إن تطبيق
قاعدة الشخص المناسب في المكان المناسب وفي الوقت المناسب لا تشمل فقط
المناصب العليا القيادية في الدولة والهيئات والمنظمات بل أنها تتوافق مع كل
مستويات الوظائف الموجودة ، فإن تنظيم هيكل الوظائف يعتمد على وجود مواصفات فنية
أو مهارية أو علمية لكل مستوى من هذه الوظائف تعتمد بالأساس على نوع المورد البشري
المؤهل لشغل المسؤولية في كل واحدة من هذه الوظائف.
وحيث إن
مناسبة الشخص لوظيفة معينة تنطبق على كل مستويات العمل وعلى مختلف أنواع الأشخاص ،
فتبدأ من أعلى المناصب في الدولة ولغاية أقل الأعمال شأناً في المجتمعات ، فليس من
المعقول أن يتقلد الجاهل مقاليد الأمور والحكم ليتحكم بمصائر العباد بلا أدنى خبرة
بكيفية تسيير أمورهم وتمشية إقتصايات الدولة ، وليس من المعقول أيضاً أن يوضع
العالم في وظيفة حقيرة لا تليق بعلمه وحكمته ورجاحة عقله.
مقدمة صالحة
لموضوع التعيينات المسقطة على رأس مؤسساتنا الوطنية والتي فشلت الحكومة الحالية في
غالبيتها لاعتماد المحاباة والمحسوبية والولاءات والمحاصصة والقبلية والجهوية مما
اثر سلبا على مردوديتها ونجاعتها وعطل سير عملها العادي ولنا أمثلة كثيرة لا يسمح
المجال بتعدادها .
وحيث تأكد لنا
اتجاه وزارة الصناعة إلى تعيين رئيس مدير عام جديد لشركة "ستاغ"
للطاقات المتجددة وهي مؤسسة متفرعة عن الشركة التونسية للكهرباء والغاز تأسست أواسط
سنة 2010 (تملك فيها نسبة 35% من الأسهم وبقية الأسهم موزعة بين عدد من المساهمين
من صمنهم الصناعيين (24%) ومكاتب الدراسات(25%) ولمجموعة من المصارف
الوطنية)
وحيث تاهت
الجماعة في البحث عن العصفور النادر والرجل المناسب الذي بإمكانه الانطلاق بالشركة
وتطويرها.
والحال أن كل
المؤشرات الأولية كانت تؤكد على أن من ضمن المترشحين للخطة الموعودة مهندس من كبار
المختصين في ميدان الطاقات المتجددة المشهود لهم بالكفاءة عالميا وهو أصيل سيدي
بوزيد وبالضبط منطقة أولاد حفوز المناضلة .
والمفاجأة
جاءت معاكسة لكل التوقعات إذ وصلتنا تسريبات شبه مؤكدة عن نية الحكومة تعيين المرشح
الرابع للخطة المهندس حبيب النصري في الخطة اعتمادا على ولائه السياسي وانتسابه
لحركة النهضة دون سواه ...
ورغم ضعف
السيرة الذاتية لصاحب الحظ السعيد وفقدانه للتجربة الدنيا المطلوبة خصوصا وانه
يشغل قبل تعيينه خطة لا تتناسب مع الأدنى المطلوب إضافة إلى انه لم يسبق له خلال
تاريخه المهني أن اشرف على دراسة أو انجاز أي مشروع طاقي ولكن انتمائه إلى الحزب
الحاكم الحالي شفع له وصعده لنيل منصب بعيد كل البعد عن مؤهلاته وخبرته وتكوينه...
وذنب المهندس منصف
الهرابي المترشح الطبيعي الأوفر حظا على الورق وعلى الميدان المدير الحالي لمشاريع الطاقة المتجددة والنجاعة الطاقية بالشركة التونسية
للكهرباء والغاز والمدير السابق للإنتاج والمدير السابق المحطة الكهربائية
برادس(كبرى محاطتنا بطاقة إنتاج 700 ميقاوات ) والمشرف الأول السابق على تشييد
وتجهيز غالبية المحطات الكهربائية بجميع أنواعها.... انه من النوع التكنوكراط
الغير مسيس والغير متحزب .... إضافة إلى انه أصيل منطقة لازالت مهمشة ومغبونة حتى
بعد الثورة... فهل انحرفت الحكومة بمسار الإدارة لتجعلها حبيسة جلباب النهضة....
وهل وصلت شراهة ونهم حركة النهضة إلى حد التفكير في تسييس الإدارة واعتماد مبدأ
التحزب والانتماء السياسي والولاء قبل الكفاءة والخبرة المطلوبتين لإنجاح المسار
الانتقالي الديموقراطي ولضمان التنمية الشاملة.... انحراف خطير يؤسس لدولة فساد
جديدة تعتمد الموالاة والمحاباة والمحسوبية أولا وأخيرا...
فبمجرد اطلاعي على اسم لمهندس
منصف الهرابي متصدرا لقائمة المترشحين الأربع تأكدت مثل غيري بأنه الرجل المنشود وبان
التعيين في الخطة لن يتجاوزه بحكم معرفة لطينة ومعدن الرجل إضافة إلى سيرته
الذاتية النادرة في ميدانه والسمعة الطيبة التي يحملها عنه كافة زملائه ....
أتذكر جيدا انه هو من اشرف
عمليا وميدانيا على انجاز كبرى محطاتنا الكهربائية برادس بطاقة 700 ميقاوات وهو
الذي اشرف عليها لسنوات عدة في ظروف استثنائية.
وأتذكر جيدا الانجاز الذي حققه
الرجل بطريقة غير مسبوقة حين نجح صائفة 2002 في إعادة الكهرباء إلى كامل تراب
الجمهورية في ظرف جد قياسي (3 ساعات) بعد "البلاك اوت"
الشهير زمنها(أثناء كاس العالم 2002).
وأتذكر جيدا انه زمن الثورة
والانفلاتات والإضرابات والاعتصامات نجح في مد كامل أطراف البلاد بالطاقة الكهربائية
دون تسجيل أي قطع يذكر حين كان يشرف على إدارة الإنتاج.
وأتذكر أن تقارير لجان الاختبار
والمراقبة والتفقد بعد الثورة أثبتت نزاهة الرجل ومكنته من صك براءة التصرف
ونظافة اليد زمن تورط غالبية المسؤولين في منظومة الفساد النوفمبرية......
فالرجل يعتبر قبل وبعد الثورة المختص
رقم واحد وطنيا في ميدان الطاقة الكهربائية إنتاجا وتوزيعا ونقلا ودراسة وبرمجة
وصيانة إضافة إلى انه مختص أيضا في الطاقات المتجددة بجميع فروعها وتخصصاتها (الطاقة
الهوائية والشمسية و...)..
والرجل يشغل إلى حد الساعة
رئاسة اللجنة العربية للطاقات المتجددة صلب الاتحاد العربي للكهرباء ورئيس اللجنة
المغربية للطاقات المتجددة ونائب رئيس المرصد المتوسطي للكهرباء وعضو مجلس إدارة
القطب التكنولوجي ببرج السدرية وغيرها من الخطط والمهام التي تؤكد معدن الرجل وسعة
معارفه على المستوى الدولي والإقليمي والوطني.
لكن ربما ذنب الرجل انه من
النوع الذي يعمل بجدية وحزم وفي صمت بعيدا عن الضوضاء ووسائل الإعلام ... وبعيدا
عن عالم التحزب والسياسة....
وربما انتمائه إلى جهة سيدي
بوزيد المهمشة قبل الثورة أبعده عن دائرة الخطط العليا ليبقى حبيس الخطط الوسطى
فهل حان الوقت بعد الثورة للألتفات إلى أبناء هذه الجهة التي عاشت الحرمان والمقت
والغبن ولم تأخذ نصيبها لا في
التنمية ولا في التعيينات رغم
كفاءة أبنائها.
ورغم حالة الاحتقان والتململ التي
سادت الجهة منذ اسابيع نتيجة غياب التوزيع العادل للفرص في الخطط الوظيفية العليا
ولتغييب التنمية الشاملة وانحصارها في خلق مواطن شغل وقتية لا تتعدى عملة الحضائر
.... فهل كتب الشقاء لابناء مهد الثورة والنضال ابد الدهر ....
تحرك الاهالي ومختلف مكونات
المجتمع المدني تواصل خلال الاسبوع الفارط ونجحوا في مقابلة والي الجهة وابلاغه
صوتهم بخصوص ضرورة انصاف احد ابنائهم البررة .... الوالي وعد بالتدخل وبدعم
مقترحهم ... لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن وتتمسك سلطة الاشراف بالتعيين
اعتمادا على الولاء السياسي والانتماء الحزبي دون سواهما وكان البلاد كعكعة حلوى
يمنع اقتسامها على غير منتسبي الحزب الحاكم .... اسطوانة مشروخة مللها الشعب وثار
من اجلها وخلع بن علي وقد يعيد الكرة ثانية وثالثة ورابعة.... فشعب تونس لا يقبل
بعد 14 جانفي 2011 ديكتاتورية جديدة أو إمارة جديدة أو خلافة جديدة...
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire