mercredi 25 janvier 2017

«فقر وتهميش؟؟ المهم الحكومة تعيش..» : تونسيون يقدّمون أبناءهم قرابين للفت نظر المسؤولين




ككلَ شتاء من السنة، تلتحَف المناطق المهمَشة برداء أبيض يخاله الزائرون ثلجا ويستبشرون بنزوله وما هو الا كفن يحمل في طياته بشاعة الفقر والخصاصة التي حرم ابناء هذا البلد من حق العيش بكرامة..
في القرن الواحد والعشرين, وإبان ثورة لم ننل منها سوى الأوهام.. مازالت الأجساد تحرق سخطا على جوع البطون ومازالت الثروات تنهب تحت حماية القانون.. ومازالت أكواخ بدائية تشيَد لتأوي عائلات بالكاد يذكرون..الا إذا ما أصابتهم مصيبة، يستغلها الساسة والاعلاميون ليصنعوا منها سبقا يستهلكه المشاهدون وسرعان ما عنه ينصرفون...حتى أصبح مشهد الفقر معتادا ملَته أعين المستهلكين وتجاهلته الحكومة والسياسيين.. إلى حين يبدأ الإعداد للحملات الإنتخابية.. وتصبح المناطق المهمَشة المنسية، مادة دسمة لتحقيق المطامح السياسية...
وحسب خارطة توزيع نسب الفقر بالبلاد التي قدَمها المعهد الوطني للاحصاء، نجد أعلى نسبة بولايات الوسط الغربي ب29.4 تليها ولايات الجنوب الغربي ب 14.07 بالمائة ثم الجنوب الشرقي ب 11.04 بالمائة و11.01 بالمائة بالشمال الغربي خاصة ولاية جندوبة .
في حين تبلغ نسبة السكان تحت خط الفقر الأعلى في ولايات الشمال الشرقي 9.06 بالمائة و6.09 باقليم تونس الكبرى .
ومن مفارقات الزمان ان البطالة التي قامت من أجلها الثورة قد شهدت ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغت بلغت حوالي 28.06 بالمائة في منطقة الوسط الغربي ونسبة 26.9 بالمئة في الجنوب الغربي و26.8 بالمائة في الجنوب الشرقي حسب المعهد الوطني للاحصاء .
كما افادت الاحصائيات ان ولاية قفصة تاتي في مقدمة الجهات التي تعاني من البطالة حيث سجلت نسبة بطالة بنسبة 28.3 بالمائة تليها تطاوين ب 23.06 ثم القصرين في المرتبة الثالثة ب 20.7 بالمائة وقابس في المرتبة الرابعة ب 18.1 بالمائة .
في المقابل ارتفعت نسبة الإقبال على الخدمات في القطاعات الخاصة من صحة وتعليم في استغلال لتدهور القطاع العام، وهو ما يساهم في اندثار الطبقة المتوسَطة التي لم تعد قادرة على مواكبة الارتفاع المجحف لتكاليف العيش وارتفاع الأسعار.
ليتحوَل المجتمع التونسي إلى فئتين لا ثالث لهما ويحصر بين فقراء وأغنياء.


طفولة تنادي بالموت و شباب يدفع للإرهاب.. وسياسة لاستثمار البطون الخاوية

برزت خلال السنوات الأخيرة ظاهرة «انتحار الأطفال» الذين خيَروا وضع حدَ لحياتهم بسبب تردَي أوضاع العيش وشعورهم بأنهم تحوَلوا إلى عبء يثقل كاهل أوليائهم وعجزهم عن تحمَل صعوبات ماديَة قدَر لهم العيش فيها. 
وقد بلغت حالات ومحاولات الانتحار لدى الأطفال في تونس 184 حالة عام 2015، مقابل 40 فقط في السنة التي سبقتها..
وهو رقم مفزع لا يحيلنا الا على ثقافة اليأس التي تمكَنت من مستقبل البلاد.. وعجز المسؤولين عن وضع حد لهذه الظاهرة التي تسير نحو الأرتفاع ، يعيدنا إلى اسطورة الغول الذي يقتات من أرواح اطفال الفقراء، امام حكومات أشبه «بالغول» تزايد على الفقر وتراهن على حياة البؤساء..
امَا الشباب الذي اعتاد مأساة الفقر حتى عجز عن تخيَل واقع أجمل، فإما ان يستخدم كبيدق للترهيب حيث تستثمر أطراف خفيَة جوعه وقلَة حيلته وشعلة الحياة التي أطفأتها الخصاصة، لتصنع منه إرهابيا يجنَد باسم الجهاد، لا يرى في هذا الكون ما يستحق الحياة ولا يتردد في تفجير نفسه طمعا في جنان الخلد وحور العين.. او ان يستباح دمه فيذبح في عقر داره أمام عائلته أو يفجَر جراء لغم بينما كان يجاهد من أجل لقمة العيش أو يرسل رأسه في كيس بلاستيكي كرسالة مضمونة الوصول لهيبة الدولة...
من ذلك ما كان مبروك السلطاني الراعي الذي طالته يد الارهابيين يوم 13 نوفمبر في جبل المغيلة حيث ذبحوه وأرسلوا رأسه في كيس بلاستيكي الى عائلته التي لم تجد لها بديلا – في غياب الأمن- سوى حفظه في الثلاجة, ليقضي الراعي آخر ليلة له فوق الثرى مشطورا الى جزءين: رأس حفظ بين ماكان موجودا من أكل في الثلاجة وجثَة لم تتراقص عليها الكلاب بل ظلت تحرسها الى أن اهتدى اليها أهلها.
ويذكر أن عمليَة ذبح الرَاعي تزامنت مع  اعتداءات إرهابية في باريس اهتز لها العالم بما فيه رئيسنا الذي لم يبخل بآداء واجب العزاء وشدَ رحاله الى فرنسا لآداء واجب العزاء لفرنسا.. مخلَفا رعاياه تبكي الراعي مبروك في ذهول من هول ما أصابه ، وأصحاب السلطة والطامحين لها والطامعين فيها يتباكون أمام عدسات الكاميرا في محاولة للركوب على الحدث - كما عوَدونا في كلَ مرَة- في استعراض بائس لتضامنهم مع العائلة المنكوبة, مستغلين فقرهم وحاجتهم للتهكَم على سياسة الدولة..مبدين اسفهم على ما أصاب مبروك, مخفين نيتهم توظيف ما حدث لصالحم.
مأساة ذبح الراعي الذي لم يتجاوز 16 من عمره امام اعين ابن عمَه ذي 14 عاما كانت من أشنع الجرائم التي شهدناها والتي تناولها الاعلام أياما وسرعان ما انصرف عنها لغيرها من النوائب التي ماانفكَت تصيبنا منذ قيام الثورة المباركة ثمَ عاد ليذكرنا بها في استعراض لمجهودات الدولة العظيمة للحد من معاناة عائلة الفقيد واتحافنا بصور للمسكن الذي هيؤوه لعائلته ومشروع تعبيد الأربعة كيلوميترات الفاصلة بين منطقة المغيلة وجلمة.
ونحن لا نتكَر لهذه اللفتة الكريمة من قبل وزارة التجهيز والاسكان ونحييها على مجهودها الكبير في تحسين المسكن وتهيئته كتعويض على تقصير الدولة في حماية رعاياها.
ولكن هل أصبح الموت سبيل الفقراء والمهمَشين لتبليغ أصواتهم؟ وهل تحوَلت الشفقة على أهل الضحية الى «حسد» لما ينتظرهم من تعويضات ماديَة؟ 
بالأمس أحرق «البوعزيزي» نفسه في محاولة لتبليغ صوته فخسر حياته واغدقت الهبات والمساعدات على عائلته التي خلَفت البلاد خرابا وهاجرت الى كندا.
فنسج على منواله الكثيرون الذين لسوء حظهم لم ينالوا شيئا.. فمشهد الحرق بات معتادا, قد ملَته السلطة والمجتمع ولم يعيد يثير في النفوس شيئا.. 
أصبحت الاعتداءات الإرهابية أكثر رواجا هذه الفترة.. كلَما ازداد العمليَة بشاعة ازداد وقعها في النفوس وكلَما حفلت المنابر الاعلامية بالسياسيين والحقوقيين وامام كل هذا لا تجد الدولة خيارا غيرجبر الضرر المعنوي للمنكوبين في محاولة لاخراسهم وفي سعي متواصل لاستبلاهنا.

و بعيدا عن السياسة.. 

يبدو انَ من سبل العيش الكريم في مجتمعنا تقتضي بالضرورة ان ندفع للحصل على ما نريد.. فإن حال فقرنا وخصاصتنا دون ذلك لا بدَ من التضحية بأحد أفرادنا وتقديمه قربانا مقابل حصول البقية على واقع يليق بإنسانيتهم.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire