vendredi 3 mars 2017

‬يوسف‭... ‬شَّاهدُ‭... ‬وأعْمَى : اتحاد‭ ‬الشّغل‭ ‬يُزلزل‭ ‬حكومة‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬النّقد‭ ‬الدّولي‮»‬





 كيف يمكن أن نُشرّح الأزمة السياسية والاجتماعية الطارئة، بين الاتحاد العام التونسي للشغل وبين حكومة يوسف الشاهد ؟
 العارفون بالمشهد السياسي تنبؤوا مسبقا بفشل الحكومة في مواجهة أزماتها لأسباب موضوعية ثابتة... أولها ضعفها وافتقادها للكفاءات... إنها حكومة محاصصة حزبية، تقاسمت فيها الأحزاب السياسية السلطة على قاعدة الغنيمة الانتخابية، وهي لا تحمل أي مشروع إصلاحي وطني .

بيان الاتحاد... وصدمة الحكومة
جاءت الندوة الصحفية التي عقدها "سامي الطاهري" الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل يوم الأحد 26 فيفري 2017، وإعلانه لبيان الاتحاد، كمثل صدمة أصابت الحكومة في مقتل، فانهارت كذبتها وتعرّت تماما... كان موقف الاتحاد تحولا مأسويا في مصير الحكومة ذاتها، فقد أعلن الاتحاد لعموم التونسيين أن حكومة الوحدة الوطنية قد انفرط عقدُها، وأنها قد فشلت في الالتزام بوثيقة قرطاج، ولم تعد حكومة وحدة وطنية، وبالتالي فإنها قد أعلنت وفاتها سياسيا.
وحكومة الشاهد كانت في الحقيقة تتخبط منذ بداياتها، بين تبعيتها المطلقة لدوائر قصر قرطاج، وضعفها في تصريف صلاحياتها، إزاء جموح متعال من الرئيس الباجي وحاشيته، في تثبيت سيطرته الفردانية على القرار الحكومي... فأدى ذلك إلى رسم صورة لرئيس حكومة وسيم غير انه ضعيف، هو يشبه رجل إدارة او موظفا ساميا في شركة... انه المطيع الخاضع التابع للسيد القائم في القصر.
لكن من هو الحاكم الفعلي المؤثر في قصر يرأسه شيخ مسنّ ؟ هل هو الباجي حقا أم هي حاشيته ؟


النداء المنكسر والنهضة المتهاوية
من جهة أخرى فان تَشظَّي حزب نداء تونس قد انعكس سلبا على المشهد السياسي، أصبح النداء هزيلا، وتراجع تأثيره البرلماني والتشريعي وتهاوت شعبيته السياسية... ثم انهار كليا، خاصة بعد أن احتكر ابن الرئيس ما تبقى من القلعة المهدّمة للحزب... فابن الرئيس حافظ السبسي يتدخل في كل القرارات والتعيينات والإقالات ويتدخل في سياسة الحكومة باسم ابيه... انه وزير أول في حكومة ظل، بيد انه يخبط خبط عشواء... انه سكران بنشوة سلطة، انفلقت له في ليلة قدر.
في المقابل فان حركة النهضة قد حافظت على ثبات كتلتها رغم تراجع شعبيتها، لكنها بقيت قوة برلمانية محددة للقرار السياسي ولمصير الحكومة...وكلما استمسكت النهضة بحكومة الشاهد، كلما ازدادت تراجعا لأنها سوف تتحمل قسطا هاما من المسؤولية السياسية والأخلاقية في إفلاس الدولة وفشل الإصلاحات ومصادرة الثورة.
كيف يتعاطى يوسف الشاهد مع هذه الأزمة ؟


الشاهد... وعَمَاء الواقع 

انه رجل بلا تجربة سياسية، وهو غير مطلع على التاريخ المعاصر للدولة التونسية... انه بالكاد، يعرف تاريخية اتحاد الشغل وأزمات تونس الحديثة ومراكمات الفكر السياسي... فالرجل لا يعدو أن يكون مزارعا يمارس الزراعة نظريا، أي دارسا مختصا في التسويق الفلاحي... إلا انه يحمل وسامة "البَلْديّة"، ويتحدث بلكنة الطبقة البورجوازية المحلية... لكنه خواء في الفكر وفي الايديولوجيا السياسية التي طالما ألهبت في الناس قضايا الوطن.
كان الرجل حريصا عل أناقة هيئته، ومشيته، وجلسته... كمثل حرصه في المحافظة على رأسه المنتصب إلى أعلى كتمثال حجريّ، في استعلاء زائف، خاصة في اللقاءات والحوارات السياسية... وقد ظن متوهما أن السياسة انتفاخ جسد في المظهر، ولكنها أعمق من تلك الجزئيات... كان أثناء زيارته لألمانيا، يمشي منتصب القامة بمحاذاة "ميركل"... المستشارة الالمانية... امرأة بلا جمال، قصيرة القامة، مترهلة الجسد، بسيطة... لكنها امتلأت بقوة ألمانيا التاريخ والفلسفة والصناعة والحروب... لم يفهم الشاهد الدرس من زيارته لألمانيا، وإنما سوّق في الإعلام انه كان بطلا في مواجهة المطالب الألمانية بخصوص الهجرة غير الشرعية... كان قزما في ألمانيا، لكنه حين عاد إلى تونس اسْتَأْسَد زُورا.
في الحقيقة، لم يُؤْتَ بالشاهد إلى السلطة لأنه صاحب مشروع إصلاحي أو ثوري... وإنما جيء به لكي يكون صورة جميلة، ذات عيون زرقاء، وبشرة بيضاء، وابتسامة صفراء، تغطي عفن السياسة، وتضمن مصالح اللوبيات.


حوار الشاهد في الحوار التونسي...خيبة الإعلام

طلع علينا الشاهد ذات مساء في قناة خاصة... مُستهترا بالإعلام العمومي الذي ما عاد يعنيه... وقد رتب حضوره في بث غير مباشر... سيّء الإخراج... فأثارت صورة وزراء الدولة تعليقات ساخرة... إنهم يجلسون مصطفّين، مثل جمهور بائس، يتابع في ملل صنيعة السيد رئيس الحكومة قائد الفرسان، ذاك الذي ما خاض حربا في حياته... ذلك الفارس الهمام الذي لا يشق له غبار... انه يوسف الشاهد... لكنه كان جمهورا أبكم، لا يتكلم، ولا يتفاعل.
 كانت صورة لوزراء مَخْصيّين، في حضرة رئيس الحكومة الفحل، وما هو بالفحل، وهو يقدم تصريحاته دون معارض أو مجادل... تكلم الرجل كثيرا لكنه وقع في فخاخ كلامه... كانت لغته العامية توحي بان الرجل بلا رصيد ثقافي في الخطابة، كان أشبه بخطاب الدهماء في مقهي... تكلم الرجل لكنه لم يقل شيئا لأنه بلا مشروع.
جاء خروج الشاهد إلى الإعلام كعملية استباق وحشد في مواجهة أزمة مقبلة مع اتحاد الشغل اكبر تجمع عمالي نقابي عربي... تلك المنظمة التي أطاحت بحكومات... اتحاد الشغل ذاك الذي واجه الزعيم بورقيبة عام 1978 حين كان الشاهد رضيعا... تلك المنظمة التي حشدت الناس في صفاقس وتونس وأجبرت "بن علي" على مغادرة الحكم، وقتها كان الشاهد موظفا صغيرا في السفارة الأمريكية بتونس مكلفا بالتسويق الزراعي.
أخطأ الشاهد مرة أولى حين أراد التراجع عن تنفيذ اتفاقيات الزيادة في الأجور بمجرد تعيينه على رأس الحكومة، وأضاع ثلاثة أشهر في اختبار قدرة اتحاد الشغل على مواجهة الحكومة الناشئة... كان الشاهد متسرعا في تنفيذ الشروط الاستعمارية لصندوق النقد الدولي... لكنه تراجع تحت ضغوط الواقع السياسي ... بيد انه لم يتعلم الدرس... لأنه ما زال يراوح بين شخصيته العنيدة، وبين حمقه السياسي في تقدير الواقع.
كيف سيرمّم الشاهد ما انكسر في علاقته بالاتحاد بعد إقالة النقابي "عبيد البريكي" وتعيين "خليل الغرياني" ممثل الأعراف ؟


البريكي والغرياني...هزّة الإقالة والتعيين

سياسيا، ليس البريكي وزيرا لاتحاد الشغل في الحكومة، انه بتجربته النقابية الطويلة كان يمثل الاتحاد رمزيا... والرجل كان يحمل إرثا ممتلئا في العمل النقابي والاجتماعي والسياسي، ووجوده على رأس وزارة الوظيفة العمومية كان يمنح الاستقرار ويعطي للاتحاد شعورا داخليا بالاطمئنان... مثلما يسدّ صَدْعا اجتماعيا بالنسبة إلى الحكومة.
لكن التحول المأسوي في تجربة الشاهد كان تعيينه المتسرع لرجل أعمال على رأس وزارة الوظيفة العمومية... كان اختيارا متوترا وخاطئا... انه يبحث عن حليف وسط غابة من الذئاب... حليفه الآن هو اتحاد الأعراف.
واتحاد الأعراف أو ما يعرف باتحاد الصناعة والتجارة كان حلفا اقتصاديا لرؤساء الأموال في كل القطاعات... لكن المؤثر الفاعل فيه، ليس سوى اقلية من رؤوس الأموال الكبرى، تلك التي تسيطر على كل مفاصل الاقتصاد الوطني وتحتكر ثروات الدولة.


منظمة الأعراف كانت في تاريخها موالية ومخلصة دائما لنظام بن علي... ولم يكن يعنيها الاستبداد وأوضاع الحريات، ولم تكترث للقضايا الوطنية، بقدر ما انشغلت بزيادة أسباب الربح الأقصى، وتحقيق المنافع المالية، في أنانية وجشع البورجوازية المحلية... صحيح أنها تمثل ثقلا ماليا إلا أنها في المقابل كانت بلا تأثير شعبي.
والملاحظ أن "خليل الغرياني" لم يكن سوى موظف اشتغل في الإدارة المركزية لاتحاد الأعراف... ثم دعمه الأعراف لافتتاح مصنع للحلوى حتى يرتقي إلى رتبة رجال الأعمال... وزُجّ به في المكتب التنفيذي في سياق تثبيت سيطرة لوبيات مالية على المكتب التنفيذي للمنظمة... "خليل الغرياني" ليس رأسماليا أو رجل أعمال بالمعنى الصارم للاصطلاح الاقتصادي، ولكنه صُنع خصيصا ليكون في المشهد الإعلامي ناطقا رسميا باسم اللوبيات المالية، ولكي يمثل الشقّ المسيطر والغالب على اتحاد الأعراف ذاك الذي تقوده عائلة بوشماوي.... أو عائلة الرّيع النفطي.


سيطرة الحكومة على الإعلام
من هنا يبدو أن المشهد السياسي المتوتر يُنذر بالوبال، فقد انتقل اللوبي الحاكم، وهم بالأساس عائلة الرئيس الباجي وحاشيته، من ترويض الإعلام، إلى مناكفة اتحاد الشغل في محاولة لتطويعه... لقد نجحوا فعلا في ترويض قطاع واسع من المشهد الإعلامي... لم نعد نسمع نقدا لسياسات الدولة بقدر ما نسمع المدح والإطراء.... فكل وسائل الإعلام الورقية والسمعية والبصرية صارت تتحرك مثل قطيع واحد لمساندة حكومة مهزومة... انها عودة إلى مربع الاستبداد والسيطرة والخضوع للسلطة السياسية الحاكمة... في نظام يريد أن يغطي أخطاءه مثلما يريد أن يضخم انجازات وهمية... فقد كان نجاح مؤتمر الاستثمار في جلب الأموال والتنمية، كذبة كبرى، سرعان ما تهاوت.
 لكن تركيز الإعلام التابع للسلطة على تشويه الخصوم، ومحاولة التأثير على الرأي العام وتلهيته عن قضاياه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، قد فشل أيضا ... بدليل أن المنظمة الشغيلة قد أكدت في بيانها أن الحكومة تريد الهاء التونسيين عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة.
لقد فشلت حكومة الشاهد في التعاطي مع القضايا الاقتصادية، وعجزت حتى عن إكمال ميزانيتها للسنة الحالية، بل وفشلت في مؤتمر الاستثمار وجمع الأموال... إنها تغرق سياسيا.
هل هي إصلاحات أم إكراهات ؟


 ليبرالية "الشاهد"... أو وكيل السياسات الاستعمارية
 يبدو أن الشاهد باعتباره منتميا إلى مدرسة ليبرالية غربية لا يؤمن أصلا بفكرة الدولة الوطنية... تلك الدولة التي توجه الاقتصاد وتحمي أمنها الغذائي وترعى الفقراء وتبني المصانع، وتشرف على الاقتصاد، وتؤمّن الصحة العامة والتعليم المجاني ... انه يحمل رؤية رأسمالية تؤمن بالخوصصة وحرية رأس المال بما يتعارض تماما مع اقتصاد الدولة الوطنية ذات السيادة والاستقلال.
 لذلك فانه قد صرح بأنه يعمل على التفويت في البنوك العمومية الكبرى تلك البنوك التي بنتها الدولة الوطنية الحديثة زمن بورقيبة وهي التي تمثل سيادة الدولة على الأموال والثروات... بل انه لا يرى ضيرا حتى في خوصصة قطاعات حيوية مثل قطاع الكهرباء والماء والناقلة الجوية... فالرجل ليبرالي حتى النخاع جاء لينفّذ بإخلاص سياسات صندوق النقد الدولي... انه وكيل للسياسات الاستعمارية... وهي سياسات ذات شروط مخلة باستقلال الدولة وبسيادتها السياسية .
صندوق النقد الدولي لا يبحث عن إصلاحات تحمي الدولة الوطنية وتحمي الفقراء والطبقة الكادحة وتحافظ على الثروات، بقدر ما يسعى إلى ضمان سيطرة الرأس المال العالمي على ثروات الشعوب ونهبها، وتوفير ضمانات لذلك النهب المنظم... وبالتالي فان الشاهد ومنظمة الأعراف تتحالف ضمنيا مع تلك السياسات الاستعمارية التي حاربها بورقيبة وحركات التحرر الوطني.
قد ننتهي ختاما إلى أن هذه الحكومة قد فشلت بعد 7 أشهر في تحقيق أي انجاز لا في الاقتصاد ولا في التعليم ولا في القضاء ولا في الصحة إنها حكومة فاشلة ومهزومة... سوف تمارس الحكم لبضعة اشهر، لكنها لن تستمر، وسيكون بقاؤها مرتهنا بقدرتها على امتصاص الأزمات، إنها أشبه بمريض في غرفة الإنعاش ينتظر الموت الزُّؤَام.
سيكون المستقبل مخيفا، لشعب بائس ووطن مجروح... تقوده طبقة سياسية فاشلة وانتهازية... باعته في مزادات القمار العالمي وفي الجنات الضريبية، وارتهنت أجياله لقروض البنوك الاستعمارية



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire