mercredi 29 mars 2017

صَدَقَ المَرْزُوقِيُّ لَا صَدَفَ : إِنَّمَا النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ




قَامَتْ قِيَامَتُهُمْ، وثَارَتْ ثَائِرَتُهُمْ، وعَلَتْ أصْوَاتُهُمْ، وشَكَتْ أسْوَاطُهُمْ، قَامُوا مَذْعُورِينَ، وجَاؤُوا مَرْعُوبِينَ، فَضَحَتْ أُغْنِيَاتُهُمْ أمْنِيَاتِهِمْ، وكَشَفَتْ سَيِّئَاتُهُمْ سَوْءَاتِهِمْ، لَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَسْتَحْيَوْنَ، والذِّلَّةَ يَسْتَحِبُّونَ، صَرَخَتْ حَنَاجِرُهُمْ، ثُمَّ خَرِسَتْ، وشُهِرَتْ خَنَاجِرُهُمْ، ثُمَّ أُغْمِدَتْ، والنَّارُ مِنْ بَعْدُ أُخْمِدَتْ، إِنَّهُمُ الجُبَنَاءُ لَا النُّجَبَاءُ، الدِّيمُقْرَاطِيَّةُ عِنْدَهُمْ مِنْ قَدِيمٍ لُعْبَةٌ وهْيَ الآنَ لَعْنَةٌ، قَوْمٌ يَعْمَهُونَ لَا يَفْقَهُونَ.
أثَارَ فِيهِمْ الحِقْدَ والبُغْضَ والدَّاءَ الدَّفِينَ، وأهَاجَ فِيهِمْ الغَيْظَ والغَضَبَ والجُرْحَ القَدِيمَ، وكَادَ بَعْضٌ يَنْتَحِرُ وبَعْضٌ يَرْتَحِلُ، فِي نُفُوسِهِمْ غُمَّةٌ وفِي حُلُوقِهِمْ غُصَّةٌ وفِي صُدُورِهِمْ أنَّةٌ، كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ قَعَدَ المَرْزُوقِيُّ فِي مَقْعَدِ الطَّاغِيَةِ، فِي مَقْعَدِ الرِّئَاسَةِ، يُدِيرُ شُؤُونَ البِلَادِ ويُثِيرُ شُجُونَ العِبَادِ، هُوَ اليَوْمَ الفَاتِقُ النَّاتِقُ، الآمِرُ النَّاطِقُ، دَارَتْ الأيَّامُ دَوْرَتَهَا، ودَالَتْ دَوْلَتَهَا، يَذْهَبُ دِكْتَاتُورٌ ويَجِيءُ دُكْتُورٌ، مَحْمُولًا عَلَى الأعْنَاقِ، ومَسْكُونًا فِي الأعْمَاقِ، أمْسِ تَنَبَّأَ أنَّ النِّظَامَ الَّذِي لَا يَصْلُحُ ولَا يُصْلِحُ سَاقِطٌ لَا مَحَالَةَ، وأنَّهُ لَحْظَةَ تَهْتِفُ الأصْوَاتُ وتُجْمَعُ الحُشُودُ، سَيَتَهَاوَى عَرْشُ الطَّاغِيَةِ، مَا لَهُ مِنْ بَاقِيَةٍ، سَيَكُونُ مَآلُ الظَّالِمِينَ الضَّالِّينَ كَأعْجَازِ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ، سَتَكْوِيهِمْ نَارٌ حَامِيَةٌ، أمْسِ تَنَبَّأَ بِذَلِكَ واليَوْمَ يَتَبَوَّأُ هَذَا المَقَامَ فِي ذَاكَ المُقَامِ، اليَوْمَ يُمْسِي هُوَ الرَّئِيسَ، وطُوبَى لِبِلَادٍ يَحْكُمُهَا رَئِيسٌ مُثَقَّفٌ دِيمُقْرَاطِيٌّ.
هَؤُلَاءِ الحَاقِدُونَ الأَعِلَّاءُ، مَا رَاقَهُمْ المَشْهَدُ، ومَا رَاعَهُمْ المَوْقِفُ، لِذَلِكَ حَمَلُوا الفُؤُوسَ وجَرِعُوا الكُؤُوسَ، أعَدُّوا عُدَّتَهُمْ وأخَذُوا أُهْبَتَهُمْ، وأعْلَنُوا الحَرْبَ الغَاشِمَةَ الضَّرُوسَ، وكَشَفُوا الوَجْهَ الجَهْمَ العَبُوسَ، كَانَتْ حَرْبًا بِلَا أخْلَاقٍ، وكَانَ ضَرْبًا دَلَّ عَلَى إِمْلَاقٍ، وكُنَّا نَظُنُّ أنَّ نَصْرَهُمْ فِي مِصْرِهِمْ سَيُغْمِدُ سُيُوفَهُمْ، ويُشَتِّتُ صُفُوفَهُمْ، وتَضَعُ الحَرْبُ أوْزَارَهَا، بَعْدَ أنْ كَشَفَتْ أسْرَارَهَا، لَكِنَّهُمْ آثَرُوا الضَّلَالَ عَلَى الظِّلَالِ، واَسْتَبْدَلُوا الَّذِي هُوَ أدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ، تِلْكَ عَقِيدَتُهُمْ وقَاعِدَةُ أمْرِهِمْ، ظَلُّوا بَعْدَ أنْ ضَلُّوا السَّبِيلَ والدَّلِيلَ يَتَعَقَّبُونَ أثَرَهُ، ويَتَتَبَّعُونَ خَبَرَهُ، فَلِكُلِّ سَاقِطَةٍ لَاقِطَةٌ، ولِكُلِّ هَفْوَةٍ صَالِقَةٌ، وإِنْ لَمْ يَجِدُوا مَا يَبْتَغُونَ ويَشْتَهُونَ أِصْطَنَعُوا حَكِايَاتٍ واَصْطَلَحُوا عَلَيْهَا ثُمَّ أذَاعُوهَا وأشَاعُوهَا، ونَشَرُوهَا ونَثَرُوهَا، إِمْعَانًا فِي تَشْوِيهِ سُمْعَتِهِ، وتَشْدِيدِ صَفْعَتِهِ، إِنَّ الحِقْدَ إِذَا سَرَى فِي دَاخِلِ الإِنْسَانِ وجَرَى فِي نَفْسِهِ الخَبِيثَةِ، كَانَ بِمَثَابَةِ السَّرَطَانِ، المَرَضِ القَاتِلِ.
الغَرِيبُ المُغْرِبُ فِي الغَرَابَةِ، أنَّنَا ظَنَنَّا أنَّ الثَّوْرَةَ هَادِمَةٌ كَثِيرًا مِنَ المُعْتَقَدَاتِ البَاطِلَةِ، والتَّقْدِيرَاتِ الخَاطِئَةِ، والمَقُولَاتِ الكَاذِبَةِ، والأنْبَاءِ الزَّائِفَةِ، ومِنْ ذَلِكَ المَوَاقِفُ العِدَائِيَّةُ مِنْ قَنَاةِ الجَزِيرَةِ، الَّتِي لَوْلَاهَا مَا كَانَتْ لِثَوْرَتِنَا لِتَظْفَرَ بِالعِزِّ والكَرَامَةِ والكِبْرِيَاءِ والسُّؤْدَدِ، وتُحَلَّى بِالسُّنْدُسِ والدِّيبَاجِ واللُّؤْلُؤِ، لَكِنَّمَا القَوْمُ ظَلَّتْ كَرَاهِيَتُهُمْ للْجَزِيرَةِ شَدِيدَةً، وسَطْوَتُهُمْ عَلَيْهَا عَنِيفَةً، يَكِيلُونَ لَهَا التُّهَمَ جُزَافًا، ويَحْمِلُونَ عَلَيْهَا ثِقَالًا وخِفَافًا، مِنْ قَرِيبٍ أجْرَتْ حِوَارًا مُطَوَّلًا مُعَمَّقًا مَعَ الرَّئِيسِ المُثَقَّفِ المُنْصِفِ المَرْزُوقِيِّ حَدَّثَ فِيهِ النَّاسَ عَنْ جُمْلَةٍ مِنْ مَسَائِلَ ومُشْكِلَاتٍ، بِرُؤْيَتِهِ الثَّاقِبَةِ ورُؤْيَاهُ اللَّامِعَةِ، ومَرَّ يَوْمٌ عَلَى المُقَابَلَةِ ومَا سَمِعْتُ ضَجِيجًا ولَا رَأيْتُ عَجِيجًا، مَا سَمِعْتُ جَعْجَعَةً ولَا لَاحَظْتُ قَعْقَعَةً، ولِمَ ذَلِكَ ومَا مَسَّنَا المَرْزُوقِيُّ بِسُوءٍ، ولَا أصَابَنَا بِنُصْبٍ ولَا عَذَابٍ، لَقَدْ صَدَقَ مَا صَدَفَ، وأصَابَ فِي الَّذِي عَنْهُ أجَابَ، إِنَّمَا النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ، بِفَسَادِهِمْ نَفْسُدُ وبِصَلَاحِهِمْ نَصْلُحُ، مَتَى يَكُنْ الأَئِمَّةُ صَالِحِينَ تَكُنْ الرَّعِيَّةُ صَالِحِينَ، ولَا يَسْتَقِيمُ للْأُمَّةِ أمْرٌ ولَا يَسْتَتِبُّ فِيهَا أمْنٌ مَا دَامَ حُكَّامُهَا وكُبَرَاؤُهَا لُصُوصًا ومُرْتَشِينَ ومُرَابِينَ وفَاسِدِينَ وطَالِحِينَ، القُدْوَةُ الحَسَنَةُ هِيَ الَّتِي تَصْنَعُ الرِّجَالَ وتَبْنِي الأوْطَانَ، سَلْ أحَدَهُمْ يَعْمَلُ فِي مَصْنَعٍ لِمَ تَنْهَبُ مَا لَيْسَ لَكَ ؟ يُجِبْكَ: لِأَنَّ مُدِيرِي يَفْعَلُ ذَلِكَ، لَقَدْ قَلَّ فِي البَلَدِ الصُّلَحَاءُ، وعَدَّهُمْ نَاسٌ الغُرَبَاءَ، بَدَأَ الإِسْلَامُ غَرِيبًا وسَيَعُودُ غَرِيبًا فَطُوبَى للْغُرَبَاءِ، كُلُّهُمْ يَقُولُونَ مَا قَالَ المَرْزُوقِيُّ، لَا بَلْ إِنَّ المَرْزُوقِيَّ قَدَّمَ قِرَاءَةً عِلْمِيَّةً مَوْضُوعِيَّةً لَا تُجَانِبُ الصَّوَابَ، أمَّا الآخَرُونَ فَيُحَدِّثُونَ بِهَا النَّاسَ حَدِيثَ اللَّاعِنِ الأرْعَنِ، حَدِيثَ الصَّفِيقِ الأحْمَقِ، مَرَّ يَوْمٌ عَلَى المُقَابَلَةِ ومَا سَمِعْتُ صَوْتًا أوْ هُتَافًا، وفِي صَبَاحِ اليَوْمِ المُوَالِي بَدَأتْ القِيَامَةُ تَقُومُ، والحَوَّامَةُ تَحُومُ، حَرْبٌ فِي المَنَابِرِ والصَّحَائِفِ، حَشْدٌ مُجْتَمِعٌ قُبَالَةَ بَيْتِهِ، لَا يَتَعَدَّى تِسْعَةَ أنْفَارٍ، هُتَافٌ ومُنَادَاةٌ بِالرَّحِيلِ، بَلْ بِسَحْبِ الجِنْسِيَّةِ، ودَعَوَاتٌ للْمُحَاكَمَةِ والمُقَاضَاةِ، مَا لِهَؤُلَاءِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا، مَا لِهَذِهِ التَّهْيِئَةِ وهَذِهِ التَّعْبِئَةِ، مَاذَا قَالَ الرَّجُلُ، مَا هَذِهِ الدَّعْوَةُ لِلطَّرْدِ وسَحْبِ الجِنْسِيَّةِ، مَا لَهُمْ يُنَادُونَ بِسَحْبِ الرُّخْصَةِ مِنْ حِزْبِ التَّحْرِيرِ، لِمَ لَا تَكُونُ لَهُمْ صَرْخَةٌ وغَضْبَةٌ عِنْدَمَا يُمَتَّعُ الشَّاذُّونَ جِنْسِيًّا مِنْ رُخْصَةٍ تُخَوِّلُ لَهُمْ مُمَارَسَةَ شُذُوذِهِمْ وفُجُورِهِمْ وفُسُوقِهِمْ ؟؟؟
إِنَّ الأمْرَ فِي غَايَةِ العَجَبِ.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire