قد تتشابه ملفات الفساد المالي والإداري في غالبية
المنشآت الوطنية لكن الخسائر المادية والمعنوية المسجلة تتباعد حسب حجم المؤسسة
المعنية بالفساد. فملف فساد مالي بمؤسسة ثقافية أو تربوية أو اجتماعية أو رياضية
يحسب على أقصى تقدير بمئات الملايين من العملة المحلية أمّا إذا تعلق الفساد بمنشأة
وطنية مختصة في إنتاج وتسويق البترول أو المنتجات النفطية فإن حجم الخسائر يحسب
بالمليارات وبالعملة الصعبة وبحكم تفشي الفساد بطريقة مكشوفة بشركتي فسفاط قفصة CPG والمجمع الكيمياوي التونسي GCT فقد اتجهت جريدة "الثورة نيوز"
لفتح ملف أكثر المؤسسات الوطنية نهبا للمال العام حيث دأبت عصابة المفسدين
بالشركتين المذكورتين على الاستيلاء بصفة تكاد تكون دورية على جزء كبير من المداخيل من خلال تضخيم الشراءات
والأعباء والمصاريف من خلال التوافق مع المزودين على الترفيع في خدماتهم
وتجهيزاتهم هذا إضافة إلى تبييض العمولات باعتماد وسطاء أجانب واجهة من دول معروفة
بتبييض المال الفاسد.
الحال داخل مختلف مراكز استخراج الفسفاط وتحويله
بقيت على ما هي عليه قبل الثورة من فساد مستشر شمل جميع القطاعات على حد سواء
وكذلك بقيت دار لقمان على حالها فيما يخص التسويق والتصدير حيث يصنف المطلعون على
قطاع الفسفاط تكلفة طن الفسفاط الخام أو المصنع بالأرفع عالميا ورغم جودته إلا انه
يباع في الأسواق العالمية بأقل بكثير من سعره الحقيقي مما يتسبب في خسارة سنوية
لخزينة الدولة لا تقل عن مليار دولار ... فالفساد في قطاع الفسفاط تجاوز كل الحدود
انطلاقا من مواقع الاستخراج أي المناجم حيث تجبر كل من شركة فسفاط قفصة والمجمع
الكيمياوي التونسي على صرف أكثر من 8000 مرتب رأس كل شهر لفائدة عمالة افتراضية
بمعدل 800 دينار لكل هوية ليكون مجموعة الخسارة المسجلة سنويا أكثر من 100 مليون
دينار ، كذلك يقع عادة التلاعب عند التزود بالتجهيزات أو عند التعامل مع شركات
المناولة لتتضاعف الفوترة بطريقة قياسية مما تسبب في خسائر على مستوى الموارد
البشرية لا تقل عن 300 مليون دينار باعتبار الاداءات والمنح . وإذا انتقلنا إلى الخسائر
المسجلة عند نقل الفسفاط عبر الجرارات الطرقية والشاحنات الثقيلة المملوكة للخواص
بحكم منع نقل الفسفاط عبر السكك الحديدية سنخلص حتما إلى خسائر في حدود 150 مليون
دينار وإذا أضفنا الخسائر المسجلة عند التسويق والتصدير نتيجة التلاعب على مستوى
مخصصات العمولات المقننة تكون خسارة الدولة السنوية في قطاع الفسفاط تتراوح بين
2.6 و3 مليار دينار ....
قيس الدالي أو صندوق الفساد الأسود
المهندس قيس الدالي قد يكون الوحيد الذي أقيل وأعيد
لنفس المنصب أكثر من مرة ففي المرة الأولى أقاله المخلوع من منصب رئاسة شركتي
فسفاط قفصة والمجمع الكيمياوي بعد أن
بلغته شكوك حول تورط الدالي في استخلاص عمولات عبر مكتب وساطة في التجارة الدولية
يقع بباريس لكن شبكة علاقات الرجل الغامض لعبت دورا في التسبب في تدني مداخيل
الفسفاط وهو ما أجبر المخلوع على أعادته لخطته بعد شهرين من الإقامة الجبرية
وبعدها مباشرة ارتفعت العمولة المخصصة للوكلاء من 5 إلى 25% واثر أحداث الحوض
المنجمي سنة 2008 أقيل الدالي من مهامه مرة أخرى ليعود بعد الثورة وخلال سنة 2011
بعد اضطرابات واحتجاجات دامت 27 يوما ورغم ثبوت تورط قيس الدالي (الرجل الوحيد
الذي يحتكم على كل أسرار الفسفاط في تونس) في الفساد المالي والإداري عبر نهب
أموال الصندوق الأسود الخاص بالمؤسستين أو عبر لهف جزء من مخصصات عمولات الوكلاء
إلا انه نجح في الإفلات من التتبعات القضائية ربما كان لتحالفه مع النقابي عدنان
الحاجي دور في منحه حصانة من نوع خاص وحينما يتحالف الحاكم مع النقابي يستحيل
تطبيق القانون أو تطهير المؤسسة الوطنية وليصل الأمر أن ترفع جهة قفصة شعار
"لا فسفاط دون قيس الدالي" و"إقالة قيس الدالي تعني انتفاضة 2008
من جديد".
عمولات غير مشروعة على حساب أموال الشعب
الوكيل الهندي Jaipal Gupta عبر مؤسسته المشبوهة في التجارة الدولية J.J.Consultants PVT LTD ومقرها D-263,
DEFENCE COLONY, NEW DELHI-110024 يفوز سنويا بحصة من منتجاتنا
الوطنية (سماد الحامض الفوسفوري ومادة الفسفاط الخام ) تتراوح بين 400 و500 ألف طن
وبحكم أن العمولة المخصصة من المجمع للوكيل الهندي Jaipal Gupta محددة ب4.5 $ عن كل طن من الحامض الفسفوري و2 $
عن كل طن من سماد الحامض الفوسفوري يكون مجموع العمولات المحولة بعنوان وساطة
تصدير أو تسويق في حدود 1.5 مليون $ سنويا هذا دون الحديث عن الصفقات الاستثنائية
والتي خفضت فيها الأسعار المتداولة بطريقة مثيرة للشبهة .فمثلا خلال سنة 2008 صدّر
المجمع شحنة ب68 ألف طن من الفسفاط المصنع بسعر 1200 $ /طن وليقع بعد التسويق
اعتماد تخفيض استثنائي خفض السعر إلى 975 $/طن مما تسبب في خسارة للمجمع بأكثر من
15 مليون $.
أما الوكيل الإيراني
المثير للكثير من الجدل صاحب شركة Eurogulf والذي
يحصل على معاملات تفاضلية صلب المجمع من خلال منحه أرفع عمولة عند التسويق محددة
ب5 € عن كل طن من الفسفاط إضافة إلى اعتماده في تبييض مبالغ ضخمة مسحوبة من المجمع
بعنوان تخفيض استثنائي"مردود" Ristourne ويمكن التعريج على الوكيل البولوني KERNEL.TRADING.L.TD الذي
لا يحصل إلا على عمولة ب1.4 $ عن طن الفسفاط المصنع ووكيل سوق بنغلاداش MULTILINK RESOURCES والذي يحول له سنويا ما يفوق 600 ألف $ بحساب 2 $ عن كل طن (يحول منها 1،9 دولار عن طريق
البنك إلى وجهة غير بنغلاداش يحددها الوكيل المعني وعادة ما تكون بإحدى مصارف ما
يسمى ببلدان الجنان الجبائية ) وتشير مصادرنا انه تم في إحدى الطلبيات الموجهة
لدولة بنغلاداش إقرار تخفيضات غير معقولة نزلت سعر تصدير الطن من 370 $ المتفق
عليها إلى 285 $ وهو ما تسبب في خسارة لخزينة الشركة الوطنية لا تقل عن 2 مليون $
في عملية تصدير طلبية ب24 ألف طن وغيرهم من الوكلاء الآخرين منهم شركة Trammo Maghreb ومقرها الفرعي بضفاف البحيرة بتونس والرئيسي بولاية فلوريدا
بأمريكا Transammonia من الذين تتغير عمولتهم لتتراوح
بين 1.4 و8 $ في الطن الواحد .وإذا اعتبرنا أن الطلبيات والصفقات تعقد بآلاف
الأطنان من الفسفاط الخام أو من الفسفاط المصنع فإن مجموع عمولات التوسط المشبوه
تتضخم وتنتفخ لترتقي إلى مصاف ملايين الدولارات والمثير للتعجب والريبة أن غالبية
الطلبيات تمر ضرورة عبر مكتب التوسط المشبوه في تسويق الفسفاط التونسي عبر العالم
والذي اعتاد اقتطاع نسبة عمولة ملكية غير مسبوقة ب25 % دون أن تكون له أية إضافة
أو مجهود يذكر وهو ما يؤكد الشكوك حول تورطه في تبييض العمولات .
المجمع لا يحترم مبدأ المساواة بين
الحرفاء
موظفو المجمع المشرفين على عمليات البيع اعتادوا
استغلال مناصبهم للتلاعب في سعر بيع الفسفاط الذي تحول إلى سوق ودلال ينخفض فيه
السعر ويرتفع بطريقة مشبوهة لا علاقة لها بالأسواق
العالمية ولا بالمبادئ التجارية وضرورة
المساواة بين الحرفاء وتوفير تكافؤ الفرص بين كل المتعاملين على حد سواء. وعلى
سبيل المثال تقدم بعد الثورة أحد رجال الأعمال التونسيين المتضررين (صاحب شركة بارا
العالمية ) قبل الثورة من معاملات "الكيل بمكيالين" مؤكدا انه خلال شهر
جانفي من سنة 2010 قامت شركة CGT بتزويد حريف من دولة بنغلاديش بكمية من
مادة الفسفاط زنتها 60 ألف طن على مرحلتين (12/01/2010 و20/01/2010) بثمن 280 $
للطن الواحد في حين أنه تم في نفس الفترة ولنفس نوعية البضاعة فرض تسعيرة ب287 $
للطن الواحد على الطرف الشاكي والذي اقتنى تقريبا كميات مماثلة وهو ما لم يجد له
تفسيرا غير تورط المشرفين بالمجمع ضمن مافيا دولية تعمل على نهب خيرات البلاد
وتسويقها بطريقة مثيرة للجدل والشبهة من خلال التلاعب في تسعيرة الفسفاط المصدر
ففارق 7 دولارات عن الطن الواحد يكون مجموعه بالنسبة لكامل الطلبية 420 ألف $ ...
تصرفات تسببت حسب الشاكي في تسجيل خسارة جسيمة لمؤسسته نتيجة تعطيل نشاطها التجاري المتمثل أساسا في تجارة الفسفاط الذي
تملكه الدولة التونسية إضافة إلى التسبب في خسائر مالية للمجمع الكيميائي.
جلسات مشبوهة ومغالطات مقيتة لتبرير لزومية
التخفيضات
جل ملخّصات قرارات واقتراحات المصالح التجارية للمجمع
الكيمياوي تصب في خانة الخزعبلات والمغالطات لمنح امتيازات استثنائية لمن لا يستحق
فغالبية وكلاء المبيعات الخواص المنتشرين في مختلف بلدان الأسواق التقليدية (الهند
وإيران وبنغلاداش وبولونيا والبرازيل.... ) يحصلون دون وجه حق على تخفيضات تتراوح بين
20 و300 $ للطن الواحد قياسا مع الأسعار العادية وذلك بتعلّة الشراء في فترات
سابقة والدعوة للتسوية حسب محاضر جلسات شكلية ظاهرها دراسة وتدقيق لمردودية
الأسواق وباطنها توافق وفساد للتشريع لعمليات نهب المال العام .
قرارات لجنة المبيعات حبيسة مبررات
الإدارة التجارية
جرت العادة قبل الثورة وبعدها أن تعتمد لجنة
المبيعات بالمجمع الكيمياوي في قراراتها على المبررات المرفوعة من الإدارة
التجارية دون التثبت في مدى جديتها ودقتها وصحتها إذ تؤكد مصادرنا أن مبررات الإدارة
التجارية تكون عادة غير دقيقة وغير واضحة وتصب في غالبية الأحيان في مصلحة حريف
بعينه أو لتفضيل حريف على آخر ومع ذلك كانت المرجع الوحيد للجنة المبيعات للموافقة
على مقترحات الإدارة التجارية، كما دأبت الإدارة التجارية على تجاوز قرارات لجنة
المبيعات وتغيير إستراتيجية تحديد الأسعار دون استشارتها أو الرجوع إليها وتعمد التعاقد على أساس مستوى أسعار دون الذي قررته
لجنة المبيعات ودون أسعار السوق العالمية في خرق فاضح للقانون وللتراتيب الجاري
على طريقة "العزري أقوى من سيدو" ويمكن اعتبار سكوت أعضاء لجنة المبيعات
عن مخالفات الإدارة التجارية بمثابة المشاركة في جريمة استغلال موظف عمومي لصفته
لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره وبمخالفة التراتيب المطبقة والمشاركة في
ذلك طبق أحكام الفصلين 32 و96 من المجلة الجزائية.
تلاعب خطير في أسعار بيع الفسفاط الخام
والمصنّع
في وقت يحسن فيه مكتب الشريف للفسفاط (مجموعة م.ش.ف.
OCP المملوكة لملك المغرب محمد السادس)
التصرف في تصدير الفسفاط المغربي بطريقة شفافة ومربحة من خلال مكاتب تسويقها الرسمية في بلدان الاسواق
التقليدية التي تعمل في إطار الشفافية
والوضوح سقطت لجنة المبيعات والمصالح التجارية بالمجمع الكيمياوي التونسي CGT في كماشة الفساد
المالي والإداري ولتأخذ كميات كبيرة من المنتوج
الوطني من الفسفاط الخام والمصنع طريقها نحو وجهات خفية ومعلومة بسعر ضئيل جدا
مقارنة بالأسعار المعمول بها في الأسواق العالمية أو الأسعار التي يباع بها
الفسفاط المغربي، حيث تورطت الجهات المشرفة بالمجمع على اعتماد تسعيرة لطن الفسفاط
الخام أو المصنع غير موحدة وغير مطابقة بطريقة مثيرة للريبة والشكوك .فما معنى أن
تحصل شركةToepfer Trader خلال صائفة 2009 على كمية 30 ألف طن من سماد TPS بسعر 202 $ للطن الواحد في حين قام
المجمع الكيمياوي التونسي ببيع نفس المادة في نفس تلك الفترة ب228 $ للطن إلى شركةTrammo Maghreb أي بفارق عريض بين الصفقتين في حدود 5.28 مليون $؟
فهذا الامر يعني فيما يعني أن عملية تثمين
منتوجات المجمع تعتمد على المحاباة والمحسوبية أولا وأخيرا، فالأسعار تتغير حسب
الوجهة وحسب الحريف وكذلك الكميات توفر لمن يوفر أحسن عروض المراكنة (تحت الطاولة)
وتؤكد مصادرنا تورط عدد كبير من موظفي CGT في عديد الصفقات المشبوهة مع عدد من الوكلاء
الأجانب والذين يقع عادة اعتمادهم كواجهة
للتضليل في شكل عمليات تجارية ثلاثية الأبعاد (المنتج – الوسيط - المستهلك) وبعدها
يقع اقتسام الفارق بين سعر الشراء الأولى وسعر البيع الثلاثي بين أفراد المافيا
الداخلية والخارجية ونعني بهم أصحاب القرار بالمجمع والوسيط الأجنبي المعتمد والذي
يقتصر دوره على تلقي الطلبية من الحريف وتوجيهها مباشرة إلى المجمع وتلقي المبالغ
المتأتية من الحريف واقتطاع نسبته (بين 10 و25%) وتحويل المبلغ المتبقي إلى حساب
المجمع.
مخصصات العمولات المسندة
للوكلاء الأجانب ولمكاتب التوسط في التسويق Trading International على الهوية والهوى والحال أن أسعار مادة الفسفاط ومشتقاتها محددة على
مستوى الأسواق العالمية وعليها طلب من مختلف بلدان العالم وهي التي شهدت أسعارها
ارتفاعا قياسيا وبالتالي يكون التلاعب على مستوى التسعيرة المعتمدة والعمولة
المخصصة من قبيل الفساد المالي والإداري ويحيلنا إلى التأكيد على وجود مافيا
متغولة صلب شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيمياوي التونسي اختصت في نهب المال العام
بالعملة المحلية أو بالعملة الصعبة نجحت في المحافظة على توازنها قبل الثورة
وبعدها فمن يريد التعاقد مع المؤسستين الوطنيتين CPG وGCT عليه أن يسلك طريقا
واحدة وعليه أن يعرف من أين تؤكل الكتف فإبرام الصفقات والفوز بالعقود يحتاج إلى
التحالف مع المفسدين والاتفاق المسبق معهم على مبلغ العمولة أو الرشوة أو المكرمة
وعلى طريقة الدفع ومكانه .
هذه إطلالة أولى على
دولة الفساد في تونس التي ظن الجميع أنها أفلت بهروب المخلوع إلى المملكة العربية
السعودية غير أن الأمر أكثر تعقيدا ذلك أن لوبيات الفساد والإفساد التي ابتيلت بها تونس قد ضربت بجذورها عميقا في هذه
الأرض الطيبة وما استطاعت هذه الحكومات الضعيفة ،حتى لا نصفها بنعوت أخرى ، أن تزحزحها
قيد أنملة . وبدلا من أن يكون الفسفاط نعمة علينا مثلما هو الحال في المغرب أصبح
نقمة علينا وبدلا من أن نقتدي بالمغرب
مثلما اقتدت بنا يوما في مجال السياحة
وأصبحت نموذجا يحتذى بها ظللنا سراقا لثروات الطبيعة .أوليس حال التونسيين
مع الفسفاط كحال الجمال مع الماء في الصحراء التي لخصها الشاعر العربي القديم في
قوله :
وأشد ما لقيت من ألم
الجوى .... قرب الحبيب وما إليه وصول
كالعيس في البيداء
يقتلها الظما .... والماء فوق ظهورها محمول
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire