·
على امتداد أشهر عدة، تتالت الروايات والتأويلات لما جدّ من
أحداث مثيرة أيام الثورة (قبل وبعد 14 جانفي) خاصة
في ما يتعلق بالدور الذي لعبه الجيش الوطني آنذاك، وأيضا بدور الأمن الرئاسي
ومديره علي السرياطي.. إضافة إلى ملابسات يوم هروب بن علي وملابسات تسلّم الغنوشي ومن
بعده المبزع الحكم، فضلا عن الكلام الكثير الذي قيل حول الجنرال رشيد عمار.
·
حقائق عديدة مازال التونسيون ينتظرون على أحر من الجمر الكشف
عنها في ظل اختيار الحكومة المؤقتة الصّمت وفي ظل تواصل التحقيقات القضائية حول ما
جدّ من أحداث.. وهو ما فسح المجال واسعا أمام الإشاعات والتأويلات.
·
...
في خضم كل هذا، اختارت «الشروق» الكشف عن بعض الحقائق
المخفية من خلال لقاء حصري مع السيد رضا قريرة الذي كان أيام اندلاع الثورة والى
حد يوم 27 جانفي الماضي وزيرا للدفاع الوطني.
·
الاتصالات بـ«سي رضا» انطلقت في الحقيقة منذ مدة، لكنه فضّل
انتظار مرور بضعة أشهر للحديث الى وسائل الاعلام، في انتظار ان يأخذ القضاء مجراه
الطبيعي في التحقيق في ما جدّ من أحداث... غير أنه أمام تكاثر الروايات والإشاعات التي
قد تشوّه تاريخ الثورة وتزيد في ادخال الشكوك والبلبلة لدى الرأي العام، قبِل وزير
الدفاع السابق في عهد بن علي بإزاحة الغموض حول ملابسات تلك الفترة الصعبة في حدود
ما بلغ الى علمه من معلومات وفي حدود ما تسمح به حرية التصريحات الصحفية بالنسبة
الى مسؤول حكومي سابق وأيضا دون التدخل في عمل القضاء في هذا المجال.
·
الجيش يتدخل
·
عاد بنا السيد رضا ڤريرة في بداية حديثه إلى الليلة الفاصلة
بين الخميس 6 والجمعة 7 جانفي.. كانت الثورة المباركة آنذاك في
أوجها خاصة بالمناطق الداخلية للبلاد، وكان كل شيء يوحي باهتزاز عرش بن علي.. في
تلك الأثناء «قرر الرئيس السابق ضرورة مساهمة الجيش في حفظ الأمن بالمناطق الداخلية وهي
مهمة أوكلها القانون للمؤسسة العسكرية» يقول رضا ڤريرة، وهو ما تم فعلا...ويوم الأحد
9 جانفي، قرر بن علي تعميم نشر الجيوش بكامل تراب البلاد... «اتصل بي الرئيس
السابق على الهاتف صباح الأحد وأعلمني بقراره هذا ودعاني الى التوجه مباشرة الى
مقر وزارة الداخلية لحضور اجتماع تنسيقي في الغرض مع وزير الداخلية رفيق بلحاج
قاسم» يضيف المتحدث.
·
السرياطي «يحكم بأحكامه»
·
توجه وزير الدفاع السابق إلى وزارة الداخلية رفقة ضبّاط سامين
من الجيش الوطني واجتمعوا مع وزير الداخلية وإطارات عليا ومسؤولين بالأمن الوطني والحرس
الوطني، وكان من بين الحضور مدير الأمن الرئاسي سابقا علي السرياطي.. ويقول محدثنا
في هذا المجال «اكتشفت بكل استغراب وذهول وحسرة أن السرياطي هو الذي كان خلال ذلك
الاجتماع الهام والطارئ، يتولى مهمة التنسيق الرسمي لعمليات حفظ الأمن بين
الداخلية والدفاع.. فالأمر يتجاوز صلاحياته وتساءلت في قرارة نفسي كيف يمكن
للمؤسسة العسكرية ان تتلقى أوامر من مدير الأمن الرئاسي، وهو ما لم يحصل أبدا في
تاريخ وزارة الدفاع... فالتعليمات لا يمكن ان يتلقاها الجيش
الا مباشرة من رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة او من وزير الدفاع».
·
...ويقترح أموالا!
·
لم يتوقّف ذهول رضا ڤريرة في الاجتماع عند ذلك الحد إذ يضيف
قائلا: «سمعت السرياطي في الاجتماع يتحدث عن إسناد أموال لبعض الأطراف... وفي
الحقيقة لم أتبيّن من المقصود بتلك الأموال هل هم مواطنون أم أعوان أمن أم أعوان الأمن
الرئاسي أم أطراف أخرى... وعبّرت علنا في الاجتماع عن رفضي لهذه الطريقة في العمل
في سبيل حفظ الأمن، وهذا بشهادة كل من حضر ذلك الاجتماع».
·
...ويأمر ضباط الجيش
·
مباشرة بعد الخروج من الاجتماع، نبّه وزير الدفاع الضباط
العسكريين بضرورة عدم تلقي أية أوامر من السرياطي، وهو ما حصل فعلا... فقد كان
السرياطي يتصل بهم في تلك الأيام أكثر من مرّة، لكن كل أوامره كانت تُنقل إلى وزير
الدفاع ليقرّر في شأنها ما يراه بعد الاتصال برئيس الجمهورية لأخذ رأيه فيها، وهذا
هو المعمول به حسب القانون.
·
ويؤكد رضا ڤريرة أن عملية حفظ الأمن بصفة مشتركة بين قوات
الأمن والجيش الوطني انطلقت بصفة فعلية صباح الاثنين 10 جانفي، وبذل مسؤولو الأمن
وضباط الجيش مجهودات كبرى في هذا المجال وهي مجهودات متواصلة إلى اليوم.
·
رشيد عمّار... والتدخل الأجنبي
·
تواصل التنسيق الدقيق بين الأمن الوطني والجيش في حفظ الأمن
على امتداد تلك الأيام العصيبة... كانت الثورة الشعبية تتصاعد شيئا فشيئا في أغلب أنحاء
البلاد، وفي الأثناء، يقول «سي رضا» سَرت تلك الإشاعة «الثقيلة» في الـ«فايس بوك»
التي تقول إن الرئيس المخلوع أمر الجيش بإطلاق النار على المتظاهرين لكن الجنرال
عمار رفض ذلك وهو ما أدّى حسب الإشاعة المذكورة إلى عزله عن العمل وإيقافه ووضعه
تحت الإقامة الجبرية... وهناك من ذهب حد القول أنه أُعدم...
·
«كل ما قيل في هذا المجال لا أساس له من الصحة... حيث أن
الجنرال عمار كان انذاك يباشر عمله بشكل طبيعي وعادي.
·
ومن جهة أخرى برزت في تلك الأثناء (وحتى بعد 14 جانفي) رواية
تفيد بوجود اتصالات كبرى بين وزارة الدفاع الوطني ممثلة في الوزير وفي الجنرال
عمار من جهة وبين أطراف أجنبية للنظر في مسألة تولي الجيش الحكم في البلاد.
·
وفي هذا المجال يقول رضا ڤريرة «أقول للتاريخ إنه لم يحصل
بيننا وبين أي طرف أجنبي، سواء من الخارج أو عبر السفارات الأجنبية ببلادنا أي
اتصال أو حديث خلال تلك الفترة... ولا أدري إلى الآن من هو الطرف الذي يقف وراء
مثل هذه الإشاعات».
·
السرياطي يحذّر من فراغ «رئاسي»!
·
مرّت الأمور على ذلك النحو من الحفظ المشترك للأمن بين الجيش
والداخلية أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس (من 10 إلى 13 جانفي).. ومساء
الخميس وعندما كان الجميع ينتظرون الخطاب الأخير للرئيس المخلوع، اتصل علي السرياطي
هاتفيا بوزير الدفاع، ليطلب منه «تحرك الجيش بأكثر فاعلية لأننا قد لا نجد أي رئيس
للبلاد غدا في قصر قرطاج» (والكلام للسرياطي).
·
ويعترف محدثنا رضا ڤريرة أن كلام السرياطي شغله كثيرا وأثار
فيه عدة نقاط استغراب وتساؤلات... ولم يأخذ ـ على حد قوله ـ كلامه مأخذ الجد لأن
تدخل الجيش كان انذاك في المستوى حسب الإمكانات المتوفرة ولا يمكن أن نطلب منه أكثر
ولا يمكن أن نطلب منه «مزيد الفاعلية» لأن ذلك قد يعني إراقة الدماء، وهو ما لم يكن
في حسابات القوات العسكرية أبدا.
·
الأمن يسلّم السلاح للجيش...
·
في حدود الساعة الثامنة من ليلة 13 جانفي علم وزير الدفاع عن
طريق أحد الضباط العسكريين أن بعض أعوان الشرطة والحرس بصدد تسليم أسلحتهم للثكنات
العسكرية... ويقول السيد رضا ڤريرة في هذا المجال «استغربت الأمر ودعوته لعدم قبول
أي سلاح تفاديا لإمكانية الوقوع في مؤامرة قد يقع فيها اتهام الجيش من الغد بأنه
افتك السلاح من أعوان الأمن...
·
وأعلمت الوزير الأول الغنوشي بالأمر فدعاني إلى إعلام وزير
الداخلية أحمد فريعة وهو ما تم فعلا لكني لم أرتح لذلك.. ومن الغد في حدود السابعة
والنصف صباحا (من يوم 14 جانفي) اتصلت بالرئيس المخلوع وأعلمته
بمسألة تسليم السلاح وبتخوفي منها ومن إمكانية حصول مؤامرة فحاول تهدئتي وقال لي
لا تهوّل الأمور إن أعوان الأمن فعلا خائفون من إمكانية افتكاك سلاحهم من المواطنين
وأنه لا بد من حفظ ذلك السلاح حتى لا يُلقى به في الشارع ويحصل عليه المواطنون وتصبح
المسألة خطيرة...
·
وواصلنا قبول السلاح من أعوان الأمن في الثكنات».
·
ويعترف السيد رضا ڤريرة أن كلام بن علي انذاك لم يكن يوحي بأن
أمرا غير عادي يحدث صباح ذلك اليوم (14 جانفي) إلى حين حلول منتصف النهار...
·
هليكوبتر فوق قصر قرطاج!
·
في حدود منتصف نهار 14 جانفي، يقول وزير الدفاع السابق اتصل بي
بن علي هاتفيا وكان شبه مرتبك ليسألني عن سر طائرة الهليكوبتر التي ستأتي إلى قصر قرطاج
وتقتل من فيه بالقنابل!
·
ويقودها أعوان أمن ملثمين! استغربت من الأمر وأعلمت (وهذا
يعلمه هو جيدا بحكم معرفته العسكرية والأمنية) أن طائرات الهليكوبتر العسكرية في
تونس لا توجد إلا تحت تصرف الجيش، وأن الجهاز الأمني ليست له طائرات وحتى عندما
يطلب استعمال الطائرات العسكرية لبعض المهمات فإن ذلك لا يكون إلا بإذن كتابي من
وزير الدفاع، وهو ما لم يحصل في ذلك اليوم... وراجعت قيادة جيش الطيران للتثبت
واتضح أن ذلك غير صحيح، وأعدت الاتصال مجددا بـبن علي لأنفي له هذه الرواية
ولأسأله إن كان فقد الثقة في الجهاز العسكري... عندئذ أجابني بأن ثقته في الجيش لم
تتغيّر وقال لي بالحرف الواحد «شبيه السرياطي يخلوض مَالاَ» في إشارة إلى أن السرياطي
قد يكون هو من أعلمه بحكاية هذه الطائرة... وبعد ذلك بحوالي ربع ساعة اتصل بي
مجددا وطلب مني إرسال الجنرال عمّار إلى مقر وزارة الداخلية ليتولى هو مهمة
التنسيق الأمني بين الداخلية والدفاع في حفظ الأمن، وهو ما تم فعلا في ذلك اليوم
وهي المهمة التي يضطلع بها إلى اليوم».
·
هروب بن علي ومكالمة غريبة
·
عشية 14 جانفي، كانت المظاهرة الحاشدة والتاريخية التي شهدها
شارع بورقيبة بالعاصمة في أشد ذروتها خاصة أمام وزارة الداخلية... في تلك الأثناء،
وتنفيذا لأمر الرئيس المخلوع توجه الجنرال عمار إلى مقر الداخلية مرفوقا بضباط
عسكريين مسلحين لمباشرة مهمة التنسيق الأمني بين الجيش والشرطة والحرس في حفظ الأمن.
·
وبالتوازي مع ذلك، كانت تدور أشياء أخرى بقصر قرطاج، اعترف محدثنا
رضا ڤريرة بأنه يجهل تفاصيلها.. حيث لم يعاود الرئيس المخلوع الاتصال به مجددا...
·
وفي حدود الساعة الخامسة والنصف مساء اتصلت به قيادة جيش
الطيران لتعلمه أن بن علي غادر البلاد من المطار العسكري بالعوينة على متن الطائرة
الرئاسية منذ حوالي دقيقة...
·
إيقاف السرياطي
·
بعد ذلك مباشرة يقول السيد رضا ڤريرة اتصلت بضابط عسكري سام في
المطار وسألته عن علي السرياطي، فأعلمني انه موجود رفقة مدير التشريفات بالمطار فطلبت
منه ايقافه فورا وتجريده من سلاحه ومن هاتفه الجوال واخلاء سبيل مدير التشريفات
وهو ما تم فعلا.. كان قرارا صعبا حسب محدثنا لكنه كان على حد قوله في محله لأن
الأمر يتعلق بحماية تونس أولا وقبل كل شيء، بعد هروب رئيسها.
·
ويضيف وزير الدفاع السابق أنني بعد إيقاف علي السرياطي وبعد إقلاع
الطائرة بحوالي 5 دقائق فوجئت بمكالمة هاتفية على هاتفي الجوال.. كان رقم المتصل غريبا ومتكونا من عدة أرقام، رفعت السماعة فإذا
بالمخاطب الرئيس الهارب.. كان كلامه متقطعا وثقيلا على غير العادة.. كان شبيها بكلام
شخص سكران او تحت تأثير مخدّر او اي شيء آخر وكان لسانه يدور في فمه أكثر من مرة
قبل ان ينطق... قال لي في البداية «معاك الرئيس!! ثم أضاف «أنا في الطيارة» وبعد
ذلك انقطعت المكالمة وانقطع الخط تماما، ولم أعرف إلى حد الآن سرّ تلك المكالمة
وسرّ تلك الطريقة التي كلمني بها وسر انقطاع الخط».
·
بعد ذلك يضيف رضا ڤريرة «اتصلت بالوزير الأول محمد الغنوشي
لإعلامه بمغادرة الرئيس البلاد فقال لي انه على علم بذلك...ثم أعلمته بإيقاف السرياطي
فاستغرب الأمر ويسألني لماذا أوقفته، ثم اتفقنا على ان أشرح له الأمر في ما بعد
وليس بالهاتف وسألته عن مكان وجوده فأعلمني أنه أمام الباب الرئيسي لقصر قرطاج...»
·
فكيف ستتطور الأمور بعد ذلك في قصر قرطاج وفي وزارتي الدفاع
والداخلية؟ وفي المطار العسكري بالعوينة مباشرة بعد مغادرة طائرة الرئيس «الهارب»؟
وكيف تم الاتفاق على تولي السيد فؤاد المبزع الحكم عوضا عن الغنوشي؟
بعد
أن علم رضا قريرة وزير الدفاع الوطني (السابق) بأمر هروب الرئيس المخلوع وذلك في
حدود الخامسة والنصف من مساء 14 جانفي أذن مباشرة من مكتبه بالوزارة لأحد الضباط
السّامين الموجودين آنذاك في مطار العوينة بإيقاف علي السرياطي فورا (الموجود
بدوره في المطار)... ثم اتصل بالوزير الأول محمد الغنوشي ليعلمه بهروب بن علي
وبإيقاف السرياطي من ناحية وليسأله عن مكان وجوده، فأعلمه الغنوشي أنه أمام مدخل
قصر قرطاج.
وفي هذا الجزء الثاني من الحديث الذي أدلى به السيد رضا قريرة لـ «الشروق» نكتشف حقائق أخرى مثيرة عمّا حصل، مباشرة بعد هروب بن علي، في قصر قرطاج وأيضا بمقر وزارة الداخلية فضلا عن حادثة مأساوية أخرى كادت ستحصل بمطار العوينة عند محاولة أفراد من عائلة أصهار الرئيس المخلوع مغادرة البلاد بدورهم...
وتطرق محدّثنا بالمناسبة الى مسألة شغلت بال التونسيين كثيرا قبل وبعد 14 جانفي وهي المتعلقة بإمكانية تسلّم الجيش الحكم...كل هذا إضافة الى شهادات تاريخية أخرى قال محدثنا إنها موثقة بالتسجيلات الصوتية للمكالمات الهاتفية ومدعمة بشهادات مسؤولين وإطارات عليا بالدولة...
حسب ما أعلمه به ضباط جيش الطيران الموجودين بالمطار فإن رحلة الرئيس المخلوع وأفراد عائلته كانت مبرمجة على ـ حدّ قول محدثنا الى جربة(حسب مخطط الرحلة Plan de vol)... غير أن الطائرة الرئاسية إختفت من المجال الجوي التونسي ودخلت الى الأجواء الليبية وفي هذا الإطار يؤكد رضا ڤريرة أنه لا أساس من الصحة للرواية التي قالت إن طائرتين حربيتين رافقتا طائرة الرئيس الهارب الى مالطا ثم عادتا الى تونس.
تبادل اطلاق النار في المطار؟
عندما أمر محدثنا الضباط الموجودين بالمطار بإيقاف السرياطي وتجريده من هاتفه وسلاحه، أعلمه أحد الضبّاط أنه من المتوقع حصول اشتباك مسلح بين قوات الجيش من جهة وعناصر أمنية من جهة أخرى بسبب إيقاف أفراد من أصهار الرئيس المخلوع.
ويقول رضا ڤريرة في هذا المجال «بادرت بتحذير القوات العسكرية الموجودة هناك من تبادل استعمال الرصاص ودعوة الضباط الى ضبط النفس وهو ما تم فعلا، حيث شاهدنا في ما بعد عبر التلفزة كيف تم إيقاف هؤلاء الأفراد ونقلهم في هدوء الى احدى الثكنات العسكرية».
دعوة لقصر قرطاج
اتصل رضا ڤريرة ـ وفق ما ذكره ـ بالوزير الأول محمد الغنوشي عبر الهاتف في مكتبه بالوزارة الاولى، وذلك في حدود السادسة مساء فقيل له إنه غادر المكتب... عندئذ اتّصل به عبر هاتفه الجوّال ليعلمه (الغنوشي) أنه موجود أمام مدخل قصر قرطاج... ويضيف المتحدّث «سألته بشيء من العصبية ـ وقد كنت فعلا على أعصابي آنذاك في ظل تسارع الأحداث وغرابتها ـ ماذا تفعل هناك... لا تدخل القصر... الوضع خطير وغامض ولا يمكنني ان أقول لك ماذا سيحصل داخل القصر رغم اتخاذي اجراءات احتياطية... أنا أنصحك بمغادرة المكان حالا ولا تغامر بالدخول... غير أن الغنوشي أجابني بلهجة حادة وبشيء من الارتباك في الآن نفسه، سأدخل القصر مهما كانت التكاليف» وكان محمد الغنوشي قد اعترف في أحد تصريحاته الصحفية أنه تلقى دعوة في مرتين متتاليتين مساء ذلك اليوم من أحد أعوان الأمن الرئاسي للحضور حالا الى قصر قرطاج والا فإن أحداثا دموية ستحصل، وهي الدعوة نفسها التي تلقّاها السيد فؤاد المبزع (رئيس مجلس النواب آنذاك ورئيس الجمهورية المؤقت حاليا) وعبد الله القلال (رئيس مجلس المستشارين آنذاك) والجنرال رشيد عمار قائد أركان جيش البرّ.
وحسب رضا ڤريرة فإن، الغنوشي والمبزع والقلال لبّوا الدعوة وتوجهوا الى قصر قرطاج أما الجنرال عمّار فلم يتحوّل الى هناك.
ماذا كان سيحصل؟
قال السيد رضا ڤريرة إن دعوة رموز الدولة (الوزير الاول ورئيس مجلسي النواب والمستشارين وقائد أركان جيش البرّ) من قبل أعوان في الأمن الرئاسي أمر يدعو فعلا للاستغراب وهذا دون الحديث عما قيل عن الطريقة التي عومل بها الغنوشي والمبزّع والقلاّل هناك في قصر قرطاج خصوصا أنه لم يكن موجود هناك اي مسؤول مدني آخر..
فماذا كان ينتظر هذا الثالوث (إضافة الى الجنرال عمار) هناك في قصر قرطاج؟ وأي مخطط كان سينفّذ؟ وهل ساهمت عملية إيقاف السرياطي قبل ذلك بساعة في إحباط مخطط ما؟ أم أن أمرا آخر يتجاوز السرياطي وأعوانه كان سيحصل؟ هذه الأسئلة وغيرها رفض محدّثنا رضا ڤريرة الخوض فيها لأنها من مشمولات القضاء وأكيد ان التحقيقات الجارية ستكشف عنها.. غير انه عاد بناء الى اتصالاته بالوزير الاول الغنوشي ليقول «بعد أن أصرّ الغنوشي على الدخول الى قصر قرطاج رغم تحذيراتي، طلبت منه ان نبقى على اتصال بالهاتف على الاقل مرة كل بضعة دقائق... ورجوته عدم غلق هاتفه وأن يردّ على كل مكالماتي وإلا فإن المدرّعات العسكرية ستدخل القصر!... وبالفعل بقينا على اتصال متواصل بالهاتف الى حين تسجيل الكلمة التي ألقاها عبر التلفزة رفقة المبزع والقلال في حدود السابعة مساء والتي أعلن فيها توليه الحكم طبقا للفصل 56 من الدستور، اي على اساس ان الرئيس السابق غادر البلاد وقتيا وسيعود... وكان يردّ على مكالماتي بشيء من الارتباك أحيانا وبهدوء أحيانا أخرى... وبعد ذلك اتصلت به ليعلمني انهم غادروا قصر قرطاج بسلام بعد بثّ الكلمة عبر التلفزة والإذاعة..».
وجوابنا عن سؤال حول حقيقة ما قيل من أن الغنوشي ألقى تلك الكلمة تحت التهديد بالسلاح من طرف ما، أجاب رضا ڤريرة انه لا علم له بذلك..
اجتماع حتى فجر 15 جانفي
بعد مغادرة الغنوشي والمبزع والقلال قصر قرطاج ، تم الاتفاق على عقد اجتماع عاجل وطارئ بمقر وزارة الداخلية،يقول محدثنا وزير الدفاع السابق مضيفا: «أحضرت معي في ذلك الاجتماع الأعضاء الخمسة للمجلس الأعلى للجيوش... وحضر الاجتماع الوزير الأول محمد الغنوشي ووزير الداخلية احمد فريعة مرفوقا بالمسؤولين السامين في وزارته...
وقد تواصل ذلك الاجتماع الى حدود الثالثة من فجر 15 جانفي، استعرضنا فيه مطوّلا كل ما جدّ من تطوّرات، حسب ما عاينها كل من موقعه... بعد ذلك اتفقنا على أن يتم تفعيل الفصل 57 من الدستور، وقد تأكدنا آنذاك من أن مغادرة الرئيس المخلوع البلاد كانت نهائية.. وهو ما تم بالفعل في اليوم الموالي حيث تولى السيد فؤاد المبزّع الحكم..
الجيش والحكم..
سألت محدثي، وزير الدفاع السابق، ما مدى صحة كل ما قيل طوال الشهرين الماضيين، وحتى قبل 14 جانفي، عن مؤشرات لإمكانية تولي الجيش الحكم، فأجاب «سبق أن قلت إنه عندما توافد على الثكنات العسكرية عدد من أعوان الأمن لحفظ أسلحتهم من إمكانية اتلافها وضياعها أثناء احداث يومي 13 و14 جانفي، شعرت المؤسسة العسكرية آنذاك بحرج كبير، ولم نقبل في البداية بذلك الا بعد استشارة الرئيس السابق في الغرض.. توجسنا آنذاك صلب وزارة الدفاع من إمكانية تدبير مؤامرة لنا لاتهامنا فيما بعد بافتكاك السلاح من الأمن وما قد ينجرّ عنه من اتهامات لنا بالتحضير لانقلاب عسكري... خفنا من مجرّد اتهامات فما بالك بالتفكير أصلا في أمر كهذا.. فقد قلت بالحرف الواحد للرئيس المخلوع عندما اتصلت به هاتفيا صباح 14 جانفي، قلت له، كل جهاز يحتفظ بسلاحه (أي الأمن والجيش) ولا نريد أن نكون الطرف الوحيد في البلاد الذي بحوزته سلاح أثناء تلك الأحداث... والى حدود مساء 14 جانفي لم يتجاوز الجهاز العسكري حدود تحرّكه الترابي في المسلك الرئاسي بالضاحية الشمالية.. فقد كانت حدودنا الترابية هي ثكنة العوينة أما ما تجاوز ذلك (في اتجاه المسلك الرئاسي بقرطاج) فإنه كان من مشمولات الجهاز الأمني، ولم نتدخل في تلك المنطقة الا بعد 14 جانفي لغاية معاضدة المجهود الأمني في حفظ أمن المواطن وحماية الشخصيات والممتلكات العمومية وحتى ما وقع تداوله حول الجنرال عمّار من أنه تحوّل بنفسه لقصر قرطاج مساء 14 جانفي وأشرف على «طرد» بن علي لا أساس له من الصحة».
ويؤكد رضا ڤريرة أن كل هذا هو لإبراز مدى انضباط الجهاز العسكري في تونس و«نظافة» تفكيره والتزامه بضوابط النظام الجمهوري وهو ما تربّت عليه القوات العسكرية التونسية منذ الاستقلال والى اليوم... فالحكم في تونس لا يمكن ان يكون إلا للمدنيين وليس للعسكر ولا للسلاح مثلما قد نراه في دول أخرى حسب المتحدث، مستشهدا في هذا المجال بتحركات الجيش بدءا بدعوته للانتشار والمساهمة في حفظ الأمن يوم 6 جانفي ووصولا الى اليوم.. فضلا عن التعاون والتنسيق الكبيرين مع جهازي الداخلية (الشرطة والحرس) اللذين قدّما بدورهما تضحيات كبرى وعملا شاقا جبّارا أيام الثورة وبعدها والى حد هذه الأيام، وبرهنا على وطنيتهما العالية، ويحق لكل تونسي اليوم الاعتزاز بهذا التكامل والتجانس بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية والتي نوّهت بها شهادات دولية رغم محاولات البعض بث التشكيك والبلبلة بينهما والتي لم تنطل على أحد وفق ما أكده محدّثنا.. وحتى الرئيس المخلوع نفسه، فقد كانت له ثقة كبرى في اخلاص الجيش الوطني بدليل أنه أمر بتعيين الجنرال عمار عشية 14 جانفي منسقا أمنيا بين الداخلية والدفاع.
إقالة... وحقائق
في ختام حديثه معنا أشار رضا ڤريرة الى ملابسات مغادرته الحكومة المؤقتة الاولى عندما كان وزيرا للدفاع.. يقول «وقعت إقالتي ولم أطالب بالاستقالة تمنيت ـ رغم الضغوطات التي كنت أعيشها بعد 14 جانفي بوصفي أحد وزراء نظام بن علي ـ لو واصلت العمل على رأس هذه الوزارة حتى أواصل العمل الذي بدأته منذ مساء 14 جانفي وأتحمل بذلك المسؤولية في الكشف عن عدة حقائق وملابسات لا تزال تحيّرني وتحيّر كل التونسيين الى اليوم... حقائق حول القناصة وحول الانفلات الامني وحول ما كان مخططا من قبل بعض الأطراف بعد هروب بن علي.
ولكن تمت اقالتي ولم أتمكن الى اليوم من كشف هذه الحقائق... فقط مجرد تخمينات وفرضيات تراودني ككل التونسيين ولكن لا يمكن الجزم بصحّتها في انتظار ان تكشف العدالة عن كل الحقائق
وفي هذا الجزء الثاني من الحديث الذي أدلى به السيد رضا قريرة لـ «الشروق» نكتشف حقائق أخرى مثيرة عمّا حصل، مباشرة بعد هروب بن علي، في قصر قرطاج وأيضا بمقر وزارة الداخلية فضلا عن حادثة مأساوية أخرى كادت ستحصل بمطار العوينة عند محاولة أفراد من عائلة أصهار الرئيس المخلوع مغادرة البلاد بدورهم...
وتطرق محدّثنا بالمناسبة الى مسألة شغلت بال التونسيين كثيرا قبل وبعد 14 جانفي وهي المتعلقة بإمكانية تسلّم الجيش الحكم...كل هذا إضافة الى شهادات تاريخية أخرى قال محدثنا إنها موثقة بالتسجيلات الصوتية للمكالمات الهاتفية ومدعمة بشهادات مسؤولين وإطارات عليا بالدولة...
حسب ما أعلمه به ضباط جيش الطيران الموجودين بالمطار فإن رحلة الرئيس المخلوع وأفراد عائلته كانت مبرمجة على ـ حدّ قول محدثنا الى جربة(حسب مخطط الرحلة Plan de vol)... غير أن الطائرة الرئاسية إختفت من المجال الجوي التونسي ودخلت الى الأجواء الليبية وفي هذا الإطار يؤكد رضا ڤريرة أنه لا أساس من الصحة للرواية التي قالت إن طائرتين حربيتين رافقتا طائرة الرئيس الهارب الى مالطا ثم عادتا الى تونس.
تبادل اطلاق النار في المطار؟
عندما أمر محدثنا الضباط الموجودين بالمطار بإيقاف السرياطي وتجريده من هاتفه وسلاحه، أعلمه أحد الضبّاط أنه من المتوقع حصول اشتباك مسلح بين قوات الجيش من جهة وعناصر أمنية من جهة أخرى بسبب إيقاف أفراد من أصهار الرئيس المخلوع.
ويقول رضا ڤريرة في هذا المجال «بادرت بتحذير القوات العسكرية الموجودة هناك من تبادل استعمال الرصاص ودعوة الضباط الى ضبط النفس وهو ما تم فعلا، حيث شاهدنا في ما بعد عبر التلفزة كيف تم إيقاف هؤلاء الأفراد ونقلهم في هدوء الى احدى الثكنات العسكرية».
دعوة لقصر قرطاج
اتصل رضا ڤريرة ـ وفق ما ذكره ـ بالوزير الأول محمد الغنوشي عبر الهاتف في مكتبه بالوزارة الاولى، وذلك في حدود السادسة مساء فقيل له إنه غادر المكتب... عندئذ اتّصل به عبر هاتفه الجوّال ليعلمه (الغنوشي) أنه موجود أمام مدخل قصر قرطاج... ويضيف المتحدّث «سألته بشيء من العصبية ـ وقد كنت فعلا على أعصابي آنذاك في ظل تسارع الأحداث وغرابتها ـ ماذا تفعل هناك... لا تدخل القصر... الوضع خطير وغامض ولا يمكنني ان أقول لك ماذا سيحصل داخل القصر رغم اتخاذي اجراءات احتياطية... أنا أنصحك بمغادرة المكان حالا ولا تغامر بالدخول... غير أن الغنوشي أجابني بلهجة حادة وبشيء من الارتباك في الآن نفسه، سأدخل القصر مهما كانت التكاليف» وكان محمد الغنوشي قد اعترف في أحد تصريحاته الصحفية أنه تلقى دعوة في مرتين متتاليتين مساء ذلك اليوم من أحد أعوان الأمن الرئاسي للحضور حالا الى قصر قرطاج والا فإن أحداثا دموية ستحصل، وهي الدعوة نفسها التي تلقّاها السيد فؤاد المبزع (رئيس مجلس النواب آنذاك ورئيس الجمهورية المؤقت حاليا) وعبد الله القلال (رئيس مجلس المستشارين آنذاك) والجنرال رشيد عمار قائد أركان جيش البرّ.
وحسب رضا ڤريرة فإن، الغنوشي والمبزع والقلال لبّوا الدعوة وتوجهوا الى قصر قرطاج أما الجنرال عمّار فلم يتحوّل الى هناك.
ماذا كان سيحصل؟
قال السيد رضا ڤريرة إن دعوة رموز الدولة (الوزير الاول ورئيس مجلسي النواب والمستشارين وقائد أركان جيش البرّ) من قبل أعوان في الأمن الرئاسي أمر يدعو فعلا للاستغراب وهذا دون الحديث عما قيل عن الطريقة التي عومل بها الغنوشي والمبزّع والقلاّل هناك في قصر قرطاج خصوصا أنه لم يكن موجود هناك اي مسؤول مدني آخر..
فماذا كان ينتظر هذا الثالوث (إضافة الى الجنرال عمار) هناك في قصر قرطاج؟ وأي مخطط كان سينفّذ؟ وهل ساهمت عملية إيقاف السرياطي قبل ذلك بساعة في إحباط مخطط ما؟ أم أن أمرا آخر يتجاوز السرياطي وأعوانه كان سيحصل؟ هذه الأسئلة وغيرها رفض محدّثنا رضا ڤريرة الخوض فيها لأنها من مشمولات القضاء وأكيد ان التحقيقات الجارية ستكشف عنها.. غير انه عاد بناء الى اتصالاته بالوزير الاول الغنوشي ليقول «بعد أن أصرّ الغنوشي على الدخول الى قصر قرطاج رغم تحذيراتي، طلبت منه ان نبقى على اتصال بالهاتف على الاقل مرة كل بضعة دقائق... ورجوته عدم غلق هاتفه وأن يردّ على كل مكالماتي وإلا فإن المدرّعات العسكرية ستدخل القصر!... وبالفعل بقينا على اتصال متواصل بالهاتف الى حين تسجيل الكلمة التي ألقاها عبر التلفزة رفقة المبزع والقلال في حدود السابعة مساء والتي أعلن فيها توليه الحكم طبقا للفصل 56 من الدستور، اي على اساس ان الرئيس السابق غادر البلاد وقتيا وسيعود... وكان يردّ على مكالماتي بشيء من الارتباك أحيانا وبهدوء أحيانا أخرى... وبعد ذلك اتصلت به ليعلمني انهم غادروا قصر قرطاج بسلام بعد بثّ الكلمة عبر التلفزة والإذاعة..».
وجوابنا عن سؤال حول حقيقة ما قيل من أن الغنوشي ألقى تلك الكلمة تحت التهديد بالسلاح من طرف ما، أجاب رضا ڤريرة انه لا علم له بذلك..
اجتماع حتى فجر 15 جانفي
بعد مغادرة الغنوشي والمبزع والقلال قصر قرطاج ، تم الاتفاق على عقد اجتماع عاجل وطارئ بمقر وزارة الداخلية،يقول محدثنا وزير الدفاع السابق مضيفا: «أحضرت معي في ذلك الاجتماع الأعضاء الخمسة للمجلس الأعلى للجيوش... وحضر الاجتماع الوزير الأول محمد الغنوشي ووزير الداخلية احمد فريعة مرفوقا بالمسؤولين السامين في وزارته...
وقد تواصل ذلك الاجتماع الى حدود الثالثة من فجر 15 جانفي، استعرضنا فيه مطوّلا كل ما جدّ من تطوّرات، حسب ما عاينها كل من موقعه... بعد ذلك اتفقنا على أن يتم تفعيل الفصل 57 من الدستور، وقد تأكدنا آنذاك من أن مغادرة الرئيس المخلوع البلاد كانت نهائية.. وهو ما تم بالفعل في اليوم الموالي حيث تولى السيد فؤاد المبزّع الحكم..
الجيش والحكم..
سألت محدثي، وزير الدفاع السابق، ما مدى صحة كل ما قيل طوال الشهرين الماضيين، وحتى قبل 14 جانفي، عن مؤشرات لإمكانية تولي الجيش الحكم، فأجاب «سبق أن قلت إنه عندما توافد على الثكنات العسكرية عدد من أعوان الأمن لحفظ أسلحتهم من إمكانية اتلافها وضياعها أثناء احداث يومي 13 و14 جانفي، شعرت المؤسسة العسكرية آنذاك بحرج كبير، ولم نقبل في البداية بذلك الا بعد استشارة الرئيس السابق في الغرض.. توجسنا آنذاك صلب وزارة الدفاع من إمكانية تدبير مؤامرة لنا لاتهامنا فيما بعد بافتكاك السلاح من الأمن وما قد ينجرّ عنه من اتهامات لنا بالتحضير لانقلاب عسكري... خفنا من مجرّد اتهامات فما بالك بالتفكير أصلا في أمر كهذا.. فقد قلت بالحرف الواحد للرئيس المخلوع عندما اتصلت به هاتفيا صباح 14 جانفي، قلت له، كل جهاز يحتفظ بسلاحه (أي الأمن والجيش) ولا نريد أن نكون الطرف الوحيد في البلاد الذي بحوزته سلاح أثناء تلك الأحداث... والى حدود مساء 14 جانفي لم يتجاوز الجهاز العسكري حدود تحرّكه الترابي في المسلك الرئاسي بالضاحية الشمالية.. فقد كانت حدودنا الترابية هي ثكنة العوينة أما ما تجاوز ذلك (في اتجاه المسلك الرئاسي بقرطاج) فإنه كان من مشمولات الجهاز الأمني، ولم نتدخل في تلك المنطقة الا بعد 14 جانفي لغاية معاضدة المجهود الأمني في حفظ أمن المواطن وحماية الشخصيات والممتلكات العمومية وحتى ما وقع تداوله حول الجنرال عمّار من أنه تحوّل بنفسه لقصر قرطاج مساء 14 جانفي وأشرف على «طرد» بن علي لا أساس له من الصحة».
ويؤكد رضا ڤريرة أن كل هذا هو لإبراز مدى انضباط الجهاز العسكري في تونس و«نظافة» تفكيره والتزامه بضوابط النظام الجمهوري وهو ما تربّت عليه القوات العسكرية التونسية منذ الاستقلال والى اليوم... فالحكم في تونس لا يمكن ان يكون إلا للمدنيين وليس للعسكر ولا للسلاح مثلما قد نراه في دول أخرى حسب المتحدث، مستشهدا في هذا المجال بتحركات الجيش بدءا بدعوته للانتشار والمساهمة في حفظ الأمن يوم 6 جانفي ووصولا الى اليوم.. فضلا عن التعاون والتنسيق الكبيرين مع جهازي الداخلية (الشرطة والحرس) اللذين قدّما بدورهما تضحيات كبرى وعملا شاقا جبّارا أيام الثورة وبعدها والى حد هذه الأيام، وبرهنا على وطنيتهما العالية، ويحق لكل تونسي اليوم الاعتزاز بهذا التكامل والتجانس بين المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية والتي نوّهت بها شهادات دولية رغم محاولات البعض بث التشكيك والبلبلة بينهما والتي لم تنطل على أحد وفق ما أكده محدّثنا.. وحتى الرئيس المخلوع نفسه، فقد كانت له ثقة كبرى في اخلاص الجيش الوطني بدليل أنه أمر بتعيين الجنرال عمار عشية 14 جانفي منسقا أمنيا بين الداخلية والدفاع.
إقالة... وحقائق
في ختام حديثه معنا أشار رضا ڤريرة الى ملابسات مغادرته الحكومة المؤقتة الاولى عندما كان وزيرا للدفاع.. يقول «وقعت إقالتي ولم أطالب بالاستقالة تمنيت ـ رغم الضغوطات التي كنت أعيشها بعد 14 جانفي بوصفي أحد وزراء نظام بن علي ـ لو واصلت العمل على رأس هذه الوزارة حتى أواصل العمل الذي بدأته منذ مساء 14 جانفي وأتحمل بذلك المسؤولية في الكشف عن عدة حقائق وملابسات لا تزال تحيّرني وتحيّر كل التونسيين الى اليوم... حقائق حول القناصة وحول الانفلات الامني وحول ما كان مخططا من قبل بعض الأطراف بعد هروب بن علي.
ولكن تمت اقالتي ولم أتمكن الى اليوم من كشف هذه الحقائق... فقط مجرد تخمينات وفرضيات تراودني ككل التونسيين ولكن لا يمكن الجزم بصحّتها في انتظار ان تكشف العدالة عن كل الحقائق
·
التقاه الصحفي بجريدة الشروق فاضل الطياشي قبل إيقافه
على ذمة التحقيقات

Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire