقها بالملفات نتيجة تهاطل كم هائل وهام من مطالب استرجاع الأداء، حيث بادرت بعض الأطراف التي تموقعت في وضعية تضارب مصالح ومنافع شخصية بسنّ أحكام من شأنها نهب المؤسسات وتقليص مردوديتها واستقرارها وتكريس التمييز والإضرار بموارد الخزينة العامة للبلاد التونسية، وبالتالي على النيابة العمومية لدى القطب القضائي المالي المتفرغ والمختص في هذه المسائل ؟؟؟أن يبادر بممارسة صلاحياته المتمثلة في رفع الدعوى العمومية ضد كل من يكشف عنه البحث في هذا الخصوص، وعلى الدولة ألا تتخلى عن دورها الرقابي والتعديلي لمؤسساتها العمومية، وتفعيل القوانين المتعلقة بالنفاذ للمعلومة واستغلالها الاستغلال الأمثل من قبل المجتمع المدني كسلطة مضادة لها قوة الاقتراح والرقابة والضغط لمكافحة الفساد لأنه من الضروري ومن خلال مبدأ التناسب ومبدأ توازي الشكليات والإجراءات على الدولة أن تقوم بنفس الحرص والتمشي عند تجميع موارد الدولة في إطار أداء الضريبة وتحمل التكاليف العامة من جهة وترشيد ورقابة النفقات العمومية في إطار الشفافية والمساءلة من جهة أخرى.......  
    

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire