يحق لرجل السياسة والإعلام أن يخوض في كل ما يتعلق بالشأن العام والخاص
بكشفه للمستور وتشهيره بالخروقات وتصديه للتجاوزات وإعلاء أصوات الضعفاء لأن ذلك
يعد حالة صحية للمشهد السياسي والإعلامي بالبلاد وكابحا لجماح أفراد السلطة حتى لا
تستبيح المكروه ولا تعيث في الأرض فسادا.
لكن لا يحق للساسة والإعلاميين استباحة الأمن القومي للبلاد تحت غطاء كشف
الحقائق وإنارة الرأي العام وسحب بساط السلطة الحاكمة لأن ذاك يعد خطرا محدقا
بالأمن الداخلي والخارجي للبلاد وتحريضا على استباحة أهم مقومات سيادة الجمهورية
مما يترتب عليه تتبع ومؤاخذة كل فرد أو جهة تسعى للمساس بهيبة الدولة بدعوى السبق
الصحفي وإماطة اللثام عن المواضيع المحرمة قانونا .
فمهما اختلفت الآراء والمشارب والتوجهات والرهانات السياسية ومهما تفرعت
طرق العدو في مضمار السلطة للفوز بكراسي التسلط فإن الوطنية وفرض المواطنة تفرضان
السمو بالأمن القومي وعدم السماح باستباحته بدعوى محاسبة أفراد السلطة التنفيذية
وحكومة الترويكا وتجبر حركة النهضة واقتلاع عناصر الأمن الموازي .. فكل ما عاشته
البلاد من أحداث سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ورياضية يعتبر نتائج
حتمية لمخاض ثورة مستحدثة عجلت بها الظروف وساقتها الاقدار وانساق فيها الكبار
والصغار.. وقد استغلت بعض القيادات دماء الأبرار للتموضع وجني الثمار لأن دولة
السابع من نوفمبر ذهبت إلى الزوال بزوال الاسباب التي أدت إلى ظهورها وما عجل
برحيلها استهتارها بالأمن القومي مقابل تعويلها على قيادات كرطونية قتلت لديها روح
المبادرة مقابل زرعها بالجُبن والولاء والمحسوبية مما أفرز بهتة قيادية زمن اضطراب
الأحوال وهروب الرئيس وزبانيته بأموال الشعب مما أحدث فراغا رهيبا اختل
إزاءه البنيان واضطرب الإنسان بين جبان وأهل نفاق وبهتان مما ادخل انفلاتات عدة لم
يقف نزيفها رغم طول المدة لأن الساسة يعدون العدة للانقضاض على الكراسي كفعل
النسور مع فرائسها دون مواثيق أخلاقية أو غيرة وطنية .
فلنذكر دعاة الوطنية ودرع الشرعية وحماة الجمهورية بأن البلاد لم تر الربيع
بل إنها تعيش تحت وقع الصقيع ومصابها مريع جراء حلبة قسمة تركة الرجل المريض كقسمة
السلطنة العثمانية مما يؤذن بخراب العمران ناهيك أن أحكام القسمة قد تنهي
حالة الشيوع الامني خصوصا وأن قادة بعض الأحزاب يتبجحون بوضع موطأ أقدامهم في قلب
وزارة الداخلية . فهل يعلم دعاة الحرية وحماة الجمهورية أن ما يأتونه من استقطاب
لأصحاب النفوس الضعيفة من المؤسسة الأمنية نتائجه قريبا ستكون حتما وخيمة ؟ وهل
يدري باعة الوثائق الامنية والشرف المهني بأن السلطة سراب ومرضاة الساسة غاية لا
تدرك لأنكم لن تكونوا غير مطية وأداة لتحقيق المراد بالتسلط على البلاد والعباد
.؟؟؟
لذا فالمرجو من آلهة الساسة الكف عن هتك حرمة المؤسسة الامنية برفع الايدي
ووأد التبعية حماية لأمن الجمهورية وإعلاء للوطنية لعلها تلملم جراحها وتسترجع
أنفاسها بعيد ما عانته زمن الرئيس المخلوع الذي ألّه نفسه ونحت له تمثالا أمنيا
مقدسا حكم به على البلاد بالعقم القيادي كيف لا والبلاد تعج بالكفاءات الامنية
المقتدرة بما تملكه من زاد معرفي وخبرة أمنية وتعوزها المبادرة القيادية تبعا
لجدار الخوف والتبعية الذي أرساه بن علي وكرسه اليوم أعداء الوطنية .
وها أنذا أبسط لمن أحس بأن وزارة الداخلية لم تقدر يوما على صناعة قادة لهم
القدرة على النجاح الأمثل في المدينة الفاضلة لكل سياسي يرى نفسه أفلاطونا
لأنها انتدبت شبابا على مر العقود وبسياسة بيزنطية انتزعت منهم روح المبادرة
المهنية ومظاهر الوطنية مقابل زرعها فيهم الخوف والولاء لرئيس السلطة
التنفيذية. واليوم تحاسبونهم على غياب النجاعة الامنية والتقصير في الواجبات
المهنية دون إيلاء أهمية لنفسياتهم المهزوزة وشخصياتهم المكلومة رغم سرعة تأقلمهم
مع مستجدات الثورة وتخلصهم من العقيدة الأمنية البالية والمهترئة وتطببهم
الذاتي النفساني وتحليهم بالوازع الوطني. فكافكم معشر الساسة مزايدات وكفاكم
تجاذبات علنا نقدر على حماية البلاد من الآفات فلكم سياستكم في أمان ولنا خدمة
الأمن لنوفيكم الأمان .
وبخصوص موائد الإعلام فرفقا بنا لأننا لسنا مرتزقة أو عناصر تسلية أو أدوات
ضغط ومزايدة فلكم أبواقكم ولنا حمايتكم ولهم سياستهم ولنا كلنا وطن واحد من واجبنا
الذود عنه وحمايته من كل عدوان داخلي أو خارجي ، كما ننصح خبراءكم في الشؤون
الأمنية والعسكرية ممن تؤثثون بهم مجالسكم إتحافنا ببحوثهم الاستراتيجية و
إمتاعنا بتحاليلهم الأمنية علّها توثق لتفيدنا في تجاربنا اليومية ومهامنا الوطنية
عوض تحسس طرق تصفية الحسابات المهنية والرواسب العلائقية من خلال المنابر
التلفزية .هذا وندعو جميع أفراد شعب الجمهورية لنبذ الذات البشرية وتغليب المصلحة
الوطنية بعيدا عن المغالاة والمزايدات الحزبية وذاك من أجل التصدي
للانفلاتات الشعبوية حماية للأمن القومي . فهل يقدر الرؤساء الثلاثة على حسن تقدير الوضع الأمني وتشخيصه بإرساء
وكالة الأمن القومي تُعنى بالاستباق والاستعلام لتطوير الاستراتيجية الأمنية ؟
بسام طعم الله
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire