mercredi 19 février 2014

على وقع احتفالات التّأسيسي بما كتب مسار بوذا...طبول تمجيد الدّستور... إخبار دمنة أنّ الأصوات العظيمة لا تسدّ رمقا




يوم الجمعة الفارط نسي الشعب الاحتفال بالدستور أو تناسى ذلك أو لم يأبه للأمر...
لا متّسع لديه ليزغرد و ليصفّق وليرقص ...جزء من الشعب كان بعيدا عن أفراح المجلس في باردو لأنه كان يتلو الفاتحة على قبر "الشهيد شكري بلعيد" أو يشعل الشموع في الساحات والشوارع في الذكرى الأولى لاغتيال الشهيد...وكل  الشعب كان واجفا حيران مشغولا بأنباء الإرهابيين الذين يخططون غير بعيد عن العاصمة لممارسة "رياضتهم المفضّلة" رياضة القتل والتفجير و تقويض أمن البلاد    
وكثيرون من هذا الشعب كانوا منغمسين في الهرولة اليومية طلبا للقمة العيش التي غلت وعسرت حتى عزّ منالها...
وفي القصر الذي بباردو أقيمت مراسم الاحتفال بدستور الشعب...لكن بلا شعب...


وأهل القصر سئموا الوحدة وأنفوها فدعوا ملوكا ورؤساء برلمانات ورؤساء دول...
لعلهم يؤنسون وحدتهم ويستعيضون عن غياب الشعب بممثلين عن ممالك لا ديمقراطية ولا مدنية
وبممثلين عن دول ساندت حكوماتها بالأمس القريب نظام المخلوع
لعلّها إكراهات السياسة ولعبة التوازنات الدولية و البراغماتية التي تسقط دونها المبادئ فتبيح مصافحة من صفعك والتودد إلى من عاداك ...
لكن كيف غاب عمّن أتقنوا فنون السياسة وتظلعوا في علومها أنّه لا يستقيم الانتساب إلى معسكرين متواجهين في نفس الحين؟
كيف لم يستشرفوا أنّ حروب الولايات المتحدة وإيران  التي تخاض على غير أرضيهما ستمتد معركة خطابية على أرض التأسيسي و ستعكّر صفو احتفالاتهم إن تبارز "لاريجاني" مع "الوفد الأمريكي"؟
أهل القصر الذي بباردو احتفلوا بدستور الشعب لكن بلا شعب...وزّعوا الدعوات ليستبدلوا غياب أهل الدستور الحقيقيين بحضور من هو حقيق بالحضور ومن ليس أهلا لذلك ...


ماذا لو سألوا بعد ذلك " ما الذي جعل التونسي يشعر أنّ هذا الدستور ليس له , ليس منه ؟
لماذا لم يصفق لهم ولم يزغرد ولم يرقص معهم لما كتبوا؟"
يا أهل القصر الذي بباردو لا تلومنّ من هجرتم إن هجركم...
يا أهل التأسيسي لكم منّي بعض أخبار بوذا عساكم تجدون فيها ما يغنيكم عن طرح السؤال الحائر عن سر عدم احتفال أصحاب الدستور الحقيقيين معكم
بوذا الذي كان أبوه ملكا يحكم قبيلته من قصره على سفوح الهمالايا...الأب أراد لابنه أن يصير ملكا ذا شأن عظيم فجعله يلزم القصر لا يغادره وعلّمه الألعاب الملكية كالمبارزة والمصارعة ورمي القوس غير أن بوذا رغم إتقانه كل ذلك قد كان يطيل التأمّل والتفكير في الكون وما يحيط به أكثر من اهتمامه بالأمور العسكرية التي شاءها له والده...وما إن بلغ سن التاسعة حتى سمح له أبوه أن يخرج من القصر  فشاهد كفاح الفلاحين في العمل وعاين جوع الفقراء وأدواءهم فاستبد به السؤال لماذا يعاني الإنسان كل هذا الألم ؟ وكيف السبيل إلى الخلاص من ذلك؟
ولقد اهتدى بوذا إلى شرائعه بعد أن شارك الناس آلامهم ومعاناتهم وأدرك أن لا قضاء على الآلام إلاّ بالخلاص من مشاعر الكراهية والجشع...
مسار بوذا إذن هو المسار من القُصور إلى الالتحام بعامة الناس
أمّا مسار مؤسسي الدستور فقد كان مسارا عكسيا إذ هجروا العامة وأنساهم الاعتكاف في القصر الذي بباردو آلام "الشعب" وأوجاعه وجوعه
ابتعدوا عن الشعب مسافة "115 مليون دينار(96.5 مليون دولار أمريكي) "هي تكلفة الدستور حسب ما أحصاه الخبير المالي "سامي الرمادي"   
ابتعدوا عن الشعب مسافة الخلافات والصراعات الأيديولوجية والحزبية التي أمعنوا فيها وبالغوا حتى استحالت كراهية وفرقة تنسيهم وتنسي من انتخبهم الإشفاق على وطن وعلى مواطنين أنهكتهم المصاعب والتحديات القائمة في هذه المرحلة الانتقالية وما تستدعيه من وحدة وإعلاء للمصلحة الوطنية  العامة على المصالح الخاصة ...


فليمجّدوا الدستور-بعد ذلك- ما شاؤوا ... وليكن في عيونهم أفضل دساتير المنطقة أو العالم...فبقطع النظرعن القيمة الكيفية المضمونية لهذا الدستور –التي لن نناقشها في هذا المقال- إلاّ أننا من المؤمنين بمبدإ النسبية في كل جهد إنساني فما ضرهم لو خففوا من تمجيد ما كتبوا ففي البلاد جياع كثر لن تشبعهم الأصوات التي تعلو بالثناء على الدستور وفي البلاد خوف وهواجس أمنية لن يهدّئها ما سطروا خلال أكثر من السنتين...وليذكروا- قبل الهتاف تمجيدا وقبل إطلاق الشماريخ احتفالا وقبل الزغردات وقبل توزيع الدعوات على كل الدول لمشاركتهم الاحتفال...- ليذكروا ما ورد في كتاب كليلة ودمنه لابن المقفع(وهذا من أول الكتب التي عرفتها الإنسانية في النقد السياسي لو يعلمون)
وجاء فيه أنّ دمنة قال" زعموا أنّ ثعلبا جائعا أتى على أجمة فيها طبل ملقى على جانب شجرة , فإذا هبت الريح تحركت أغصان الشجرة وأصابت الطبل فصوّت صوتا شديدا , فسمع الثعلب ذاك الصوت فتوجه نحوه حتى انتهى إلى الطبل فلما رآه ضخما قال في نفسه إنّ هذا لخليق بكثرة الشحم واللحم فعالجه أشدّ العلاج  حتى شقه فلما رآه أجوف قال لعلّ أفشل الأشياء أعظمها جثة وأعظمها صوتا..."

ومبلغ العبرة أنّ الشعب قد يسعده دستور جمهوريته الثانية لكن لا متسع له من الوقت ليرقص على أصوات طبول التمجيد له أو ليسدّ رمقه من خطابات الثناء عليه أو ليهدّئ  روعه وهواجسه الأمنية بزغاريد الاحتفال به... 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire