منذ أن بعثت "الثورة نيوز" كانت سباقة في كشف أكبر القضايا التي
تهم الرأي العام من الباب الكبير فبذلت جهدا كبيرا واهتماما بالغا بالنبش في أثقل
ملفات الفساد التي تمحورت حول نهب المال العام في إطار ما يسمى بعمليات الخوصصة
المشبوهة التي حولت بها أجزاء هامة من ثروات الشعب إلى حسابات خاصة لعائلة المخلوع
وأصهاره ولمسؤولين كبار عملوا مع النظام البائد وأجزاء أخرى من تلك الثروات
استفاد منها رجال أعمال ليتحولوا بقدرة
قادر إلى لوبيات اقتصادية وسياسية تواصل تنفذها وهيمنتها حتى بعد الثورة والى يوم
الناس هذا ...
ومن بين الملفات الحارقة التي طرحناها ملف المغازة العامة الذي وجد تجاوبا
كبيرا من الرأي العام لكنه للأسف لم يجد أي تجاوب من الحكومات "الشرعية"جدا المتعاقبة بعد الثورة فلا حكومة الجبالي حركت
ساكنا ولا حكومة علي العريض ردت الفعل ...
فالنهضة التي وعدت الشعب بأنها ستحارب
الفساد أينما حل بقيت ساكتة على الحق ولم تظهر أي محاولة جدية في معالجة ملفات
الفساد وإرجاع الحق لصاحبه الشرعي ،الشعب المقهور والمكلوم من فرط الظلم واكتفت
باستعراض عضلاتها في الحلبات السياسية بمهاترات فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع...
وبحلول حكومة المهدي جمعة التي نأمل أنها ستكون مستقلة ونزيهة خيرنا عرض
ملف المغازة العامة من جديد عسى أن تأخذ هذه الحكومة بعين الاعتبار ما سنبرزه من
فساد لف بهذه المؤسسة التي اغتصبت من الشعب في وضح النهار فخلفت كارثة اجتماعية لا
تزال تنتج آثارها إلى حد كتابة هذه الأسطر ...
خوصصة مشبوهة
لقد كانت المغازة العامة من بين المؤسسات العمومية التي فرط فيها دون أي
موجب قانوني أو منطقي أو واقعي في إطار ما يعرف بالمخطط الإجرامي الذي هندسه بن
علي وزبانيته لنهب ثروات البلاد تحت ما يسمى بالخوصصة التي تقتضي التخلص من أكثر
ما يمكن من المؤسسات العمومية لفائدة الخواص لنيل رضاء صندوق النقد الدولي
وبالتالي الاستفادة من القروض التي ستذهب بدورها لحسابات المافيا المسيطرة على
الحكم ويكون بذلك بن علي قد ضرب عصفورين بحجر واحد فمن ناحية سيستفيد وعائلته
بمداخيل عمليات الخوصصة ومن ناحية أخرى سيستفيد من جزء هام من القروض الممنوحة من
البنك الدولي ومن قوى الاستعمار ...وخصخصة المغازة العامة إجمالا أتت في هذا
السياق فرغم أنها كانت تحقق مرابيح وافرة حدا إلا انه وقع التفريط فيها برخص التراب في صفقة
مشبوهة لصخر الماطري عبر احد رجاله المخلصين المدعو الطاهر البياحي الذي استعمل في
هذه العملية كمجرد رجل قش أو واجهة ...مصادر مؤكدة وموثقة تدل بما لا يدع لأدنى شك
أن هذه الصفقة لم تحترم ابسط أبجديات قانون الصفقات سواء من ناحية الشكل أو المضمون
فالشاري كان معروفا منذ البداية ذلك انه لم يتم احترام مبدأ المنافسة والشفافية في
الصفقات العمومية وحيكت الخطة بين الطاهر البياحي وعبد الوهاب بن عياد وصخر
الماطري بإيعاز من المخلوع ليقع اقتناء المؤسسة العمومية بواسطة شركة "ماد
انفست كومبني MED INVEST) (COMPAGNY التي خلقت فقط من اجل عملية النهب وحتى لا يظهر
الماطري للعموم بكونه هو من فرط لفائدته في المغازة العامة ...
إذن ما يسمى "بماد
أنفست كومبني" المكونة من طرف البياحي وبن عياد كانت مجرد غطاء للاستيلاء على
المغازة العامة سنة 2007 بقرابة 73 مليون دينار وهو الثمن المصرح به في حين أن
قيمتها الحقيقية كانت تفوق ال500 مليون دينار ذلك أنها تضم قرابة ال45 فرعا موزعا
على كامل البلاد ببناياتها وعقاراتها وتجهيزاتها وبضائعها وسلعها مع العلم أن مغازة باب بحر بشارع
الحبيب بورقيبة يفوق ثمنها وحدها 70 مليار مما يفضي إلى أن بقية الفروع قد فرط
فيها مجانا والسؤال المطروح هنا عن العلاقة التي تربط بين البياحي وبن عياد ببن
علي حتى يقع التفريط لهما مجانا في كل هذه الثروة الطائلة إلا إذا كانت هناك أمور أخرى
تدور في الكواليس بينهما وبين صخر الماطري الصهر المفضل والأقرب للمخلوع خاصة وأن
هذا الأخير من المعروف أن له علاقة وطيدة وغير مخفية بالطاهر البياحي الذي بمجرد أن
هرب سيده وجد نفسه المالك والمتصرف الفعلي رفقة صديقه عبد الوهاب بن عياد في قرابة
77% من رأسمال المغازة العامة ...
مذبحة اجتماعية
لقد خلف الاستيلاء على المغازة العامة في مذبحة
اجتماعية بأتم معنى الكلمة والسفاح الذي قام بهذه المذبحة هو الطاهر البياحي الذي أصبح
بقدرة قادر رئيس مجلس إدارة المؤسسة
والفاتق الناطق فيها إذ منذ الوهلة الأولى قرر التخلي عن 407 عامل بأسلوب تعسفي
يحمل بين طياته كثيرا من "الحقرة" والظلم والبهتان وهذه العملية مهد لها
مباشرة في السنة التي تلت سنة اغتصاب المؤسسة أي سنة 2008 ليقع تنفيذها بلا شفقة
ولا رحمة في غرة مارس من سنة 2009 ليخلف كارثة اجتماعية بالرغم من أن من بين الشروط التي وقع على أساسها التفويت في المؤسسة
هو الحفاظ على اليد العاملة الموجودة بها على الأقل مدة 3 سنوات بل تطويرها من حيث
الكم والكيف إلا أن الطاهر البياحي وبإيعاز من صخر الماطري ضرب بعرض الحائط كراس
الشروط وطرد هؤلاء العمال شر طردة بمختلف أساليب الترهيب والترغيب في إطار جلسات
واجتماعات وهمية روج خلالها انه سيقع احترام كل حقوق العملة الذين سيقع التخلي
عنهم وأن هذا التخلي حسب زعمه ليس سوى لأسباب وظروف اقتصادية صعبة تمر بها المؤسسة وهو ما لا يكن منطبقا على أرض الواقع حينها لأن المؤسسة المذكورة كانت
تحقق سنويا المليارات من الأرباح وأنها فتحت عديد الفروع الأخرى بل اقتنت شركات أخرى
مثل "بروموقرو" فكيف لشركة تمر بظروف اقتصادية صعبة أن تشتري شركات أخرى؟؟؟
والجدير بالذكر أن غالبية هؤلاء العمال حيكت لهم خطة
جهنمية من طرف البياحي وزبانيته ليتم إخراجهم على التقاعد الوجوبي بتواطؤ من بعض أعضاء
الاتحاد العام التونسي للشغل ومن التفقدية العامة للشغل بتونس والوزارة الأولى
وكتابة الدولة للخوصصة و وزارة التجارة وكذلك من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعد أن وعدهم في إطار لجنة الطرد المفتعلة على المقاس من أطراف
تمثل البياحي وأخرى من بعض النقابيين المتواطئين معه وأخرى تابعة لوزارة تجارة هي
في الأصل شريكة في الجريمة الشنعاء في حق البلاد والعباد وليجد العملة أنفسهم في
آخر المطاف مطرودين شر طرد بعد أن غرر بأكثرهم ونكل بالبقية وأصبحوا في حالة يرثى
لها بعد أن رصد لهم راتب لا يتجاوز ال250 دينار شهريا فيما لم يتمتعوا بأبسط
الحقوق الأخرى المنجرة على الطرد والتي وعدهم بها صاحب المؤسسة بكثير من المكر
رفقة رئيس لجنة التنكيل والتشفي عفوا الطرد المدعو بلقاسم المقدمي والعضد الأيمن
للبياحي عادل العياري ويونس الغنجاتي منفذ العملية النكراء بلا هوادة وبلا ضمير في
حق الكادحين المساكين الذين لا حول ولا قوة لهم أمام تسلط البياحي من ناحية وجبروت صهر المخلوع
وتجبر النظام المافيوزي الذي يعمل وفق قاعدة السكوت وإلا العذاب والموت فوقع حرمان
هؤلاء العمال الحقوق والامتيازات التي تنص عليها الاتفاقية القطاعية
والنصوص الترتيبية الداخلية للمغازة العامة وعقد الإحالة والتي تتمثل في منح كل عامل يغادر العمل منحة
تقدر بـ 7 أشهر علاوة على المستحقات الشغلية القانونية والحصول على منحة تقاعد
كاملة (80 بالمائة من الأجر) بداية من أول يوم مغادرة والتي بقيت مجرد وعود
زائفة بل حبر على الورق بتواطؤ مع قضاة أصدروا
أحكاما شغلية لفائدة البياحي وزبانيته رغم الطعون الموجهة إلى محضر لجنة مراقبة
الطرد المتعلق بتسريح العمال لأسباب اقتصادية لا وجود لها على ارض الواقع بالحجج
والبراهين الدامغة ...
مهزلة متواصلة
بعد الثورة مباشرة وبفرار المخلوع وزبانيته استبشر
هؤلاء العمال المكلومين والمقهورين خيرا بعد أن تبدد الخوف من قلوبهم وخرجوا في أوائل
سنة 2011 للمطالبة بحقوقهم المشروعة والمتمثلة إما في إرجاعهم لعملهم أو التعويض
العادل لهم في كنف قواعد القانون والإنصاف بما يتماشى مع عيشهم بكرامة إلا أن
السلطة السياسية كانت صماء بكماء بالرغم من تعاقب الحكومات التي لم توف إلى حد اللحظة بما وعدت به .
وتجدر الإشارة إلى أن مطالب العمال تلك لم تخرج عن
دائرة المطالب الشعبية المعروفة والتي انبثقت من رحمها الثورة والتي تحوم حول
محاسبة رجال السياسة ورجال المال الفاسدين
وإلزامهم بإرجاع الثروات التي نهبوها لصاحبها الأصلي والمشروع وهو الشعب التونسي
ومن بين تلك الثروات المغازة العامة التي تعتبر من الشركات العمومية المحورية في
الاقتصاد الوطني بلعبها دورا استراتيجيا على مستوى امتصاص البطالة وتعديل الأسعار
التي اشتعلت فعصفت بالقدرة الشرائية للمواطن ولم تجد من يقلل من لهيبها فازدادت
حالات البطالة والفقر والخصاصة إلى أعلى درجاتها ...
مطالب شعبية مشروعة
من بين المطالب التي طالب بها العمال المساكين والتي
تحولت بدورها إلى مطالب شعبية مشروعة وشرعية هو فتح تحقيق عملية خوصصة المغازة
العامة برمتها خاصة وأن الثمن الذي تم اقتناِؤها به وهو 70 مليار يعتبر زهيدا جدا
بالمقارنة مع ثمنها الحقيقي الذي قدر ب500 مليار وان هذا الثمن لم يدفع منه سوى 40
مليون دينار وأما البقية قد دفعت بواسطة قروض من بنوك عمومية وخاصة بالنظر كذلك إلى
العلاقة المشبوهة التي تربط بين الطاهر البياحي رئيس مجلس إدارة المغازة العامة
وصخر الماطري صهر المخلوع وكذلك بالرجوع إلى الطريقة المشبوهة التي وقع بها التفريط
في المغازة العامة ولماذا وقع الاختيار على عرض شركة" ماد انفست كومبني"
لتقتنيها دون غيرها بالإضافة إلى كون إدارة مجمع المغازة العامة لم تحترم بنود عقد
التفويت التي تقر بوجوب الحفاظ على مواطن الشغل واحترام حقوق العملة وامتيازاتهم
سواء هؤلاء الذين اطردوا أو الذين أبقي عليهم أو هؤلاء الجدد الذين ادخلوا بعقود
مجحفة لا تحترم ابسط الحقوق الشغلية ومن بين المطالب الأخرى النظر في طرق الطرد
التعسفية التي بدأت منذ سنة 2009 ب407 عامل وقع إحالتهم على التشرد دون النظر إلى
ما سيحل بعائلاتهم ...والى اليوم يطالب العمال والرأي العام بضرورة النظر في تأميم
المغازة العامة وإرجاعها للشعب المالك الحقيقي لها من بين يدي مغتصبيها الذين
يواصلون إلى حد اليوم التنكيل بالعملة وهضم حقوقهم في غياب كلي لتطبيق العدالة
الانتقالية بما تتضمنه من مبدأ محاسبة كل من أذنب في حق البلاد ونهب ثرواتها...
نحن من جهتنا نتمنى بان تأخذ حكومة جمعة بعين
الاعتبار وبمأخذ الجد هذه المطالب المشروعة وأن لا تفعل فعل سابقتها من الحكومات
التي اتبعت سياسة الأيادي المرتعشة وسياسة الهروب إلى الأمام في مثل هذه الملف
الخطير فأبقت الحبل على الغارب لا ندري ربما لجهل أو لغاية في نفس يعقوب فالثورة
قامت على العدالة والكرامة قبل الحرية والعدالة تعني في ابسط وجوهها إرجاع الحقوق
كاملة إلى أصحابها وبها نصل إلى أعلى مستويات الكرامة الإنسانية فقد حان الوقت
حقيقة لفتح ملف المغازة العامة من كل جوانبه ومراحله ابتدءا من عملية التفريط فيها
وصولا إلى حقوق العمال داخلها مرورا بطريقة تسييرها وإدارتها وان لم يتحقق ذلك
فمعناه أن الثورة ستبقى مجرد سراب وان الدولة ستبقى حكرا على اللوبيات المالية
والسياسية التقليدية التي لا يهمها سوى مصالحها والتي تعمل وفق المبدأ الماكيافلي
الغاية تبرر الوسيلة ويبقى الشعب في النهاية هو الضحية وعى ذلك نرجو أن تتجه الإرادة
السياسية نحو المسار الثوري الصحيح وتتبعها في ذلك الإرادة القضائية التي يجب
عليها أن تتحرك في أقرب وقت لتطبيق العدل بين الناس على أساس القانون والاستقلالية
والوجدان النزيه والمنزه عن كل شيء ومن موقعنا كإعلام استقصائي سنسعى في مقالات
قادمة إلى نشر خفايا أخرى كامنة في الكواليس متعلقة بالمغازة العامة كما سنسعى إلى
تبيان عينات حية عن ضحايا الطاهر البياحي وعن علاقاته ببعض المؤسسات الإعلامية
التي تبيض صورته ليس في إطار النظام البائد فحسب بل كذلك والأدهى والأمر خلال
سنوات ما بعد الثورة...










Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire