الزّمان: ليلة الرابع عشر من جانفي 2011
المكان:في المفترق بين شارع بورقيبة
وشارع محمد الخامس قريبا من الساعة التي خال التونسيون يومها أنهم أسقطوا منها
الرقم (سبعة) الذي توقفت عقارب الوطن عند نصال استبداده أعواما
الشّخوص:
*المحامي والناشط السياسي عبد الناصر يحتفل بتهاوي الصنم, يحتفل
بخلع رقم (سبعة اللعين) يبارك سواعد الشباب التونسي التي زحزحت عقارب الساعة صوب
الحلم بالحرية والكرامة
*الصديق عماد وراء الكاميرا يصوّر المشهد , يوثّق الحدث قبل أن
يفلت الحلم من عقال الذّاكرة...
الحدث: صرخة تعلن هروب ابن
علي" بن علي هرب...بن علي هرب..."
يمرّ الزمان نرى عقارب الساعة تعود
القهقرى , لعلّها تحنّ حنين العبيد إلى سيّد الرّقم (سبعة) , صانع وهم
التغيير في بلاد لم تعرف التغيير إلى يومنا هذا...
تذوي صرخة عبد الناصر وتتلاشى
يتبخّر المشهد...لعلّ الصديق عمادا قد
كسر الكاميرا ...فلا حلم ليوثّقه...الحلم أفلت من الذاكرة وبقي حبيس الكاميرا
يا عبد الناصر, يا عماد "يا
شعبنا الباهي , يا شعبنا السّمح , يا توانسة اللي غبنوكم يا توانسة اللي عذّبوكم
يا توانسة اللي قهروكم..."
ابن علي لم يهرب...أو لعلّه قد عاد من
جديد...ولندرك ذلك
نحتاج من فِراسة العرب أدنى المَلكات التي تمكّن من معرفة الباطن
باعتماد الظّاهر
ونحتاج من بين أنواع الفراسة ذاك الذي
سمّوه "القِيافة" والذي قال البعض في تعريفه أنّه
ليس مجرد قص واقتفاء لأثر قدم أو خف وحافر، بل يمكّن أيضا من
تمييز أوصاف صاحبه، إذ كانت العرب تميز أثر الأعمى والبصير والشيخ والشاب والرجل
والمرأة، والبكر والثيّب، وشكله وهيئته، وما إذا كان به مرض أو علة في خلقته،
والأعجب أنهم كانوا يعرفون مقصده من أثر خطواته...
وفي تونس اليوم وحدهم الذين
تعوزهم مّلكة القيافة السياسية لا يستطيعون رؤية أثر خطوات ابن علي ... أمّا أولئك
القادرون (في الحد الأدنى) من الاستدلال على البعير بالبعرة فهم يرون يدركون أنّ
ابن علي لم يهرب أو أنّه قد عاد...
يرونه في عودة المناشدة , نعم فقد صارالبعض-اليوم-
لا يتحرّجون من مناشدته ويتحسّرون (لغيابه) , ويتجرّؤون على إعلان أمنيتهم
بأن يمسك بناصيتهم من جديد
ويرونه في إطلاق سراح رموز دولة
"أمنه وأمانه" وحزبه الذي توهّمنا أنّه قد انحلّ فإذا به ينبت من جديد
في مستنقعات الدم وأوّلها دم من رفع قضية حلّ التجمّع فكيف نصدّق أنّ قلب الأستاذ
بن مراد قد توقّف عن النبض في سياق هذا الموت المدروس الذي لا يصيب غير الثائرين
فلا حصن ولا تحصين اليوم لثورة نجد من كان من أعدائها يملك رقبتها ويدّعي امتلاكها
فتنقاد وننقاد له طائعين...
ويرون أثر خطوات ابن علي في السّجون التي
تعيد فتح أفواهها لالتهام أبنائها من المدوّنين والناشطين السياسيين بتعلّات
مختلفة "كتعاطي الزطلة" أو "إحراق مركز" من المراكز الحارسة
لابن علي و لنظامه قبل الرابع عشر من جانفي 2011...
كما يرون أثر خطوه في نُذُر تحقّق وعد
شاع عنه بأنه و"ملكة قرطاج" كانا ينتويان إحراق الجهات التي اندلعت منها
شرارة الثورة وجهة القصرين خاصة (بمساعدة من حليفهما القذافي وقتها)...وهاإنّ
القذافي يرحل لكن مشروع صلي هذه الجهات نارا يستمر فالإرهاب ذي الوشائج التي تصله
بجهات استخبارية داخلية وخارجية تتحكّم فيه كما تتحكّم في بندقية توجّه فوهتها
أينما شاءت يلعلع برصاصه المشبوه , المريب في جبل الشعانبي وفي حي الزهور(حي
الشهداء) بالقصرين...
ويرون أثر خطو ابن علي أيضا في
"تورنيفيس" يتقن القتل ويحترف إخماد الأصوات التي تفضح فساد آل المخلوع
وأحبابه من مافيات الفساد...ثم تصلنا الأنباء أنّ "التورنيفيس" الذي
أزهق روح أنيس لعزيزي ليس إلا "تورنيفيسا" مجنونا حملته صدفة الانتقام
لأخته من أنيس الذي تلاعب بها إلى قتله ويشاء القدر أنّ في الجريمة إسعاد لمن فتح
أنيس ملفات فسادهم المحرّم لمسها أولئك الذين شهّر بهم على صفحته
واتهمهم بأنهم من أحباب ابن علي وآله الذين مازالوا يعيثون في ربوع
"الملكية العقارية " إفسادا... أ مِنَ العدل أن تُدفَن صرخة أنيس
التي أعلاها في وجه الفساد وإن لم يكن الفساد قاتلَه؟
لا قول يحضرني حين أتقفّى أثر خطوات
"ابن علي" هذه وغيرها اليومَ غير قول محمد الماغوط في كتابه "سيّاف
الزهور"
" لقد انتهى الأبد منذ لحظات
ولكنه مستمر بأشكال مختلفة
فلكل طاغية الآن أبده الخاص
يتوقف طوله أو قصره
على يقظة حراسه ، وغباء شعبه..."
وإن كان حرّاس الطاغية الأشدّاء
(الذين قيل أنّ منهم من وعده أن يهدّئ الأجواء ويمهّد له الأرض ليعود سريعا وهو
يغادر إلى السعودية مع عائلته) فإنّ الشّعب ليس غبيّا كما اتّهمه بذلك في
خطابِ جُحود ونكران ألقاه ذاك الذي أسكنته ثورة الشعب قصر قرطاج على
رؤوس الأشهاد من السياسيين والديبلوماسيين الأفارقة...
أي نعم الحرّاس أشدّاء لكنّ الشعب ليس
غبيا ...
فمن أفضال الحراك الثوري الذي عرفته
البلاد أنّ الشعب تمرّس-ومازال يتمرّس- بالقيافة السياسية التي جعلته يكتشف أثر
خطوات "ابن علي" الذي لم يهرب بعد , والشعب تمرّس بالفراسة التي جعلته
يبصر المداخل التي مكّنت الطاغية من العودة. ومن أهمّ مدخلات عودته: خيبات
السّاسة حكّاما ومعارضين الذين آثروا التّحالف مع جلاديهم على الوفاء لدماء
شهدائهم وأحلام شعبهم, وارتعاش أيادي الحكّام الشرعيين المنتخبين الذين ارتجفوا
عجزا وضعفَ إرادة وشهوة للسلطان والمال حتّى أسقطوا الجنين الثوري الذي استودعهم
إياه شعبهم...
وإن استمرّ هذا الوعي بمدخلات عودة
الطاغية وإن انتشر وتعمّق فستستمرّ المسيرة الشعبية نحو إسقاط الأشكال المختلفة
لأبد الطغيان وسينجح الشعب في تبيّن ملامح حرّاس الطاغية ومنازلتهم ومن ثمّة
الانتصار عليهم وإن اشتدّت يقظتهم...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire