mardi 3 décembre 2013

إهدار السّيادة الوطنيّة في زمن "الثورات" العربية




حين انتفضت االشعوب في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا... كانت تبحث عن تقييد سيادة رؤساء يردّدون ما ردّده ملوك أروبا في القرون الوسطى "نحن الدولة" "نحن السيادة" حلمت الشعوب بمستقبل هو ماضي أروبا الأنوار التي طرح لها فلاسفتها ولعلّ أهمّهم "جون جاك روسو" تصوّرا للسيادة الشعبية ممثّلة في فكرة الإرادة العامة بديلا عن الإرادة المطلقة للملك...ولم يكن ليتسنى لهم ذلك مالم يكنسوا المستبدين ليستعيضوا بهم عمّن يحترم إرادتهم ومن يلتزم بسيادتهم
لم تكن الشعوب العربية المنتفضة تبحث عن استبدال سيادة المستبدّ المحلي بسيادة قوى خارجية توجّه نهر الثّورة نحوى مجاري الخضوع للقوى الأجنبية بل كانت تبحث عن استبدال سيادة المستبد المحلي بسيادة الشعب الثائر


لكن أيّ معنى لسيادة الأقاليم المنتفضة في ظلّ النّظام العالمي الجديد ذي القطب الأمريكي الأقوى والعلاقات الدولية المتشعّبة والشركات متعدّدة الجنسيات ذات السطوة الاقتصادية التي لا تردّ؟
اُستُبِقت هذي الثورات باختراقها بالمال والاستخبارات وعسكريا أحيانا...واستمرّ الاختراق حتى في تلك الدّول التي حسبت واهمة أنّها بلغت ضفّة النّجاة لمّا  أُنجزت فيها انتخابات شابها ما شابها من شبهات التدخّل الخارجي بالمال الفاسد والضغط السياسي...
   ولم ينقطع التدخّل بل يبدو وقد احتدّ واشتدّ لتتحوّل الأقاليم المنتفضة ميدانا لصراعات سياسية ومخابراتية وعسكريّة للقوى الدولية والإقليمية
ويبدو أنّ بعض القوى العظمى تخوض صراعها هذا عبر الوكالة أحيانا, وكالة دول تابعة لها في المنطقة أو وكالة جماعات محلية حزبية أو شبه عسكرية أو عسكرية أحيانا...


ولعلّ ضعف السلطات القائمة التي خلخلتها الانتفاضات الشعبية وأنهكتها غير أنّها مازالت متمسكة بوجودها محاولة فرض بقائها بقوّة الحديد والنار وتحالفاتها الدولية والإقليمية(النموذج السوري) وضعف السلطات النّاشئة من رحم ديمقراطية صورية زيّفها التدخّل الخارجي والمال السياسي الفاسد وعدم تأصّل ثقافة الحوار والتّداول السلمي والصراعات الأيديولوجية والدينية والقبليّة العشائرية - ربّما – أو من رحم انقلابات يعتبرها البعض تصحيحية ويعتبرها آخرون ردّة استبدادية (النّموذج التونسي والمصري خاصة والنّموذج الليبي )
أقول لعلّ هذا الضعف ضيّع ما بقي من سيادة وطنية لهذه الأقاليم ولنا مؤشّرات كثيرة على ذلك بالإمكان أن نذكر منها في حديثنا عن الحالتين اللتين نُعنى بهما في هذا المقال(الحالة التونسية والحالة المصرية)
حيث أصغينا إلى رجب طيب أردوغان يعلن عن عدم احترامه للقائمين بالانقلاب في مصر ثم أبصرنا صوره تتناقلها وسائل الإعلام وهو يلوّح بعلامة رابعة ردّا على طرد مصر للسفير التركي بعد تصريحاته وهذه الصورة وهذه التصريحات يمكن أن نعتبرها الشجرة التي تحجب الغابة غابة التدخّل المادي والفعلي في الشّأن المصري قبل ما وُسم بالانقلاب ( أي منذ الانتخابات وربّما في فترة سابقة لها) كما بعد "الانقلاب"...


وأبصرنا في تونس في الفترة الأخيرة لقاءات بين الفرقاء السياسيين ممثلين أساسا في شخصي راشد الغنوشي عن حركة النهضة والباجي قايد السبسي عن نداء تونس في فرنسا حينا وفي الجزائر أحايين مما أشعر الملاحظين أنّ الأزمة السياسية التي ترزح تحتها البلاد لن تهتديَ إلى الحل في الداخل بل إنّ المصير الوطني محكوم أساسا بإرادات خارجية...
ولسنا نرتجي -طبعا- حصر التدخل الخارجي في الإرادات التركية أو الجزائرية أو الفرنسية بل إننا نعرض ذلك على سبيل التمثيل لا التحديد وللباحث أن يجد غير ما عرضنا أمثلة ومؤشرات لتدخل القوى العظمى ومن ورائها دول خليجية وغير خليجية عديدة...
المهم أنّ هذا يشي بأنّ السلطات الناشئة كما الأحزاب التي تعارضها في دول الربيع العربي لا تبدو محافظة على السيادة الوطنية إمّا لأسباب موضوعية تتمثل في وهن وضعف أركان هذه الدول سياسيا واقتصاديا وعسكريا...لمواجهة إكراهات الخارج وصراع المصالح الأجنبية الذي يتهددها بمزيد الفوضى والفشل مما يجعلها ترتضي مختارة أو ملزمة بالتنازل عن مقدار من السيادة
أو لأسباب ذاتية تتمثل في الصراعات المحلية الحزبية التي تعلي المصلحة السياسية الخاصة ولا ترى ضيرا في الاحتماء بالقوى الخارجية والتحالف معها والاستقواء بها ليمنّي الحزب نفسه بانتصار موعود وإن كان ثمنه إهدار السيادة الوطنية...


وأيّا يكن الأمر فإنّ هذه السلطات الناشئة وبعض الأحزاب التي تعارضها أيضا كان الأجدر بها أن تستفيد من التاريخ القريب الذي يجود علينا بمثال ساطع ,قاطع عن أهمية الالتحام بشعوبها والمراهنة عليها قبل المراهنة على قوى الخارج والمثال الذي نشير إليه هو الانقلاب على "تشافيز" رئيس فنزويلا السابق الذي قاده بعض الضباط الذين سلموا الحكم لرجل الأعمال المناهض له "كارمونا" الذي استند إلى الدعم والمباركة الأمريكية فاجتمع بالسفير الأمريكي غداة حصوله على مقاليد السلطة غير أنّ أنصار تشافيز  واصلوا الضغط السلمي فاستطاعوا إعادته بعد ثلاثة أيام فقط ليفرّ "كارمونا" خارج البلاد...


فمتى تعي أحزابنا أنّ احترام إرادة الشعب وخدمة  تطلّعاته والوفاء لأحلامه وحدها تمكّن من توطيد أركان الدولة ومن حمايتها من السقوط المدوّي ومن صون السيادة الوطنية

أمّا الرّهان على قوى الخارج والاتّكال عليها فلن يجعل منها غير ورقة في يد اللّاعبين الدوليين, وكلّ أوراق اللعب منذورة للاحتراق متى أدّت وظيفتها في خدمة مشروع اللاّعب الذي يستخدمها وستقضي محكمة التاريخ العادلة باتهامه بإهدار السيادة الوطنية...          

فتحي البوزيدي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire