mercredi 1 mars 2017

عندما تكشف الدولة عن سياستها للنهوض بالمجتمع : «السّكن الأول» لفتة كريمة أم سياسة لئيمة لاستعباد طبقة متوسَطة سقيمة ؟




في لفتة إنسانية من حكومة ارستقراطية، أعلن رئيس الحكومة "يوسف الشاهد" ذو النزعة البرجوازية التي تحيلنا على بيئته الثريَة ذات الصبغة الفرنكفونية، عن برنامج السكن الأول الذي لن يشمل جميع ولايات الجمهورية لأسباب لوجستيَة مردَها سياسة تهميشيَة.. ذلك أنَ هذا البرنامج سيشمل 200 ألف عائلة تونسية في محاولة لحماية ما تبقى من ما يعرف بالطبقة المتوسَطة من الانقراض بعد استفحال داء الفساد وما ترتَب عنه من استنزاف لأموال ضعاف الحال من العباد إبان ما عرف بثورة الشباب التي شيَعها الشيخان إلى مرقدها الأخير بعد تآمرهما على نظام الحكم وإلغاء حريَة التعبير وسط تصفيق ثلة من المتسلَقين من السَاسة وتجار الدين.
خلال موكب اقيم "احتفالا" بهذا القرار الحكومي بدار الضيافة بقرطاج تم التوقيع على 15 اتفاقيَة تعلَقت بإدارة الحساب المخصص لتمويل هذا المشروع. حيث أعلن الشاهد أنَ الحكومة رصدت مبلغا في قانون المالية 2017 يقدَر ب200 مليون دينار للعائلات المتوسَطة الدخل. إذ سيكون نصيب كل عائلة حوالي 40 ألف دينار تسند في شكل قرض يتمَ تسديده على سبع سنوات بفائض يبلغ 2 % مع فترة امهال لمدَة خمس سنوات. 
وتأييدا لمبادرة يوسف الشاهد، وإشادة بهذه المبادرة أعلن وزير التجهيز محمَد صالح العرفاوي أن البرنامج سيتضمَن تشييد 4600 وحدة سكنيَة منها حوالي ألف مسكن جاهز حاليا "على أمل" تجهيز البقيَة. حيث سيكون لكلَ مقتن الحق في اختيار ما يحلو له والعلاقة الوحيدة بينه وبين الدولة "تتلخَص في إعانته على توفير التمويل الذاتي"
هذا ما كان من وزير التجهيز، أمّا بالنسبة لرئيس الغرفة النقابية الوطنيَة التابعة للإتحاد التونسي للصناعة والتجارة (منظمة الأعراف) "فهمي شعبان" فلم يختلف موقفه عن وزير التجهيز نظرا لما تنطوي عليه هذه المبادرة الحكومية من مصالح مشتركة، حيث أكد هذا الأخير تفاؤله بالسكن الأول ذلك واَنه ولأول مرَة في دولة عربية وافريقيَة سيتم تنفيذ مقولة "أغسل ساقيك وادخل" معتبرا ان هذا البرنامج سيعطي دفعا لقطاع البناء وسيساهم في تحريك الدورة الاقتصادية خاصة امام ما يشهده قطاع البناء الذي يشغَل حوالي مليون عامل مباشر وغير مباشر.
وهذه المواقف لم تعد غريبة ولا مريبة في ظل ما عهدناه في طبائع العرب والمقربين من بلاط الحكم من مدح لكل ما يأتيه اصحاب السلطة وإن كان باطلا.. بمنطق "يا اعدل الناس إلا في معاملتي"
في المقابل استنكرت عديد الأطراف مبادرة "السكن الأول" من ذلك النائبة في حزب أفاق تونس والعضو في لجنة المالية والتخطيط ريم محجوب التي اكَدت أن برنامج السكن الأول الذي أطلقته الحكومة خرج مخالفا لنص الأمر الذي قدمته أمام اللجنة.
ذلك أن الأمر الحكومي الذي قامت بعرضه الحكومة لم يتضمن تخصيص الباعثين العقاريين ببيع المساكن. فحسب الفصل 61 من قانون المالية لسنة 2017 "تتولى الدولة إحداث خط تمويل بمبلغ 200 مليون دينار لفائدة الفئات متوسطة الدخل يتم بمقتضاه توفير قرض ميسّر لتغطية التمويل الذاتي المطالب به المنتفع قصد اقتناء مسكن أوّل. ويتم ضبط صيغ البرنامج وشروط الانتفاع بالتمويل على موارد الخط المذكور وإجراءات إسناده بمقتضى أمر حكومي"
في المقابل ورد في الأمر الحكومي المتعلق بالسكن الأول وبالتحديد في الفصل التاسع انه « يتعين على كل راغب في اقتناء مسكن في إطار البرنامج ربط الصلة بالباعث العقاري المعني الذي تم إدراج مشروعه ضمن قائمة تضبط بمقرر من الوزير المكلف بالإسكان"
وهو ما أثار حفيظة النواب وماحمل رئيس اللجنة المنجي الرحوي على اعتبار هذا المشروع ''شبهة فساد وتدليس''، خاصة في ما يتعلّق بالآليات وإجراءات اختيار الباعثين العقاريين، ذلك انّ أطرافا محددة دون غيرها ستستفيد من هذا البرنامج.
وهو ما أكدته النائبة عن التيار الديمقراطي "سامية عبو" التي اتهمت وزارة التجهيز ورئاسة الحكومة "بالتأمر على الشعب وخداعه من خلال مقترح مشروع قانون الانتفاع بالمسكن الأول."
ذلك أنَ قانون الانتفاع بالمسكن الأول" لا يخدم الا مصلحة الباعثين العقاريين وليس في خدمة المواطن التونسي." خلاصَة وانَ " وزيري المالية والتجهيز لا يعيران اهتماما للشعب التونسي ومصالحه ولا يفكران إلا في مصالح "اللوبيات" وأصحاب المال والنفوذ وملف الباعثين العقاريين دليل على ذلك"
ذلك أنَ احتكار بيع المساكن من قبل ثلَة من الباعثين العقاريين الذين لا نشكَ بعلاقتهم الوطيدة بالمسؤولين الذين سيوظفون أموال الطبقة المتوسطة لحل الأزمات المادية للمقرَبين من الباعثين العقاريين الذين أتوا على الغث والسمين..لن يساهم إلا في استنزاف أموال المجاهدين من أبناء هذا الشعب المسكين.
ويبدو انَ هذه المواقف المعارضة لمبادرة المسكن الأول لم ترق لوزارة التجهيز، حيث نفى "خالد الدريدي" مدير ديوان وزير التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية إمكانية التراجع عن الأمر الحكومي المتعلق بشروط الانتفاع بامتيازات برنامج السكن الأول الذي صدر قبل أسبوعين وكان ولا يزال محل جدل وخلاف بين الوزارة ولجنة المالية بمجلس نواب الشعب. وأوضح وأكدَ بأن الوزارة بصدد إتمام مشروع أمر مكمل للأمر الحكومي المتعلق بالسكن الأول، والذي يتعلق بالتشجيع على البناء.
وحتى لا يعتقد أننا نتحامل على المبادرات الوطنيَة ونعيق النهوض بالمجتمع، فلن نخوض في فساد وزارة التجهيز التي سبق وأن قامت بالتفويت في الاعتمادات المخصصة ل"صندوق النهوض بالمسكن لفائدة الأجراء" بهدف تغطية نفقات الدولة ليتحوَل من عائل لفئة كادحة من هذا الشعب البائس إلى حساب مدخرات يتمَ اللجوء اليه لتغطية نفقات لا تشمل الفئة المستهدفة حيث تمَ اسناد قروض لتمويل عمليات خصوصية لا تندرج ضمن المجالات المحددة بالنصوص المنظَمة لتدخلاته.. كما تمَ اقتطاع مبالغ من أرصدته لفائدة بنود من ميزانية الدولة في عديد المرَات مثل التي حصلت في إطار قانون المالية التكميلي لسنة 2013 حيث تمَ خصم مبلغ 500 مليون دينار من موارده لفائدة العنوان الأول للميزانية.
فهل سيتحوَل "السكن الأول" بفعل هذه الحكومة إلى أموال تضخَ في حسابات أطراف معلومة؟؟


الطبقة المتوسَطة ووهم الكرامة واستراتيجية الدولة لاستنزاف الأموال للإقلاع..

بعيدا عن المزايدات السياسية ولغو الحديث، والتظاهر بالنضال والركوب على الأحداث التي سئمنا منها.. ودون الخوض في النصوص القانونية وأحكام قوانين المالية وما برز من تعارض مع الأمر الحكومي فيما يتعلَق بالنهوض الإجتماعي..
بعيدا عن كل هذا الكلام الذي لن يسمن ولن يغني عن جوع، وعن نوائب البرلمان الذي اتحفنا بهم الزمان.. وحكومة سقيمة تتظاهر بالعمل على توفير اللقمة الكريمة.. فتلقي بالفتات بعد ان تملأ بطونها من أموال العباد..

بعيدا عن كلَ هذا.. 
سنحاول التطرَق إلى مبادرة "السكن الأول" من ناحية موضوعية دون أن نتحامل او نجامل: 
يقال.. والله أعلم: 
 أنَ من شروط الانتفاع بهذا البرنامج أن لا تملك العائلة مسكنا، وأن يتراوح دخلها العائلي الشهري الخام بين 4.5 و10 مرات الأجر الأدنى المهني المضمون أي بين 1750 دينارا و3750 دينارا شهريا. وفي حالة توفر هذه الشروط يجب الاتصال بالباعث العقاري الذي يمكنه من وثيقة تثبت حجز المسكن لفائدته والحصول على وثيقة من القباضة المالية تثبت أنه غير متحوز على أي عقار ثم يتوجه إلى البنك ويقدم ملفه للحصول على قرض بنكي وقرض التمويل الذاتي.
المضحك المبكي في الأمر انَ الدخل الشهري المتعارف عليه للطبقة المتوسَطة وبعيدا عن الإحصائيات والدراسات النظرية ، وحسب السائد والمتعارف عليه في المجتمع والذي نعيشه ونعايشه بما اننا من هذه الفئة الآيلة للزوال.. يتراوح بين 800 و1700د وبناء عليه فإن الشروط التي تقتضيها الحصول على مسكن تقصي الطبقة المتوسَطة وتتجه إلى طبقة تترنَح بين الفئة المتوسَطة الفعلية والفئة الغنيَة.. التي لا تحتاج إلى مثل هذه المبادرات للحصول على مسكن. وبالتالي لا يمكن إعتبار أنً هذه اللفتة الكريمة من الحكومة قد تساهم في النهوض بالمجتمع..في المقابل يمكن الإقرار أنَها ستساهم في دعم فئات محددة من المجتمع خاصة الباعثين العقاريين.
وبعيدا عن تحليل وضعية الفئة المتوسَطة وحتى لو فرضنا أنَ هذه الحركة النبيلة تستهدف الفئة المتوسطة، وستوفَر 40 ألف دينار كقرض يتم تسديده على مدة سبع سنوات بفائض قدره 2بالمائة أي بما يقارب 500د شهريا.. فهل يمكن إعتبار هذا الإجراء بادرة نوعية من حكومة الشاهد؟ 
هل لمواطن بسيط، رب عائلة بسيطة، أنهكه غلاء المعيشة والارتفاع المتزايد للأسعار وارتفاع تكاليف الصحة والتعليم، ان ينخرط في استراتيجية تقوم على استنزافه وتوريطه في تسديد قرض شهري يأتي على أكثر من نصف دخله الشهري؟ هذا لو توهمنا أن القرض المسند والذي قامت عليه الدنيا ولم تقعد، سيوفر له مسكنا لائقا امام الارتفاع المجحف الذي تشهده تكلفة العقارات ومواد البناء..
ولماذا استقر الاختيار على 14 ولاية دون سواها لتنفيذ هذا المشروع والحال أنَ حق التنمية مكفول لجميع ولايات الجمهورية خاصة الداخليَة.. أم انَ المناطق المهمَشة والتي استفحل فيها الفقر قد تعوَدت على طبيعة الحياة القاسية وأصبحت في غنى عن لفتاتكم الكريمة خاصة أن هذه الفترة لن تشهد حملات انتخابية تروَج لبرامج وهمية؟؟ وهم - حسب دراساتكم الإقتصادية- لا يرتقون للفئات المعنيَة بالمسكن الأوَل العظيم، حسب الشروط التي تمَ وضعها من قبل الحكومة الشاهد وحكومة التعجيز؟ 
حسبكم ضحكا على الذقون وتلاعبا بهموم الطبقات الكادحة.. وكفاكم مزايدات على مصالح الشعب البسيط..
تتخذون من سذاجته مطيَة لتتظاهروا بالانسانية والوطنيَة، وبداخلكم غرائز عدوانية لا ترى في المواطن البائس سوى لقمة سخيَة يجب استغلالها قبل ان ينتفض ويعلن ثورة على الفساد الذي اتى على ما تبقَى من قوت حياته اليومية.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire