vendredi 24 mars 2017

عنترة في وطن الرذيلة




قال نديمي في داحسة الليل، وقد أخذته هزّة الفكر، ونشوة الروح : "... قال ابن حزم في سكرات العقل : ... ما وضُحت مَفْسدتُه لزم درْؤُه... وما اتّضح صلاحه لزم جلبه... والحال يدفعنا حتى نؤرّخ للفضيلة وللرّذيلة سيّان."
سمع عنترة مقالة صاحبنا، فانتفض انتفاضة صريع قد مسّه الجنّ، ورقص فينا حتى تَعتَّهَ، وطرح سيفه على الرّمل، وزمجر واستأسد، ونفش الرّيش، ثم قال:"... نؤرخ للرّذيلة... أين الرّذيلة ؟ أين الفساد... قتلتني يا ابن حزم."
وكان عنترة عبدا أسود وفتى من فتيان القصبة، أبق عن سيده... وشرى حريته... قد سافرتْ فيه راحلة الوطن... فآمن بالرجولة والمروءة والشرف... وسلك في الفضيلة سُبُلا حتى أفناها في نفسه... وكان حانقا على الرّذيلة يتوعدها، ويطارد غمامها، ويطلب ثأره منها.
نادى عنترة يوما في صدى الوادي :" يا رذيلة الرذائل... قد سرَتْ رذيلتكم في عروقنا وفي دمائنا... وانسابت إلى قيمنا وعقولنا... رذيلتكم كمثل الطاعون بل هي الوباء... الفساد يغزو فيئنا وريعنا... يسرقنا... ينهبنا... يغشّنا."
"... سنكتب في ديوان التاريخ هويّات الفاسدين وأنسابهم وبنيانهم وأموالهم وعُصبتهم وحرثهم ونسلهم... سنحبّر نقشا في حجر التاريخ صفقاتهم وعمولاتهم في دولة الكوميسيون... دولة، أم لا دولة... أصابها ما أصابها من البلى والجرب."
ثم سلك عنترة بفرسه إلى عدوة الجبل يطلب غيمة الفساد والرذيلة، وقد كان يسكنها اللصوص والسراق وقطاع الطرق من الساسة وأهل الخساسة وتجار النصب والنهب ونخبة البلاط .
قلنا:"... يا عنترة ارجع إلينا... فقد حمي الوطيس"... قال:"... ما أنا براجع."
"... يا عنترة... غيم الرذيلة قد أمطر، فأهلك الحرث والنسل والزرع... والقوم أهل غدر وخداع... عد يا عنترة."... قال :"ما أنا بعائد".
تركنا عنترة يطارد غيمة الرذيلة، وقطعنا الفيافي والوديان، ونزلنا سهلا... ودخلنا باب الحاضرة في وعثاء السفر... حتى إذا جئنا تونس سمعنا آهات الجوعى والمقهورين في دولة الباجي... ورأيانا الناس في فاقة الفساد وغبن الرذيلة... يتهافتون إلى الزبالة ينبشونها بحثا عن بعض قوت.
حتى إذا بلغنا القصبة اعترضنا عسس وليّ العهد، وصفيّ الملك، صدر الدولة يوسف صاحب الحمار،... فرفعوا فينا سلاحهم... فطلبنا الأمان، وسألناهم عن دار الرذيلة في دولة الفساد... فأشاروا إلى درب من دروب الأسواق... يعرف بباب الطاق، يأتيه صاحب الحمار وكبار اللصوص في الدولة العليّة، يجتمعون فيه، ويتطارحون ما اقتسموه من الغنائم المطمورة.
ولم نكد نُلقي رحلنا حتى قبض علينا حرس الرّذيلة في دولة الفساد وحملونا إلى قاضي محكمة الفساد وكان طبيبا منجما وراجما بالغيب... فاتهمنا بالتطرف للفضائل وكانت عندهم من الموبقات...
توضأ قاضينا، ثم ركع وسجد وتمتم وحمحم كمثل مسيلمة الكذاب... وقال: "قضت المحكمة حضوريا  بالحبس المشدد ل 150 يوما".
"... يا عنترة لا ترجع... لا تعد  يا عنترة...  فوطنهم صار رذيلة."



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire