mercredi 21 décembre 2011

السيد صالح العابدي: افتتنت فرقة التعذيب أساليب لإذلالنا وتعذيبنا وكأنهم جرّدوا من إنسانيتهم بالرغم من علمهم المسبق بأننا بريئون والتهم الموجهة إلينا كلها تلفيقات




نادرة هي الكلمات التي تستطيع أن تصف الأم الإنسان عند تعرضه لأبشع أنواع التعذيب، وتندر أكثر عندما يكون الاتهام ظلما وبهتانا، لن تنفي الكلمات...
حق الذين انتهكت حرمتهم  وحرمة أجسادهم كذبا وتلفيقا. "الخبير" تبدأ في تقديم سلسلة شهادات المجموعة العسكرية ل"مجموعة الإنقاذ الوطني" والذين، حسب قولهم، لفقت لهم تهمة محاولة الانقلاب العسكري في نوفمبر 1987 أيام قليلة بعد سيطرة الرئيس السابق على الحكم آنذاك والذين تعرضوا إلى أشنع أنواع التعذيب لا لشيء إلا لأنهم حاولوا حماية البلاد من براثن الفوضى والسقوط في حرب أهلية. البداية مع السيد صالح العابدي والذي كان عريف أول في الأمن العسكري.

بداية العذاب
يسرد السيد صالح أطوار الحكاية منذ 17 نوفمبر 1987 تاريخ إيقافه، بعد صدور قرار عن بن علي بشن حملة على جميع عناصر "مجموعة الإنقاذ الوطني" لإيقافهم، القرار كان بإيعاز وإقناع الحبيب عمار، وزير الداخلية في ذلك الوقت. يصف السيد صالح عملية الإيقاف بأنها عملية اختطاف فقد كانت دون سابق إشعار أو إنذار،  تمت بمساعدة الامن العسكري، ومكان الإيقاف كان مقر امن الدولة أين تعرضوا إلى شتى ألوان الإذلال. المشرفون على إيقافهم وأثناء عمليات التعذيب تعمدوا إيهامهم بان بن علي هو الشخص الوحيد الذي قام بعمل بطولي وإنقاذ البلاد من براثن الفوضى والانفلات.
العريف الأول لم يكن من أول الموقوفين، فقط استطاع التواري عن الأنظار، لكنه بقي يتلقى أخبار بقية عناصر المجموعة، ولما سمع بموت الرائد المنصوري تحت التعذيب، فضّل الهروب إلى الجزائر، لكن هذا الحل لم يكن بالقرار الصائب، فقد تفطن الأمن التونسي لفراره ووقع التنسيق مع الجهاز الأمني الجزائري لتسليمه، ولمدة شهرين كان سجينا لدهاليز مظلمة تحت قيادة مدير الأمن العسكري الجزائري "قاصدي مرباح"، في ظروف اقل ما يقال عليها أنها لا إنسانية: دهاليز لا يصلها ضوء النهار مع عذاب نفسي مع وجبة وحيدة في اليوم في مكان جدّ قذر حتى انه كان مريضا لما وقع تسليمه إلى امن الدولة على الحدود الجزائرية التونسية، وقد كان في انتظاره كلّ من "عبد الرحمان القاسمي" رئيس فريق التعذيب شهر "بوكاسال" و"محمد بن عمر" رئيس مركز بإدارة امن الدولة  والذي كان مديرها في ذلك الوقت "المنصف بن قبيلة" ومعهم شخص ثالث يدعى "دحروج" وهو الجلاد وتم إيقافه ووضعه في السجن دون اعلم مسبق لعائلته.

للتاريخ: السرياطي كان منضبطا يشهد له بنزاهته ووطنيته
يواصل السيد صالح شهادته  قائلا"لما وصلنا إلى إدارة امن الدولة تم اقتيادي مكبلا مباشرة إلى قاعة العمليات بالطابق الثاني أين مورست علي شتى أنواع التعذيب". عند سرده لهذا الجزء من الشهادة وكأنه أمام مشهد يصفه بكلّ تفاصيله، مشهد لن يزول أبدا من ذاكرته. بداية أطوار التعذيب بدأت بوضعه في وضعية "الروتي"وتعليقه وضربه ب"الفلقة" وقلع أظافره ثم إغراقه في ماء قذر وتعريته وجلده هذا إلى جانب توجهيه بكلام بذيء. يشير السيد صالح إلى أن الحبيب عمار  كان يتابع بصفة مباشرة عملية الأبحاث، فذكر انه زاره مرة وقال لفريق التعذيب "لا تصدقونه في ما يقول"، مؤكدا انه كانت محاولات لتوريط إطارات عليا من الجيش مثل علي السرياطي والجنرال يوسف بن سليمان الذي كان مدير الأمن العسكري في أطوار القضية.  ويصرح السيد صالح لأول مرة انه كان يلتقي به يوميا خلال شهر نوفمبر و"كان الوسيط بين عناصر المجموعة وعلي السرياطي الذي كان على علم بنشاط المجموعة وهدفها كان يعتبر المستشار الغير معلن للمجموعة ولم يعترض على عملها بل كان يباركه". المجموعة استفادت من نصائحه ومشوراته. وقد ذكر في هذا السياق أن علي السرياطي وأثناء حياته العسكرية كان" منضبطا مشهود له بوطنيته ونزاهته ولكنه يتحمل مسؤولية أفعاله بعد خروجه من العمل العسكري"
كان التركيز خلال الأبحاث منصبا على استنطاق الموقوفين وذكر من له علاقة أو دراية بعمل المجموعة وأيضا إلصاقهم تهمة انتمائهم إلى الاتجاه الإسلامي. يعترف السيد صالح قائلا "إلى الآن لا اعرف ماذا كتب في محاضر الإيقاف، كانوا يحاولون إخراج اعتراف بعلاقتي ومعرفتي الوطيدة براشد الغنوشي، في حين لم اعرفه إلا باعتباره شخصية مشهورة" ويضيف "كانوا يحاولون غرس فكرة أن ما قمنا به ليس بعمل وطني بل ما قام به بن علي من استيلاء على السلطة هو العمل البطولي الوحيد"
في الأثناء كانت هناك عملية تمويه للرأي العام إلا وهي محاولة إبراز صورة المجموعة على أنها مجموعة انقلابية إرهابية مرتبطة بالاتجاه الإسلامي لتبرير تصفي خيرة أبناء المؤسسة العسكرية من جهة، وتبرير عدم منح تأشير للاتجاه الإسلامي من جهة أخرى. وفي هذا السياق نشر ت جريدة "لابراس" بتاريخ 24 نوفمبر 1987 صورة لحمادي الجبالي من ضمن صور مجموعة الإنقاذ الوطني التي مدتها وزارة الداخلية  لوسائل الإعلام التي حضرت لتغطية المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الداخلية في ذلك الوقت، الحبيب عمار. وقد نفى السيد صالح ان يكون لحمادي الجبالي أية علاقة بالمجموعة.
وأخيرا وليس آخرا...نهاية مرحلة وبداية لأخرى

ومع بداية 1989، وبعد أن ذاقت بهم ويلات العذاب واشتد بها الأمر، لم تجد عناصر مجموعة الإنقاذ الوطني حلاّ غير مكاتبة الرئيس السابق، فبعثوا بمراسلات وحاولوا خلق قنوات حوار، فكان المدير العام للسجون والإصلاح، احمد القطاري، والذي يشاع انه توفي في حادث مريب، هو همزة الوصل بين عناصر المجموعة والرئيس، إلى أن وافق هذا الأخير على خروج المجموعة بعد أن سقطت كلّ أوراقه سدى لاستخراج اعتراف عناصر المجموعة بمحاولة قلب النظام والانتماء إلى تنظيم محظور. آخر دفعة من المجموعة غادرت السجن. وفي فجر احد أيام ماي من سنة 1989 كان السيد صالح من بين آخر المغادرين وأقيم حفلا على شرفهم حضره احمد القطاري  حاملا رسالة إلى المجموعة من قبل الرئيس مفادها انه يعتبر المجموعة مجموعة وطنية عناصرها ذوي كفاءات عالية تحتاجها البلاد مستقبلا واعدا إياهم بعودتهم إلى سالف عملهم العسكري وتسوية وضعياتهم بعد أن يخذوا راحة بشهر، وقد وزعت عليهم ظروف يحتوي كلّ ظرف مبلغا ماليا بين 50 و100 دينارا.
إلا أنهم فوجئوا بعد خروجهم من السجن، بتعليمات تم بمقتضاها سحب كلّ ما يفيد صلتهم بالمؤسسة العسكرية وإخضاعهم للمراقبة الأمنية اللصيقة وحرمانهم من العمل وتسليط ضغوط على كلّ من يشغلهم من الخواص، وأشار السيد صالح إلى انه"كانت هناك خطة ممنهجة لإذلال المجموعة وإفقادها للمكانة التي كانت عليها في المجتمع حتى يعتبر الناس مما حدث لهم، وأتذكر في صائفة 1989 انه وقع اختطافي من قبل أعوان من فرقة البحث والتفتيش بباردو في مفترق وادي قريانة واقتادوني إلى مركز حي بن يونس ومارسوا علي شتى أنواع الضرب والعنف والتعذيب". حادثة الاعتداء نشرت في كتاب "حول التعذيب في تونس" الذي أصدرته منظمة العفو الدولية سنة 1990 وقابل السيد صالح على اثر الحادثة مدير الامنستي في تونس، كما قابل رئيس رابطة حقوق الإنسان آنذاك، المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المؤقت، واعتبر موقفه سلبيا إذ لم يمكنه حتى من إجابة ولم يعده بأي شيء بل اعترف له "ليست لي أي سلطة على وزارة الداخلية". وبعد الحادثة وقع افتكاك كامل الأوراق الشخصية للسيد صالح ثم أطلق سراحه وكلّف نورالدّين البحيري بتقديم شكوى في الاعتداء إلا انه وقع تجاهلها.
 أطوار معانة السيد صالح كان له التأثير السلبي على حياته الشخصية إلا انه فضّل عدم الخوض في التفاصيل احتراما لمشاعر المعنيين بالأمر، والجدير بالذكر أن معاناته لم تقتصر فقط على تلك الفترة، إذ تعرض إلى مؤامرة أخرى وذاق ما هو أسوء خلال حادثة 1991 والتي سنعرج عليها لاحقا. إلا انه ما يعنينا الآن هو استرداد هؤلاء لحقوقهم وتعويضهم وكشف النقاب عما حصل حقيقة في تلك الفترة من تاريخ تونس.
هذا وقد علمنا أن عناصر مجموعة الإنقاذ الوطني بعد ثورة 14 جانفي قدموا ملفات لدى وزارة الدفاع لتسوية وضعياتهم لكن الوزارة تجاهلت مطالبهم، ومن جهتها طلبت المحامية الأستاذة أمنة محمد البشير يحياوي المكلفة بالقضية، مقابلة وزير الدفاع لتناقش معه وضعية عناصر المجموعة لكن إلى حدّ الآن لم تحظ بجواب. ولعلّ انارة الرأي العام بقضية السيد صالح ورفقائه ستساهم في استرداد حقوقهم وكشف الحقيقة وإعلان تبرئتهم مما نسب إليهم. "الخبير" ستفتح المجال لبقية شهادات عناصر "مجموعة الإنقاذ الوطني" حتى يستنير الرأي العام وتأخذ القضية أبعادها الحقيقية.
نائلة النوري- جريدة الخبير

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire