lundi 6 mars 2017

‭ ‬تفاعلا‭ ‬مع‭ ‬إضراب‭ ‬القضاة‭ ‬ومطالبهم: المحاكم‭... ‬‮«‬حيوط‭ ‬مدرّقة‭ ...‬وهموم‭ ‬مفرّقة‮»‬




المعلوم أن السلطة القضائية تكتسي أهمية خاصة باعتبارها أهم ضمانة لاحترام حقوق الإنسان وحماية مصالح الأفراد والجماعات، وباعتبارها الآلية المعهود إليها بضمان سيادة القانون، ومساواة الجميع أمام مقتضياته؛ ويترتب عن الثقة في استقلال ونزاهة القضاء دوران عجلة الاقتصاد بشكل فعال ومنتج، وتنشيط الاستثمارات، وتحقيق التنمية؛ وبناء المؤسسات الديمقراطية، وهناك مقولة معروفة وهي أنه: إذا كان العدل أساس الحكم، فإن استقلال القضاء هو أساس العدل.
 ما ماهو معلوم أيضا أن منصب القضاء منصبٌ خطير، ومنصب عالٍ ومهم، له من الخطورة وعلو المكانة بقدر ما عليه من ثِقل التَبعة، وعظم المسؤولية ومعاتبة الضمير؛ على اعتبار أن القاضي هو ذلك الوازع الأكبر، والمرجع الأعلى الجالس على منصة الحكم الرفيعة؛ ليستغيث به المغبون مِن غبنه والمظلوم من ظالمه، ويمثل لديه الأعزاء مع الأذلاء، ونرى كيف يقف الخصوم بين يدي القاضي سواسية كأسنان المشط؛ يقف الأمير مع الصعلوك على مستوى واحد وهم صاغرون مرهفو الآذان لكلمة الحكم التي ينطق بها القاضي، وليس في البلاد من يخالف له أمرًا، ويعصي له حكمًا، ذلك هو العز الذي ليس بعده مطمع.
و الحقيقة الثابتة اليوم أن القضاة في تونس أصبحوا في حقيقة الأمر في مرمى كل الأطماع وتحت ضغط متعدد الأطراف بل اشارت عليها الاصابع السياسية بالبيان منذ ان حل بهم الخراب في عهدي الجمهورية الأولى والثانية ... والقضاة ظلوا بين مثلث الجذب فتلك القوى السياسية تتوعدهم بل وتفقرهم وتشهر بهم وتعاقبهم بالعزل ( عزل نور الدين البحيري لأكثر من 82 قاضيا على القياس أعاد القضاء الإداري الاعتبار لعدد كبير منهم ) وقوى الدفاع والمتمثلة في أصحاب الروب السوداء المستميتين في ربح قضايا موكلّيهم وممارسة كل الضغوط والقوى الشعبية التي تنعتهم بأبشع الأوصاف في عديد المقامات وتطالب بتطهير القطاع ...
صحيح أن قطاع القضاء يتطلب التطهير بعد أن دنسته شرذمة من القضاة الذين أدركهم القاصي والداني ولكن لا بد من التأكيد على معطى مهم وهو أن عدد القضاة  سواء الجزائي أو المدني أو العقاري أو الإداري لا يتجاوز عددهم حوالي ألفي قاضي وملفات التقاضي تفوق عدد القضاة مئات المرات ولكم أن تتخيلوا الضغط المسلط على القاضي الجالس مثلا الذي يتعاط في جلسة واحدة ما يتجاوز 200 قضية في يوم واحد بل في 10 ساعات عمل فقط ..


وجع مفهوم 

قبل أن نحمل أنفسنا على سرد بعض تمظهرات ظروف العمل التي تتسم بها المحاكم التونسية لابد من الإشارة إلى أن الأسرة القضائية في تونس تحس بالوجع وطالها الإحساس بالعقر خاصة وأن قيادة دكة وزارة العدل حسب ما يدور في خلد عديد القضاة أصبحت حكرا على المحامين ... والإحساس بالإهانة تعمق أكثر أيضا حينما بدأ يتراءى للقضاة أنهم أشبه ما يكون بعسكر كردونة متأخرين في الراتب ومتقدمين في العمل على اعتبار أن المردود المالي لا يفي بالحاجة وميزانية وزارة العدل باتت مهتزة وضعيفة مقارنة بباقي الوزارات ... كل هذا وذاك خلق نوعا من الحساسية وتحولت الغبطة إلى حقد واشتدت الفجوة وتعمقت وقد زادتها بعض الأطراف السياسية سكب الزيت على النار ...
لا يمكن الحديث عن عدالة باعتبارها أساس العمران إلا إذا توفرت أركانها وأعمدتها الأساسية كان لزاما أن نشمل السلك القضائي بلفتة مضمونها مخالفا لما يتم الترويج له للاستهلاك الإعلامي من عبارات تطهير القطاع إلى علاقة القضاء بالسلطة السياسية وغيرها من المحاور أخرى ولكن الطرح سيكون محوره الأساسي ظروف العمل داخل المحاكم وما تشهد من تمظهرات وظواهر تدفع المسّ من مرد ودية القضاء وعدالة أحكامه ...


 المحاكم بنايات وبعد

 لا يتطلب أمر اكتشاف ظروف العمل داخل المحاكم في تونس جهدا كبيرا فبإطلالة فقط على بناية أغلبية المحاكم تستنج الخلاصة ... فأغلب البنايات والتي أكل عليها الدهر وشرب... جدران متصدعة ومتأكلة ... طلاء يعود إلى سنين مضت... غياب الترميم وإعادة التهيئة ... ومظهر خارجي لا يبعث على الانشراح... فرغم أهمية المحكمة ودورها في المجتمع وقيمتها الرمزية على اعتبارها مؤسسة شامخة من مؤسسات الدولة وأساس ثبات القانون والعدالة الاجتماعية فإنها مقارنة ببعض البنايات الأخرى من المنشآت العمومية سواء التي كانت ذات أهمية كبرى أو بلا أهمية تذكر فإن المحكمة تعدّ الأسوأ على الإطلاق من حيث مظهرها الخارجي الذي يصل في بعض المحاكم إلى حالة التقزز والاشمئزاز ...


حراسة هشة 

لا نبالغ في الوصف إن قلنا إن مظاهر العمل وظروف العمل داخل المحاكم أقل ما يقال عنها أنها مهينة وكدنا نفصح أن العاملين في المحاكم بكلّ أصنافهم وأسلاكهم هم من المعذبين في الأرض وذلك لاعتبارات عديدة...
تحملك قدماك إلى بهو المحاكم فيكون أول عنوان يعترضك هو الاكتظاظ حتى تصل في بعض الأحيان الى العجز عن المرور... صورة الاكتظاظ ناجمة عن نقص كبير في التجهيزات وفي الموارد البشرية أيضا.وهي لالا تقتصر على محكمة فقط بل هي ذات بعد شمولي تتوزع على كافة المحاكم دون استثناء ...
 تواصل رحلة الاستكشاف فيستوقفك عنصر الحراسة الأمنية للمحاكم ولكم أن تسجلوا حضوركم في إحدى جلسات المحاكمة ولكم أن تعاينوا بالعين المجردة كيف لعونين أمن أو ثلاثة يقومون بحراسة أكثر من 200 سجين وهو عدد غير كاف على اعتبار أن نوعية السجناء في هذا الانفلات الأمني قد تغيرت وصار أغلبيتهم يميلون نحو العدوانية والعنف ... وما دمنا نتحدث عن أن امن المحاكم فلابدّ من الإشارة الى أن هذه الأخيرة تشكو من غياب الحراسة الأمنية المكثفة خاصة بعد الدوام واكبر دليل على ذلك ما تعرضت له محكمة الناحية بسوسة من اقتحام احد مكاتبها وحرق المحجوز ... ثم وفي نفس الإطار كان لزاما أن نلحظ غياب الحراسة الأمنية حتى على مربض السيارات الخاصة بالعاملين بالمحكمة والتي من غير المستبعد أن تتعرض للتخريب في أي وقت... وعملية الحراسة هذه لا تتكلّف كثيرا ولا تتطلب تخطيطا عظيما وبرنامج انتداب مدقق بل يكفي فقط عاملا من عملة الحظائر لا يتعدى أجره الشهري 250دينارا...


حيوط مدرقة وهموم مفرّقة 

ما يثير الحيرة ويدفع على الريبة داخل كواليس المحاكم هو حالة الأرشيف الذي ظل معضلة تشكو منها كل المحاكم التونسية ...فطريقة الخزن والتخزين تشوبها الشوائب ويعترضها الحجر على اعتبار أن حتى الرافع الحاملة له كانت من النوع الرديء حيث تهاوت من ثقل الملفات وبات الأمر يحتاج أكثر من أي وقت مضى استعمال منظومة روافع من النوع الجيّد ( systèmes de rayonnage)الذي لا يعوّج ولا يشوّه واجهة بهو المحكمة...
وأما التجهيزات الإعلامية سواء كانت مكاتب النيابة العمومية أو قضاة التحقيق فحدث ولا حرج فإذا توفرّ حاسوب فان الآلة الطباعة مفقودة أو معطبّة وإن توفرت آلة الطبع فالأوراق مفقودة وان توفرّ ثلاثتهم تغيب الكاتبة المحلّفة وهكذا دواليك ...
ثم إن مكاتب القضاة غالبا ما تكون مكاتبها قديمة وأثاثها متآكل وتفتقد في بعض الأحيان إلى التدفئة أو التكييف ... بل الأدهى والأمر أن عددا كبيرا من القضاة لا تتوفر لهم مكاتب فردية وغالبا ما يتم حشر قاضيين في مكتب ضيق يكاد يتسع لواحد فقط..

منذ 2006 والأمر على ما هو عليه 

منذ 2006 تقريبا تاريخ تدخل برنامج الإعانة الأوروبية ميدا والذي منح تونس عشرات المليارات لتهيئة المحاكم وصيانتها على مستوى الكهرباء والماء والتجهيزات المكتبية والإعلامية والمقاعد وتمكين كل قاض من جهاز حاسوب محمول لم تسجل محاكمنا أي مبادرة أخرى تذكر فتشكر
 المحاكم النموذجية 
 والحديث الذي تم الترويج له عن إرساء محاكم نموذجية والتي لا تعني محكمة باختصاص معين أو تمييزها بوسائل خاصة وإنما وضعها في إطار تجربة أثبتت نجاعتها في أنظمة أخرى أو يعتقد أنها ستساهم في تحسين جودة العمل بالمحاكم والخدمات المسداة إلى المتقاضين على أن يقع تعميمها عندما تتوفر الإمكانيات المادية والبشرية على بقية المحاكم.
فما تزال في طور التجربة وانطلاقتها بطيئة على اعتبار غياب الإرادة السياسية والإمكانيات التقنية والموارد المالية مما يشكك في تواصل الجهات المعنية في تثبيت هذه التجربة ...
 واما هذا الوضع " المتعب" لسائل أن يتساءل كيف لسير العملية القضائية أن تسير وكيف للقضاة بالاخص من العمل في هذه الظروف ؟؟ اليس الامر يتطلب تدخلا عاجلا ومستعجلا ؟ السنا مطلبنا باستقلالية القضاء ونجاعة المنظومة وأبسط الظروف المهنية غير متوفرة ؟؟ الا أن الله لا يكلّف نفسا إلا وسعها ..


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire