mardi 21 février 2017

إلى قارئ وحيد وزير الشؤون الثقافية والمحافظة على التراث : آثار قعفور في مرمى الإهمال ...والزّحف عليها فاق الخيال




تعد مدينة قعفور مدينة ضاربة في عمق التاريخ وتبرز الخريطة الأثرية للمنطقة (1) أنّ قعفور توجد في التراب النوميدي عند التخوم المحاذية للتراب البونيقي الذي يفصل بينهما خندق فوساريجيا la fossa régia حيث عثر بجبل الشهيد على إحدى الأنصاب التي أمر بوضعها الإمبراطور» Rouspatianos» بعد حفر ذلك الخندق بمائتين وعشرين سنة (2)
وتفيد المعلومات المتوفرة بأنّ تيمسوا «Thimesua» العتيقة توجد بها آثار المعابد ، وقوس النصر والمسرح والكنيسة المسيحية والقلعة البيزنطية .(3) ولعلّ مدينة قعفور من المدن الـ 15 القلائل في الجمهورية التونسية التي تحتوي على مسارح وقد حدّدت الباحثة المرحومة نادية فرشيو موقع المسرح الأثري والذي مازال تحت الأنقاض ويقع اليوم في آخر حي الهنشير حسب التسمية القديمة أو حي السعادة حسب التسمية الحديثة وهي منطقة سكنية تقع على ضفاف وادي سليانة وعلي يسار الطريق الذي يربط قعفور بمنطقة البراكتة وقد زحفت المباني على هذه المنطقة الأثرية المنكوبة في مشهد مؤلم يوحي بالتخلف والاستخفاف بالموروث الحضاري ولا أدلّ على ذلك من السور العظيم «للقصر» على حد العبارة المتداولة لأهالي قعفور إذ جعله أحد السكان سورا لمنزله المبني منذ عقود وقد صمّت السلطات آذانها عمّا يقترف بحق الآثار من اعتداء سافر ومع ذلك يظل الأمل قائما في إنقاذ ما يمكن إنقاذه فالمنطقة العمرانية لم تزحف بعد على موقع المسرح الأثري وإن كانت المزابل قد زحفت عليه ! وهو ما يحتّم التحرك السريع من طرف وزير الثقافة الذي خاطبناه في الأمر عند زيارة سليانة بيد أن هدر الآثار لا يقتصر على الآثار القديمة والضاربة في عمق التاريخ بل إن آثار التاريخ المعاصر وتحديدا الحقبة الفرنسية تعاني هي الأخرى من إهمال منقطع النظير فالكنيسة التي تمت أشغال بنائها سنة 1920 وشهدت أول لقداس في ذلك الوقت طالتها عوامل البلى فمنذ أكثر من عقدين من الزمن تهاوى سقفها وأصبح أثرا بعد عين ولم يبق ماثلا منها غير جدرانها العظيمة وواجهتها العملاقة كالطود وهي تتحدى عوامل الزمن وتشهد على من مروا ذات يوم والكنيسة لها في قلوب القعافرية مكانة وأيّة مكانة فقد كانت فضاء لإقامة الأفراح والعروض الثقافية في ستينات وسبعينات القرن وهي تتطالعك ببنائها الشامخ من خارج البلدة وقد كانت تحتوي على تمثال مريم العذراء الآن هو ملقى بطريقة غاية في الإستخفاف بالموروث وسط أغراض المستودع البلدي بقعفور وهو تحفة فنّية نادرة الوجود ولم تسلم دار القس كذلك من الاعتداء إذ حولها أحد المواطنين إلى منزل إضافة إلى الكنيسة تعاني مقبرة النصارى هي الأخرى من إهمال كبير فقد تمّ بناؤها بناء على طلب مؤرخ في 6 أوت 1907 من المدير العام للأشغال العمومية إلى السيد روي (Roy) الكاتب العام للحكومة التونسية وهي تبعد 800 متر عن خزّانات تزويد المحطة بالماء فقبورها غدت أثرا بعد عين فقدت جانبا كبيرا من جمالية معمارها يعمّرها البوم والغربان ولم يترك لها لصوص المقابر غير بعض رخام يحمل أسماء باهتة لعائلة «قابريال وعائلة أرنو» أمّا قاعة السينما فلم تسلم هي الأخرى من عوادي الزمن فقد أقتلعت معظم كراسيها ومازال ركحها في حالة جيدة وإن كان يحتاج إلى صيانة وقد صمّمت قاعة السينما سنة 1926 على مساحة 450 م2 وتم مشاهدة أول عرض سينمائي عنوانه le Hibou وإنتهت أشغال بنائها ما بين سنتي 1935 و1937 كما تعاني بعض الضيعات الفلاحية المنتشرة حول قعفور من إهمال كبير وتعدّ على جمالية معمارها مثل إقتلاع الرخام والجليز والأراجيح القديمة .


 إنه الاستخفاف الفاضح بالتاريخ والموروث والشعوب التي لا تجل تاريخها شعوب متخلفة ونحن في هذا الإطار نهيب بالسيد وزير الثقافة كي يتحرك لحماية آثار قعفور قبل أن تصبح كلها أثرا بعد عين فمتى ترمّم الكنيسة ولما لا تحول إلى دار للجمعيات ومتى يصان تمثال مريم العذراء وينتشل من الخرابة الملقى فيها بالمستودع البلدي ومتى ترمّم مقبرة النصارى ثم متى يشرع في عملية التنقيب عن المسرح الأثري الذي من شأنه أن يدفع بقاطرة التنمية ويجعل من قعفور قطبا سياحيا في الجهة وهو ما من شأنه أن ينعكس بالإيجاب على كل أهالي قعفور هذه المدينة المنكوبة التي تعاني من التهميش ألوانا وافتقار المدينة لتنمية شاملة وفعّالة.





 نجيب البركاتي 
باحث في الحضارة
رئيس جمعية الفنون 
و المحافظة على التراث

1 - فرشيو نادية : المعهد الوطني للتراث، تبين هذه الخريطة الأثرية موقع المدن البونيقية والرومانية والنوميدية وهي ذات بعد إقليمي وتوجد هذه المدن بولايات باجة وسليانة وزغوان.
2 - صفر أحمد : مدنية المغرب العربي في التاريخ، ص 241-242 .
3 - الحمروني أحمد : معجم المدن التونسية ط 2 تونس ص 137.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire