dimanche 8 janvier 2017

من وحي أساطير الثورات الشعبيةَ : عن تاريخ الحكومات التونسية و لعنة "جانفي"




من وحي أساطير الثورات الشعبيةَ :


عن تاريخ الحكومات التونسية و لعنة "جانفي" 

يقال- واللَه اعلم- أنَه في قديم الزمان، نزل ببلاد إفريقيَة، و التي تعرف اليوم باسم "تونس" ، عجوز هرم، صيته في البلاد كبير.. ومقامه عند الناس وثير..
برز بين الناس في ثياب الواعظين و أفتى بينهم في إصلاح أمور المفسدين.. حتى بايعوه، مضطرين غير باغين، خوفا من قهر قوم منافقين.. الا أنهم سرعان ما اكتشفوا دهاءه و ابتذال أقواله  فأصبحوا في اختياره نادمين..
ويذكر انَه  ذات يوم شعر بقرب المنيَة، فنادى لإبن شادلية..(نسبة لسلالة أبي الحسن الشادلي) قال له: " يا بنيَ، إني أمَنتك و ذريَتك على العرش.. فلا تموتنَ الا وانتم حاكمين، وانَي قد اصطفيت من آل بيتي من هم لسلطانك خاضعين، فاسأل الشاهد يفتك فيم أنتم فاعلين.. و احذر لعنة "جانفي" فإنها تثير سخط الرعيَة و تكسي طباعهم بالثوريَة فينقلبوا على الديمقراطيَة.. و احذر حريَة التعبير فإنها من سوء التدبير، واقمع كلَ من أراد بك سوءا و ارمه وراء القضبان و أذقه من العذاب و الهوان.. حتى يخرَ لك ساجدا.. و يقف بين يديك صاغرا.. ويمدحك بأعذب الكلام و يخرس عنك أفواه اللئام.."
إلا أنَ ابنه لم يكن حافظا للوصيَة.. فلحقته لعنة الثوريَة.. وانتهى و ذريَته نسيا منسيَا..
هذا ما كان من أحوال حكَام البلاد في سنوات الظلم و الاستبداد.. وما ورد في أساطير الأولين عن جور الحكام الظالمين..
وفي لعنة "جانفي" بحث الدارسون واكتشفوا أنَها تاريخ معلوم ، و كما قال العلامة ابن خلدون "التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار و في باطنه نظر و تحقيق"
فاعتبروا يا أولي الألباب و اتَقوا شرَ من أمَنتم على ثوراتكم..

"جانفي" في التاريخ التونسي: من الإقلاع إلى  الإقتلاع.

هو أولَ أشهر السنة الميلادية، و بداية تغييرات جذريَة حررت البلاد التونسيَة من سياسات مزريَة و كشفت ما يحمله المواطنون من نزعة ثوريَة أتت على الاستبداد و الظلم و الانتهاكات السياسيَة.

معركة التحرير : 18 جانفي 1952

هي بداية المقاومة التونسية المسلحة ضد الفرنسيين من خلال عمليات فدائية جريئة انطلقت من جنوب تونس وفي منطقة قابس خاصة، و ردَت السلطات الفرنسية على نشاط حركة المقاومة الوطنية بتكوين عصابة إجرامية من المعمرين الفرنسيين سمَيت "اليد الحمراء" حيث عهدت لها مهمَة ملاحقة الوطنيين واغتيال قياداتهم تحت حماية الشرطة والجيش الفرنسيين. الَا انَ  حركة المقاومة الوطنية قامت بنسف مقر هذه العصابة في العاصمة التونسية ، وتدمير ثكنة للجيش الفرنسي في صفاقس ونسف محطة الكهرباء في المدينة نفسها. كما هاجمت قوات المقاومة قطاراً يحمل الجنود الفرنسيين من مدينة قفصة الى مدينة الملتوي ، وقطاراً آخر اجتاز الحدود بين تونس والجزائر. 
وفي يوم 2 جانفي 1952 عاد الزعيم الحبيب بورقيبة من فرنسا وأدلى بتصريحات أعلن فيها سحب التونسيين ثقتهم من الحكومة الفرنسية، وألقى يوم 10 جانفي خطابا في اجتماع عام" بالحلفاوين" نبّه فيه الشعب التونسي إلى خطورة الموقف وما يقتضيه من صمود..
و في 11 جانفي وصل المقيم العام الجديد «دي هوتكلوك» إلـى تونس على متن باخرة حربيـــة ترهيبا للتونسيين.
ويوم 13 جانفي خطب الزعيم الحبيب بورقيبة ببنزرت محللا مراحل القضية الوطنية ومنذرا باندلاع «معركة ضاربة». وفي نفس اليوم قدمت تونس شكوى إلى مجلس الأمن الدولي
يوم 16 جانفي حجرت السلط الفرنسية انعقاد مؤتمر الحزب وأحيلت مجموعة من المعتقلين إلى بنزرت لمحاكمتهم أمام المحكمة الزجرية الفرنسية، وما إن علم أهالي بنزرت بوصول المعتقلين حتى شنّوا اضرابا عاما تواصل كامل اليوم وانتظمت مظاهرة شعبية احتجاجية في مدينة ماطر.
ويوم 17 جانفي خرجت في بنزرت مظاهرة شعبية لتسليم احتجاج إلى ممثل السلطة الجهوية فاعترضتها الشرطة والجندرمة بالطلقات النارية مما تسبب في جرح ثلاثين تونسيا.
يوم 18 جانفي، مع الفجر، ألقي القبض على الزعيم الحبيب بورقيبة وتم إبعاده إلى طبرقة ومعه مدير الحزب المنجي سليم..
وللتذَكير، فقد تورَطت عصابة اليد الحمراء الفرنسية  باغتيال فرحات حشاد، السكرتير العام للاتحاد العام التونسي للشغل ، في 5 ديسمبر 1952 ، مما زاد في زخم المقاومة المسلحة واشتعال لهيب الثورة. 
و ردَا على حادثة الإغتيال، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل الاضراب العام في البلاد وتضاعفت هجمات المقاومين على الأهداف الفرنسية ، وأحرقوا ثماني ثكنات عسكرية فرنسية في شمال البلاد وثلاث ثكنات في جنوبها ، ودمروا اثنتي عشرة سيارة. واندلعت المظاهرات والمجابهة مع القوات الفرنسية في تونس العاصمة وصفاقس وقفصة استشهد فيها العديد من التونسيين.
واشترك في الصدامات التي جرت في المدن التونسية الرئيسية مثل العاصمة وبنزرت والحمامات والقيروان وسوسة وصفاقس جميع شرائح المجتمع التونسي من عمال وطلبة و نساء.
وكان  لطلبة جامع الزيتونة دور مهم في هذه الحركة: إذ كان جامع الزيتونة ملتقى للتجمعات الشعبية الكبيرة ، ومنطلقاً للمظاهرات التي كانت تنتهي بالصدام الدموي مع القوات الاستعمارية.
وتطورت هذه الصدامات الدامية الى العمل الفدائي المنظم في مجموعات مسلحة صغيرة العدد. وكانت البداية في مدينة بنزرت. وتوسعت حركة المقاومة و اتخذت عدة اساليب للدفاع عن ارضها سواء بقطع أسلاك الهاتف  أوالهجوم على الثكنات العسكرية وعلى القوافل العسكرية ، وتدمير السكك الحديدية والجسور والطرق ، ونصب الكمائن لدوريات الحرس والجيش الفرنسي. 
وفي 31 جويلية 1954 زار منديس فرانس Mendes France رئيس الحكومة الفرنسية ، تونس وعرض على قيادة الحزب الدستوري الجديد الحكم الذاتي ، فقبلت بهذا العرض. وتألفت وزارة في تونس برئاسة الطاهر بن عمار اشترك فيها ثلاثة من قادة الحزب الدستوري. ووجه المقيم العام الفرنسي في تونس دولاتور de la Tour نداء الى المقاومين لإلقاء السلاح وتسليمه للسلطات الفرنسية ، غير أن المقاومين لم يستجيبوا لهذا النداء ، واستمر القتال بعد تشكيل الحكومة التونسية الجديدة. 
ونشأ خلاف بين رئيس الحزب الدستوري الحبيب بورقيبة والأمين العام للحزب صالح بن يوسف حول تسليم الأسلحة قبل بدء المفاوضات التونسية - الفرنسية حول مستقبل البلاد. 
فبينما طالب بورقيبة بتسليم السلاح والتخلي عن الكفاح المسلح ، رفض ابن يوسف تسليم السلاح قبل معرفة مصير تونس بعد هذه المفاوضات. وأسفرت المفاوضات بين الحكومة التونسية وفرنسا عن إبرام اتفاقية الاستقلال الذاتي في 3 جوان,1955 لم يطل الاستقلال الذاتي إذ أبرمت اتفاقية استقلال تونس في 20 مارس 1956.

الخميس الأسود: 26 جانفي 1978

هو صفحة قاتمة في تاريخ تونس، وتاريخ حكم بورقيبة، فبعد فشل تجربة التعاضد التي شهدتها الستينات، عرفت تونس في السّبعينات أزمات الاقتصاديّة و الاجتماعيّة بلغت منتهاها في 1978 إثر بلوغ المفاوضات بين حكومة الهادي نويرة و الاتّحاد العامّ التونسي للشغل إلى طريق مسدود ، و ممّا زاد الوضع تأزّما تنامي وعي الشغالين بحقوقهم وإيمان النّخب المثقّفة بمشروعيّة النضال و اضطلاع الجامعة بدور الرّيادة من جهة أخرى.
ومثَل إيقاف الكاتب العامّ للاتّحاد الجهوي بصفاقس عبد الرزّاق غربال يوم 24 جانفي مصدر استهجان للنقابيين و  في يوم الخميس 26 جانفي دعا "الحبيب عاشور" في اجتماع عامّ بساحة محمّد علي إلى الإضراب العامّ . و اندلعت مواجهات عنيفة بين المجتمعين و بين قوات الأمن التي طوّقت مقرّ الاتّحاد و على إثر ذلك انطلقت مظاهرات و أعمال عنف و تحرّكات احتجاج عارمة في كامل العاصمة التي سجّلت انفلاتا أمنيّا غير مسبوق .  وعند السّاعة الثانية من ظهر نفس اليوم أعلن بورقيبة حالة الطّوارئ في البلاد و حضرا للجولان في تونس و أحوازها لم يُرفَع إلاّ في 20 مارس .
كانت حصيلة أحداث الخميس الأسود مثول 500 شخص للمحاكمة بتهمة التحريض و التآمر على النّظام و تراوحت الأحكام من ستّة أشهر إلى عشر سنوات أشغال شاقّة صدرت في حقّ الحبيب عاشور و عبد الرزّاق غربال و 40 نقابي من تونس المدينة ، 39 نقابي من صفاقس ، 101 نقابي من سوسة (المصدر yatounes.blogspot.com)

 انتفاضة الخبز: 3 جانفي 1984

على إثر قرار حكومي في أواخر ديسمبر 1983 بالرفع بـ70% من ثمن العجين ومضاعفة ثمن الخبز، كان سيدخل طي التطبيق في أول جانفي 1984، عمت مدن الجنوب التونسي: قبلي ودوز وسوق الأحد والحامة وقابس وقفصة… سلسلة من المظاهرات والمصادمات مع أجهزة السلطة الأمنية احتجاجا على الزيادات الحاصلة وتعبيرا عن عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تتخبط فيها البلاد والتي تعمقت مع اختيارات محمد مزالي "الانفتاحية". وما إن وصل صدى تلك التحركات الأحياء الفقيرة في تونس العاصمة حتى عرفت شوارع العاصمة وأحوازها يوم 3 جانفي 1984 أكبر المظاهرات وأعنفها حيث هاجمت الحشود الغاضبة كل رموز السلطة البورقيبية وكل مظاهر الغنى الاجتماعي. فحُرقت وكُسرت مقرات حزب الدستور ومراكز الشرطة والمغازات والبنوك والمباني الفاخرة. ووجد الجزء الأكبر من طبقات المجتمع وفئاته وعلى رأسهم المهمشون الفرصة مواتية للتعبير عن رفضهم لسياسة الإقصاء والتهميش التي تفرض عليهم إبان الحكم البورقيبي حتى وإن مس رد فعلهم محطات النقل والسيارات الخاصة والمحلات التجارية. 
وكالعادة كان رد فعل السلطة قمعيا وعنيفا حيث أُعلنت حالة الطوارئ يوم 3 جانفي وسرى منع التجوّل وأُغلقت المعاهد والجامعات وأسرع الجيش لنجدة بورقيبة. ورغم إعلان محمد مزالي الوزير الأول آنذاك في اليوم نفسه عن تراجع الحكومة في قرار الترفيع السابق فإن التحركــات والمصادمات ظلت متواصلة إلى أن أعلن بورقيبة يوم 6 جانفي 1984 على إرجاع الأسعار إلى ما كانت عليه (نرجعو كيفْ ما كنا). وخلفت أحداث الثمانية أيام 84 قتيلا وأكثر من 900 جريح طبق المصادر الرسمية، ومئات من القتلى وآلاف الجرحى حسب مصادر غير رسمية. وقد استغلت السلطة المناسبة لتقوم بسلسلة كبيرة من الاعتقالات في صفوف المنتفضين بالموازاة مع اعتقالات واسعة في صفوف النقابيين والناشطين اليساريين والإسلاميين أعقبتها عشرات المحاكمات فيها عشرة بالإعدام أعفى عنهم في 19 جوان 1984 وعُوّضت أحكامهم بالمؤبد، في حين رُفعت حالة الطوارئ في 25 جانفي 1984. 
ولم تغير أحداث جانفي 1984 من سلوك السلطة التي لم تعمد إلا إلى إعفاء "دريس قيقة" وزير الداخلية آنذاك من مهامه يوم 8 جانفي 1984 في حين رفعت في فيفري 1984 بـ10% من سعر الحبوب.
ذلك أنها تعلمت أن الترفيع المفاجئ في سعر المواد الأساسية لا يمكن أن يُنتج إلا ردود فعل عنيفة وغير متوقعة لذلك حرصت على الزيادات الطفيفة والدورية.
فخفضت في 12 أوت 1989 من وزن الخبزة من 600 إلى 500غ وزادت 10مليمات في ثمن "الباقات"، ورفعت قليلا في أثمان الزيت والسكر والحبوب ومشتقات الحليب في حين أقرت زيادة بين 5و10% في أسعار بعض المواد الكمالية والمشروبات الكحولية. وهي اليوم تعتمد سياسة التلاعب الذكي في زيادة الأسعار مخافة الاصطدام الفوري بغضب الجماهير الكادحة.

ثورة صاحب "البرويطة" : 14 جانفي 2011

الثورة التي قامت اثر محرقة البوعزيزي صاحب البرويطة بسبب صفعة شرطيَة، كردَة فعل أنثوية على عبارات لا أخلاقية، عند قيامها بما تمليه واجباتها المهنيَة.. فكانت النتيجة كارثيَة و احترق البوعزيزي مخلَفا بطولة وهميَة استغلَها السَاسة للاستحواذ على النفوذ باسم الوطنيَة و الدفاع عن الحريَة و طبقة "الزوَاولية".
هكذا هي أسطورة الثورات.. يصنعها الشرفاء و يستغلَها الأغنياء..
أما ثورة الياسمين، فقد صنعها شباب تعساء ، فوَتوا فيها لشيوخ ذوي مكر دهاء، تشاركوا في جني قطافها و ألبسوها حلل الرَدى.. فانتهينا نبكي شهداء منسيين، و نتحسَر على أيَام "الزَين" و ننظر إلى الظلم ينهش لحوم الثوريين و المفكَرين، و ندافع عما تبقى من حريَة التعبير.. بأقلام أبت أن تستسلم للمفسدين.. خلافا لما انتهجه ثلَة من الإعلاميين المقرَبين من بلاط الباجي و حاشيته المتغوَلين.
هم مثلما قال أحمد مطر:
"قد أنسوكم كل التاريخ وكل القيم العلوية .. أسفي أن تخرج أجيالٌ لا تفهم معنى الحرية .. لا تملك سيفاً أو قلماً لا تحمل فكراً وهوية."
 آمنة السعيدي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire