التقينا "جمال الدين حرّار"
أستاذ رياضيات بالمدرسة الإعدادية حي ابن خلدون عشيّة وقفة احتجاجية تمّت لساعتين
يوم الجمعة 20
من هذا الشهر بهذه المؤسسة كنا نحسب
أننا نستقصي أنباء حراك بات مألوفا في هذه الفترة الانتقالية لكن وجدتنا نصغي إلى
أطوار "تراجيديا" خطّتها سلطات الإشراف بالإدارة الجهوية للتعليم بتونس
2وبوزارة التّربية
يستهلّ محدّثنا القول " إن كانت
وزارة التربية والإدارة الجهوية للتعليم بتونس 2مصرّتين على توزيع الألم والعذابات
على الأساتذة فلتعدلا , أليس من عدل حتى في توزيع المآسي؟"
ويواصل قائلا "تركت أمّا مكلومة ثكلت في ابنها الأول
الأستاذ المرحوم"محمد المهدي حرار" منذ سنتين تركتها تنتظرني في نفس
الشرفة التي وقفت فيها ذات فجر وهي تودّع ابنها , أخي المهدي وهو أستاذ فرنسية
وعدها أن يعود بعد أن ينهي حصّة درسه في "الطويرف" وهي منطقة
حدودية بولاية الكاف لكنّ الموت كان أكثر وفاء له من وعده لأمّ لعلّه وهو المفارق
إلى الأبد "يخجل من دمعها" لكن ألا يخجل الأحياء من سلطات الإشراف التي
ذكرت من دموع الأمهات؟
مهدي كان قد ابتلي بمرض السكري وأصيب
بجلطة قلبية درّس في بداية مسيرته المهنية في قرية "صوّاف" بولاية زغوان
مدّة سنة وانتقل للتدريس بالمعهد الثانوي بحي ابن خلدون بعد أن قدّم ملفّا طبيا
يثبت حالته التي تستدعي رعاية أبويه المسنّين له وأن يظلّ قريبا من أطبّائه
المباشرين لحالته لكن ماراعه إلاّ أن دعي بعد ثلاث سنوات قضاها في معهده الجديد
إلى الالتحاق "بالطويرف" في إطار العمل الدوري رغم أنه كان قد تقدّم
بمطلب إلى إدارته الجهوية لإعفائه نظرا لحالته الصحية ولمّا أعيته الحيلة وسدّت
دونه الإدارة الجهوية والوزارة الأبواب قرّر الالتحاق بمركز عمله
الجديد حزم حقائبه وقصد "الطويرف" في 1أكتوير 2011 بكّر,ودّع
الأمّ,وكانت الطريق شاقة لمن كان في مثل حالته الصحية وبلغ المعهد المقصود, درّس
أربع ساعات وكانت الساعات طويلة,هي ساعاته الأخيرة قبل أن يسقط وهو يغادر المعهد
وفي يده محفظته علامة شرفه وتضحيته,سقط نتيجة هبوط في السكري, حاول زملاءه
أن ينقذوه أن يوقظوه من غيبوبته ما وسعهم ولم يفلحوا... بحثوا عن سيارة
تقلّه إلى المستشفى وكان أقرب المستشفيات بجندوبة التي تبعد كيلومترات...والموت
كان أقرب من المستشفى...والأمّ من على شرفتها لا تستقبل ابنها أمّه تستقبل نبأ
موته وتعانق جثمانه العائد...
ينقطع جمال الدين للحظات عن الرواية
وفي المقلة دمع يغالبه ثم يواصل فيقول
بلغني خبر الفاجعة وأنا في سلطنة عمان
في إطار التعاون الفني... قطعت عقدي وعدت لأودّع المهدي الوداع الأخير ولأهتمّ
بوالديّ بعد هذا المصاب...ثم عدت إلى مباشرة عملي بالمدرسة الإعدادية بالعمران
الأعلى وخلال هاتين السنتين كانت والدتي تشكو في وجع من الإقامة في شقّة يذكّرها
كل ركن فيها بأخي , بل كانت تشعر أنفاسه وتصغي إلى وقع خطواته في طرقات الحي الذي
نقطنه فقرّ الرأي عندنا أن ننتقل للسكن بعيدا عساها تبرأ من الذكريات
القاتمه,أعلنت استعدادي للمناقلة مع أي زميل إلى مدينة بنزرت اتّصلت بي إحدى
الزميلات...التقيتها مع زوجها لنمضي مطلب المناقلة في البلدية وبعد ذلك بأيام تراجعت
عن الأمر لضائقة مالية حلّت بالأسرة وصارت تمنعني من تجشّم نفقات الانتقال
والإيجار, وكنت أعلم أنّ الإجراء لا يعدّ مستوفى ولا قانونيا ما لم يُمض المطلب من
قبل مديرتي ثم يرفع إلى الإدارة الجهوية ثم إلى وزارة التربية...ورغم ذلك اتّصلت
بالزميلة واعتذرت عن استيفاء إجراءات المناقلة لأني أعتبر ذلك واجبا أخلاقيا إذ لا
يليق بي أن أترك الزميلة متعلّقة بأمل واه فأكتفي بعدم مواصلة الإجراءات دون
إعلامها. لكن بُهتّ يوم 14 سبتمبر حين اتصلت بمعهدي لتسلّم جدولي فعلمت أنّ
المناقلة قد تمّت...
وكان السؤال كيف تتمّ المناقلة وبأيّ
حق والإجراءات القانونية غير مستوفاة؟
فالأصل ألاّ يمضي المدير الجهوي وألاّ ترفع
المناقلة إلى الوزارة مادام أحد الطرفين لم يحصل على موافقة مديره المباشر بمؤسسته
ولم يحظ بإمضائه؟ ومديرتي لم تمض وهي لم تتسلّم مطلب المناقلة الذي يخصّني أصلا
وقد شهدت بذلك...
لكن يبدو أن المناقلة لم تتخذ مسارها
الطبيعي والعادي من قاعدة الهرم الإداري إلى أعلاه بل اتخذت مسارا عكسيا من أعلى
الهرم إلى قاعدته ليقع سيف سلطات الإشراف برقبتي كما وقع برقبة أخي المهدي...
يقولون إنّ التاريخ "لا يعيد
نفسه إلا في شكل مهزلة" لكن ها إنّ التاريخ بفضل سلطات الإشراف في وزارة
التربية وفي الإدارة الجهوية تونس 2يعيد نفسه في شكل مأساة جديدة
لكن على خلاف أخي الرّاحل صرت اليوم
أكثر إصرارا على التمسّك بمركز عملي لأني أجد نفسي أدافع عن قضية عادلة ومسألة
مبدئية, فما وقع لي قد يقع لأي زميل قد يجد نفسه وقد نقل عسفا وبهتانا دون
التزام بالقوانين وإجراءاتها ...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire