mardi 14 février 2017

راديكالية التدمير وإستراتجية التجذير




نشر استاذ الفلسفة زهير الخوليدي في موقع الحوار المتمدن مقالة في محور الثورات والانتفاضات الجماهيرية بتاريخ 2 فيفري 2017 تنشرها الثورة نيوز في سياق جدل الافكار حول التحولات في المنطقة العربية  يمكن أن تكون الراديكالية عرفانية ، أو سلوكية، أو الاثنين معا»1 
لقد اقترن مصطلح «الراديكالية» بالممارسات العنيفة في السياسة وبتفجر العمليات المروعة وتناسلها في العالم بطريقة مثيرة للاستغراب، ولقد عملت السلطات الجمهورية على الحد من اللجوء إلى الجذرية في النضال واقتصرت على الموقف اللين والسلوك المعتدل وطالبت بتحقيق العقلانية والمصلحة الواقعية. بطبيعة الحال يطلق في الفلسفة مفهوم الراديكالية على اتجاه في الفلسفة الانجليزية2 يمثله بنتام ومل وينادي باللبيرالية والفردانية والديمقراطية التمثيلية وحق النساء في التصويت ولكن يعني هذا الاتجاه في فرنسا تيارا سياسيا جمهوريا يمثله ألان3 ويجمع بين اللائكية والتحررية، ويذهب الفيلسوف الراديكالي إلى حيث الجذور من الأشياء بدل البقاء في المظاهر والسطوح ويتبنى استراتيجية التجذير بدل سياسة الهدم والتدمير والتخريب.
لقد استعمل الشك عند رونيه ديكارت بصيغة راديكالية ولم يقتصر على لمس بعض الأشياء وإنما امتد إلى مجالات المعرفة ولقد سعى إلى تأسيس العلم على قواعد متينة ومبادئ يقينية وحقائق واضحة ومتميزة4 .
بعد ذلك يقوم أدموند هوسرل5 باستعادة الراديكالية من أجل تدشين استئناف معاصر للميتافيزيقا وفق ضرورة بدء جذري في الفلسفة بوضع كل شيء بين معقفين ويصل ذلك إلى امتحان الأسس الأولى. وتبعا لذلك رأى هوسرل أن جذرية ديكارت بقيت مجرد طموح مثالي يخضع لتوجيه نموذج الفيزياء الرياضية.
من جهة مختلفة استعمل عمونيال كانط6 عبارة الجذري في تحليله لظاهرة الشر وأفاد بها مسألة الشر الأخلاقي الذي يتجذر بصورة فطرية في الطبيعة البشرية ويستوجب انقلابا بين القانون الأخلاقي والقواعد المرتبطة بالرغبة وذلك من خلال الاحتكام إلى صوت القلب وتحكيم الضمير والعودة الى الوجدان الطيب. من هذا المنطلق لقد ارتبطت الجذرية باليسار ضد اليمين والنضال الاجتماعي ضد سلطة رأس المال وأفادت المعارضة والتمرد والعصيان والخروج عن المألوف والانقطاع عن إتباع الحشود وتفعيل النفي وممارسة السلب وتبني حركة عدمية ورفع لاءات الرفض والانحياز إلى الخيارات المبدئية وقول الحق في كل الظروف.
غير أن المشكل لا يتعلق بالراديكالية في حد ذاتها ولا بتداعياتها الكارثية واستتباعاتها المهلكة والمحطمة وإنما بغياب سياسة عامة تتصف بحسن التدبير وسداد الرأي وحكمة الانجاز وعقل الدولة وثقافة الأمة. كما أن الراديكالية قد تقدم العديد من الآليات المفيدة التي تسمح بالتقدم العلمي والتنمية الاقتصادية والتطور الحضاري في ظل التنافس الاجتماعي بين القوي الفاعلة والصراع السياسي بين المنظمات والأحزاب.
علاوة على ذلك تستبسل النزاعات الراديكالية في نقد التمركز وتزعج السلطات وتخلع هالة القداسة وتفك الارتباط مع التبعية وتذهب إلى حدود أبعد من الأنظمة التابعة والعلاقات الاستعبادية والأنماط الاستغلالية.
لكن ماهي الأسباب الفعلية التي تقف وراء فشل سياسات التعمير ونجاح التجارب الراديكالية في التدمير؟ وهل توجد فرضيات تفسيرية وتراكمات تقريبية للمسارات الجذرية في تنظيم الشؤون العامة للمواطنين؟ والى أي حد تقلل المقاربة الابستيمولوجية من الاستعمالات المشوهة والأفكار العقيمة للحلول القصووية؟ ومتى توجد نظرية سياسية ونقدية تقدر على استثمار الإستراتيجية الجذرية في عملية بنائية للفضاء العام؟
ماهو في محك النظر وميزان العمل هو اعتماد خطة راديكالية تكون قادرة على الموازنة بين القيام بتدمير أشكال الاغتراب وإفراغ الأجهزة من الأساليب القمعية وتغيير مواطني للبنية العلائقية للواقع الاجتماعي.
كما تتغير طرق الناس في التأثير وتتبدل أساليبهم في الإقناع في السوق اللغوي ويعتمدون كلاما مقتضبا ويقومون بالتخفف من مشاريعهم المستقبلية ويحرصون على حشر النظرية السياسية بالأحكام المعيارية ويتجنبون الحديث عن الأزمات ويكتفون بتجميل الأحداث والتقليل من التطرق الى الخسائر والتكاليف.بهذا المعنى يرفع الفكر السياسي السقف المطلبي إلى التخوم ويقلب الموقف النظري ويتبنى خيارات جذرية ويعوض سؤال ما العمل؟ بسؤال جديد: ماهو الأمر الذي لم يتم بشكل طبيعي وأعاق العمل؟
لا يقتصر النظر عند الراديكاليين بالمرور من النظريات والمعتقدات المغلقة إلى الممارسات والتجارب المتشددة بصورة ميكانيكية وإنما يقومون بالتحليل والنقد ويبتكرون النظريات المغايرة والرؤى المنحازة للمظلومين ويعتنون بالعلاقات المجهرية التي تتكون فيها السلطة ووسائل الدفاع الذاتي والفعل المشترك. اللافت للنظر أن تجديد النظرية السياسية يتطلب ضخ جرعة نقدية داخل المفاهيم المتداولة والإجراءات التقليدية وامتحان قدرة السياسي على التمييز بين شبكة العوائق وممكنات الانتصارات وبين عدد المزالق ونسبة النجاحات.
يُحدث الفاعل السياسي تحولات في المشهد الاجتماعي عندما يضع النظرية النقدية محل النظرية التقليدية ويحول الصراع المادي على الثروة والموقع والهيمنة إلى صراع رمزي على الاعتراف والكرامة والحق. 
يتوجه الخطاب الراديكالي نحو التخلص من آليات السيطرة وتقنيات التضليل ويدفع التحولات في المجتمع المركب إلى حدودها القصوي ويترك القوى المتضاربة تنهي معركتها بنفسها ويدخل في إيجاد المخارج الممكنة ويجهز نفسه ليستقبل نزاعات طارئة ويثير على السطح قضايا خلافية تثيرها علاقة الدولة بالدين. غني عن البيان أن الفاعل السياسي يضطر إلى الالتزام الراديكالي من أجل التوقي من المخاطر الداخلية التي تهدد الحقوق والحريات وتعصف بالمكاسب المدنية والمنجزات الحضارية وبغية مقاومة مد الهمجية ورغبات التدمير.
بهذا المعنى تبدو الراديكالية تجربة تاريخية تمر بها الحركة النضالية بشكل ضروري إذا ما أرادت ترسيخ تغيير جوهري في موازين القوى المتنافسة وافتكاك الموقع الطليعي الذي يسمح بالتحكم في مآل المعركة.
لا تعني الراديكالية القيام بالترفيع في المنسوب الإيديولوجي والإفراط في العنف السياسي وإنما تتمسك بالثوابت الوطنية وتدافع ببسالة على القيم التقدمية وتتحلي بالروح الثورية وتظل وفية للمواقف المبدئية.
لا يفضي استعمال الراديكالية حتما إلى تهديد القوى المعادية ولا يمارس نوعا من التخويف لدوائر النفوذ وإنما يسمح بالأساس بافتكاك الحقوق ويصنع سلطة مضادة للسلطة الحاكمة ويحقق التوازن في المجتمع.
ليست الحركة الجذرية في النضال الاجتماعي نزعة لاسلطوية ولا تعادي التنظم والعقلنة السياسية ولا تفيد الغضب المشروع والانتقام العادل بل تنمية للتضامن بين الفاعلين وتمتين للعروة الوثقي بين الملتزمين. 
بيد أن الراديكالية يمكن أن تتحول إلى ممارسة ميكانيكية وتجربة سياسية عقيمة تعبر عن فكر ضعيف وموقف بديهي وتكشف عن ضعف سياسي وعجز عن إيجاد البدائل والاقتصار على المعارضة السلبية. علاوة أن على أن الراديكالية قد تتحول إلى أمر خطير عندما تختلط بالطائفية والمذهبية والفكر العنصري وتنخرط في الأعمال المسلحة والحروب الأهلية وتسبب في تمزيق الأوطان وتقسيم المجتمع المتلاحم. ما يقوله العقل وتكشف عنه التجربة التاريخية أنه هذا التوتر ربما ينبع نتيجة المسافة التي تفصل في راديكالية التضحية بين المبادئ والمطالب وبين الأسس والأهداف وصعوبة معرفة المسار المتبع وتعثر قياس زمانية المنطلقات والفترات المطلوبة للتحصيل.صحيح أن الراديكالية في السياسة هي رد فعل من طرف الفئات المنبوذة على التهميش وعلى الإقصاء وأنها تتخذ أشكالا قصووية من أجل انتزاع الاعتراف واثبات الذات وامتلاك المعنى وافتكاك حق الوجود ولكن الراديكالية البنائية هي التي تحرص على بناء مشروع وطني جامع وعلى تمكين المجتمع من تخطي الورطة وتتحول إلى إستراتيجية تشييد وتعيد تأسيس الفضاء العام بنظرة عصرية ومن منطلق تجديدي. فمتى تؤشر الراديكالية على صعود الوعي بالذات إلى منزلة الحذر الحكمي والفعل السياسي الحصيف؟
الاحالات والهوامش:
- Xavier Crettiez, penser la radicalisation, une sociologie processuelle des variables de l’engagement violent, Revue française de science politique, I, volume 66, n°5,Octobre 2016. p711
2-Voir Halévy (E) , la formation du radicalisme philosophique, 3 vol, Paris, 1901-1904
3- Voir Alan, Eléments d’une doctrine radicale, Paris, 1925.
4- Voir Descartes René, Discours de la méthode , 2, 
5-Voir Husserl, Méditations cartésienne, II,
6- Kant E, la religion dans les-limit-es de la simple raison, 1 partie, III,
المرجع:
Revue française de science politique, I, volume 66, n°5,Octobre 2016.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire