mardi 28 février 2017

صدق أو لا تصدق : عن خزعبلات مافيا الفريب (الملابس المستعملة) ... تصدير الرّمل وإلقاؤه في عرض البحر عوض تصدير الملابس المستعملة أو المنتوجات المحوّلة ؟




لم يخطر ببال التونسي يوما أن عصابة الفساد المتمعشة من داخل الإدارة سوف تمكّن الأجانب وبالأخص الايطاليين من النشاط في قطاع تجارة الملابس المستعملة أو ما يعرف بالفريب. هل نحن في حاجة إلى متحيلين أجانب لكي يمارسوا لدينا تجارة الملابس المستعملة التي يتمكنون من خلالها من ممارسة كل أنواع الجرائم كالتحيل الجبائي والتهريب الديواني والغش وتهريب العملة الصعبة وتبييض الأموال. فقد استغل المتحيلون وبالأخص الأجانب الثغرات التي تضمنها الأمر عدد 2396 لسنة 1995 المتعلق بطرق توريد وتحويل وتوزيع الملابس المستعملة كما تم تنقيحه وإتمامه بالأمر عدد 2038 لسنة 2005 لينتصبوا بتونس كأشباه مصنعين لا علاقة لهم بالصناعة.
تعتبر أفصالا من الملابس المستعملة الأفصال المستعملة من مادة النسيج والمكوّنة من الملابس وتوابع الملابس والأغطية وبياضات الأسرة والمائدة والاستحمام والمطبخ وأصناف المفروشات وغيرها من الأفصال الأخرى المضمنة تحت البند 63090000023 من التعريفة الديوانية.
وتعتبر الأحذية وأحذية الرياضة واللعب والحقائب اليدوية وأغطية الرأس المستعملة والأفصال غير المدرجة ضمن تعريف أفصال الملابس المستعملة المشار إليها أعلاه والموردة عرضا ضمن كميات الملابس المستعملة كفواضل لا يمكن وضعها للاستهلاك ويجب إعادة تصديرها أو إتلافها. نشير بهذا الخصوص إلى أن المتحيلين التونسيين والأجانب يتفقون مع مزوديهم الأجانب لحشو أكياس الملابس المستعملة بالافصال الممنوعة كالأحذية واللعب والحقائب اليدوية وغيرها.
ويتعين على الصناعي للتمتع بنظام المستودع الصناعي أن يكون مجهزا بالات قص وتنسيل لعمليات تحويل الملابس المستعملة مصادق عليها من طرف وزير الصناعة. ويخصص نظام المستودع الصناعي قصرا لعمليتي فرز وتحويل الملابس المستعملة. ويتم توريد الملابس المستعملة تحت نظام المستودع الصناعي بمقتضى رخصة توريد سنوية تسلم من وزير التجارة بعد اخذ رأي وزير الصناعة وذلك حسب مقاييس يقع ضبطها بمقتضى قرار مشترك بين وزير التجارة ووزير الصناعة. ولا تسند رخصة توريد جديدة إلا إذا أثبتت المؤسسة المنتفعة بنظام المستودع الصناعي تسوية 50 بالمائة على الأقل من وارداتها السابقة. وتتمثل التسوية في تصدير 30% على الأقل من الكميات الموردة وتحويل 20% على الأقل من نفس هذه الكميات و.يتعين تحويل الملابس المستعملة الموردة أو إعادة تصديرها في اجل 6 أشهر على أكثر تقدير بعد تاريخ تسجيل التصريح الديواني للدخول إلى المستودع الصناعي ما عدى في حالة تمديد هذا الأجل من طرف المدير العام للديوانة.
في عديد الأحيان تكون عمليات التصدير صورية وغير حقيقية وفي ظروف فاسدة. فقد يلجا المتحيلون إلى تصدير الرمل الذي يتم إلقاؤه في عرض البحر عوض تصدير الملابس المستعملة أو المنتوجات المحولة. اما عمليات التصدير، فقد ثبت لدى وزارة المالية ومصالح الديوانة والبنك المركزي انه لم يتم ادخال عائداتها من العملة الى البلاد التونسية دون ان يتم تفعيل العقوبات الجزائية والمالية المنصوص عليها بمجلة الصرف ومجلة الديوانة ومجلة الحقوق والاجراءات الجبائية وكذلك دون ان يتم ايقاف المؤسسات المخالفة عن النشاط. هل يعقل ان يتواصل منح المتحيلين رخصا لتوريد كميات جديدة رغم عدم القيام بتسوية 50 بالمائة من الكمية المستوردة وعدم ادخال عائدات عمليات التصدير من العملة الصعبة الى تونس.
وقد تاكدت تلك التجاوزات الخطيرة من خلال تقرير دائرة المحاسبات المتعلق بسوء التصرف المستشري داخل الادارة العامة للديوانة الذي نص بوضوح على ما يلي :»ورغم اهمية عمليات التوريد في قطاع الملابس المستعملة والتي بلغ معدلها خلال الفترة 2010-2013 حولي 287 مليارا في السنة، فان حصة الصادرات من هذه الملابس مقارنة بوارداتها لم تتجاوز نسبة 9،5 بالمائة علما بان النظام الديواني الذي يرجع اليه هذا القطاع يقتضي تصدير وتحويل ما لا يقل على التوالي عن 30 بالمائة و20 بالمائة من الكميات الموردة من الملابس غير المفروزة».
كما اكدت دائرة المحاسبات في تقريرها ان مافيا الفريب تتلاعب بالقيمة المصرح بها لدى الديوانة «وعلى صعيد اخر، تم الوقوف فيما يتعلق بالمؤسسات الناشطة في قطاع الملابس المستعملة والمنضوية تحت نظام التحويل للتصدير الجزئي على نقائص تعلقت برقابة القيمة علاى البضائع المعدة للتسويق المحلي وللتصدير».
أيضا أكدت دائرة المحاسبات ان ضعف الرقابة الميدانية ساهم في تغول مافيا الفريب التي عاثت فسادا في موارد الخزينة العامة كما يتضح ذلك من خلال العبارات التالية :»ومن جهة اخرى، لوحظ ضعف المراقبة الميدانية التي تقوم بها مصالح الديوانة على المؤسسات التي لا تخضع للرقابة المستمرة وخاصة تلك المنضوية تحت نظام التحويل الفعال بما من شانه أن لا يمكن من الوقوف على عمليات الاختلاس المحتملة للبضائع الموردة أو المنتجات التعويضية أو تخصيص وجهة ديوانية غير مقبولة لها. وأفادت الإدارة العامة للديوانة بانها ستتلافى هذا الأمر في المستقبل وذلك ببعث خلايا تعنى بالمتابعة وبمدها بالوسائل المادية والبشرية اللازمة للقيام بالزيارات الميدانية».
ورغم أن الحكومة على علم بالتجاوزات الخطيرة التي تقوم بها مافيا الفريب إلا أنها لا تزال تعطل مشروع القانون الجاهز الذي تم إعداده من اجل تطهير القطاع من عصابات النهب والتهريب والغش كما تأكد ذلك من خلال تقرير دائرة المحاسبات :»وقد تمت خلال جلسة العمل الوزارية المنعقدة بتاريخ 27 ماي 2013 حول قطاع الملابس المستعملة إثارة عديد الإشكاليات من أهمها وجود كميات من الملابس المستعملة بالسوق المحلية تفوق بكثير الكميات المرخص فيها وكذلك عدم تناسق الأرقام عند مقاربة الكميات الموردة وتلك المصرح بها عند التسوية. ومن بين الاشكاليات المثارة أيضا ضعف المراقبة الإدارية على المؤسسات في مختلف مراحل النشاط وصعوبة التثبت من توفر الشروط المطلوبة عند تجديد رخص التوريد أو عند إسناد الحصص بعنوان السوق المحلية. وقد أدى كل ذلك إلى تراكم المخزون غير المحول أو غير المصدر مما جعل القطاع يحيد عن أهدافه التنموية. ورغم هذه الوضعية المعقدة، لم يتوفر للدائرة ما يفيد اتخاذ مصالح الديوانة إجراءات فعالة لتلافي مختلف الصعوبات والإشكاليات».
وبغاية تعطيل مشروع القانون الجديد الذي من شانه الضرب على أيدي مافيا الفريب، تم تنظيم حملة إعلامية مأجورة وترويج مغالطة كبرى مفادها أن الدولة تعتزم منع توريد الفريب وهذا محض كذب سافر.
إن حجم الخسارة الجبائية التي تتكبدها سنويا الخزينة العامة في قطاع الملابس المستعملة تقدر بما يقارب 100 مليارا دون اعتبار التلاعب بالمعاليم الديوانية نتيجة للتصاريح المغشوشة وتهريب الافصال الممنوعة مثل الأحذية واللعب والحقائب اليدوية.
ورغم أن أمر 1995 المنظم للقطاع يخول لوزير التجارة، بمقتضى قرار، الإذن بغلق محل أو محلات بيع الملابس المستعملة التي ترتكب فيها ممارسات غير شرعية وذلك لمدة لا تفوق شهرا وكذلك لوزير المالية بسحب الترخيص في نظام المستودع الصناعي مؤقتا أو نهائيا حسب خطورة المخالفة إلا أنهما لم يحركا ساكنا إلى حد الآن وهذا من شأنه المساهمة بصفة فعالة في تخريب قطاع النسيج وموارد الخزينة العامة وتعفين محيط الاستثمار وتحصين المافيات التي هي بصدد الإثراء بدون سبب على حساب المصلحة العامة. اما محافظ البنك المركزي ومصالح الديوانة فإنهم يتفرجون بسلبيتهم المقيتة والمعهودة على الجرائم الخطيرة المرتكبة من قبل مافيا الفريب.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire