vendredi 17 février 2017

عشّ الدّبابير... في وزارة الدّاخلية : الدّسائس والصّراعات... وفوضى التّعيينات... لوبيّات السياسة والأموال




 كيف يمكن أن نستقرئ التجاذبات والصراعات وتأثير اللوبيات الأمنية والمالية والسياسية في الجسم الإداري  لوزارة الداخلية ؟
 هل هذه الوزارة في منأى عن أزمات السياسة وأطماع رؤوس الأموال وتشكّل العصبيات الأمنية ؟   
 ما الذي يحدث في وزارة الداخلية ؟ تلك القلعة الأمنية التي حكم بها "بورقيبة" واستبدّ بها "بن علي"، هي قوام الدولة، فهي الوازع ذاك الذي يزَع الناس بعضهم عن بعض، في الاصطلاح الخلدوني وعلم الاجتماع... إنها إرادة القوة التي تحتكر السلاح والعنف.
في تلك البناية العالية التي تنتصب في قلب العاصمة التونسية تختفي أسرار الأمن وقواعد السيطرة، والعلاقات المعقدة بين ما هو سياسي ومالي، وبين ما هو أمني... كانت تلك البناية دائما رمزا للاستبداد والقهر والتعذيب وتخويف العامة... غير أن وظيفتها بدأت تتغير بعد سقوط نظام بن علي من وزارة للقمع إلى وزارة لإنفاذ القانون.
فتحول الطابق السفلي حيث الزنزانات الموحشة إلى مزار طلاه الوزير السابق لزهر العكرمي بالطلاء والدهن في محاولة لشطب التاريخ الأسود والمؤلم لعمليات التعذيب والإذلال... وفوقه في الطابق الثالث ذكريات جهاز امن الدولة  رأس حربة الدكتاتورية... وبجواره فرق التنصّت ومراقبة طاعة الرعاع لصاحب السلطان.


أزمة الإدارة في الداخلية

لكن بناء الوزارة هذا قد تصدع، ففي ظرف 7 سنوات تداول على وزارة الداخلية 6 وزارء وهم فرحات الراحجي والحبيب الصيد وعلي العريض ولطفي بن جدو وناجم الغرسلي والهادي المجدوب ... وعدد من كتاب الدولة... وبين هذا وذاك كان القرار السياسي مترددا ومضطربا بين تكليف كاتب دولة للأمن، أو كاتب دولة مكلف بالإصلاح، أو وزير للتنمية المحلية وفصل شؤون الولايات والبلديات عن وزارة الداخلية، أو حذفها وتجميعها لدى مدير عام الأمن الوطني... كانت قرارات اعتباطية.
ويتأكد الدور المؤثر للفاعل السياسي الذي تسبب في خلخلة توازن الداخلية ، وفي تفكيك البنية الأمنية التقليدية بعد الثورة، ذلك أن 7 شخصيات شغلت خطة مدير عام الأمن الوطني... و4 شخصيات شغلت خطة آمرا للحرس الوطني... وترافق ذلك مع قرارات تعد بالمئات في إعفاء وتنصيب الإطارات وفق أهواء الأحلاف السياسية والأحلاف الحاكمة... في ما يشبه حفلا للفوضى دون مراعاة للمصلحة الوطنية العليا.
لماذا تتعرض الوزارة في كل تغيير حكومي أو وزاري إلى عمليات تطهير منظمة وتبديل وتعيينات وإعفاءات، هي أقرب إلى التصفية الإدارية والاذلال المقصود للاطارات ؟


بين الهزائم والانتصارات

قد يرى البعض أن الأوضاع الأمنية تحسنت وان تونس باتت تعيش زمنها السعيد في الرخاء والأمان، فيصفّق البعض لأجل ذلك، فيمدح السيد الوزير، ويشكر رئيس الحكومة.
والحال أن التقرير البريطاني الأخير والصادر عن جهاز الأمن البريطاني قد حمّل أجهزة الأمن التونسية نتائج العملية الإرهابية بسوسة واتهم الأمن التونسي بالجبن والخوف إذ تأخر التدخل الأمني لأكثر من نصف ساعة حسب التقرير.
وجاءت عملية اغتيال الموساد للمهندس التونسي محمد الزواري في قلب مدينة صفاقس وانسحاب القتلة بهدوء، ثم القيام بالتصوير من داخل منزل الشهيد، ثم نقل تلفزي مباشر من أمام مقر وزارة السيادة، كل ذلك اثبت فشل إدارة مكافحة الجوسسة والتنصّت بالإدارة العامة للمصالح الفنية، وإدارتي الاستعلامات ومكافحة الإرهاب بالإدارة العامة للمصالح المختصة ومثيلاتها بالحرس الوطني.
وعوض القيام بإصلاحات جذرية في هيكلة الوزارة انشغل السياسيون بترويض الإعلام وتكليفه بتلهية الرأي العام عن قضية الاغتيال... كانت الحادثة فشلا ذريعا للوزارة في الاختراق وفي التنفيذ... إنها سياسة المحافظة على الوضع القائم statu quo دون القيام بإصلاحات عميقة... وسيكون ذلك سببا في وقوع عمليات إرهابية أخرى.
كان عمل وزارة الداخلية بعد الثورة مهتزا دائما... فصحيح ان مرحلة  فرحات الراجحي كانت عبثية لكن فترة ناجم الغرسلي كانت انتكاسة حقيقية قتل فيها السواح في عمليتي باردو وسوسة بشكل مأساوي... انها تتراوح بين الانتصارات وبين الهزائم... ففي الوقت الذي نجحت فيه الوحدات الأمنية مثلا في الإطاحة بشبكات إرهابية لعل أخطرها مشهدية، هو تصفية لقمان أبو صخر وجماعته على يد فرقة مكافحة الإرهاب للحرس الوطني في عملية نوعية... لكن تلك الانتصارات رافقتها هزائم موجعة، أهمها اغتيال الشهيدين شكري بلعيد والحاج البراهمي، وهجوم متحف باردو، وهجوم نزل امبريال سوسة، وهجوم بن قردان في بداياته، وتفجير حافلة الأمن الرئاسي.
ويعلم المختصون في المستقبليات واستشراف التحولات السياسية والعسكرية، أن ظاهرة الدولة الراعية للإرهاب "داعش" تعيش حاليا فترة انحدار وانهيار في سوريا والعراق وليبيا... انها تسير نحو الزوال كدولة وتنظيم يسيطر على مساحة جغرافية وإقليم وفضاء... لكن ايديولوجيتها سوف تستمر عقودا أخرى وستشكل تهديدا للأمن القومي.
لا يعني ذلك انحسار خطر ظاهرة الإرهاب... فالإرهاب سوف يستمر لسنوات وستكون له ارتدادات في المستقبل في كل دول العالم بما فيها تونس... هذا فضلا عن مؤامرات القوى الدولية لبسط هيمنتها وسعيها لإضعاف الدولة الوطنية في المجال العربي وتنفيذ سياسات تجزئة المجزأ في عالم عربي ضعيف وبائس تنتمي إليه تونس.


فوضى التغييرات... الإعفاء والتعيين بين الكفاءة والولاء

في عمل إحصائي تبين أن وزارة الداخلية قد فقدت توازنها بفعل اهتراء المشهد السياسي العام وغياب الاستقرار وسرعة تهاوي الحكومات... فكلما تبدلت حكومة أو وزير إلا وانقلب البيت على ما فيه... يُعفى مسؤولون ويُنصّب آخرون... تغييرات مستمرة في الإدارات العامة والفرعية ورؤساء الأقاليم والمناطق بالأمن والحرس الوطنيين.
تلك التغييرات أوهنت آداء قوات الأمن وأضعفت جاهزيتها... فقد أصبح المسؤول مهتما بربط علاقات وطيدة بالأحزاب والسياسيين النافذين ورؤوس الأموال من اجل تحصيل منصب أو ضمان بقائه... وقد نبه عدد من الخبراء إلى أن كبار المسؤولين بالوزارة لا يعمرون في مناصبهم أكثر من سنة وهذا ما يؤثر سلبا على النجاعة الامنية ... إنها فوضى التغييرات وقطع للاستمرارية.
لقد تحطمت الصورة التقليدية للبناية المرعبة للوزارة في قلب مدينة تونس... وانكسرت مثل بلور تشظّى... وماتت هيبتها بلا عود.
صارت تلك البناية مرتعا للأحزاب السياسية الحاكمة، فكلما تغير وزير أو  مسؤول إلا وانقلب الحال، فيذهب فريق ويأتي فريق... ولم تكن تلك التعيينات قائمة على قاعدة الكفاءة أحيانا كثيرة، بل قائمة على أساس الولاء والطاعة والنفاق، فأدى ذلك إلى تراكم طاقات وكفاءات من إطارات عليا أُعفيت من مهامها وأصبحت ممنوعة من الخدمة... إنها تتقاضى أجورا عالية وتحافظ على امتيازاتها من سيارات وبنزين غير أنها مكرهة على الصمت والعَطَالة... إنها كفاءات مهمشة بأمر إداري.


والغريب هو سياسة العزل والإقصاء التي يتعرض لها كثير من الإطارات... إذ يتم تجميعهم وإبعادهم عن دوائر القرار... وتتم نقلتهم إلى إدارات تسمى عند الأمنيين ب"الثلاجة" دلالة على تخزين تلك الكفاءات وتجميد فاعليتها... وتنقل تلك الكفاءات عادة إلى المرصد الوطني للمرور أو إلى إدارة التكوين أو إلى التفقدية العامة... بلا مكاتب ولا وثائق ولا أعمال... عدا أنهم حطام للحروب السياسية، وللدسائس الأمنية... انه هدر منظم للطاقات ولإمكانات الدولة ولمواردها البشرية، وتحطيم لكينونة الاطار ذاك الإنسان الفرد باعتباره كائنا يعيش بقيمة العمل ويحقق ذاته فيها.


الهادي المجدوب  ويوسف الشاهد... الصراع الصامت

ولعل وزير الداخلية الحالي الهادي المجدوب عليم بما يحدث في وزارته خاصة وانه كان يشتغل في ديوان الوزير قبل الثورة... انه لم يكن يبحث عن إصلاحات بقدر ما كان حريصا على البقاء في منصبه... انه يعمل على سدّ الثغرات والشقوق والتصدعات ليس أكثر، لكنه لا يحمل رؤية استراتيجية عميقة لصلاح العمل الأمني باعتباره غير مختص.
وقد أفادت أخبار مؤكدة أن العلاقة متوترة بين رئيس الحكومة ووزير الداخلية ...هي أشبه بالحرب الباردة... ويعود سبب ذلك إلى زمن حكومة الحبيب الصيد، حيث شغل يوسف الشاهد وزارة أحدثت على مقاسه، تحضيرا لترقيته إلى خطة رئيس حكومة، وهي وزارة الشؤون المحلية... ولم يحتف "المجدوب" كثيرا بالوزير الشاب المدعوم سياسيا من عائلة الرئيس... ولم يحسن قراءة التطورات السياسية اللاحقة.
وقد تحدث الشاهد مؤخرا في الكواليس لعدد من أصدقائه ونواب نداء تونس أن الهادي المجدوب أساء استقباله وقتها، ومنعه من الحصول حتى على أوراق الطباعة والمواد المكتبية والسيارات.... وذكر انه يتربص به الفرص لإزاحته... غير أن حركة النهضة لا تزال تدعم المجدوب.
ولعل رئاسة الحكومة تعاني هي ذاتها من أزماتها خاصة أنها فقدت كثيرا من صلاحياتها، تلك التي استولت عليها حاشية القصر بقرطاج... إنها حكومة محاصصة، مفتتة بين أحزاب سياسية، ولا تحمل أي رؤية اقتصادية أو اجتماعية للمستقبل... إنها تعاني من أزمات في الاقتصاد والصحة والتعليم والقضاء وفي الأمنيات... إنها حكومة فاشلة لم تقدر على تغيير الأوضاع بعد6 أشهر ولن تقدر على ذلك... تلك هي الحقيقة.
وكان هذا الصراع الخفي الدائر بين وزير الداخلية ورئيس الحكومة مندفع، احد أسباب استقالة المدير السابق للأمن الوطني عبد الرحمان الحاج علي، وهو الذي وجد نفسه مكبلا يقف في الوسط بين القرارات المتناقضة والمتنازعة لوزير الداخلية ورئيس الحكومة.
ويبدو أن الهادي المجدوب يسير حاليا في حقل من الألغام والمؤامرات السياسية، وهو يعلم يقينا أن رئيس الحكومة وحاشيته يكيد له من اجل إقالته في أول فرصة وان أطرافا سياسية أخرى، طامعة وطامحة، تريد الفوز بذاك المنصب، أو السيطرة على عُصاب الدولة ، وزارة الداخلية... فعمد إلى توسيع علااقاته السياسية وربط علاقات وطيدة بنواب حركة النهضة والنداء والجبهة الشعبية حتى انه استقبل حمة الهمامي طيلة 3 ساعات يوم اغتيال الشهيد محمد الزواري.
لعل اكتفاء  الهادي المجدوب بالمحافظة على الوضع القائم دون إحداث إصلاحات سيكون سبب انتكاسته لاحقا، لعله ليس شخصا مغامرا في السياسة بقدر ما هو رجل إدارة... وهو يعاني كذلك من نقائص في التواصل الإعلامي.
فوزارة الداخلية تصدر يوميا بلاغات عن أعمال وحداتها في القبض عن المفتش عنهم أو في اعتقال عناصر متعاطفة مع التيار السلفي... يتم نشرها في صفحات إعلامية أو في حوارات صحفية سكولاستيكية تقليدية وبلا معنى.
بل إن وزارة الداخلية بأكملها لم تقدر على ملء الفراغ الإعلامي رغم وجود الكفاءات... ولم يستطع لا "وليد اللوقيني" ولا "ياسر مصباح" أن يَسُدّا تلك الثّلَمَة.
سكتت وزارة الداخلية عن الكلام في الإعلام... حتى قال بعض الملاحظين:" إن الداخلية اليوم بكماء خرساء بلا صوت".
وفي جانب آخر فان الهادي المجدوب يتحمل الوزر السياسي للملف الأسود لحقوق الإنسان، بعد أن أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا في تاريخ 6 فيفري 2017 يؤكد عودة التعذيب الوحشي في مراكز الأمن التونسية وغرف الاحتفاظ وتراجع تصنيفها الدولي في مجال حقوق الإنسان.


مدير عام الأمن الوطني رمزي الراجحي... إلى أين ؟

وقد سعى الهادي مجدوب إلى محاولة تأمين ظهره داخل الوزارة، فقام بتسريع ترقيات مدهشة للمحافظ العام رمزي الراجحي، ابن معقل الزعيم احد الأحياء الشعبية بالعاصمة، والذي تحصل على مناصب حساسة في ظرف وجيز رغم انه لا يتوفر سوى على 14 سنة أقدمية عمل فعلي.
إنها الخطة الهامة والحساسة التي شغلها ديناصورات الأمن في تونس الحديثة من الجنرال زين العابدين بن علي، إلى الجنرال علي السرياطي، ومحمد علي القنزوعي، والجنرال بن حسين...
 الشاب رمزي الراجحي يلتحق فجأة بخطة جُعلت للكبار، وينتقل من خطة رئيس مصلحة جهوية ، إلى خطة مدير إدارة الإرهاب، ثم عين في خطة مدير عام للمصالح المختصة، ثم ارتقى بترتيب من وزير الداخلية وأطراف أخرى، إلى خطة مدير عام الأمن الوطني ...كل هذا حدث خلال مدة زمنية لم تتجاوز سنة واحدة.
إنه قفز مدهش بين حواجز مليئة بالمتصارعين وبالدسائس، رغم انه يوم تعيينه قد أصيب بخيبة وانتكاسة باعتباره كان مديرا عاما للمصالح المختصة، وهي الإدارة الأولى التي تتحمل مسؤولية وتبعات الفشل في التعاطي مع قضية اغتيال الزواري، واختراق الموساد للمنظومة الأمنية.
كان الشاب رمزي الراجحي يجلس وقتها بمكتبه في إدارة المختصة بوزارة الداخلية، في الوقت الذي كان فيه عناصر كوماندوس من الموساد يقيمون خلفه بنزل أفريكا، على بعد أمتار من مكتبه دون رقابة... وقامت عناصر أخرى من الموساد بالدخول عبر ميناء حلق الوادي محملة بأسلحة القتل وتنفيذ الاغتيال، في خرق سهل لمنظومة التفتيش.
لا يمكن قراءة الصعود المفاجئ لأمني غير معروف، سوى بوجود دعم سياسي من جهة مَّا... إذ يذكر الجميع أن "عبد الرحمان الحاج علي" قد تعرض إلى هجمة إعلامية من قيادات نداء تونس خاصة عبد العزيز القطي وشفيق الجراية من أجل تغييره... والأخطر من ذلك أن كمال اللطيف عاشق السياسة، قد شرع منذ شهر مارس 2016 في القيام بمحاولات لإقالة "الحاج علي"، باعتباره شخصا متمردا وغير متعاون في ما يطلب منه... ثم اتهمه "حافظ قايد السبسي" علنا بإخضاعه للمراقبة الأمنية.
هل يعني ذلك أن تلك اللوبيات السياسية والمالية هي التي زكت تسمية رمزي الراجحي في تلك الخطة الحساسة؟
كان الرصيد التاريخي للحاج علي ثقيلا، لذلك لم يقبل الرجل تعليمات السياسيين خارج متطلبات الأمن القومي والمصلحة العليا للوطن... ولعل اختيار الراجحي انما هو تمهيد لسيطرة اللوبيات السياسية والمالية على التعيينات ومراكز السلطة التنفيذية... إنهم يراهنون على تبعية وخضوع المدير العام الجديد لأطماع تلك اللوبيات.
هل بإمكان رمزي الراجحي الصمود من اجل المصلحة العليا للوطن، في مواجهة تلك أنانية وجشع  مراكز نفوذ متناقضة ؟
وتذكر المصادر أن علاقة صداقة كانت تجمع بين وزير الداخلية الحالي ومدير عام الأمن الوطني الشاب رمزي الراجحي خاصة في "لعبة الورق"... ولذلك بدأ التحضير لإسناد ترقية استثنائية لرمزي الراجحي على معنى الفصل 22 الذي ينص على أن كل شخص يقدم تضحيات وخدمات جليلة للوطن تسند له ترقية استثنائية... إنها ترقية ستتم في المستقبل القريب لان رتبة رمزي الراجحي لا تخول له تسيير كبرى الإدارات الأمنية، لذلك احتاج إلى ترقية استثنائية أي محافظ شرطة عام من الصنف الأول.
وتذكر الأخبار أن المدير الشاب ارتكب خطأ إذ نسي أن  يقدم تحية عسكرية لرئيس الدولة أثناء حضوره أول اجتماع لمجلس الأمن القومي وتعرض لاحقا للوم والتقريع من  المستشار العسكري للرئيس الجنرال العكروت.
وتؤكد الأخبار أن كثيرا من القيادات والكفاءات العليا داخل وزارة الداخلية تعيش في حالة تململ واحتقان باعتبار أن مديرها الشاب رمزي الراجحي لا يمكنه تسيير قيادات كثيرة أعلى منه رتبة وأقدمية وخبرة.
كيف لهذا المدير الشاب أن يتعاطى مع قيادات لا تعترف بأحقيته بالمنصب ؟
ولمواجهة هذا الاحتقان والرفض المسكوت عنه شرع وزير الداخلية والمدير العام الحالي في القيام بعملية تطهير وتغيير للمديرين ورؤساء المصالح والاستعداد لإجراء تغييرات واسعة في الإدارات العامة من اجل إخضاعها للوبي سياسي محدد، ونشر الخوف في الأوساط الأمنية من سطوة الإدارة.
 وقد ازداد الاحتقان داخل أروقة الوزارة على خلفية تصرفات مدير عام الأمن الوطني الذي تولى تكليف أعوان وكتبة لافتكاك السيارات الإدارية من المديرين الذين تم اعفاؤهم من مهامهم مؤخرا بشكل مهين فيه ما فيه من إذلال إداري.


البيروقراطية في وزارة الداخلية

أصبح عمل وزارة الداخلية معطلا نظرا لتواتر تغيير القيادات الأمنية بمجرد تغيير مدير عام الأمن الوطني... وترتب عن ذلك تضخم في الرصيد البشري غير المستغل للوزارة الذي بلغ أكثر من 1000 إطار امني اغلبهم رؤساء إدارات فرعية ومديري إدارات مركزية خارج الخدمة وأكثر من 14 مدير عام دون حقيبة في السنوات الأخيرة.
ويرى بعض الخبراء، أن ما يعاب على وزارة الداخلية، هو تخليها عن أبنائها من الكفاءات ممن ساهموا طويلا في تجاوز الأزمات التي مرت بها تونس، حدث ذلك حينما قام الوزير السابق فرحات الراجحي بعزل مجموعة من القيادات دفعة واحدة تحت ضغط المنطق الثوري.
لكن تلك الممارسات استمرت من بعده، باتباع اسلوب اخر في تصفية القيادات،  تقوم على تجميد الإطارات وإذلالها وإعفائها من القيام بأي مهمة إدارية، والاكتفاء بإلحاقها بإدارات فرعية لا تتوفر فيها أدنى شروط الكرامة.
فالإطارات العليا مثل:.. عماد الغضباني ووحيد التوجاني وعاطف العمراني وعبد الستار السالمي والمنصف العجيمي وعزالدين الخلفي ومصطفى بن عمر ومحرز الزواري وعماد عاشور وتوفيق الديماسي ويسري الدالي ولطفي القلمامي وسامي عبد الصمد ونبيل عبيد ومنير الكسيكسي ولطفي عبد الرزاق وسليم البرناوي وحاتم السباعي... وآخرين... كل هؤلاء لهم القدرة على القيام بإصلاحات عميقة وجذرية في شكل استشاري خارج المصالح الحزبية الضيقة.
إن وزارة الداخلية تشكيل معقد وليست جهازا امنيا خالصا منفصلا عن مؤامرات السياسة ودسائس لوبيات الأموال... إنها عش الدبابير رغم أنها تمثل عصب الدولة... لكن تناقضات كثيرة تشقها تاريخيا فهنالك تنازع وتدافع بين الإطارات ذات التكوين المدني وبين الإطارات ذات التكوين العسكري... وهو تنافس تاريخي ... بما يستدعي  إحداث توازن بين الشقين وهو دور الوزير.
هذا فضلا عن صراعات الأجهزة الأمنية في ما بينها... ويتجلى ذلك خاصة في الفصل بين من ينتمي إلى الإدارة العامة للأمن الوطني، وبين من ينتمي إلى الإدارة العامة للحرس الوطني... وأحيانا تنشأ صراعات داخل تلك الأجهزة ذاتها مما قد يعطل سير أعمال مصالح الأمن الداخلي.



الإدارة العامة الحرس الوطني... المركز والأطراف

يبدو أن وزارة الداخلية هي السلطة "المركز" (ثنائية المركز/الاطراف لسمير أمين)، بدأت تفقد سيطرتها على الإدارة العامة للحرس الوطني، حتى إن تلك الإدارة أصبحت أشبه بوزارة موازية تعيش على "الأطراف" خارج ذلك "المركز"، وتتمتع باستقلال داخلي، وتتلقى أحيانا دعما من جهات بقصر قرطاج... وقد طالب كثير من الخبراء بضرورة نقلة مكتب قيادة الحرس إلى مقر وزارة الداخلية لتثبيت سيطرة وزير الداخلية على أجهزته.
من جهة أخرى فان البعض يعتقد أن وجود مكتب آمر الحرس الوطني خارج الوزارة، كان له أثر سلبي في ابتعاد الحرس الوطني عن التأثير في دائرة القرار المقرب من الوزير... وبالتالي ظل نفوذ الإدارة العامة للأمن الوطني أكثر فاعلية وبروزا باعتبارها مقربة من دائرة القرار لدى وزير الداخلية.
والمطلع على الشأن الداخلي للإدارة العامة للحرس الوطني التي شغلها في من شغلها الجنرال الصادق القماطي احد عتاة الخبرات والمراجع الأمنية... يلاحظ غياب التناغم والانسجام بين آمر الحرس ومساعديه من المديرين العامين، حتى انه لم يعقد أي اجتماع بهم منذ أشهر عدة... إضافة إلى توخي سياسة تجميد الصفات القيادية والاقتصار على تكليف قيادات وسطى بمهام تصريف الشؤون بصفة نائب، دون أن يحددها أمر إداري، بما تنتفي معه قواعد المساءلة الجزائية والإدارية عند حصول أعمال مخالفة للقانون... رغم أن التفقدية العامة تعج بالإطارات العليا .
في تلك البناية الضخمة شقوق تنفذ منها الدبابير... ويكون عمل الوزير أشبه بمن يسير في حقل من الألغام... كيف له أن يسيّر الوزارة ؟


أفق الإصلاح في الداخلية

يبدو أن الوزير مطالب بالقيام بإصلاحات جذرية ... فالإدارة العامة للمصالح الفنية كان مردودها ضعيفا من جراء النقل المتواترة وعدم إسناد قيادة تلك المصالح للكفاءات المختصة فضلا عن حملات التطهير المتواصلة بعد الثورة .
وكذلك شأن القطب الأمني للإرهاب الذي يعاني من شلل مطلق وهدر لأموال المجموعة الوطنية دون فائدة تذكر... 200 اطار وسيارات وسفرات ومكاتب فخمة...ثم ماذا ؟ ما الذي قدمه القطب الأمني لمكافحة الإرهاب ؟... صفر من النتائج... وهو ما يستدعي إدماجه صلب المصالح المختصة واستغلال الكفاءات المجمدة فيه من اجل تطوير العمل الأمني... في إدارة مختصة هي ذاتها ما زالت تعمل وفق طرق تقليدية بالية.
ومن ناحية أخرى فان تقرير منظمة العفو الدولية مثير للفزع، لأنه يعود بنا إلى ممارسات تهتك حرمة الجسد الإنساني... والوزير مطالب أخلاقيا وسياسيا بالتصدي لكل أشكال التعذيب.
لقد أضرّ ذلك بالمردود العام للوزارة حتى صارت عاجزة عن درء الاختراقات وانشغلت بخدمة المصالح الضيقة للأحزاب الحاكمة.
والحاجة تدعو هنا إلى القيام بإصلاحات من ذلك الدعوة إلى تعيين قاض من الرتبة الثالثة من ذوي الخبرة في الشأن القضائي على رأس الإدارة العامة للمصالح الفنية قصد حماية المعطيات الشخصية وخصوصيات الأفراد  والطبقة السياسية والنخبة المثقفة ورجال الأعمال بعد تفشي ظاهرة التنصت وتسريب وثائق عن شبكة الاتصالات دون أذون قضائية . في ظل غياب إثباتات لمثل هذه الجرائم التي يرتكبها فنيون بوزارة الداخلية بحكم تحوزهم على مراكز تنصت توظف لخدمة أجندات سياسية ... حيث حدث أن تم تكوين ملفات للمساومة مع رجال أعمال وسياسيين.
في المنتهى، فإننا نعرّي ونكشف المسكوت عنه أو اللاّ مفكر فيه في عش الدبابير، في قراءة تحليلية نقدية دافعها وطني بامتياز... نحن نخوض في هذا الحرام أو "التابو" ذاك الذي يتداوله الأمنيون في الخفاء...انه يخفي في جبته صراعات داخلية وشعورا عاما بعدم الرضا... وهو يخفي كذلك اختراق الأحزاب السياسية واللوبيات المالية لبنية وزارة الداخلية، في حين أن الوزير الهادي المجدوب مثل كل الوزراء في الحكومة الحالية مشغول بصراع البقاء، يعمل جاهدا للمحافظة على منصبه دون الالتفات إلى مواضع الخلل ومشاريع الإصلاح.
وزارة الداخلية... تظل قلعة القلاع في إقامة سلطة الدولة لذا فإنها تحتاج إلى الحياد عن الصراعات السياسية... وان تظل مستقلة بذاتها محايدة من أجل الوطن... غير أن الواقع مخالف... وقوى الردّة قطعان ذئاب.





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire