في مدينة سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية
نشأ الأستاذ المحامي جلال الهمامي في أسرة متواضعة لم تهبه تراثا جمّا ولا
مالا لمّا بل علمته أن ملأى السنابل تنحني بتواضع وأن "الهمامي
الحر" لا يركبه الغرور ولا يمشي في بهو المحكمة مختالا فخورا مهما علت به
درجات العلم في سلك المحاماة .
في كلية الحقوق والعلوم الإنسانية بسوسة ناضل في
حركة الاشتراكيين الديمقراطيين ودرس" علوم الحق " حتى يدفع بها
باطلا ..فتخرج حاملا شهادة في الحقوق غير أنه وجّه وجههُ شطر الشركة التونسية
لاستغلال وتوزيع المياه لأنه لم يكن قادرا آنذاك على فتح مكتب خاصّ به.
سنوات ثمان في هذه المؤسسة العريقة
زادته خبرة بأحوال الناس فعرف أن الفقر قد سكن في تونس وعشش في
حواريها البائسة وفي أريافها الممتدة ومن بينها أرياف سيدي بوزيد ...ترك هذه
الشركة وعاد إلى معدنه وما الحب إلا للحبيب الأول ... ارتدى "الروب
"السوداء فاكتشف ملفات حمراء تحولت لفرط فسادها سوداء لا تسر الناظرين ....
إذا رأيته مدافعا عن الحق في بهو المحكمة أدركت أن والديه قد
اختارا له من الأسماء أحسنها.... جلال ومن معاني هذه
الكلمة عند العرب " الغطاء " وكان جلال الهمامي خلال مرافعاته غطاء
ودرعا حاميا للصالحين معريا للفاسدين. ومن معانيها " ومن كل شيء معظمه
" ويبدو أن الهمامي قد حاز من خصال المدافع عن الحق شيئا كثيرا
...
وإذا اكتفينا بهذه المعاني راصدين حركاته
وسكناته خلال المرافعات تذكرنا في يسر بيتي المتنبي الشهيرين :
وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن
الردى وهو نائم
تمر بك الابطال كلمى هزيمة ووجهك
وضاح وثغرك باسم
فالهمامي قبل الثورة دافع في صلابة وصمود عن
مظلومي الحوض المنجمي في وقت كان فيه غيره من المحامين يدافعون عن المتسلطين الذين
أذاقوا أهالينا في الجنوب ويلات التعذيب .
وتعلقت همته بعد ثورة 14 من جانفي بالصحافة
الاستقصائية التي وجد في الثورة نيوز ما يشفي غليله منها فدافع عنها بشراسة
دفاع متطوع لا هدف له إلا التمكين لحرية الصحافة ... والهمامي الذي
عشق لون الدم دم الشهداء اختار أيضا ولسنوات أن يكون الناطق الرسمي للنادي
الأفريقي ...
هكذا هو جلال الهمامي محام نبت بين الفقراء والكادحين
ولما اشتدّ عوده غدا شجرة تظلّلهم من لفحات الظّلم والاستبداد والاستغلال...
ولد متواضعا وعاش متواضعا ,,, دام شجرة من بين أشجار تونس التي جذورها في هذه
الأرض ضاربة وأغصانها ترنو إلى سموات الحرية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire