lundi 2 janvier 2017

يوميات معتقل من سجن المرناقية: قد ماتت حقوق الإنسان، يوم حكمنا الباجي



يوميات معتقل من سجن المرناقية:
قد ماتت حقوق الإنسان، يوم حكمنا الباجي

 كانت أيام السجن تمر متثاقلة، لان السجن ليس سياحة، انه فضاء احتجاز وقتل لإنسانية الإنسان، والسجان وهو يعمل، يرتدي لباس الموظف، انه يعتقد في قرارة نفسه انه يقوم بوظيفة في مجتمعه، هذا صحيح، انه موظف من بين موظفي الدولة غير انه في الحقيقة ينجز وظيفة قمعية تمارسها الدولة ضد الخارجين عن قوانينها... لان القانون ليس سوى تلك التشريعات والنصوص التي  وضعتها الجماعة الإنسانية، تلك الجماعة التي اتفقت على فكرة ما أو قيمة معينة... ومن خرج عن تلك القيمة أو ذلك المبدأ فان الدولة تعاقبه بالاحتجاز.
  فالقاتل يسجن لأنه قتل نفسا بشرية... والسارق يحبس لأنه افتك أموال غيره... أما أنا فإنني مسجون لأنني سرقت فكرة من مخبئها ونشرتها إلى العلن... أنا محتجز بأمر القانون ذاك الذي اتفقت عليه الجماعة التي أعيش معها... اعتقلوني لأنني متهم بالمس من سمعة الجيش والحط من معنوياته... وهي تهمة تقترب من الاتهام بالخيانة.
 لست اعلم أنني أخون وطني... وما دار بخلدي يوما أن أتهم بضرب معنويات الجند... أنا دافعت كثيرا في كتاباتي عن أولئك الجنود المقاتلة الذين اصطفوا مع شعبهم ضد الطاغية بن علي... قدموا درسا في الوطنية ونكران الذات لكل السياسيين المنافقين... خرجت قوات الجيش لتحمي الديار والعباد... وقدمت الدرس مرة أخرى لطبقة سياسية انتهازية حتى النخاع... وكان بإمكان العسكر أن يتأخر في تسليم السياسيين وطننا.
 رشيد عمار لم يكن مغامرا وقد خرج من الباب الصغير، كان في بدايات الانتفاضة الشعبية الشخصية الأقوى والرجل الذي يحترمه التونسيون ويهابه الجميع... إلا أنه كان بلا طموحات سياسية... كان بإمكانه أن يستمر في الحكم وان يقود المرحلة الانتقالية بطريقة أفضل... وان يساهم في تأسيس الديمقراطية الحقيقية... ارتكب الرجل أخطاء لأنه لم يوسع من دائرة نفوذ الجيش... فعاد الجيش إلى ثكناته وانقطع دوره عن السياسة.
 وكنت اعتقد أن الرئيس السابق المرزوقي قد ارتكب أخطاء كثيرة... وكنت معارضا له... وفي مراجعاتي بالسجن تأكد عندي أنني أخطأت في حق الرجل... لأنه كان حقوقيا حتى النخاع رغم أخطائه فانه كان رحب الصدر يقبل النقد والسب والشتم... الرجل أراد أن يلتزم بقيم الإنسانية غير أن الإعلام انخرط في لعبة قذرة لتشويهه... أقول قول الحق، المرزوقي كان فوق المؤامرات، كان طاهرا في السياسة... في حين أن الباجي داهية يمارس خبث السياسة... كونوا لوبي في الإعلامي لمواجهة المرزوقي... ونجحوا في محاصرته وتشويهه وإلغائه من المشهد السياسي... أنا كنت أعارضه عن قناعة... اتصلوا بي لحثي على الإساءة إلى الرجل .... كان شريفا رغم أخطائه.
 وكان من أخطاء المرزوقي القاتلة انه ترك الجيش بلا زعامة عسكرية... هو الذي أزاح رشيد عمار ثم الجنرال الحامدي... وغير وبدل ... لأنه لم يكن عارفا بدقة لتفاصيل المؤسسة العسكرية... كان مستشاره يتحرك بمنطق جهويات لذلك خرج المرزوقي من الحكم وقد أفقد الجيش كل تأثير في السياسة... وجاء السبسي، فوجد العسكر خاضعا مطيعا كما كان قبل الثورة.

 تأخذني أفكاري دائما إلى عوالم السياسة، أنا أتنفس سياسة، اعرف كثيرا من خباياها لذلك اختصصت في قضايا الفساد... وقد نشرت كثيرا من الملفات الحارقة بوثائقها في جميع القطاعات الاقتصادية... كانت ملفات الديوانة بداياتي في العمل الاستقصائي.... هذه الإدارة التي تراكمت فيها أعمال الفساد طيلة عقود من زمن بورقيبة إلى زمننا هذا... الكل يعترف بذلك... أحيانا كثيرة ترى عونا من أعوان الديوان ة يمتلك سيارة من آخر طراز، ويمتلك بيتا فاخرا ورصيدا بنكيا وينفق انفاق الأغنياء ... ثم تتساءل من أين له هذا ؟... وصلتني ملفات بتفاصيلها نشرتها... فضحت الفساد الحقيقي ثم قدم إلي جمع غفير من شرفاء الوطن في المالية والصناعة والتجارة وأملاك الدولة والبنوك والتامين...جاؤوني بمافت الفساد الحقيقي ذاك الذي يخيف ويتهدد الناس.
 تهت مع تلك الملفات... كانت المكالمات تردني صباح مساء حتى صار مستحيلا أن أجيب عن تلك الاتصالات... وكبر مشروع الاستقصاء... وصار الناس يهابون مجرد التلفظ باسم الثورة نيوز... لا يخافها إلا الفاسدون... أما الأحرار والشرفاء فإنهم وجدوا فيها ضالتهم ... ما يخافون قوله تنشره الثورة نيوز بجرأة وإصرار... هم إلى اليوم يحاربونها لأنهم يريدون إسكات صوت الاستقصاء عن مواضع الفساد في جسم الدولة.
 هل تعتقدون أن محاربة الفساد تكون بالجولان من إذاعة إلى أخرى ومن قناة إلى أخرى... مثلما يفعل الدجال شوقي طبيب... الاستقصاء عمل سري يشبه عمل الاستعلام والاستخبار... صاحبنا الطبيب وهو لا يساوي ممرضا... أنا أشاهده من السجن في كل يوم في القناة الوطنية وفي الحوار التونسي والتاسعة ونسمة... الرجل يظن أن الاستقصاء عن الفساد يتم بعقد الندوات وإنفاق الأموال... هذا كذب يفعله كذاب.
 شوقي طبيب يريد منصبا في السلطة ، هو طامح إلى السلطة... وهو يعتقد انه جدير بذلك... وهو يرى أنني عدوه الأول... لأنني كشفت بعضا من أعماله غير القانونية... الرجل يحترف السمسرة في العقارات... وهو يتدخل لأصدقائه لقضاء شؤونهم... وقد وسع من دائرة علاقاته بشكل مطرد خاصة لدى اللوبيات المالية...الرجل قضّى الآن قرابة سنة رئيسا لهيئة مكافحة الفساد، هل سمعتم يوما أن احد حيتان الفساد الضخمة أحالها المدعو شوقي إلى القضاء.
 انه يطارد بعض الموظفين الصغار يحيلهم إلى القضاء في فخر وخيلاء أما كبار اللصوص فإنهم يغض عنهم الطرف لغرض في نفس يعقوب.
 في السجن فكرت طويلا في تلك الجبهة التي تحالفت ضدي... إنها جبهة من المتآمرين والمفسدين بقيادة كمال اللطيف... هذا الرجل الخطير انه يعمل بدعم مباشر من السفارة الامريكية ... طلب مقابلتي ذات يوم ذهبت إلى مكتبه في سكرة... الرجل مهووس بالسلطة... وترى أعيان السياسيين ورجال الأعمال تقف على باب مكتبه تطلب المبايعة... اعرفهم فردا فردا... أنا كنت مستقلا بذاتي... لذلك حاربني... كان يتوهم انه بالإمكان تدجيني مثل بقية الدجاج.
 خبرني يوما أن الدار التي يسكنها بناها له أبوه رحمه الله... وان أباه قد بنى دارا للسفير الأمريكي تقع خلف داره... قصران متحاذيان... قال لي:" أنا محمي الظهر... أتعلم أن سفير أمريكا يحمي ظهري."... كان الرجل دعيا إلا انه عارف بخبايا السياسة ... طلبني أشهرا قبل اعتقالي وطلب مني أن أكف قلمي عن شوقي طبيب.... وقال لي حرفيا:" شوقي متاعنا.... هذا حليفنا... وبه سنضرب جزءا من أعدائنا... طبعا رفضت... وكنت اعلم أنني أواجه مافيا سياسية ومالية... وكان بن تيشة مجرد غلام يشبه سنبل آغا، زرعه كمال اللطيف في القصر، وحتى صاحب جريدة آخر خبر، انه شاوش لدى الخطير اللطيف... الباجي صديق اللطيف وهو الذي اقترحه وزيرا أول بعد هروب بن علي.... السبسي كان كثيرا الزيارة للطيف في داره، وأحيانا كان يمارس فنه المفضل القيلولة في دار صديقه اللطيف.
 كنت بعد الثورة قد أعلنت الحرب ضد لوبي كمال اللطيف... ثم عرض علي هدنة وان نكون أصدقاء... سايرته أياما غير أنني اكتشفت أن الرجل يمارس السياسة بلا أخلاق ولا وطنية، انه ينفذ سياسات الدول الاستعمارية القديمة تلك التي تخترق جسم الدولة... اكتشفت ان الرجل ماسوني... وهو يتبجح بذلك... درست طويلا عن الماسونية كانت ذراعا للصهيونية، بل هي احد اكبر داعميها بالأموال وبتوفير لها أرضية خصبة لممارسة النفوذ والسلطة في كل أصقاع العالم... أحيانا ينتابني شك أن الرجل يشتغل لفائدة مخابرات أجنبية... هكذا ساورني الشك... انه يتحرك في السياسة بدعم خارجي مذهل... لقد حمته تلك القوى حين أراد قاضي التحقيق أن يعتقله في بيته... تدخل السفير الأمريكي واتصل براشد الغنوشي الذي طبق التعليمات في الحين وأمر البحيري بترك الرجل وشانه...حين علمت انه ماسوني انتابني شك أن الرجل عميل للموساد... هذا حدسي... قررت أن ابتعد عنه.
 انفصلت عنه... حاول الإيقاع بيني وبين شفيق الجراية.... اتصل بي شفيق الجراية ... كان رجلا مثقفا رغم انه لم يدرس في مدارسنا... كان يحسن اختيار خاصته من الناس.... الجراية كان يخشى اللطيف، يهادنه أحيانا وأحيانا يتمرد ضده.... انه يريد أن يكون مستقلا مثلي... قوة اللطيف انه يمسك بخيوط لعبة الإعلام؟... اغلب الإعلاميين خاضعون إليه، يؤدون فروض الطاعة لرجل الظل القوي والخطير.... كلهم تبع له يتحركون بتعليماته... هذه الحقيقة.
 كان يتصل بي وهو يعلم أنني لست تبعا له... يريد دائما أن يترك إمكانية للتواصل... وكنت اعلم انه يقود الصراع ضد الثورة نيوز... إنها خيوط متشابكة في السياسة والإعلام.
 طويت أفكاري في السجن، أحيانا كنت اشتاق إلى الانترنات... هو ممنوع داخل السجن لان السجين مقطوع عن التواصل بالعالم... داخل الحبس تعاطف معي كل أعوان السجن خاصة بعد صدور الحكم العسكري القاسي... 9 أشهر سجنا لأجل مقالة صحفية... تأكد الجميع أن كل الشائعات التي بثتها مافيا السياسة الغالبة على الحكم ليست سوى أكاذيب وإشاعات مغرضة... كنت أعاقب بالسجن لأنني وصلت إلى معلومات تتعلق بأكبر صفقات الفساد.
هل يمكن لي أن أتوقف عن الاستقصاء ؟
 هذا لن يكون... سوف استمر بعزم اكبر... أنا لا أخاف سوى الله.... لا أخاف لا السبسي ولا الغنوشي... أنا الآن في سن 52... خبرت من الحياة ما خبرت... وعرفت ما عرفت... صرت مقتنعا بان العالم العربي عالم فاشل لان أزمته العميقة إنما تكمن في بؤس نخبته السياسية منذ مائتي عام... هي نخبة فاشلة وكاذبة وبلا أخلاق... عالم عربي محطم ومدمر... نخبته باعت ذممها إلى القوى الاستعمارية ولا زالت.
 الاستعمار دخل إلى تونس والجزائر والمغرب ومصر والعراق والشام والحجاز... بتواطؤ من نخبته السياسية.
 إسرائيل هذه الدولة المزروعة في أعماقنا هي صنيعة العرب قبل ان تكون صنيعة القوى الاستعمارية... تونس ليست جنة كما يسوق للناس.... إنها تكاد تكون احد أقاليم فرنسا الاستعمارية القديمة... من يقرأ التاريخ المعاصر بعمق يدرك أن فرنسا قد دخلت عصر الانحطاط ... بل أوروبا بأكملها في انحطاط... أمريكا ستدخل عصر الانحطاط قريبا وسوف تترك صدارة العالم قريبا لفائدة الصين ذلك الغول القادم من الشرق.
  ساستنا من الدهماء والبهائم ما زالوا ينظرون إلى العالم بعيون فرنسية... لذلك بقينا تحت سلطة المقيم العام الفرنسي بتونس... السيد السفير الفرنساوي... مازال يحكمنا.
 وساستنا قد تربوا على أداء فروض الطاعة والولاء للأجنبي... حتى إنهم يحجون في كل مناسبة إلى السفارة الأمريكية تمتينا للعلاقات بين الدولتين.
 هذا مضحك، أمريكا لا تنظر إلى تونس إلا من خلال مصالحها الحيوية في البحر المتوسط... هذا مجال للناتو وللأسطول السادس الأمريكي ... هي تقيس العلاقات بمقدار الخضوع... دمروا ليبيا لان القذافي كان رجلا وطنيا ... ودمروا العراق لان صدام وطني... ودمروا سوريا لأنها تدعم المقاومة حزب الله وحماس.
 أما تونس فان نخبتها السياسية نخبة خاضعة للقوى الدولية... إنهم بلا طموحات لا يبيعون للشعب البائس سوى الكذب والنفاق.
 وردني أن شوقي الطبيب عراب الفساد في وطني قد اتصل هو وصاحب جريدة اخر خبر بأحد الإعلاميين المعروفين، وحرضاه من اجل تقديم قضية ضدي في ما نشرته بخصوصه من اخبار... كنت اعلم أن عصابة السوء تريد أن تشكل ملفات قضائية لترهيبي من جهة أو لإخضاعي من جهة أخرى حتى تخلو لها ملفات الفساد.
 الفساد عندهم هو حماية لكبار الفاسدين والتضحية بصغارهم... هذه العصابة سوف يحاكمها الشعب قريبا... ساعتهم قد أزفت... الجميع بدأ يفهم أن كل  ما قيل لهم قبل الانتخابات هو مجرد بيع للوهم.... خاصة عصابة الإعلام المأجور... أنا أعرفهم يتحركون مثل قطعان ذئاب جائعة يبيعون ذممهم للسيد الحاكم بأمره.
 وأنا في السجن قررت أن اكشف ملفا آخر خطيرا يتعلق بدور اللوبيات اليهودية في صناعة السياسة التونسية... أنا أكن لليهود كل احترام هؤلاء أبناء عمومتنا... هم أحفاد ابراهيم ونحن أحفاد ابراهيم... غير أن الديانة شيء والتاريخ والسياسة شيء آخر.
 وكان بعض أصدقائي من اليهود، أجالسهم ويجالسونني غير أنني أعلم أنهم يميلون في عواطفهم إلى إسرائيل وأنا أميل إلى فلسطين... تلك قواعد العاطفة والذاتية ... الانتماء يحدد المواقف ... لا يمكنني حين اسمع باغتيال محمد الزواري أن أتعاطف مع القتلة... بل لا يمكنني أن أرى طفلا فلسطينيا يقتل ثم أتضامن مع إسرائيلي.
 لذلك رأيت أن افكك نسيج السياسة المعقد والمتداخل... بكشف القناع عن ملفات اللوبي اليهودي في تونس.
 هناك في السجن صارت الرطوبة عالية والبرودة تشعر بها في كل مكان... فالغرفة فيها فوهة في أعلاها للتهوئة... والفوهة أشبه بالنافذة تظل طول الليل تنفخ نسمات باردة تتسرب إلى عظام الجسم... أنا كنت أعاني من الروماتيزم .... تحرك مرة أخرى في ركبتي... صارت ألام البرد تشتد وتخفت... برد المفاصل صار مؤذيا ومقلقا لراحتي... جاءني الطبيب فحصني... الدواء في السجن منقوص... ككل ادارت الدولة ... طلبت دواء من الخارج ... اشترته العائلة... هذا البرد يبحث عن مسكنات... برد المفاصل بلا دواء.
 كنت أفكر بعمق في التحضير للاستئناف... هو استئناف شكلي... لان القضاء ليس مستقلا خاصة قضاء العسكر... جماعة الشر تريد إسكاتي .. لن اسكت سأظل صوت الحرية العالي... السجن زادني إصرارا على محاربة الفساد... العصابة تعلم ذلك... هم يعرفون أنني سوف استمر متى خرجت إليهم من محبسي... لذلك قاموا مثل كلاب الزبالة يبحثون في الخرابات عن قضية تشغلني أو تعطل سراحي... طلبت من فريق الدفاع الاتصال بمنظمات حقوقية دولية... لأنني اعلم يقينا أن كثيرا من منظماتنا التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان قد انخرطت في لعبة السياسة ولعبة المصالح.
آمنة القلالي مثلا... الحقوقية... كان اخوها قد تورط في الاستيلاء على دراجات كانت هبة لبعض الشباب... الثورة نيوز كشفت جزءا من القضية... الفعل كان ثابتا.
آمنة القلالي لا تريد الدفاع عن حريتي لأنني نشرت خبرا يخص شقيقها.. هي تخلط بين الحقوق والحريات وبين القضايا الشخصية... قد ماتت حقوق الإنسان حين صعد الباجي الى سدة الحكم.
 سجين الرأي رقم 169531 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire