mardi 1 octobre 2013

هل ابتليت الحركة ب"انقلاب داخليّ" وهي تستنفر طاقاتها لمواجهة "انقلاب خارجيّ"




دأبت حركة النهضة قيادة وقواعد –منذ اعتصام الرحيل خاصة- على رمي خصومها بتهمة "الانقلاب" على الشرعية وتحوّلت هذه التهمة إلى مدار سجال بينها وبينهم
ولعلّ الحركة سعت إلى تحصين نفسها وشركائها في الحكم سياسيا بدعوة قواعدها إلى الرد على تحركات المعارضة باعتصامات مقابلة وتظاهرات تحت شعار "حماية الشرعية" ودعائيا وإعلاميا على البلاتوهات التلفزية وعلى أعمدة الصحف وعلى شبكات التواصل الاجتماعي في وسائل الاعلام التابعة و الموالية لها وحتى في الفضاءات الإعلامية التي عرفت بمعارضتها
كما يذهب البعض إلى أنها سعت إلى تحصين نفسها أمنيا وعسكريا خشية تكرّر السيناريو المصري فعمدت إلى تغييرات وإقالات وتعيينات في المؤسستين أدرجتها ضمن باب الإصلاح وأدرجها من ناوءها في خانة الاختراق وإجراء "أجندة"  هدفها توظيف الأمن والعسكر لخدمة الحزب الحاكم لا لخدمة الجمهورية...


ولن نُعنى في هذا المقال بتقويم فعل المعارضة وتصنيفه ضمن التحرّك الشرعي أو ضمن التحرّك الانقلابي ولكنّا سنَذَرأمر ما وسم بأنه "انقلاب" خارجي إلى ما يمكن أن نعدّه "انقلابا" داخليا  أي في صلب الحركة بمعنى

هل انقلبت الحركة على "مرشدها" أو بعبارة أدق هل انقلبت الحركة على الخيارات السياسية له؟

إنّ ما يجعل هذا السؤال مشروعا أو ممكنا هي جملة من المؤشّرات التي يمكن اختزالها فيما يلي
-ردود أفعال قواعد الحركة المستهجنة للقاء راشد الغنوشي بالباجي قايد السبسي وتصريحاته على قناة نسمة و التي لمسنا فيها مغازلة لنداء تونس, وتعالي أصوات بعض قيادات النهضة موحية بخروجها عن خيارات "راشد"
-عدم ظهور الغنوشي في الندوة الصحفية الأخيرة التي عقدتها الحركة للردّ على موقف الرباعية الرّاعية للحوار
-تصريحات نائب رئيس الحركة عبد الفتاح مورو التي يتمّ تداولها والتي يشير فيها إلى أنّ رئيس الحركة تحاصره "صقورها" وقد يتم استبعاده
ولعلنا نستطيع قراءة هذه المؤشرات قراءتين مختلفتين
-القراءة الأولى مؤدّاها أن بيت الحركة بدأ يتصدّع تحت ضربات المعارضة وعقدها ينذر بالانفراط نتيجة المأزق السياسي الذي  تعيشه البلاد والتي تعدّ الحركة المسؤول الأول عنه لاعتبار أنّها ربّان السفينة وقائد المرحلة من موقع السلطة الذي تصدت إليه
وهي وإن تذرّعت بشتى ألوان الذرائع فإنّها تتحمّل وزر جملة من "الكبائر" السياسية أهمّها


"كبيرة" العجز عن الاستجابة إلى مطالب الثورة الأصيلة(التشغيل-الديمقراطية-الحرية-المحاسبة...) بعد سنوات من قيادة هذه المرحلة الانتقالية التي طالت أكثر مما رسم لها ومما التُزِم به
"كبيرة" الاغتيالات السياسية
"كبيرة" استشراء الإرهاب وفيالق الشباب من التونسيين والتونسيات المغرر بهم للقتال في سوريا تحت مسمّى "الجهاد" كلّ بما ملك
فللرجال السلاح يحملونه , وللنساء أجسادهن تباح في "بغاء" يرتدي "نقاب القداسة"
"كبيرة" تقهقر الاقتصاد حتى بلغت البلاد شفا الإفلاس
وهذه الكبائر وغيرها قد تسقط عن النّهضة وعن حكومتها حقّ "الغفران السياسي" إن عاجلا  بمزيد الضغط  للإطاحة بها أو آجلا في صناديق الاقتراع من لدن من عارضها من الأحزاب وحتى من حالفها ومن راجع موقفه منها ممن والاها وانتخبها من الناس وممن لم ينتخبها ولعلّ الوعي بذلك يجعل الحركة تعيش على إيقاع صراعات داخلية قد تحتدم حدّ "محاصرة رئيسها" أو "الانقلاب" عليه انقلابا ناعما أو شرسا كلّما تعمّق الإحساس بأنّ سدّة السّلطان الذي بلغته حديثا بدأت تتهاوى
والخشية من هذا التّهاوي ورهاب السقوط قد يؤديان إلى التّراجم بالمسؤوليات بين المتشددين الموسومين "بالصقور" أو المعتدلين الموسومين" بالحمائم" وإن كانت مرجعيات الفريقين واحدة وغاياتهما مشتركة فإن الطرق والمسالك لتحقيق هذه الغايات هي التي قد تؤدي إلى التشتيت والفرقة نتيجة صراع تفرضه حتمية تاريخية داخل حزب  ذي مرجعة دينية لعلّه أو لعلّ بعض قياداته وعناصره لم تحسم أمرها بعد من مدنية الدولة (لنا أن ننظر إليها في الانقسامات التي شكا منها حزب الرفاه التركي بزعامة نجم الدين أربكان الذي انتهى إلى أن ظهر من صلبه حزب الفضيلة ثم حزبان بعد ذلك هما حزب السعادة بزعامة رجائي قوطان رئيس حزب الفضيلة المنحل، والثاني حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيِّب أردوغان رئيس بلدية إسطنبول وعبد الله غول منافس قوطان على زعامة حزب الفضيلة في المؤتمر العام للحزب المنعقد في 14-5-2000 .) 


-وأما القراءة الثانية الممكنة لغياب "راشد الغنوشي" عن ندوة النهضة للرد على موقف الرباعية الراعية للحوار فهي قراءة تسمح بألاّ ننظر إلى هذا الغياب على أنه  يدخل ضمن تغييب قسري ينبئ ب"انقلاب" داخل الحركة بل يندرج ضمن معالجة تكتيكية للمرحلة تترك مجالا للمناورة إن وجدت نفسها في وضع من رقعة اللعبة السياسية يفرض عليها القبول بإقالة الحكومة الذي إن جاء فلن يجيء في أرجح الاحتمالات على غير لسان "راشد الغنوشي"

وأيّا كانت قراءتنا للأمر فإنّ ما نلحظه من جمود الوضع السياسي يخفي وراءه  حراكا واعتمالات داخل حزب النهضة الحاكم الحقيقي في هذه المرحلة  وهذه الاعتمالات الداخلية ستؤثر حتما في المشهد السياسي العام للبلاد حالما تطأ أقدام  الحركة أحد المسارين الممكنين في هذا المفترق أي مسار المواجهة مع معارضيها وما سيؤدي إليه من مزيد تأزيم للوضع المتأزم أصلا أو مسار الحوار وما يقتضيه من تنازلات تعتبر الحركة أنّ أشدّها إيلاما "استقالة هذه الحكومة"...


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire